إلى متى يديرك الوقت؟
حقيقةُ الإنسان أنه عبارة عن أيام، فإذا ذهب يوم ذهب بعضُه؛ لذلك كان الوقت هو الإنسان، بل أغلى ما يملِك الإنسان، إلا أنه أسهل ما عليه يضيعُ!
كثيرًا ما يشتكي الناس من ضيق الأوقات وكثرة الواجبات، تسأله عن الإنجازات .
فيقول: لا بركة في الوقت، أوليس وقت الأوائل والسلف هو نفسَ وقتنا ؟
أليست الساعة هي نفسها ستين ثانية ؟
كيف لمن يمسك بهاتفه النقال ساعات في النهار أن يتعذَّر بضيق الوقت في قراءة القرآن؟
لماذا كان يختم السلفُ الصالح القرآن كل أسبوع، بل كل ثلاث، بل كل يوم، بل كل ليلة كما كان يفعل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه؟
بحساب بسيط، نجد أن الجزء من القرآن بقراءة الحدر يستغرق 20 وربما 15 دقيقة؛ أي إنك تستطيع أن تقرأ في الساعة 3 أجزاء، ما يعادل ثلاثة أيام لكل عشرة أجزاء تقريبًا، ما يعني أن ختمة القرآن تحتاج منك لعشر ساعات وربما أقل، فلو التصقَتِ المصاحف بأيدينا كما التصقت الجوالات، لختمنا القرآن ختمات وختمات في أقل من أسبوع.
إن مَن يتعذَّر بضيق الوقت هو أكثر مَن يجد الوقت، فلو كان حريصًا على وقته، لما كان لديه وقت للاعتذار عن ضيق الوقت حتى، نعم لهذه الدرجة؛ فبعض العلماء كان يقرأ الكتاب وهو ماشٍ، ومنهم من وقع في حفرة أثناء المشي والقراءة، وبعضهم كان يأكل الخبز مبلولًا بالماء؛ لأن هناك دقائق يستطيع اكتسابها عن أكله دون بله بالماء، فكان يقرأ في هذا الوقت عدة آيات من القرآن الكريم .
تأمل - يا رعاك الله - في هذا الجدول التقريبي لنشاطات وأعمال الناس اليومية من حيث الأهمية، يتبين لك أن هناك عشرات الساعات بالأسبوع هي فائضة، فهذه هي رأس المال، وهذه هي التي تستطيع من خلالها تحقيق الإنجازات :
فكم وكم تستطيع أن تنجز على مدار أسبوع في 34 ساعة أو ما يقاربها، تختم القرآن لأكثر من مرة، تقرأ كتابين، تمارس الرياضة، تزداد من علوم اللغات .. إلخ.
سارقو الأوقات:
إضافة إلى ميول الإنسان للكسل والراحة، وهذا من مضيعات الأوقات، نجد أن هناك مَن يسرق أوقاتنا، ومن هؤلاء مَن تحدث ابن الجوزي - رحمه الله تعالى - عنه في "صيد الخاطر"، حيث قال:
"أعوذ بالله من صحبة البطَّالين! لقد رأيت خلقًا كثيرًا يجرون معي فيما قد اعتاده الناس من كثرة الزيارة، ويسمون ذلك التردد خدمة، ويطلبون الجلوس، ويجرون فيه أحاديث الناس، وما لا يعني، وما يتخلله غِيبة...
ثم أعددت أعمالًا لا تمنع من المحادثة لأوقات لقائهم؛ لئلا يمضي الزمان فارغًا، فجعلتُ من المستعد للقائهم: قطع الكاغد - ورق الكتابة - وبَرْي الأقلام، وحزم الدفاتر؛ فإن هذه الأشياءَ لا بد منها، ولا تحتاج إلى فكرٍ وحضور قلب، فأرصدتها لأوقات زيارتهم؛ لئلا يضيع شيءٌ من وقتي".
ومما يضيع الأوقات:
عدم وجود هدف وأولويات، ومحاولة القيام بأمور كثيرة في وقت واحد، وعدم القدرة على قول لا، والانشغال في برامج الترفيه، والتأجيل المستمر، والتهرُّب من المسؤولية، وترك المهم، والانشغال بغير المهم، وهذا الأخير يقودنا للحديث عن مربع الأولويات في توزيع الأوقات.
مربع إدارة المهام:
ذلك المربع الذي حُصر بعض الناس في ربعه الذي لا يَعنيهم، وبالتأمل نجد أن أعمالنا يحددها عاملان، ألا وهما: الأهمية، ومدى العجلة في تنفيذه!ونجد أن أكثر الناس قد حصَروا أنفسهم في المربع الأخير (غير هام - غير عاجل) بالانشغال في الواتساب، والفيسبوك، والزيارات التي لا سبب لها إلا الترفيه، ومشاهدة التلفاز، بينما ضيَّعوا أكثر مربع ينبغي العناية به، ألا وهو (هام - غير عاجل)،
مثل: التخطيط للحياة، والاستعدادات المبكرة للاختبارات، وهذا المربع يبنغي العناية به؛ لأن بقية المربعات قد عُنِيَ بها تلقائيًّا؛ فالمهم والعاجل كالذهاب إلى المستشفى كل الناس يفعله، وغير المهم وغير العاجل، ترى الكثيرين ينساقون إليه؛ لِما فيه من المتعة، والعاجل غير الهام قد يفعله الإنسان تلقائيًّا أو يفوض فيه غيره.
فاعلَمْ - حفظك الله - أن الوقت كالسيف، إن لم تقطعه قطعك، والأعمار تمضي سبهللًا، والزمان في تسارع، وقد كثرت المُلْهيات والمُغْريات، فاقطع عن نفسك حبل الهوى، قبل أن يقتلها ويخنقها، واستعن بالله ولا تعجِزْ، واغتنم فراغك قبل شُغلك، وصحتك قبل سقَمك، وشبابك قبل هرَمك، وأدِرْ وقتك أنت بوضع الخطط والبرامج، بدل أن يديرك هو!
http://www.alukah.net/sharia/0/111762/#ixzz4WCSimQlZ