تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: التوحيد فى سورة المدثر

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي التوحيد فى سورة المدثر

    يا أيها المدثر
    قم فأنذر
    وربك فكبر
    وثيابك فطهر
    والرجز فاهجر
    هذه الآيات هي أول ما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم بعد فترة الوحي الأولى .
    والمدَّثر : أصله: (المتدثّر) ثم أدغمت التاء في الدال وشدِّدَت.
    والمدثر هو المتغطي بالدِّثَار وهو لباس يكون فوق الشعار ؛ فالشعار هو اللباس الذي يلي الجسد ، والدّثار لباس فوقه .
    ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (الأنصار شعار والناس دثار) متفق عليه من حديث عبد الله بن زيد رضي الله عنه.
    قال الفراء وأبو معمر وابن قتيبة وابن جرير وغيرهم: المدثر هو المتدثر بثيابه إذا نام.
    وقال إبراهيم النخعي: كان متدثراً بقطيفة.

    قوله: (وَمَعْنَى: {قمْ فَأَنْذِرْ} يُنْذِرُ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلى التَّوْحِيدِ).
    قال ابن جرير: (وقوله:(قُمْ فَأَنْذِرْ) يقول تعالى ذكره لنبيه محمد صلى الله عليه وسلم: قم من نومك فأنذر عذابَ الله قومك الذين أشركوا بالله، وعبدوا غيره).
    والإنذار يكون من العذاب وسببه؛ فالشرك سبب للعذاب، والنار وما يعاقب الله به المشكرين عذاب، ويقع الإنذار من هذا وهذا.

    قوله: ({وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} أَيْ: عَظِّمْهُ بِالتَّوْحِيدِ).
    قال ابن جرير: ({وَرَبَّكَ} يا محمد فعظم بعبادته، والرغبة إليه في حاجاتك دون غيره من الآلهة والأنداد).
    فالتكبير هو التعظيم كما قال الله تعالى: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا}
    قال الشنقيطي: ({وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا} أي: عظمه تعظيماً شديداً، ويظهر تعظيم الله في شدة المحافظة على امتثال أمره واجتناب نهيه، والمسارعة إلى كل ما يرضيه: كقوله تعالى:{ولتكبروا الله عَلَى مَا هَدَاكُمْ} ، ونحوها من الآيات).

    قوله: ({وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أَيْ: طَهِّرْ أَعْمَالَكَ عَنِ الشِّرْكِ).
    هذا أحد الأقوال في تفسير هذه الآية، أن الطهارة فيه معنوية، والعرب تسمي الرجل الذي يتعفف ويتنزه عن المعايب والفواحش والمكاسب المحرمة نقي الثياب، وطاهر الثياب، وطيب الأردان
    ومنه قول امرئ القيس:

    ثِيـابُ بَنـي عَـوفٍ طَهـارى .......نَقِـيَّـةٌ وَأَوجُهُهُم عِندَ المُشاهدِ غِرّان

    كما يسمون الفاجر والغادر والفاحش وآكل السحت دنس الثياب، ومنه قول الشاعر فيما أورده ابن قتيبة:


    لاهمَّ إن عامر بن جهم.......أو ذمَ حجاً في ثياب دُسْمِ

    أوذم : أي عزم .
    والثياب الدسم هي المتسخة .
    وقد روى ابن جرير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله تعالى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} قال: لا تلبسها على معصية ولا على غدرة
    ثم أنشد قول غيلان الثقفي:


    وإني بحمد الله لا ثوب فاجر.......لبست ولا من غدرة أتقنع

    والمقصود أن تطهير الثياب يراد به تطهير النفس من النجاسات المعنوية، وأشدها الشرك.
    قوله: ({وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} الرُّجْزُ: الأَصْنَامُ، وَهَجْرُهَا: تَرْكُهَا وَأَهْلِهَا، وَالبَرَاءَةُ مِنْهَا وَأَهْلِهَا، وَعَدَاوَتُها وَأَهْلِهَا، وَفِرَاقُهَا وَأَهْلِهَا).
    والرّجز: الأوثان، تضم الراء وتكسر، وهما قراءتان.
    وقد قال الله تعالى: {فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ}
    قال ابن المبارك اليزيدي: (الرجز والرجس واحد).
    وقد قيل في اشتقاق هذه العبارة أن هذا الأصل الذي هو الـراء والجيم والزاي (ر ج ز) يفيد الاضطراب, ويفيد المهانة أيضا, فيه معنى الاضطراب وفيه معنى الامتهان, لأن أصل الرجز في اللغة هو داءٌ يصيب أعجاز الإبل فتضطرب منه أي: تتحرك حركة مضطربة
    قال ابن فارس: (الراء والجيم والزاء أصلٌ يدلُّ على اضطرابٍ. من ذلك الرِّجَزُ: داءٌ يصيبُ الإبلَ في أعجازِها، فإذا ثارت النّاقةُ ارتعشَتْ فَخِذاها.
    ومن هذا اشتقاق الرِّجَزِ من الشِّعر؛ لأنه مقطوع مضطرب).
    والشرك فيه اضطراب لأنه على غير قرار ولا يستند لحجة ولا يطمئن قلب صاحبه، بل هو مضطرب في اعتقاده، مضطرب في سلوكه، قال الله تعالى: {وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنَ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ}
    وقال: {وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ}.
    وفيه أيضاً معنى الامتهان: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ}
    ولا يسلم العبد من هذا الاضطراب والامتهان إلا بالتوحيد.
    فإنه بالتوحيد يتطهر ويزكو ويطمئن ، فيكون طيباً مباركاً ثابتاً على يقين وبينة من أمره، يمشي سوياً على صراط مستقيم.[من شرح ثلاثة الاصول للداخل]

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2020
    المشاركات
    362

    افتراضي رد: التوحيد فى سورة المدثر

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة محمدعبداللطيف مشاهدة المشاركة
    التوحيد فى سورة المدثر
    نعم بارك الله فيك
    قال الإمامُ محمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّاب رَحِمَهُ اللهُ:
    (بَعَثَهُ اللهُ بِالنِّذَارَةِ عَنِ الشِّرْكِ، وَبِالدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ(1)، وَالدَّلِيلُ قَوْلُهُ تَعَالَىٰ: ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنذِرْ(2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ(3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ(4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ(5) وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ(6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ(7)(الْمُدَّثِّر).

    وَمَعْنَىٰ: ﴿قُمْ فَأَنذِرْ: يُنْذِرُ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ(8).

    ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ: أَيْ: عَظِّمْهُ بِالتَّوْحِيدِ(9).

    ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ: أَيْ: طَهِّرْ أَعْمَالَكَ عَنِ الشِّرْكِ(10).

    ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ: الرُّجْزُ: الأَصْنَامُ(11)، وَهَجْرُهَا: تَرْكُهَا(12)، وَالْبَرَاءَةُ مِنْهَا وَأَهْلِهَا(13)).
    الشرح
    قال الشيخُ عبدُ الرَّحمٰن بن محمَّد بن قاسم رَحِمَهُ اللهُ:
    "(1) ذَكَرَ الْمُصَنِّفُ -رَحِمَهُ اللهُ- جُمْلَةً مِمَّا يُعْرَفُ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَعْظَمُهَا وَأَعْلَاهَا:
    مَعْرِفَةُ مَا بُعِثَ بِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّه بُعِثَ بِـ:

    النِّذَارَةِ عَنِ الشِّرْكِ.

    وَالدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ.
    وَقَدَّمَ الْمُصَنِّفُ النِّذَارَةَ عَنِ الشِّرْكِ قَبْلَ الدَّعْوَةِ إِلَى التَّوْحِيدِ:
    لِأَنّ هٰذَا مَدْلُولُ كَلِمَةِ التَّوْحِيدِ (لَا إِلٰهَ إلَّا اللهُ).
    وَلَأَنَّ الْآيَةَ الْآتِيَةَ تَقْتَضِي ذٰلِكَ، فَبَدَأَ بِجَانِبِ الشِّرْكِ؛ لِكَوْنِ الْعِبَادَةِ لَا تَصِحُّ مَعَ وُجُودِ الْمُنَافِي، فَلَوْ وُجِدَتْ وَالْمَنَافِي لَهَا مَوْجُودٌ؛ لَمْ تَصِحَّ.
    ثُمَّ ثَنَّىٰ بِالتَّوْحِيدِ؛ لِأَنَّه أَوَجَبُ الْوَاجِبَاتِ، وَلَا يُرْفَعُ عَمَلٌ إلَّا بِهِ.
    قُمْ فَأَنذِرْ(2) هٰذِهِ أَوَّلُ آيَةٍ أُرْسِلَ بِهَا، وَأَوَّلُ أَمْرٍ طَرَقَ سَمْعَهُ فِي حَالِ إِرْسَالِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ, وَذٰلِكَ أَنَّهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا رَأَّى الْمَلَكَ الَّذِي جَاءَهُ بِحِرَاءَ حِيْنَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ ﴿اقْرَأْ؛ رُعِبَ مِنْهُ، فَأَتَىٰ إِلَىٰ أَهْلِهِ فَقَالَ: «دَثِّرُوْنِي»،
    فَأَنْزَلَ اللهُ:
    ﴿يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ

    أَي: الْمُتَدَثِّرُ بِثِيَابِهِ، الْمُتَغَشِّي بِهَا مِنَ الرُّعْبِ الَّذِي حَصَلَ لَهُ مِنْ رُؤْيَةِ الْمَلَكِ عِنْدَ نُزُولِ الْوَحْيِ.

    ﴿قُمْ أَي: مِنْ دِثَارِكَ؛ فَأَنْذِرْهُمْ وَحَذِّرْهُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّكَ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا.
    بِهٰذَا حَصَلَ الْإِرْسَالُ، كَمَا حَصَلَ بالأَوَّلِ النُّبُوَّةُ.

    وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ(3) أَي: عَظِّمْ رَبِّكَ عَمَّا يَقُولُهُ عَبَدَةُ الْأَوْثَانِ.

    وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ(4) أي: نَفْسَكَ طَهِّرْهَا عَنِ الذُّنُوبِ، كَنَّىٰ عَنِ النَّفْسِ بِالثَّوْبِ؛ لِأَنَّهَا تَشْتَمِلُ عَلَيْهِ، وهٰذَا قَوْلُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ التَّفْسِيرِ.

    أَوْ: عَمَلَكَ فَأَصْلِحِ.

    وفُسِّرَ بِغَيْرِ ذٰلِكَ.

    وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ(5) أَي: اتْرُكِ الْأَوْثَانَ وَلَا تَقْرَبْهَا، ﴿وَالرُّجْزَ: الْقَذَرَ، مِثْلُ الرِّجْسِ، قَالَ تَعَالَىٰ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ(الحج: من الآية30)، بَلْ فَسَّرَ الْمُصَنِّفُ هٰذِهِ الْآيَاتِ بِمَا فِيْهِ كِفَايَةٌ.

    وَلَا تَمْنُن تَسْتَكْثِرُ(6) أَي: لَا تُعْطِ مَالَكَ مُصَانَعَةً لِتُعْطَىٰ أَكْثَرَ مِنْهُ.

    أَوْ: لَا تَمْنُنْ عَلَى اللهِ بِعَمَلِكَ فَتَسْتَكْثِرَه ُ.
    أَوْ: لَا يَكثُرْ مِنْ عَمَلِكَ فِي عَيْنِكَ.
    أَوْ: لَا تَضْعُفْ أَنْ تَسْتَكْثِرَ مِنَ الْخَيْرِ.

    وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ(7) أَيْ: عَلَىٰ طَاعَتِهِ وَأَوَامِرِهِ.

    أَوْ عَلَىٰ مَا أُوْذِيْتَ فِي اللهِ.

    وَمَعْنَىٰ: ﴿قُمْ فَأَنذِرْ: يُنْذِرُ عَنِ الشِّرْكِ، وَيَدْعُو إِلَى التَّوْحِيدِ(8) فَإِنَّ الشِّرْكَ أَعْظَمُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ بِهِ، وَلَا يُرْفَعُ مَعَهُ عَمَلٌ. وَالتَّوْحِيدَ أَوْجَبُ الْوَاجِبَاتِ، وَأَوَّلُ دَعْوَةِ الرُّسُلِ مِنْ أَوَّلِهِمْ إِلَىٰ آخِرِهِمْ: ﴿مَا لَكُمْ مِنْ إِلٰهٍ غَيْرُهُ(الأعراف: مِنَ الآية 59).

    فَشَمَّرَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ سَاقِ الْعَزْمِ، وَأَنْذَرَ النَّاسَ، وَعَمَّ وَخَصَّ، وَأُوْذِيَ عَلَىٰ ذٰلِكَ هُوَ وَمَنِ اتَّبَعَهُ.
    وَجَرَىٰ لِلْمُصَنِّفِ -مُجَدِّدِ هٰذِهِ الدَّعْوَةِ رَحِمَهُ اللهُ- نَحْوٌ مِمَّا جَرَىٰ عَلَيْهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ وَأَصْحَابِهِ، وَصَبَرُوا، وَكَانَتْ لَهُمُ الْعَاقِبَةُ، وَأَظْهَرَ اللهُ الدِّيْنَ بَعْدَ دُرُوسِهِ عَلَىٰ يَدَيْهِ وَأتْبَاعِهِ، فَلِلّٰهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ، وَجَزَاهُ اللهُ -وَمَنْ آوَاهُ وَنَصَرَهُ- عَنِ الْإِسْلَامِ وَالْمُسْلِمِيْ نَ أَحْسَنَ الْجَزَاءِ.
    ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ: أَيْ: عَظِّمْهُ بِالتَّوْحِيدِ(9) فَهُوَ سُبْحَانَهُ الْإِلٰهُ الْحَقُّ، لَا نِدَّ لَهُ، وَلَا مِثْلَ لَهُ، فَلَا شَرِيكَ لَهُ فِي إِلٰهِيَّتِهِ، وَلَا فِي رُبُوبِيَّتِهِ، بَلْ هُوَ الْمُسْتَحِقُّ أَنْ يُعْبَدَ وَحْدَهُ لَا يُشْرَكُ مَعَهُ أَحَدٌ فِي عِبَادَتِهِ؛ فَإِنَّ الشِّرْكَ مَعَ كَوْنِهِ أَظْلَمَ الظُّلْمِ؛ فَهُوَ هَضْمٌ لِلْرُّبُوبِيَّ ةِ، وَتَنَقُّصٌ لِلْأُلُوْهِيَّ ةِ, وَسُوءُ ظَنٍّ بِرَبِّ الْعَالَمِينَ.

    ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ: أَيْ: طَهِّرْ أَعْمَالَكَ عَنِ الشِّرْكِ(10) وَهُوَ أَعْظَمُ ذَنْبٍ عُصِيَ اللهُ بِهِ.

    أَوْ: طَهِّرْ نَفْسَكَ مِمَّا يُسْتَقْذَرُ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ.
    ﴿وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ: الرُّجْزُ: الأَصْنَامُ(11) قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ .

    وَيُقَالُ: الشِّرْكُ.

    وَيُقَالُ: الزَّايُ مُنْقَلِبَةٌ عَنِ السِّيْنِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ: ﴿فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثَانِ(الْحَجّ: مِنَ الآية 30).

    وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: اتْرُكِ الْمَآثِمَ، وَالْمَعْنَىٰ: اتْرُكْ كُلَّ مَا أَوْجَبَ الْعَذَابَ مِنَ الْأَقْوَالِ وَالْأَفْعَالِ.

    وَهَجْرُهَا: تَرْكُهَا(12) وَالْإِعْرَاضُ عَنْهَا. وَهَجَرَ الشَّيْءَ يَهْجُرُهُ: صَرَمَهُ وَقَطَعَهُ، وَالْهَجْرُ: ضِدُّ الْوَصْلِ، فَالنَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِتَرْكِ الْأَوْثَانِ وَمُبَاعَدَتِهَ ا وَمُصَارَمَتِهَ ا وَجَمِيعِ الْمَآثِمِ.

    وَالْبَرَاءَةُ مِنْهَا وَأَهْلِهَا(13) قَالَ تَعَالَىٰ عَنِ الْخَلِيلِ: ﴿وَأَعْتَزِلُكُم ْ وَمَا تَدْعُونَ مِنْ دُونَ اللّٰهِ(مريم: مِنَ الآية 48)، ﴿فَلَمَّا اعْتَزَلَهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ مِنْ دُونَ اللّٰهِ(مريم: مِنَ الآية 49)، فَلَا يَتِمُّ تَوْحِيْدُ الْعَبْدِ حَتَّىٰ يَتَبَرَّأَ مِنَ الْكُفْرِ وَأَهْلِ الْكُفْرِ وَيُبَاعِدَهُمْ وَيُنَابِذَهُمْ " اﻫ
    مِن "حاشية ثلاثة الأصول" ص 106 - 109.

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي رد: التوحيد فى سورة المدثر

    شرح قوله: (نبئ باقرأ وأرسل بالمدثر)]
    (نبئ باقرأ) قال جل وعلا: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} كما هو معروف في حديث عائشة المشهور أنها قالت - الذي في أول الصحيح -: (أول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة، فكان لا يرى رؤيا إلا جاءت مثل فلق الصبح ثم حبب إليه الخلاء فكان يتحنث أي يتعبد الليالي ذوات العدد) وساقت خبر إتيانه بالوحي، ورجوعه إلى خديجة، وما حصل في ذلك، فنبئ بإقرأ، جاءه الوحي فقال: ((ما أنا بقارئ، قال: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ)) .
    ظن عليه الصلاة والسلام أن جبريل يريد منه أن يقرأ شيئاً مكتوباً، فقال: ((ما أنا بقارئ)) يعني: لست من أهل القراءة خلافاً، لما قد يُظن أو ما حمل عليه بعضهم أن قوله: ((ما أنا بقارئ)) يعني: لن أقرأ، هولم يرفض هذا الطلب عليه الصلاة والسلام لكن قال: ((ما أنا بقارئ)) يعني: لست بقارئ، لست من أهل القراءة؛ لأنه لا يقرأ ولا يكتب عليه الصلاة والسلام.
    فقال له مرة أخرى : ((اقرأ، قال: ما أنا بقارئ)) ثم جاءه في الأخيرة ككل مرة، فغطه ثم قال: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (1) خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (2) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ (3) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (4)} فنزل بها رسول الله صلى الله عليه وسلم من غار حراء الذي كان يتحنث فيه، يرجف بها فؤاده، حتى أتى خديجة فقص عليها الخبر، فقالت له: (كلا والله لا يخزيك الله أبدا، إنك لتحمل الكل، وتُعين على نوائب الدهر، وتصل الرحم) - أو كما قالت - ثم قالت لورقة بن نوفل ما قاله لها عليه الصلاة والسلام، وقص عليه - عليه الصلاة والسلام- الخبر؛ فقال: (هذا والله هو الناموس الذي كان يأتي موسى) . (الناموس) : يعني الملك، الوحي (الذي كان يأتي موسى، ليتني كنت فيها - يعني في مكة - حياً إذ يُخرجك قومك؛ فقال: ((أو مخرجيَّ هم؟)) قال: لم يأتِ أحدٌ بمثل ما جئت به إلا عودي، فما لبث ورقةُ أن توفي وفتر الوحي). أو كما جاء في الحديث، حديث عائشة المعروف المُخرَّج في الصحيحين، وهو في أوائل صحيح البخاري. نبئ بإقرأ فمكث مدة وهذه المدة فتر فيها الوحي.
    [شرح قوله: (وأرسل بالمدثر) ]
    ثم بعد ذلك أرسل بالمدثر، أنزل الله -جل وعلا- عليه: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ} فصار الواجب هنا الإنذار، والإنذار يكون - كما سيأتي - لقوم وقعوا في شيء ينذرون عنه، فصار هذا علامة على الرسالة {قُمْ فَأَنْذِرْ} أنذر من؟
    جاء مبيناً في الآية الأخرى حيث قال: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} هذه كانت بداية الإرسال وبداية إنذاره عليه الصلاة والسلام. (وأرسل بالمدثر) (أرسل) صار رسولاً بنزول أول سورة المدثر عليه.

    [شرح قوله: (بعثه الله بالنذارة)]
    أوضح الشيخ هنا قال: (بعثه الله بالنَذارة - أو بالنِذارة - عن الشرك، ويدعو إلى التوحيد) : {قُمْ فَأَنْذِرْ} ينذر عن أي شيء ؟ ينذر عن الشرك، يخوف.
    الإنذار: إعلام فيه تخويف عن شيء يمكنُ تداركه، لكن وقت تداركه يطول، بخلاف الإشعار، فهناك عندنا ثلاثة ألفاظ: إعلامٌ، إنذار، إشعار.
    الإعلام: مجرد إيصال العلم، خبر.
    الإنذار: إعلام فيه تخويف، وهناك فترة يمكن تصحيحها.
    الإشعار: إعلام فيه تخويف لكن مدة استدراكه قليلة، كما قال الشاعر:

    أنذرت عَـمـرواً وهــو في مهلٍ=قبل الصباح فقد عصى عمرو

    فدل على أن الإنذار يكون بعده مدة يمكن الاستدراك بها.
    ينذر عن الشرك، أيضاً يخوف من النار، يخوف من عذاب الله، يخوف من سخط الله، كما قال جل وعلا: {فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} فإذاً: الإنذار يكون عن الشرك وعما يكون عقاباً لأهل الشرك من أنواع العقوبات في الدنيا بالهلاك والاستئصال وفي الآخرة بالعذاب والنكال.
    [شرح قوله: (ويدعو إلى التوحيد) ]
    (ويدعو إلى التوحيد) الإنذار والنهي عن الشرك مقدم هنا، قدمه على الدعوة إلى التوحيد، وهذا التقديم هو المفهوم من كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)، وهو المفهوم من قوله تعالى: {قُمْ فَأَنْذِرْ وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} {قُمْ فَأَنْذِرْ} يعني: أنذر عن الشرك {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} كما سيأتي أن معناه: عظمه بالتوحيد.
    فإذاً قال: (بالنذارة عن الشرك ويدعو إلى التوحيد) هو معنى لا إله إلا الله.
    ذكر العلماء أن ثمَّ مناسبة هاهنا، وهي: أن الإنذار عن الشرك هذا فيه تخلية، والدعوة إلى التوحيد تحلية، ومن القواعد المقررة أن التخلية تسبق التحلية، لهذا النهي عن الشرك، والإنذار عن الشرك، إخراج لكل ما يتعلق به القلب، كأنه قال: لا يتعلق القلب بأي أحدٍ من هذه الآلهة، ثم إذا خلا القلب من التعلق بأحدٍ أمره بأن يتعلق بالله -جل وعلا- وحده دون ما سواه.
    [شرح قوله: والدليل قوله تعالى {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ قُمْ فَأَنْذِرْ} ]
    قال هنا : (والدليل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ} ) المدثر: هو المتغطي المتدثر بأغطيته وأكسيته وملابسه أونحو ذلك.
    {قُمْ فَأَنْذِرْ} : قال الشيخ رحمه الله: (ومعنى {قُمْ فَأَنْذِرْ} ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد).
    [تفسير قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ}]
    ( {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} أي عظمه بالتوحيد) يعني: أن قوله تعالى: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} معناه: خص ربك بالتكبير؛ لأنه قدم المفعول؛ أصل الكلام: كبِّر ربَّك، فقدم المفعول على العامل فيه، وهو الفعل، فدل على الاختصاص.
    قال: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} قال الشيخ: معنى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} (أي: عظمه بالتوحيد) وهذه - لا شك - من الشيخ - رحمه الله تعالى - من العلم الغزير العظيم الذي يحتاج إلى إيضاح وبسط؛ ذلك: أن التكبير جاء في القرآن، وله خمسة موارد:
    - فتكبير الله جل وعلا يكون بربوبيته، يعني اعتقاد أنه أكبر من كل شيء يُرى أو يُتوهم أو يتصور أنه موجود، هوأكبر من كل شيء في ربوبيته، في ملكه، في تصريفه لأمره، في خلقه، في رزقه، في إحيائه، في إماتته، إلى آخر معاني الربوبية، هذا الأول.
    قال جل وعلا: {وَكَبِّرْهُ تَكْبِيراً} (الله أكبر) يشمل هذا المعنى، ويشمل غيره من معاني التكبير التي ستأتي.
    إذاً: قوله هنا: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} يدخل فيه أولاً: اعتقاد أن الله جل وعلا أكبر من كل شيء في مقتضيات ربوبيته.
    الثاني: أن الله جل وعلا أكبر من كل شيء، باستحقاقه الإلهية والعبادة وحده دون ما سواه، فإن العبادة صرفت لغير الله، فهو جل وعلا أكبر وأعظم وأجل من كل هذه الآلهة التي صرفت لها أنواع من العبادة.
    فتكبير يرجع إلى الربوبية، وهو الأول، وهذا التكبير يرجع إلى استحقاقه للإلهية.
    وتكبيرٌ - وهو الثالث -: باعتقاد؛ كما قال: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} أن ربك أكبر من كل شيء في أسمائه وصفاته، فإنه في أسمائه أكبر من كل ذوي الأسماء، الأشياء لها أسماء، لكن أسماء الله -جل وعلا- أكبر من ذلك، (أكبر) يرجع الكبر هنا لأي شيء ؟
    لما فيها من الحسن والبهاء، والعظمة، والجلال، والجمال، ونحو ذلك، وكذلك في الصفات، فصفاته عُلى، كما قال جل وعلا: {وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ} .
    وقال جل وعلا: {وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى} يعني: له الاسم الأعلى، وله النعت الأعلى.
    وقال جل وعلا: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} .
    وقال جل وعلا: {هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا} ونحو ذلك فهو جل وعلا أكبر من كل شيء في أسمائه وصفاته.
    - كذلك قوله: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} يعني: في قضائه وقدره الكوني، فالله -جل وعلا- في قضائه وقدره الكوني أكبر، يعني: أن قضاءه وقدره له فيه الحكمة البالغة، وأما ما يقضيه ويقدره العباد لأنفسهم، يقدر الأمر بنفسه، ويفعل الأمر لنفسه، فإن هذا يناسب نقص العبد، والله جل وعلا في قضائه وقدره فيما يحدثه في كونه فهو أكبر.
    الأخير: تكبير الله -جل وعلا- في شرعه وأمره.
    قال: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} تدخل فيها هذه الخمسة.
    الأخير يعني: اعتقاد أن الله -جل وعلا- أكبر فيما أمر به ونهى، وفيما أنزله من هذا القرآن العظيم، أكبر وأعظم من كل ما يُشرِّعه العباد، أو يحكم به العباد، أو يأمر العباد به وينهون عنه، ولهذا صارت هذه الكلمة: (الله أكبر) من شعارات المسلمين العظيمة، يدخلون في الصلاة بها، ويرددونها في الصلاة، وهي من الأوامر الأولى التي جاءت للنبي عليه الصلاة والسلام، قال تعالى له: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} إذا لحظت هذه المعاني الخمسة - وكل واحدةٍ منها لها أدلة كثيرة من القرآن، تدبر وأنت تقرأ القرآن الآيات التي فيها ذكر تكبير الله - تجد أن بعضها فيه:
    - ذكر الربوبية.
    - وبعض الآيات فيه ذكر الألوهية.
    - وبعضها فيه ذكر الأسماء والصفات.
    - وبعضها فيه ذكر قضاء الله الكوني - أفعال الله جل وعلا -.
    - وبعضها فيه شرع الله جل وعلا.
    إذا اجتمعت هذه الخمس رأيت أن هذا التفسير من أحسن وأعظم ما يكون.
    قال: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} عظمه بالتوحيد، إذا اجتمعت هذه الخمس في الفهم، صار {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} عظمه بالتوحيد؛ لأن معاني التكبير هي معاني التعظيم، وتلك المتعلَّقات هي التوحيد بأنواعه، فصار تفسير الشيخ هنا لقوله: {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} أي عظمه بالتوحيد، وهو من التفاسير المنقولة عن السلف، صار هاهنا اختياراً مناسباً ملائماً واضح الدِلالة.
    [تفسير قوله تعالى: {إِنَّنِي بَرَاءٌ مِمَّا تَعْبُدُونَ} ]
    قال بعدها: ( {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أي: طهر أعمالك من الشرك) فسر الثياب بالعمل، الثوب أصله في اللغة: ما يثوب إلى صاحبه، يعني ما يرجع إلى صاحبه، سُمي اللباس سواءٌ كان قميصاً، أو إزاراً، أو كان سراويل، أو نحو ذلك، أو كانت عمامة يسمى ثوباً؛ لأنه يرجع إلى صاحبه بالتباسه به حال لُبسه، هذا أصل الثوب، ولهذا يقال للعمل أيضاً: ثوبٌ، وتجمع على ثياب باعتبار أنه يرجع إلى صاحبه، لهذا فسر قوله تعالى هنا: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أي: طهر أعمالك.
    فسر الثياب بالأعمال؛ لأنها راجعةٌ إلى صاحبها باعتبار أصلها اللغوي، أو يقال: إن العمل مشبه بالثوب لملازمته لصاحبه، فالثوب يلازم لابسه، والعمل كذلك يلازم عامله، كما قال جل وعلا: {وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ} الطائر: هو ما يطير عنه من العمل من خير أو شر، أُلْزِمَ به: يعني: صار ملازماً له كملازمة ثوبه له.
    هنا اختار الشيخ أحد التفسيرين المنقولين عن السلف وهو أن معنى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} أي:
    - طهر أعمالك من الشرك.
    - وفسرت بطهر ثيابك من النجاسات.
    وثيابك فطهر هذا التفسير الأعم أنسب ها هنا؛ لأنه يناسب ما قبله وما بعده، فإن ما قبله فيه الإنذار وتعظيم الله بالتوحيد، وما بعده فيه ترك للرجز، وهجر للأصنام، والبراءة منها.
    بقي قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} فاتساق الكلام وكونه جميعاً جاء بمعنى مترابط يقضي بأن يُختار تفسير الثياب بالأعمال؛ لأن ما قبله {قُمْ فَأَنْذِرْ} ينذر عن الشرك ويدعو إلى التوحيد {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} عظمه بالتوحيد {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} ثم قال: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} التي هي الأصنام والأوثان اتركها وتبرأ منها، صار الجميع في البراءة من الشرك، والبعد عن الشرك والنهي عنه، والدعوة والالتزام بالتوحيد، بقي قوله: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} لها تفسيران، تفسير للثياب بالثياب المعروفة؛ ثيابك طهرها من النجاسة، أو ثيابك التي هي الأعمال طهرها من الشرك، فصار الأنسب للسياق أن يفسر: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} بطهر أعمالك من الشرك.
    وهذا مما يعتني به المحققون من المفسرين، أنهم يختارون في التفسير التفسير الذي يناسب السياق، يناسب ما بعده وما قبله، واللغة لها محامل كثيرة، ولهذا اختلف السلف في تفسيراتهم.
    [تفسير قوله تعالى: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} ]
    قال: ( {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} الرجز: الأصنام وهجرها تركها وأهلها والبراءة منها وأهلها) يعني: ترك الأصنام وترك أهلها والبراءة من الأصنام، والبراءة من أهلها، قال: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} الرجز: اسم عام لما يعبد من دون الله، قد يكون صنماً، وقد يكون وثناً، قال هاهنا: (الرجز: الأصنام) يعني أن قوله: {وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ} أي: الأصنامَ اترك، ويلزم من ذلك أن يترك أهلها وأن يتبرأ منها ومن أهلها. (الرجز: الأصنام) الأصنام: جمع صنم، والصنم: اسم لما عُبد من دون الله، مما كان على هيئة صورة، عند كثير من العلماء.
    يعني: الصنم، يكون مصوراً على هيئة صورة، إما صورة كوكب، أو صورة جني، أو صورة شجرة، أو صورة آدمي، أو صورة نبي، أو صورة صالح أو طالح، يعني يكون على هيئة صورة؛ أو صورة حيوان.
    فإذا كان هناك شيء مصنوع على هيئة صورة، إما صورة كوكب، أو صورة شيء مما هو على الأرض مما يعبد من دون الله صار صنماً.
    - فإن كان ما يعبد من دون الله ليس على هيئة صورة صار اسمه الوثن، لهذا قال عليه الصلاة والسلام: ((اللهم لا تجعل قبري وثناً يعبد)) لا يصلح (صنماً يعبد)؛ لأن القبر لا يكون على هيئة مصورة، قال ((وثناً يعبد))؛ لأن الوثن: اسم لما يعبد من دون الله، إذا لم يكن مصوراً على هيئة صورة.
    - قال بعض أهل العلم: (الوثن قد يكون أيضاً على هيئة صورة)، فيكون الصنم ماله صورة، والوثن يشمل ما كان له صورة، وما لم يكن له صورة، وهذا هو القول الثاني.
    فيكون كل صنم وثناً، وليس كل وثنٍ صنماً، وأخذوا هذا من قوله تعالى في سورة العنكبوت قال جل وعلا: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ} مخبراً عن قول إبراهيم لقومه: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً وَتَخْلُقُونَ إِفْكاً} فحصر، قال: {إِنَّمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْثَاناً} قد بين جل وعلا في آيات أُخر أن إبراهيم سألهم عن عبادتهم قال: {مَا تَعْبُدُونَ (70) قَالُوا نَعْبُدُ أَصْنَاماً فَنَظَلُّ لَهَا عَاكِفِينَ}.
    فصار الوثن يشمل الصنم وغير الصنم، فهذا القول أدق وهو الذي أختاره: أن الوثن يشمل الصنم وغير الصنم، يعني: ماله صورة مما عبد من دون الله وما ليس له صورة، وأما الصنم فهو في الغالب ما كان على هيئة صورة.
    قال: (والرجز: الأصنام) ومعلوم أنه إذا نهاه عن عبادة الأصنام فإنه بذلك ينهاه عن عبادة الأوثان؛ لأن العلة فيهما واحدة وهي عبادة غير الله -جل وعلا-، (وهجرها تركها وأهلها، والبراءة منها وأهلها).
    [شرح قوله: (وأخذ على هذا عشر سنين...) ]
    قال: (أخذ على هذا عشر سنين يدعو إلى التوحيد) يعني بذلك: أنه مكث عليه الصلاة والسلام عشر سنين، يدعو قومه، ويدعو عشيرته الأقربين وجوباً؛ لقوله تعالى: {وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ} يدعو إلى التوحيد قبل أن تنزل الفرائض، لم تنزل فريضة الصلاة على هذا النحو، ولا فريضة الزكاة على هذا النحو، ولا سائر التشريعات على هذا النحو، لم تحرم الخمر، ولم يحرم الزنا، ولم يحرم الربا في تلك المدة، وهذا معنى قوله: (أخذ على هذا) ، يعني على الدعوة إلى التوحيد والنهي عن الشرك. (أخذ على هذا) على الإنذار عن الشرك والدعوة إلى التوحيد؛ أخذ (عشر سنين يدعو إلى التوحيد) ، ما كان يدعو فيها إلى الأعمال، لا إلى الصلاة، ولا إلى الزكاة، مع أنه كان له صلاة في ذلك.
    قال كثير من أهل العلم: كانت الصلاة المفروضة في العشر السنين تلك صلاتين في اليوم والليلة:
    أحدها: في إقبال النهار.
    والأخرى: في إقبال الليل.
    يعني: أحدها: الفجر، والثانية: المغرب، وحملوا عليه قوله تعالى في سورة طه: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا}، وكذلك قوله في سورة ق: {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} ونحو ذلك من الآيات، أما الصلوات الخمس فلم تُفرض إلا بعد ذلك
    [ من شرح ثلاثة الاصول للشيخ صالح ال الشيخ]

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •