قال ابن القيم رحمه الله ( (اللهُ... هوَ المَأْلُوهُ المَعْبُودُ - هذا الاسمُ هوَ الجامعُ؛ ولهذا تُضافُ الأسماءُ الحسنَى كلُّها إليهِ فَيُقَالُ: الرحمنُ الرحيمُ العزيزُ الغفَّارُ القَهَّارُ منْ أسماءِ اللهِ، ولا يُقَالُ: اللهُ مِنْ أسماءِ الرحمنِ. قالَ اللهُ تَعَالَى: {وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى}.
(واسمُ "اللهِ" دَالٌّ على كونِهِ مَأْلُوهاً مَعْبُوداً، تَأْلَهُهُ الخلائقُ مَحَبَّةً وتعظيماً وخُضُوعاً، وَفَزَعاً إليهِ في الحوائجِ والنوائبِ، وذلكَ مُسْتَلْزِمٌ لكمالِ رُبُوبِيَّتِهِ ورحمتِهِ، المُتَضَمِّنَيْ نِ لكمالِ المُلْكِ والحمدِ، وَإِلَهِيَّتُهُ وربوبيَّتُهُ ورحمانيَّتُهُ ومُلْكُهُ مُسْتَلْزِمٌ لجميعِ صفاتِ كمالِهِ؛ إذْ يَسْتَحِيلُ ثُبُوتُ ذلكَ لمنْ لَيْسَ بِحَيٍّ، ولا سَمِيعٍ ولا بَصِيرٍ ولا قَادِرٍ ولا مُتَكَلِّمٍ ولا فَعَّالٍ لما يُرِيدُ ولا حَكِيمٍ في أفعالِهِ).
[و] (زَعَمَ السُّهَيْلِيُّ وَشَيْخُهُ أبو بَكْرِ بنُ العَرَبِيِّ أنَّ اسْمَ اللهِ غيرُ مُشْتَقٍّ؛ لأنَّ الاشْتِقَاقَ يَسْتَلْزِمُ مَادَّةً يُشْتَقُّ منها، واسْمُهُ تَعَالَى قَدِيمٌ، والقديمُ لا مَادَّةَ لهُ، فَيَسْتَحِيلُ الاشتقاقُ.
ولا رَيْبَ أنَّهُ إنْ أُرِيدَ بالاشتقاقِ هذا المعنَى، وأنَّهُ مُسْتَمَدٌّ منْ أصلٍ آخرَ فَهُوَ بَاطِلٌ، ولكنَّ الذينَ قَالُوا بالاشتقاقِ لم يُرِيدُوا هذا المعنَى، ولا أَلَمَّ بِقُلُوبِهِم، وَإِنَّمَا أَرَادُوا أَنَّهُ دَالٌّ على صِفَةٍ لهُ تَعَالَى، وهيَ الإِلهيَّةُ، كسائرِ أسمائِهِ الحُسْنَى، كالعَلِيمِ والقديرِ والغفورِ والرحيمِ والسميعِ والبصيرِ؛ فإنَّ هذه ِ الأسماءَ مُشْتَقَّةٌ منْ مصادرِهَا بِلا رَيْبٍ، وهي قديمةٌ، والقديمُ لا مادَّةَ لهُ، فما كانَ جَوَابَكُم عنْ هذهِ الأسماءِ فهوَ جوابُ القائِلِينَ باشْتِقَاقِ اسمِهِ "اللهِ".
ثُمَّ الجوابُ عن الجميعِ أنَّنا لا نَعْنِي بالاشتقاقِ إِلاَّ أنَّها مُلاقِيَةٌ لمصادرِهَا في اللفظِ والمعنَى، لا أنَّها مُتَوَلِّدَةٌ منها تَوَلُّدَ الفرعِ منْ أصلِهِ، وَتَسْمِيَةُ النحاةِ للمصدرِ والمُشْتَقِّ منهُ أَصْلاً وَفَرْعاً، ليسَ معناهُ أنَّ أَحَدَهُمَا تَوَلَّدَ من الآخرِ، وإنَّمَا هُوَ باعتبارِ أنَّ أحدَهُما يَتَضَمَّنُ الآخَرَ وزيادةً.
وقولُ سِيبَوَيْهِ: إنَّ الفعلَ أمثلةٌ أُخِذَتْ منْ لفظِ أحداثِ الأسماءِ هوَ بهذا الاعتبارِ, لا أَنَّ العربَ تَكَلَّمُوا بالأسماءِ أَوَّلاً ثُمَّ اشْتَقُّوا منها الأفعالَ؛ فإنَّ التخاطبَ بالأفعالِ ضَرُورِيٌّ كالتخاطبِ بالأسماءِ لا فَرْقَ بينَهُمَا، فالاشتقاقُ هنا ليسَ هوَ اشْتِقَاقَ ماديٍّ، وإنما هوَ اشتقاقُ تلازمٍ. سُمِّيَ المتَضَمِّنُ ( بالكَسْرِ ) مُشْتَقًّا والمُتَضَمَّنُ ( بالفتحِ ) مُشْتَقًّا منهُ، ولا مَحْذُورَ في اشتقاقِ أسماءِ اللهِ تَعَالَى بهذا المعنَى)
(ولهذا كانَ القولُ الصحيحُ أنَّ (( اللهَ )) أَصْلُهُ (( الإِلَهُ )) كما هوَ قولُ سِيبَوَيْهِ وَجُمْهُورِ أصحابِهِ إلاَّ مَنْ شَذَّ منْهُم
وأنَّ اسمَ اللهِ تَعَالَى هوَ الجامعُ لجميعِ معانِي الأسماءِ الحُسْنَى والصِّفَاتِ العُلَى).
معنى اسم (الرب)
قال ابن القيم :
( " الربُّ " هوَ السيِّدُ والمالِكُ والمُنْعِمُ والمُرَبِّي والمُصْلِحُ، واللهُ تَعَالَى هوَ الربُّ بهذهِ الاعتباراتِ كُلِّهَا).
( " [فـهوَ الذي يُرَبِّي عَبْدَهُ، فَيُعْطِيهِ خَلْقَهُ، ثُمَّ يَهْدِيهِ إلى مَصَالِحِهِ)، ([وَ] هُوَ القادرُ الخالقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ الحيُّ القيُّومُ العَلِيمُ السَّمِيعُ البصيرُ المُحْسِنُ المُنْعِمُ الجَوَادُ المُعْطِي المَانِعُ، الضَّارُّ النافِعُ، المُقَدِّمُ المُؤَخِّرُ، الذي يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ، وَيُسْعِدُ مَنْ يشاءُ وَيُشْقِي مَنْ يشاءُ، ويُعِزُّ مَنْ يشاءُ ويُذِلُّ مَنْ يَشَاءُ، إلى غيرِ ذلكَ منْ معانِي رُبُوبِيَّتِهِ التي لهُ منها ما يَسْتَحِقُّهُ من الأسماءِ الحُسْنَى).
(فاسْمُ " الرَّبِّ " لَهُ الجَمْعُ الجامِعُ لجميعِ المخلوقاتِ. فهوَ ربُّ كلِّ شيءٍ وخالقُهُ، والقادرُ عليهِ، لا يَخْرُجُ شيءٌ عنْ رُبُوبِيَّتِهِ، وكلُّ مَنْ في السَّمَاواتِ والأرضِ عَبْدٌ لهُ في قَبْضَتِهِ، وَتَحْتَ قَهْرِهِ. فَاجْتَمَعُوا بِصِفَةِ الربوبيَّةِ، وَافْتَرَقُوا بِصِفَةِ الإِلهيَّةِ، فَأَلَّهَهُ وَحْدَهُ السعداءُ، وَأَقَرُّوا لهُ طَوْعاً
بأنَّهُ اللهُ الذي لا إِلَهَ إلاَّ هوَ، الذي لا تَنْبَغِي العبادةُ والتَّوَكُّلُ، والرجاءُ والخوفُ، والحبُّ والإنابةُ والإخباتُ والخشيَةُ، والتَّذَلُّلُ والخضوعُ إلاَّ لَهُ).
(لأنَّهُ إذا كانَ [هوَ] رَبَّنَا الذي يُربِّينَا بِنِعَمِهِ وَإِحْسَانِهِ، وهوَ مالِكُ ذَوَاتِنَا وَرِقَابِنَا وَأَنْفُسِنَا. وكلُّ ذرَّةٍ من العبدِ فَمَمْلُوكَةٌ لهُ مِلْكاً خَالِصاً حَقِيقِيًّا، وقدْ رَبَّاهُ بِإِحْسَانِهِ إِلَيْهِ وَإِنْعَامِهِ عَلَيْهِ، فَعِبَادَتُهُ لهُ وشكرُهُ إِيَّاهُ واجِبٌ عليهِ، ولهذا قالَ: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ} [البقرة: 21] ولم يَقُلْ: إِلَهَكُمْ...
فَلا شَيْءَ أَوْجَبُ في العقولِ والفِطَرِ منْ عبادةِ مَنْ هذا شأنُهُ وحدَهُ لا شريكَ لَهُ))، فلا إِلَهَ إِلاَّ هوَ، ولا رَبَّ إلاَّ هوَ، فَكَمَا أنَّ رُبُوبِيَّةَ ما سِوَاهُ أَبْطَلُ البَاطِلِ، فكذلكَ إِلَهِيَّةُ ما سِوَاهُ) ).
المرتبع الأسنى في رياض الأسماء الحسنى
المؤلف:الشيخ عبد العزيز بن داخل المطيري