تزوجته بغير رضا أهلي، ثم ظهر على حقيقته

أ. مروة يوسف عاشور


السؤال
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أرجو منكم الإفادة في حلِّ مشكلتي:
أنا امرأةٌ متزوِّجة منذ 13 سنة، تزوَّجت زوجي عن حب، ولكن والدتي عارضتْ زواجنا؛ لأنها لم تستطع أن تُحب زوجي، وللأسف تزوجْنا من غير رِضاها، وسافرنا أنا وزوجي خارجَ البلد، وبعد ذلك ظهَر زوجي على حقيقته، وبدأ يُعاملني بقسوة وأنا في غربة عن أهلي، بدأ بضربي، وجعلني أعمل خادمةً، وفي توزيع الجرائد، وهو في أغلب الأحيان يظل نائمًا بلا عمل، وأنجبتُ منه أولادًا، وبعد هذه السنين خانني مع امرأة أخرى تكبرُنا في العمر، ولم تكن جميلة، ولكنَّها كانتْ غنية، وأنا بحُكم أُمومتي أصبحتُ بلا عمل؛ من أجل رعاية الأطفال، وهكذا سَنَة وراء سَنة وزوجي يَخونني، ويبتز منها المالَ مع أنني نصحتُه أن يبعدَ عنها، وأنَّ الرزاق هو الله، وأنا أعلم أنها أعطتْه مبلغًا كبيرًا مِن أجل أن يُطلِّقني ويتزوَّجها، فأخذ منها المال ولم يطلقني وبقِي معي، وبدأ يبتزنا نحن الاثنتين!

وأقسم أنَّ هذا الشيء لو حصَل مع أخته لا يَقْبله، وأنا أتحمَّل وأتحمَّل مِن أجل أولادي، وكأنَّ الله عاقبني لأني تزوجتُه من غير رِضا أهلي، وكالعادة أخذ أموالها وترَكها، وبعد سَنة علمتُ أن أمِّي على فِراش الموت، وتريد رؤيتي، وزوْجي منعَني من السفر لزيارتها، وللأسف أمي ماتتْ مِن دون أن أراها وتراني.

للأسف طمَع زَوجي وأنانيته جعَلَني أكرهه ولا أُطيق العيش معه، مع أنِّي ضحيتُ معه كثيرًا وتزوجتُه عن حب، وحاول أن يستغلَّ طيبة قلبي والسطو على مِيراثي من أهلي، فواجهتُه واشتريت منزلاً وكتبتُه باسمي؛ خوفًا على نفسي وأولادي من رجل طمَّاع لا يعرف الله ويَكفُر دائمًا، ولا يُصلي ولا يصوم، وأنا والحمد لله هَداني الله والتزمتُ، وأعلِّم أولادي الصلاحَ، مع أنَّنا في بلد أوربية.

أرْشدوني أرجوكم؛ هل أطلُب الطلاق مِن زوجي؛ لأنَّه لا جدوى من إصلاحه؟

وجزاكم الله خيرًا.

الجواب
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
نعمْ لكِ أن تَطلُبي الطلاق من زوج لا يُصلِّي ولا يصوم، ولا يُنفِق على أهله ولا يحسن معاشرتَهم.

أقول هذا بناءً على كلامكِ أنتِ، وأنتِ أعلمُ بواقع حالكِ منِّي، ولكن من حقِّ المرأة - شرعًا وعرفًا - أن تطلُب الطلاق من زوجها ما لم يُنفق عليها ولم يُحسِن عشرتها، وكذلك متى ما خشيتْ على أبنائها وتربيتهم من أبٍ لا يستحقُّ من معنى تلك الكلمة شيئًا.

وأودُّ الإشارة هنا لنقطة تغفُل عنها بعض الزوجات، وهي أنَّها تظن أنَّ الطلاق لا بدَّ وأن يكون أكثرَ ضررًا عليها وعلى أبنائها مِن البقاء مع مِثل هذا الزوج، وتبقَى تُضحِّي - كما تظن - مِن أجل أبنائها وتتحمَّل الحياة تحتَ أمواج الذلِّ، وتُقاسي الهوان وتحاول بذلَ كلِّ ما تستطيع، وتستخدم شتَّى الأساليب لإبقاء صورة الزَّوْج والأب، والحِفاظ على كيان الأسرة ولو كان ممزقًا مفكَّكًا، متراخِيَ البنيان، هشَّ الجوانب!

كل هذا خوفًا منها مِن حمْل لقب مطلَّقة، وخوفًا على أطفالها مِن الحرمان من أبيهم، والتعرُّض للمشكلات النفسيَّة والاجتماعيَّة المعروفة، التي تنشأ عن فِراق والديهم، وحدوث الطلاق، وهذا إن كان واقعًا، لكنَّه لا يُقارن بحياة الأبناء وتربيتهم تحتَ رِعاية رجل لا يعرِف الله ولا يعرِف معنى المسؤولية، ولا يستحيي مِن اقتراف الفواحش!

كيف سيكون حالُ مَن يتربَّى في هذه الظروف، ويستقي معلوماتِه، ويكوِّن شخصيته بتوجيهاتٍ وإرشاداتٍ من هذا الأب، وفي مجتمع أوروبي، يَزيد؛ بل ويُؤكِّد هذه الصفات الخُلقية ويُرسِّخها في أذهانهم، وتبقَى الأم تحاول إعادتَهم إلى الطُّرق القويمة، وتُرشِدهم إلى الهِداية، لكن كما قلتِ: دون جدْوَى؟!

اعْلمي - أيَّتُها الفاضِلة - أنَّ توابع الطلاق ليستْ هيِّنة، وأنَّ حياة المطلَّقة قد تشقُّ عليها، وأنَّ نظرة المجتمع لها قد تؤذي مشاعرَها إلى درجة تتوقَّف على شخصيتها ونظرتها لنفسها ولمن حولها، وتختلف حدَّة التأثير على تلك المرأة على حسبِ اعتبارات كثيرة أيضًا، منها حالها قبل طلاقها، وهل كانتْ ترْتجي صلاحَ زوجها، أم أنَّه لم يكن هناك أمَل؟

لهذا، وقبل الإقدام على اتِّخاذ هذه الخُطوة؛ أنصحكِ أن تؤهِّلي نفسكِ وأبناءَكِ نفسيًّا لتحمل الوضع الجديد، والتأكيد أنه كان مِن باب الحِرْص عليهم، وتجنيبهم تلك الحياةَ التي سيكون تأثيرها الأوَّل على دِينهم وأخلاقهم، لكن تذكَّري ألا تُسيئي لوالدهم بالكلام عليه، وألا تتحدَّثي عنه بالسوء، وإنْ كانوا يَعلمون حاله، ولكن التحدُّث عنِ الأب أمامَ الأبناء بالسوء له بالغُ الأثر السلبي على نفوسهم، ويعمل على زعزعة الأمْن والثِّقة، ويبث في نفوسهم الخوفَ مِن المجهول، وانعدام الثِّقة بمَن حولهم، فالأمر - من الأفضل - أن يقتصِرَ على بعض العبارات التي توضِّح لهم أنَّ زواجكما قد بات صعبَ الاستمرار، وأنَّها أقدار الله، وعليهم أن يتقبَّلوها كما تقبلتِها أنتِ.

وتجنَّبي تمامًا التحدُّثَ حول علاقته بتلك المرأة، وإنْ غلبتكِ أحزانُكِ وتكاثرت عليكِ همومكِ، فالجئي إلى الله - تعالى - وبثِّي إليه الشكاية دون أن تُفْصحِي عمَّا تعرضتِ له في غُربتكِ، سواء لأبنائكِ أو صديقاتكِ وأهلكِ، وقد ضرَب نبيُّ الله يعقوب - عليه السلام - أروعَ الأمثلة في الصَّبر على أذَى أبنائه، وحتى بعد أنْ جاؤوه وقد فقَدوا أخاهم بعدَما فقدوا يوسف، فلم يوبِّخ أو يحقِّر أو يتحدَّث عنهم بالسوء، رغم تيقُّنه مِن كذبهم وافترائهم، وإنما قال:﴿ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ﴾؛ [يوسف: 86]، قالها بعد أن تكالبتْ عليه الهمومُ حتى ابيضَّتْ عيناه من شدَّة حُزنه، فلنتأسَّ بهذا الخُلُق الحميد، ونسلك ذاك الدربَ الرشيد، وتذكَّري أنَّ الله - عزَّ وجلَّ - لا يَضيع عنده مثقالُ ذرة من خير أو شر؛ ﴿ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ ﴾ [يونس: 61].

ففوِّضي أمرَكِ للرحمن الرحيم وتوكَّلي عليه، وسليه أن يَجعل لكِ في أبنائكِ وصلاحِهم خيرَ عوض عمَّا لاقيتِ من تعب مع زوجكِ، وتذكَّري دعوةَ أم سلمة - رضي الله عنها - عندما فقدتْ زوجها إذْ تقول: سمعتُ رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - يقول: ((ما مِن مسلم تُصيبه مصيبةٌ فيقول ما أمَرَه الله: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهمَّ أُجرني في مصيبتي واخلفْ لي خيرًا منها، إلا أخْلَف الله له خيرًا منها))، قالت: فلمَّا مات أبو سلمه قلتُ: أيُّ المسلمين خير من أبي سلمة؛ أوَّل بيت هاجَر إلى رسول الله - صلَّى الله عليه وسلَّم - ثم إنِّي قلتُها فأخلف الله لي رسولَ الله - صلَّى الله عليه وسلَّم.

أيضًا قبل الشروع في تنفيذِ القرار أنصحُكِ أن تَجلسي مع هذا الزوج، ولتكن الجِلسةَ الأخيرة، وتُحدِّدي فيها أسباب رغبتكِ في الانفصال بكلِّ صراحة، وليكن على رأسها ترْك الصلاة وعدَم الإنفاق على الأُسرة، ولا مانعَ مِن إعطائه المهلةَ الأخيرة والفُرْصة النِّهائية؛ فكم مِن أناس تيقَّن من حولهم مِن ضياعهم وشدَّة فسوقهم، ولكن مالك القلوب ومصرِّفها غيَّرهم وبدَّل حالهم من الضلال إلى الهُدى!

وعليكِ أن تَستخيري الله في هذه المدَّة، وتُعيدي التفكير مهما كانتِ الأمور واضحة، ومهما كان القرار محسومًا.

وقد سعدتُ كثيرًا بقرار اتِّخاذ بيت لكِ باسمك، وهي خُطوة إيجابيَّة رائعة تدلُّ على استفادتك الحقيقيَّة مِن أحداث الماضي، وتدلُّ على تعلُّم الدرس مِن تلك المحن التي مررتِ بها، وتعرضتِ لها في بلاد الغرْب.

أخيرًا:
أُذكِّركِ - أيتها الفاضلة - وكلَّ مبتلًى أنه لا توجد على واقعنا تلك المدينة الفاضِلة (Utopia) التي تخيَّلها بعضُ الفلاسفة وظلَّ يحلم بوجودها، وإنَّما هي دُنيا جبلت على المكارِه، فهي تتأرْجح بين سخط ورِضا، وحزن وسعادة، ومرَض وصحَّة، وارْتفاع وانخفاض، وهكذا، لا يوجد النعيم الحقيقي والراحة التامَّة إلا هناك في جَنَّة عرْضُها السموات والأرض أُعدتْ للمتَّقين.

جعَلني الله وإيَّاكِ منهم، ووفَّقكِ لما فيه صلاح دِينك ودنياكِ، وحفظكِ وأبناءَك من كلِّ شر، ونسعد بالتواصُل معكِ في أيِّ وقت، فلا تتردَّدي في مراسلتنا متى شئتِ.