الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على مَنْ لا نبيَّ بعده.
لا يقتصر دور السُّنة على بيان ما في القرآن؛ من تأكيد الأحكام، وتوضيح المعاني، وتفصيل المُجمل، وتقييد المطلق، وتخصيص العام، والنسخ، بل ويتعدَّى ذلك كلَّه إلى تأسيس أحكام جديدة مستقلة لم ترد في القرآن لا نصًّا ولا صراحة، وهي أحكام كثيرة ومتنوعة.
ومع اتفاق العلماء: على وجود تلك الأحكام، إلاَّ أنهم اختلفوا - خلافاً لفظياً - حول تسمية تلك الأحكام التي استقلت السُّنة الشريفة بتأسيسها، على قولين:
القول الأول: إنَّ السنة استقلت بتشريع أحكامٍ لم ترد في القرآن، وهو قول جمهور العلماء[1]، وهو الراجح.
وممن صرَّح باستقلال السَّنة في الأحكام الشوكاني - رحمه الله - حيث قال: (والحاصل: إنَّ ثبوت حُجيَّة السُّنة المُطهَّرة، واستقلالَها بتشريع الأحكام ضرورةٌ دينية، ولا يُخالف في ذلك إلاَّ مَنْ لا حظَّ له في دين الإسلام)[2].
القول الثاني: أقروا بوجود أحكام زائدة في السنة على القرآن، لكنهم قالوا: إنها ليست زيادة على شيء ليس في القرآن، وإنما هي زيادة الشرح، المستنبط من المشروح بإلهام إلهي، ووحي رباني، وتأييد سماوي. وبمعنى آخَر: إنها داخلة في أنواع السُّنة البيانية للقرآن، أو داخلة تحت قاعدة من قواعد القرآن العامة، وهو قول ابن حزم، والشاطبي، ومَن نحا نحوهما[3].
والخلاصة:
إنَّ الخلاف بينهما لفظي؛ لأنَّ كلاًّ منهما يعترف بوجود أحكام في السُّنة لم تُذكر في القرآن، ولكن الفريق الأول - وهو الجمهور - يُسمِّيه استقلالاً، والفريق الآخَر لا يُسمِّيه استقلالاً، وإنما يُسمِّيه بياناً، وأدخله تحت قواعد القرآن الكريم وأقرَّ بحُجيته، ووجوب العمل به، كما فَعَلَ الشاطبي[4]، والنتيجة واحدة[5].
الأدلة على استقلال السنة بتشريع الأحكام:
من أهم الأدلة على استقلال السنة المطهرة بتشريع الأحكام ما يلي:
1- عموم عصمته صلى الله عليه وسلم عن الزيغ والخطأ في التبليغ لكلِّ ما جاء به عن ربه، بأيِّ طريق من طرق الوحي، ومنه السنة التي جاءت مثبِتة ومُنشِئة لأحكامٍ سكت عنها القرآن[6].
2- عموم الآيات القرآنية الدالة على وجوب اتباع النبي صلى الله عليه وسلم وطاعته فيما يأمر وينهى، والتي لم تُفرِّق بين السُّنة المُؤكِّدة أو المُبيِّنة أو المُستقِلَّة، وهي آيات كثيرة تفيد القطع بعمومها للأنواع الثلاثة، وعدم إخراج السُّنة المُستقِلَّة منها.
3- عموم الأحاديث الدالة على حُجيَّة السنة، ولم تُقيِّدها بنوعٍ مُعيَّن. ومنها أحاديث تدل صراحةً على أن في السنة ما ليس في الكتاب، يجب الأخذ بها كما يؤخذ بما في الكتاب[7]، من مثل قوله صلى الله عليه وسلم: (أَلاَ يُوشِكُ رَجُلٌ شَبْعَانُ عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَقُولُ: عَلَيْكُمْ بِهَذَا الْقُرْآنِ! فَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَلاَلٍ فَأَحِلُّوهُ! وَمَا وَجَدْتُمْ فِيهِ مِنْ حَرَامٍ فَحَرِّمُوهُ!)[8].
وقوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ مُتَّكِئًا عَلَى أَرِيكَتِهِ، يَأْتِيهِ الأَمْرُ مِنْ أَمْرِي؛ مِمَّا أَمَرْتُ بِهِ، أَوْ نَهَيْتُ عَنْهُ، فَيَقُولُ: لاَ نَدْرِي! مَا وَجَدْنَا فِي كِتَابِ اللَّهِ اتَّبَعْنَاهُ!)[9].
قال ابن القيم - رحمه الله: (أَحْكَامُ السُّنَّةِ التي لَيْسَتْ في الْقُرْآنِ إنْ لم تَكُنْ أَكْثَرَ منها، لم تَنْقُصْ عنها، فَلَوْ سَاغَ لنا رَدُّ كلِّ سُنَّةٍ زَائِدَةٍ كانت على نَصِّ الْقُرْآنِ لَبَطَلَتْ سُنَنُ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُلُّهَا إلاَّ سُنَّةً دَلَّ عليها الْقُرْآنُ، وَهَذَا هو الذي أَخْبَرَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم بِأَنَّهُ سَيَقَعُ، ولابد من وُقُوعِ خَبَرِهِ)[10].
إذاً فمثل هذه الأحاديث تدل بوضوح على أنه يوجد في السنة أحكام ليست موجودة في القرآن، (وهو نحو قول مَنْ قال من العلماء: ترك الكتابُ موضِعاً للسنة، وتركت السنةُ موضِعاً للقرآن)[11].
4- دلَّ الاستقراء على أن في السنة أشياءً لا تُحصى كثرة لم يُنَصَّ عليها في القرآن؛ كتحريم نكاح المرأة على عمتها أو خالتها، وتحريم الحمر الأهلية، وكل ذي ناب من السِّباع[12]، ومن ذلك ما جاء عن أبي جُحَيْفَةَ[13]- رضي الله عنه - قال: قُلْتُ لِعَلِيٍّ - رضي الله عنه: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ مِنَ الْوَحْيِ إِلاَّ ما في كِتَابِ اللَّهِ؟ قال: وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، ما أَعْلَمُهُ إلاَّ فَهْمًا يُعْطِيهِ اللهُ رَجُلاً في الْقُرْآنِ، وما في هذه الصَّحِيفَةِ. قلتُ: وما في الصَّحِيفَةِ؟ قال: (الْعَقْلُ، وَفَكَاكُ الأَسِيرِ، وَأَنْ لاَ يُقْتَلَ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ)[14].
5- الاقتصار على القرآن وحده من صفات المنافقين الخارجين عن السنة، فهم قوم لا خلاق لهم إذ ادَّعوا أنَّ في الكتاب بيان كل شيء، فطرحوا أحكامَ السنة وهجروها، فأدى بهم ذلك إلى الانخلاع عن الجماعة، وتأويل القرآن على غير ما أنزل الله[15]، وقد حذرنا النبي صلى الله عليه وسلم منهم في قوله: (إنِّي أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي اثْنَتَيْنِ: الْقُرْآنَ وَاللَّبَنَ، أَمَّا اللَّبَنُ فَيَبْتَغُونَ الرِّيفَ، وَيَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ، وَيَتْرُكُونَ الصَّلَوَاتِ، وَأَمَّا الْقُرْآنُ فَيَتَعَلَّمُهُ الْمُنَافِقُونَ فَيُجَادِلُونَ بِهِ الْمُؤْمِنِين)[16]. وقوله صلى الله عليه وسلم: (هَلاَكُ أُمَّتِي في الْكِتَابِ وَاللَّبَنِ). قالوا يا رَسُولَ اللَّهِ! ما الْكِتَابُ وَاللَّبَنُ؟ قال:(يَتَعَلَّمُ ونَ الْقُرْآنَ فَيَتَأَوَّلُون َهُ على غَيْرِ ما أنْزَلَهُ اللهُ، وَيُحِبُّونَ اللَّبَنَ فَيَدَعُونَ الْجَمَاعَاتِ وَالْجُمَعَ وَيَبْدُونَ)[17].
وأمثال هؤلاء يُردُّ عليهم بالسُّنن؛ كما ثبت عن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - أنه قال: (سَيَأْتِي نَاسٌ يُجَادِلُونَكُم ْ بِشُبُهَاتِ الْقُرْآنِ فَخُذُوهُمْ بِالسُّنَنِ؛ فإنَّ أَصْحَابَ السُّنَنِ أَعْلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ)[18].
ويُردُّ عليهم بما ذكَره العلامة ابن القيم - رحمه الله - أن هناك هجرتين: الهجرة الأُولى إلى (الرحمن)، والهجرة الثانية إلى (النبي صلى الله عليه وسلم) فيلتزم سنته[19]:
واجعلْ لقلبك هِجرتينِ ولا تَنَمْ
فَهُما على كلِّ امرئٍ فَرْضَانِ
(فالهِجرةُ الأُولى) إلى الرَّحمنِ بِال
إخلاصِ في سِرٍّ وفي إعلانِ
فالقَصْدُ وَجْهُ اللهِ بالأقوالِ وال
أعمالِ والطاعاتِ والشكرانِ
فبذاك ينجو العبدُ من إشراكِه
ويصيرُ حقًّا عابدَ الرحمنِ
(والهِجرةُ الأُخرى) إلى المبعوث بِال
حقِّ المبينِ وواضحِ البرهانِ
فيدورُ مع قولِ الرسولِ وفِعْلِهِ
نَفْيًا وإثباتًا بِلا رَوَغانِ
ويُحَكِّمُ الوحيَ المُبينَ على الذي
قال الشيوخُ فعنده حُكْمانِ
لا يَحْكُمان بباطلٍ أبداً وكل
العدلِ قد جاءت به الحُكْمانِ
وهُمَا كِتابُ اللهِ أعدلُ حاكمٍ
فيه الشِّفا وهِدايةُ الحَيْرانِ
والحاكِمُ الثاني كلامُ رسولِه
ما ثَمَّ غيرهما لِذِي إيمانِ
فإذا دعَوكَ لغيرِ حُكْمِهِما فلا
سَمْعًا لِداعِي الكُفْرِ والعِصيانِ
6- السنة واجبة الاتباع ولو كانت زائدةً على ما في القرآن؛ لأنها وحي من عند الله، فلا تُعارِض القرآن، وذَكَرَ ابنُ القيم - رحمه الله - أن السنة مع القرآن على ثلاثة أوجه:
(أَحَدُهَا: أَنْ تَكُونَ مُوَافِقَةً له من كلِّ وَجْهٍ، فَيَكُونُ تَوَارُدُ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ على الْحُكْمِ الْوَاحِدِ من بَابِ تَوَارُدِ الأَدِلَّةِ وَتَظَافُرِهَا.
الثَّانِي: أَنْ تَكُونَ بَيَانًا لِمَا أُرِيدَ بِالْقُرْآنِ، وَتَفْسِيرًا له.
الثَّالِثُ: أَنْ تَكُونَ مُوجِبَةً لِحُكْمٍ سَكَتَ الْقُرْآنُ عن إيجَابِهِ، أو مُحَرِّمَةً لِمَا سَكَتَ عن تَحْرِيمِهِ... فما كان منها زَائِدًا على الْقُرْآنِ فَهُوَ تَشْرِيعٌ مُبْتَدَأٌ من النبيِّ صلى الله عليه وسلم تَجِبُ طَاعَتُهُ فيه، ولاَ تَحِلُّ مَعْصِيَتُهُ، وَلَيْسَ هذا تَقْدِيمًا لها على كِتَابِ اللَّهِ، بَلْ امْتِثَالاً لِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ من طَاعَةِ رَسُولِهِ، وَلَوْ كان رسولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لاَ يُطَاعُ في هذا الْقِسْمِ لم يَكُنْ لِطَاعَتِهِ مَعْنًى، وَسَقَطَتْ طَاعَتُهُ الْمُخْتَصَّةُ بِهِ، وَإِنَّهُ إذَا لم تَجِبْ طَاعَتُهُ إلاَّ فِيمَا وَافَقَ الْقُرْآنَ لاَ فِيمَا زَادَ عليه، لم يَكُنْ له طَاعَةٌ خَاصَّةٌ تَخْتَصُّ بِهِ)[20].
نماذج من استقلال السُّنة بتشريع الأحكام:
من أهم النماذج الدالة على استقلال السنة المطهرة بتشريع الأحكام ما يلي:
1- استقلت السُّنة بتحريم جميع القرابات من الرَّضاعة، باستثناء ما جاء في قوله تعالى: ﴿ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُم ْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ ﴾ [النساء: ٢٣]؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (يَحْرُمُ مِنَ الرَّضَاعِ ما يَحْرُمُ من النَّسَبِ)[21].
2- الحكم بشهادة رجلين أو شهادة رجل وامرأتين نص عليه القرآن الكريم في قوله تعالى: ﴿ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ﴾ [البقرة: ٢٨٢].
وجاء في السنة المستقلة الحكم بالشاهد واليمين؛ كما جاء عن ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما؛ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَضَى بِيَمِينٍ وَشَاهِدٍ)[22].
3- تحريم استعمال أواني الذهب والفضة على الرجال والنساء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ تَشْرَبُوا في آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، ولا تَلْبَسُوا الْحَرِيرَ وَالدِّيبَاجَ؛ فَإِنَّهَا لهم في الدُّنْيَا وَلَكُمْ في الآخِرَةِ)[23]. وقوله: (مَنْ شَرِبَ في إِنَاءٍ من ذَهَبٍ أو فِضَّةٍ؛ فَإِنَّمَا يُجَرْجِرُ في بَطْنِهِ نَارًا من جَهَنَّمَ)[24].
4- تحريم لبس الحرير والذهب على الرجال؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ عز وجلَّ أَحَلَّ لإِنَاثِ أُمَّتِي الْحَرِيرَ وَالذَّهَبَ، وَحَرَّمَهُ على ذُكُورِهَا)[25].
5- تحريم الجمع بين المرأة وعمَّتها، والمرأة وخالتها؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يُجْمَعُ بين الْمَرْأَةِ وَعَمَّتِهَا، وَلا بَيْنَ الْمَرْأَةِ وَخَالَتِهَا)[26].
6- تحريم الحمر الأهلية؛ لما جاء عن جَابِرِ بن عبد اللَّهِ - رضي الله عنهما - قال: (نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَومَ خَيْبَرَ عَنْ لُحُومِ الْحُمُرِ الأَهْلِيَّةِ)[27].
7- تحريم كل ذي ناب من السباع، وكل ذي مخلب من الطير؛ لما جاء عن ابن عَبَّاسٍ - رضي الله عنهما؛ (أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ كُلِّ ذِي نَابٍ مِنَ السِّبَاعِ، وَعَنْ كُلِّ ذِي مِخْلَبٍ من الطَّيْرِ)[28].
8- سقوط الصلاة عن الحائض والنفساء؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (أَلَيْسَ إذا حَاضَتْ لَمْ تُصَلِّ ولم تَصُمْ)[29]. والحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؛ لقول عائشة - رضي الله عنها: (كَانَ يُصِيبُنَا ذلك فَنُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّوْمِ، وَلاَ نُؤْمَرُ بِقَضَاءِ الصَّلاَةِ)[30].
9- النهي عن قتل مسلم بكافر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يُقْتَلُ مُسْلِمٌ بِكَافِرٍ)[31].
10- حد شارب الخمر؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (مَنْ شَرِبَ الْخَمْرَ؛ فَاجْلِدُوهُ، فَإِنْ عَادَ في الرَّابِعَةِ؛ فَاقْتُلُوهُ)[32].
11- حد الرجم؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قد جَعَلَ اللهُ لَهُنَّ سَبِيلاً، الْبِكْرُ بِالْبِكْرِ جَلْدُ مِائَةٍ وَنَفْيُ سَنَةٍ، وَالثَّيِّبُ بِالثَّيِّبِ جَلْدُ مِائَةٍ وَالرَّجْمُ)[33].
12- حد الرِّدَّة؛ كما في قوله صلى الله عليه وسلم: (لاَ يَحِلُّ دَمُ امْرِئٍ مُسْلِمٍ يَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إلاَّ اللهُ وَأَنِّي رسولُ اللَّهِ إلاَّ بِإِحْدَى ثَلاَثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفْسُ بِالنَّفْسِ، وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ الْمُفَارِقُ لِلْجَمَاعَةِ)[34].
13- النهي عن زواج المُتعة؛ لما جاء عن عليٍّ - رضي الله عنه؛ (أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْ نِكَاحِ الْمُتْعَةِ يوم خَيْبَرَ)[35]. وهناك الكثير ممَّا استقلت به السنة المطهرة، ممَّا يضيق عنه المقام؛ إذ المقام ليس مقام بسطٍ وإسهاب، وإنما شرحٌ باقتضاب.
الخلاصة:
نخلص ممَّا سبق ذِكره من أدلةٍ وأمثلةٍ على استقلال السُّنة بالتشريع للأحكام ابتداءً دون سابق ذِكرٍ لها في القرآن إلى ما يلي:
1- التكامل التامِّ بين مصدَري التشريع الإسلامي؛ القرآن والسُّنة، فالسُّنة متكاملةٌ مع القرآن دون أنْ يكون في القرآن إفراط أو تفريط؛ مصداقاً لقوله تعالى: ﴿ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ﴾ [الأنعام: 38]، فهي شارحةٌ لأحكامه، مُفصِّلةٌ لِمُجملِه، مُقيَّدةٌ لِمُطلقِه، مُخصِّصةٌ لِعامِّه، ناسخةٌ لبعض أحكامه، ثم هي مُستقِلَّةٌ بتشريعاتٍ لم يرد لها ذِكرٌ في القرآن.
2- وحدة المصدرِ لكلٍّ من القرآن والسُّنة؛ فهما من عند الله تعالى بوحيٍ إلى رسوله صلى الله عليه وسلم، ممَّا أدَّى إلى عدم وجود تعارضٍ بينهما، وأنَّ أيَّ تعارضٍ قد يحاول المُشكِّكون والمُغرِضون إثارتَه إنما هو من قَبيلِ التعارض اللفظي المردود على صاحبه.
3- كمال العنايةِ الإلهيةِ بسيِّدِ البشرية صلى الله عليه وسلم بأنْ نَسَبَتْ له سُنَّةً وتشريعاً مُسْتقِلاً في الظاهر؛ لِيزدادَ تشريفاً وتكريماً صلى الله عليه وسلم.
ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـــــــــــــــ ـ
[1] انظر: الرسالة، للشافعي (ص91-93).
[2] إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، (ص69).
[3] انظر: الموافقات، (4/ 422)؛ نيل الأوطار، (6/ 148)؛ منزلة السنة من الكتاب وأثرها في الفروع الفقهية، (ص499)؛ السنة النبوية في كتابات أعداء الإسلام، (1/ 519).
[4] انظر: الموافقات، (4/ 422-430)؛ الاعتصام، (2/ 560).
[5] انظر: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، (ص385).
[6] انظر: منزلة السنة من الكتاب وأثرها في الفروع الفقهية، (ص484).
[7] انظر: السنة ومكانتها في التشريع الإسلامي، (ص381).
[8] رواه أحمد في (المسند)، (4/ 130)، (ح17213)؛ وأبو داود، (4/ 200)، (ح4604).
وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود)، (3/ 117)، (ح4604).
[9] رواه الشافعي في مسنده، (ص233)؛ وأبو داود، (4/ 200)، (ح4605)؛ والترمذي، (5/ 37)، (ح2663) وقال: (حسن صحيح). وصححه الألباني في (صحيح سنن أبي داود)، (3/ 118)، (ح4605).
[10] إعلام الموقعين، (2/ 309).
[11] الموافقات، (4/ 17).
[12] المصدر نفسه، (4/ 16).
[13] أبو جُحَيْفَةَ: صحابي معروف مشهور بكنيته، روى عنه أصحاب الكتب الستة، صَحِبَ علياً - رضي الله عنه، وتُوفي سنة 74هـ. انظر: تقريب التهذيب، (2/ 338).
[14] رواه البخاري، (3/ 1110)، (ح2882).
[15] انظر: الموافقات، (4/ 17).
[16] رواه أحمد في (المسند)، (4/ 155)، (ح17457)؛ والطبراني في (الكبير)، (17/ 296)، (817). وحسنه محققو المسند، (28/ 636)، (ح17421).
[17] رواه أحمد في (المسند)، (4/ 155)، (ح17451)؛ وأبو يعلى في (مسنده)، (3/ 285)، (ح1746)؛ والبيهقي في (شعب الإيمان)، (3/ 104)، (ح3009). وصححه الألباني في (السلسلة الصحيحة)، (6/ 647)، (ح2778).
[18] رواه الدارمي في (سننه)، (1/ 62)، (رقم119).
[19] الكافية الشافية في الانتصار للفرقة الناجية، (ص101).
[20] إعلام الموقعين، (2/ 307-308). وانظر: الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، (1/ 107).
[21] رواه البخاري، (2/ 935)، (ح2502)؛ ومسلم، (2/ 1071)، (ح1447).
[22] رواه مسلم، (3/ 1337)، (1712).
[23] رواه البخاري، (5/ 2133)، (ح5310)؛ ومسلم، (3/ 1637)، (ح2067).
[24] رواه مسلم، (3/ 1635)، (ح2056).
[25] رواه النسائي، (8/ 190)، (ح5265)؛ والبزار في (مسنده)، (8/ 80)، (ح3078). وصححه الألباني في (صحيح سنن النسائي)، (3/ 400)، (ح5280).
[26] رواه البخاري، (5/ 1965)، (ح4820)؛ ومسلم، (2/ 1028)، (ح1408).
[27] رواه البخاري، (4/ 1544)، (ح3982)؛ ومسلم، (3/ 1541)، (ح1941).
[28] رواه مسلم، (3/ 1534)، (ح1934).
[29] رواه البخاري، (1/ 116)، (ح298).
[30] رواه مسلم، (1/ 265)، (ح335).
[31] رواه البخاري، (3/ 1110)، (ح2882).
[32] رواه أحمد في (المسند)، (2/ 519)، (ح10740)؛ والترمذي، (4/ 48)، (ح1444). وصححه الألباني في (صحيح سنن الترمذي)، (2/ 131)، (ح1444).
[33] رواه مسلم، (3/ 1316)، (ح1690).
[34] رواه مسلم، (3/ 1302)، (ح1676).
[35] رواه مسلم، (2/ 1027)، (ح1407).

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/133479/#ixzz5jRqpNuXe