الأبناء يتشاجرون، وما المشكلة ؟
أميرة أحمد عبيد



الأسرة مجتمع صغير، وفي هذا المجتمع نجد ثلاث مجموعات من العلاقات هي: العلاقة بين الأعضاء الراشدين (وهما الأبوان عادة)، والعلاقة بين الآباء والأبناء، والعلاقة بين الأطفال.
ورغم ما يبذله الوالدين من مجهود وتضحيات لرعاية الأبناء يظل النمط الثالث العلاقة بين الأطفال هي أكثر أنماط العلاقة تفاعلا واندماجا واستمرارية، ورغم ما تحمله هذه العلاقة من توترات ومصادمات في بعض الأوقات، إلا أنها تظل تتميز بالاتساع والشمول الزماني والمكاني.
فالأخوة يلعبون معا ويشتركون في عمل واحد ومكان واحد، ويجتمعون معا لفترات زمنية طويلة، وهذه الكثافة في الاتصال هي ما تؤدي إلى المواقف التصادمية والمشاجرات.
وتمثل هذه المشاجرات مشكلة تؤرق الوالدين، وتوتر أعصابهم، وتعد بمثابة أزمة وخوف من الفشل في التربية.
وكثيرا ما يتساءل الوالدين..
لماذا يتشاجر الأبناء؟
وكيف يمكن للحظات اللعب والفكاهة أن تنقلب فجأة إلى توتر وعدوان؟
وهل من طريقة للحد من هذه المشاجرات؟
والإجابة على مثل هذه التساؤلات تحتاج إلى أن يدرك الوالدين طبيعة العلاقة بين الأخوة وأنهم يتعايشون ضمن حيز مكاني وزماني واحد، ويمارسون ويملكون العديد من الأشياء المشتركة، وهم في ذات الوقت يختلفون في الميول والرغبات والشخصيات بصفة عامة.
لذلك قد تتداخل عوامل مختلفة تؤدي أن حالة العدوان، فكما يتشاجر الكبار لأسباب ظاهر وخفية كذلك يفعل الصغار، أما أكثر أسباب الشجار شيوعاً فهي:
1- التقليد والمحاكاة: فالطفل يكتسب عاداته السلوكية المختلفة من خلال مشاهداته اليومية للعلاقات المتعـددة بين الأشخاص من حوله، وسلوك العدوان على الآخرين أحد هذه السلوكيات التي يمكن أن يكتسبها الطفل من المحيطين به، فأسلوب ونمط معاملة أفراد الأسرة للطفل وبين بعضهم البعض يعطي الطفل تصوراً عاماً عن طبيعة العلاقات الاجتماعية، فإذا ما اتسمت طرق التعامل الأسري بالعدوان والشجار، تبنى الطفل هذا النمط وبدأ في ممارسته مع المحيطين به وفي مقدمة هؤلاء أخوته بطبيعة الحال.
2- أسلوب التنشئة القائم على القسوة: يعطي هذا النمط من أساليب التنشئة للطفل نموذجاً لطبيعة العلاقة والسلوك الذي يمكن أن ينتهجه مستقبلاً، فمن خلال العقاب البدني يكشف الآباء للطفل عن أسلوب للتعامل هو عدواني في طبيعته،، فكلما أخطأ الطفل عوقب بالضرب أو الشتم أو غير ذلك، ومع مرور الزمن يبدأ الطفل في ضمّ العدوان والشجار إلى رصيد سلوكياته، ويترسخ لديه أن العدوان على الآخرين وإبراز القوة هو السلوك السائد في الحياة الاجتماعية، وأنه لا غبار عليه.
وطبيعي أن تظهر هذه السلوكيات أول ما تظهر تجاه الأخوة.
3- الغـيرة: الغيرة كشعور انفعالي قد تدفع بالطفل إلى الاعتداء على أخوته، فالتفرقة الوالدية في المعاملة بين الأبناء تشعر بالنقص وتدفعه إلى تعويض هذا النقص بإيذاء أخيه أو الآخرين، فكثيراً ما يثير الوالدان غيرة الطفل من خلال مقارنته بطرف آخر في مجال ما يعلمون بضعف الطفل فيـه؛ مما يدفعه إلى عدة طرق للتعبير عن انفعال الغيرة لديه، فربما اتجه الطفل إلى الانزواء أو إلى التشاجر أو إلى التشهير بأخيه، وهذا ما يجعلنا نشاهد سرعة تغير سلوك الطفل الغيور من الود والحب تجاه أخيه إلى صراخ وعدوان وشجار.
4- السعي للفت الانتباه: الطفل الذي يعاني من الإهمال وعدم الاستجابة إلى احتياجاته بصورة فاعلة، غالبا ما يسعى لجذب انتباه والديه إليه عن طريق ممارسة سلوكيات عدوانية مختلفة، ويعتبر الشجار مع الأخوة جزء منها، ومن الغريب هنا أننا نرى الوالدين لا يلتفتون لأبنائهم أثناء ممارستهم للعب الهادئ والمشاركات المستقرة، فلا يحصل الطفل على تعزيز لهذا السلوك الايجابي، فإذا ما بدأ الشجار بين الأخوة هرع الوالدين للتدخل، فيصبح الشجار دافع للطفل لجذب انتباه والديه والحصول على بعض الاهتمام.
5- عوامل فيزيقية: قد يمثل ضيق السكن،، وعدم وجود مكان مخصص لكل طفل، سبب في حدوث المشاجرات حين يصبح مدعاة لتداخل الأنشطة والاحتياجات.
6- السمات الشخصية الطفل: يحمل بعض الأطفال سمات شخصية تأهلهم أما للعدوان على الآخرين أو لتلقي العدوان من الآخرين، فالطفل ذو سمات مثل: الأنانية، العدوان.. يتوقع أن يستمرئ السيطرة على الآخرين، في حين أن الطفل صاحب سمات مثل: الضعف، الحساسية، الانطواء... هو عرضة للعدوان.

الوقاية خير من العلاج:
نظرا لاستحالة خلو جو الأسرة من المشاجرات بين الأخوة، فإن الهدف هو تجنب فرص التصادم قدر الإمكان، وذلك من خلال:
1 - تحسين بيئة الطفل: كما نرى فإن كثيرا من دواعي الشجار بين الأبناء هي نتاج أسباب مادية أو معنوية محيطة بالطفل، والعمل على تحسين أو التقليل من آثار هذه الأسباب هو مدعاة للتقليل من التصادم والشجار بين الأبناء.
2 - تحسين البيئة المادية: مما لا شك فيه أن عدم تمتع الطفل ببيئة مادية مناسبة من شأنه أن يتسبب في العديد من المواقف تصادمية، فالطفل الذي ينعم بحجرة مستقلة وألعاب خاصة به، وضعه يختلف عن مجموعة أطفال يتشاركون في غرفة واحدة ومجموعة ألعاب مشتركة.
إذا كان الشجار يتم لعدم وجود مساحة كافية للمشاركة واللعب، فمن الممكن تجاوز ذلك من خلال وضع جدول للأنشطة، يتم من خلاله توزيع الأدوار والمشاركات بشكل عادل، يضمن التقليل من حدوث المنازعات، ويفضل أن يشترك الأبناء في وضع برامج الجدول وأنشطته.
كما يمكن تحسين البيئة المادية من خلال التعرف على أوقات الذروة، فبعض الأطفال يزيد نشاطهم الحركي وقابليتهم للشجار خلال أوقات محددة من اليوم، مثل: بعد العودة من المدرسة، قبل الطعام، أثناء تناول الطعام، قبل الذهاب للنوم...، فيحرص الوالدين على التواجد خلال هذه الأوقات والعمل على منع التصادم.
3 - تحسين البيئة المعنوية: تتمثل البيئة المعنوية في جميع ما يوثر على شخصية الطفل وقد يتسبب في دفعه أو تحفيزه إلى أن ينتهج سلوك عدواني تجاه إخوته، فيعمل على الوالدان على:
*أ- تحسين أنماط التنشئة: قد لا يتصور أن ينتهج الوالدين نمط للتنشئة ضار بالأبناء، ولكن هذا قد يحدث بطريقة مقصودة أو غير مقصودة، وقد أشرنا سابقا إلى خطورة نمط القسوة والتمييز بين الأبناء في تكوين سلوكيات تتصف بالعنف لدى الطفل، فعلى الوالدين تغيير هذا الأنماط وإتباع أساليب التربية الإسلامية السوية، والقائمة على الحوار، وفهم النفسيات، والعدل بين الأبناء... والسعي لمشاركة الأبناء في أنشطتهم وألعابهم بشكل فردي وجماعي، ومكافئتهم على السلوكيات الايجابية الخالية من العدوان.
*ب- تحسين أهداف التربية: مما لا شك فيه جميع الأبناء يسعون لتحقيق تربية إسلامية متكاملة للأبناء، ولكن قد يغفل الوالدين عن بعض الأهداف التي من شأنها أن تحقق الطمأنينة النفسية للأبناء وتقلل في فرص الصراع بينهم، ومن ذلك:
* تحقيق الأخوة الإسلامية، وإعلاء هذا الهدف في نفوس الأبناء: فما يربط الطفل بأخيه أسمى من رباط الأخوة الدموية، فهو رباط عقدي إسلامي سماوي، ومثل هذا الرابط له متطلبات لتحقيقه تتمثل في حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تحاسدوا، ولا تناجشوا، ولا تباغضوا، ولا تدابروا، ولا يبع بعضكم على بيع بعض، وكونوا عباد الله إخواناً.
المسلم أخو المسلم؛ لا يظلمه، ولا يخذله، ولا يحقره. التقوى هاهنا - ويشير إلى صدره ثلاث مرات - بحسب امرئ من الشر أن يحقر أخاه المسلم. كل المسلم على المسلم حرام؛ دمه وماله وعرضه" [رواه مسلم].
* وحديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" [رواه البخاري ومسلم].
* العناية بالجانب السلوكي في أخلاق الأبناء: وهو جانب حيوي قد يغفل عنه الوالدين، فيحرصون على توجيه سلوك الأبناء مع الغرباء ويتغافلون عن تصرفاتهم مع بعضهم البعض، والواجب الحرص على توجيه السلوك الأخلاقي للطفل وربط ذلك بالجانب الديني من منطلق حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: "المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده" [رواه البخاري ومسلم].
* الاستفادة من الطاقات الزائدة: من المعروف أن الأطفال يتمتعون بقدر كبير من الطاقة والحيوية في المجال الحركي والعاطفي والذهني، ومن المؤسف أن أكثر الأنشطة التي أصبح يمارسها الأطفال داخل المنزل في الوقت الحاضر أصبحت محصورة في مشاهدة برامج التلفاز وممارسة الألعاب الالكترونية، مما دفع بهم لتوجيه طاقاتهم المختلفة إلى نواحي غير إيجابية كالسلوكيات العدوانية والشجار مع الأخوة.
وواجب الوالدين هو الاستفادة من هذه الطاقات واستغلالها بشكل إيجابي، ودفع الأبناء لممارسة أنشطة رياضية حركية خارج المنزل أو داخله، وأخرى ذهنية فردية أو جماعية، للاستفادة من طاقاتهم المختلفة بشكل إيجابي بناء.
* السعي لأن يكتسب الأبناء مهارات حل المشكلات: وأن يحصلوا على تدريبات مختلفة تمكنهم من التعامل مع مشكلاتهم بطريقة إيجابية بعيدة عن العدوان، ويتم ذلك من خلال توجيههم لاستخدام التفكير وإعمال المهارات العقلية المختلفة، واستخدام أسلوب الحوار والتفاوض، وجعلهم يدركون أن هذه الأساليب هي الأجدر والأمثل لحل المنازعات.
ماذا يفعل الوالدان حال نشوب الشجار؟:
على الوالدين ألا يظهرا الكثير من الهلع والخوف وتوتر الأعصاب حتى لا يصبح الشجار وسيلة لجذب الانتباه من جهة، ونقطة توتر لهم وللأبناء من جهة أخرى. وعليهما أن يدركا أن مشاجرات الأبناء كما هي متوقعة وحتمية، فهي لا تخلوا كذلك من بعض الجوانب الإيجابية.
بعض الجوانب التربوية في شجار الأخوة:
يقال: إن الأخوة والأخوات هم الذين يعلموننا كيف نحب، ونشارك، ونتفاوض، ونبدأ النزاع وننهيه؟ وكيف نجرح شعور الآخرين؟ وكيف نحفظ ماء الوجه؟.
فالمشاجرات البريئة تحمل بعض الجوانب التربوية للطفل كثيراً ما يغفل عنها الوالدان، ومن ذلك:
1. أن مثل هذه المواقف التصادمية غالبا ما تتسم بالصراحة والوضوح، فالشجار بين الأخوة يخلو من المواربة ويعرف الأخوة بعضهم البعض جيدا، مما يساهم في تقديم صورة واقعية واضحة لنوع من الصراع الاجتماعي قد يغفل أو يتغافل الوالدين عمدا عن تقديمه للأبناء حرصا منهم على تقديم نموذج مثالي للعلاقات الاجتماعية.
2. الصراع والشجار بين الأخوة هو بمثابة طرق لتعلم أسس وقواعد تبادل الحقوق والواجبات والمحافظة عليها، والدفاع عن الرغبات والحاجات، وتقديم التنازلات للآخرين.
3. يتعلم الطفل من خلال الشجار كيف يتكيف مع الأزمات، ويتعامل مع الضغوط، ويؤهله ذلك للتكيف مع مراحل عمرية أخرى متقدمة كمرحلة المراهقة والرشد.
4. يشبع الطفل بعض احتياجاته من خلال الشجار، ومنها الحاجة لإثبات الذات من خلال الجدل والوصول للهدف، والحاجة للمعاضدة من أطراف يماثلونه، والحاجة للتنافس مع جماعة متشابه في الصفات والخصائص،... إلى غير ذلك.
5. يتعلم الطفل من خلال المشاجرات أن هناك سلوكيات خاطئة وذات عواقب وخيمة، يجب ألا يقدم عليها، ويبدأ في الانتقال إلى مرحلة التفكير في البدائل المختلفة.
6. يتعلم الطفل من خلال المشاجرات طرق مختلفة لحل المشكلات، وقد يتطلب ذلك مساعدة من الوالدين.

متى يتدخل الوالدين في شجار الأبناء؟:
إذا اقتصر الشجار بين الأبناء على الجدل وتوجيه اللوم والاتهامات وإلقاء التبعات، فالأفضل ألا يتدخل الوالدان، أما إذا ما تجاوز الشجار هذه المرحلة إلى عدوان جسدي قد يضر بأحد الأطراف، أو عدوان لفظي يمثل خروج عن آداب السلوك وعن الأهداف والقيم الأخلاقية للأسرة، ففي هذه الحال يجب على الوالدين - أو أحدهم - أن يتدخلا، ولكن التدخل هنا يجب ألا يكون بغرض المعاقبة أو إصدار الحكم على أحد الأطراف، فالتدخل يتم لتوجيه السلوك في المقام الأول، ولتذكير الأبناء بأهمية استخدام أساليب حل المشكلات في المقام الثاني.
وفي النهاية فعلى الوالدين أن يتذكرا الحكمة التي تقول: "إن لم تكن قد تشاجرت مع أخيك من قبل فأنتما لا تعرفان بعضكما البعض". وبطبيعة الحال فالأخوة هم أكثر من يعرف بعضهما البعض.

مراجع:
1. الأسرة والمشكلات، محمد حسن.
2. صراع الأخوة، مالايان إديمان بوردن.
3. التنشئة الأسرية والأبناء الصغار، محي الدين أحمد حسين