و هو في باب القدر الذي هو احد اركان الاسلام العظام
مع اني اعلم ان طريقة السلف في الباب هي الاسلم و الاحكم
و قد امروا بالكف عنه و السكوت لعلمهم ان جميع ما يشاؤه الله عز وجل و يقدره انما هو بعلمه و حكمته سبحانه و تعالى
فلا سلامة للعبد الا بالاستمساك بغرزهم و الاقتداء بهديهم
لكن كثيرا ما اقرا لمن جاء بعدهم و بسط الكلام في الباب و فرع على ما اصلوه من الاصول العظام
فيلتبس الامر و يحصل الاشتباه .
و لربما فهمت من كلامه و ما يلزم منه ما هو من قول القدرية الجبرية و العياذ بالله
و قد اخترت عبارة للامام ابن القيم رحمه الله ابين فيها و جه الاشتباه
فقد اشبع هذا الباب تقريرا و تحريرا . و لا تكاد تقرا في كتاب له رحمه الله الا و هو يعرض على هذا بالعبارات المختلفة
و الاساليب المتنوعة
يقول رحمه الله في كتابه ( الفوائد )
( ... وأما أهل السنة فهم مثبتون للأمرين والظلم عندهم هو وضع الشيء فى غير موضعه كتعذيب المطيع ومن لا ذنب له وهذا قد نزه الله نفسه عنه فى غير موضع من كتابه وهو سبحانه وان أضل من شاء وقضي بالمعصية والغى على من شاء فذلك محض العدل فيه لانه وضع الاضلال والخذلان فى موضعهاللائق به كيف ومن أسمائه الحسني العدل الذي كل أفعاله وأحكامه سداد وصواب وحق وهو سبحانه قد أوضح السبل وأرسل الرسل وأنزل الكتب وأزاح العلل ومكن من أسباب الهداية والطاعة بالاسماع والابصار والعقول وهذا عدله ووفق من شاء بمزيد عناية وأراد من نفسه ان يعينه ويوفقه فهذا فضله وخذل من ليس بأهل لتوفيقه وفضله وخلي بينه وبين نفسه ولم يرد سبحانه من نفسه أن يوفقه فقطع عنه فضله ولم يحرمه عدله وهذا نوعان أحدهما ما يكون جزاء منه للعبد على اعراضه عنه وايثار عدوه فى الطاعة والموافقة عليه وتناسى ذكره وشكره فهو أهل ان يخذله ويتخلى عنه
والثاني ان لا يشاء له ذلك ابتداء لما يعلم منه انه لا يعرف قدر نعمة الهداية ولا يشكره عليه ولا يثنى عليه بها ولا يحبه فلا يشاؤها له لعدم صلاحية محله
قال تعالى وكذلك فتنا بعضهم ببعض ليقولوا أهؤلاء من الله عليهم من بيننا أليس الله بأعلم بالشاكرين وقال ولو علم الله فيهم خيرا لاسمعهم فاذا قضى على هذه النفوس بالضلال والمعصية كان ذلك محض العدل
كما اذا قضى على الحية بان تقتل وعلى العقرب وعلى الكلب العقور كان ذلك عدلا فيه وان كان مخلوقا على هذه الصفة
وقد استوفينا الكلام فى هذا فى كتابنا الكبير فى القضاء والقدر )
و جه الاشكال بارك الله فيكم
ان العدل في باب الكفر و المعاصي ان يكون ذلك عقوبة على ما هو من كسب العبد و فعله
فيكون كفره و معصيته من فعله و سببه منه لا من غيره
اذ لو رددنا سبب الكفر و المعصية الى فعل الله عز وجل المحض
السابق لكسب العبد و فعله لكان لازم هذا الجبر و لا بد
اذ سبب الكفر و المعصية هنا و خلق الارادة ليس من فعل العبد
و كذلك من اصول اهل السنة ان الله عز وجل لا يعذب العباد بعلمه في العباد بل يعذبه بكسبهم و افعالهم
و الخذلان و الاضلال من اشد العقوبة و العذاب
فلو قلنا انه خذلهم و اضلهم لعلمه فيهم
او لصفتهم التي خلقوا عليها و انهم خلقوا محال غير قابلة للهدى
لرددنا الامر الى فعل الله عز وجل لا لفعلهم وكسبهم
اذ كونهم خلقوا على هذه الصفة ليس للعبد دخل فيه
فذلك مسبوق لارادته وفعله ؟