تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الروض الأنيق في الفوائد المستنبطة من قصة يوسف الصديق

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,538

    افتراضي الروض الأنيق في الفوائد المستنبطة من قصة يوسف الصديق

    الروض الأنيق في الفوائد المستنبطة من قصة يوسف الصديق (1)


    د/ وليد بن محمد بن عبدالله العلي

    أكثر من (100) فائدة استنبطها الإمام ابن قيم الجوزية

    إن الإمام ابن قيم الجوزية -رحمه الله تعالى- قد خلف بعد وفاته للأمة تراثا تليدا، وعلما فريدا، فمن وفقه الله تعالى لورود مائه المعين، والاستسقاء والنهل من زلال علمه الذي لم يأسن ولم يتغير طعمه بل هو لذة للشاربين: فقد أخذ من ميراثه بعد موته بحظ وافر، وتعزى به عن مصابه بفقده وكان لكسره جابر.
    وأثناء قراءاتي لمجموعة مصنفات الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى الماتعة النافعة، ومطالعتي لمؤلفاته الرائعة الشائعة - التي أكرمني الله تعالى بارتضاع العلم منها حولين كاملين، إرادة إتمام الرضاعة التي تقر بها العين - كنت أرتب الفوائد، وأهذب الفرائد، وأقرب الشوارد، وأطالعها بعين البصيرة، بعد النظر إليها بعين البصر القريرة.
    وكان من جملة ما مرَّ بي من هذه الفوائد التي اتسمت بالإمتاع والإقناع، والإفادة والإجادة، والتحقيق والتدقيق، والتهذيب والترتيب: الفوائد التي استنبطها من قصة يوسف عليه السلام.
    فإلى درر تقريراته، ولآلئ استنباطاته المودعة في هذا المقال الذي جلبت إليك فيه نفائس في مثلها يتنافس المتنافسون، وجلَّيت عليك فيه عرائس إلى مثلهن بادر الخاطبون.





    الفائدة الأولى:


    الفائدة المستنبطة من قوله تعالى: {إذ قال يوسف لأبيه يا أبت إني رأيت أحد عشر كوكبا والشمس والقمر رأيتهم لي ساجدين} (يوسف: 4).
    - لما تمكن الحسد من قلوب إخوة يوسف عليه السلام: أري المظلوم مآل الظالم في مرآة: {إني رأيت أحد عشر كوكبا} (بدائع الفوائد 189/3).





    الفائدة الثانية:


    الفائدة المستنبطة من قول الله تعالى: {قال يا بني لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين} (يوسف: 5).
    - إن أعظم النعم: الإقبال على الله والتعبد له والانقطاع إليه والتبتل إليه، ولكل نعمة حاسد على قدرها، دقت أو جلت، ولا نعمة أعظم من هذه نعمة؛ فينبغي إخفاؤها فأنفُس الحاسدين المنقطعين متعلقة بها، وليس للمحسود أسلم من إخفاء نعمته عن الحاسد، وألا يقصد إظهارها له.
    وقد قال يعقوب ليوسف: {لا تقصص رؤياك على إخوتك فيكيدوا لك كيدا إن الشيطان للإنسان عدو مبين}.
    وكم من صاحب قلب وجمعية حال مع الله قد تحدث بها وأخبر بها؛ فسلبه إياها الأغيار، فأصبح يقلب كفيه، ولهذا يوصي العارفون والشيوخ بحفظ السر مع الله، وألا يطلعوا عليه أحدا وأن يتكتموا به غاية التكتم، كما أنشد بعضهم في ذلك:
    من سارروه فأبدى السر مجتهدا
    لم يأمنوه على الأسرار ما عاشا
    وأبعدوه فلم يظفر بقربهم
    وأبدلـــــوه مكان الأنـــــــس إيحاشا
    لا يأمنون مذيعا بعض سرهم
    حاشا ودادهم من ذلكـــــــــم حاشا
    والقوم أعظم شيء كتمانا لأحوالهم مع الله، وما وهب الله لهم من محبته والأنس به وجمعية القلب عليه، ولاسيما للمبتدئ والسالك، فإذا تمكن أحدهم وقوي وثبت أصول تلك التي أصلها ثابت وفرعها في السماء في قلبه، بحيث لا يخشى عليه من العواصف؛ فإنه إذا أبدى حاله وشأنه مع الله ليقتدى به ويؤتم به: لم يبال، وهذا باب عظيم النفع، وإنما يعرفه أهله (بدائع الفوائد 3/9-10).





    الفائدة الثالثة:


    الفائدة المستنبطة من قول الله تعالى: {إذ قالوا ليوسف وأخوه أحب إلى أبينا منا ونحن عصبة إن أبانا لفي ضلال مبين} (يوسف: 8).
    - تأمل تقييده سبحانه شر الحاسد بقوله: {إذا حسد}؛ لأن الرجل قد يكون عنده حسد ولكن يخفيه ولا يرتب عليه أذى بوجه ما، لا بقلبه ولا بلسانه ولا بيده، بل يجد في قلبه شيئا من ذلك ولا يعاجل أخاه إلا بما يحب الله، فهذا لا يكاد يخلو منه أحد، إلا من عصمه الله.
    وقيل للحسن البصري: أيحسد المؤمن؟ قال: «ما أنساك إخوة يوسف».
    لكن الفرق بين القوة التي في قلبه من ذلك وهو لا يطيعها ولا يأتمر بها، بل يعصيها طاعة لله، وخوفا وحياء منه وإجلالا له أن يكره نعمه على عباده، فيرى ذلك مخالفة لله، وبغضا لما يحب الله، ومحبة لما يبغضه، فهو يجاهد نفسه على دفع ذلك، ويلزمها بالدعاء للمحسود، وتمنى زيادة الخير له، بخلاف ما إذا حقق ذلك، وحسد ورتب على حسده مقتضاه من الأذى بالقلب واللسان والجوارح، فهذا الحسد المذموم، هو كله حسد تمنى الزوال (بدائع الفوائد 2/202).





    الفائدة الرابعة:


    الفائدة المستنبطة من قوله تعالى: {فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون} (يوسف: 15).
    - حذف كثير من الأجوبة في القرآن الكريم لدلالة الواو عليها؛ لعلم المخاطب أن الواو عاطفة، ولا يعطف بها إلا على شيء، كقوله تعالى: {فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب}، وكقوله تعالى: {حتى إذا جاءوها فتحت أبوابها}.
    وهذا الباب واسع في اللغة (بدائع الفوائد 1/186).





    الفائدة الخامسة:


    الفائدة المستنبطة من قوله تعالى: {وجاءوا أباهم عشاء يبكون} (يوسف: 16).
    - قال الشعبي: «شهدت شريحا وجاءته امرأة تخاصم رجلا، فأرسلت عينيها وبكت، فقلت: يا أبا أمية، ما أظن هذه البائسة إلا مظلومة. فقال: يا شعبي، إن إخوة يوسف {جاؤوا أباهم عشاء يبكون} (الطرق الحكمية ص20).





    الفائدة السادسة:


    الفائدة المستنبطة من قوله تعالى: {وجاؤوا على قميصه بدم كذب قال بل سولت لكم أنفسكم أمرا فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون} (يوسف: 18).
    - {فصبر جميل}: لا جزع فيه.
    قلت: وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحه ونور ضريحه- مرارا يقول: «ذكر الله الصبر الجميل، والصفح الجميل، والهجر الجميل، فالصبر الجميل: الذي لا شكوى فيه، والهجر الجميل: الذي لا أذى معه، والصفح الجميل: الذي لا عتاب معه» انتهى (بدائع الفوائد 100/3).





    الفائدة السابعة:


    الفائدة المستنبطة من قوله تعالى: {وشروه بثمن بخس دراهم معدودة وكانوا فيه من الزاهدين} (يوسف: 20).
    - قال الإمام أحمد: بعشرين درهما (بدائع الفوائد 97/3).





    الفائدة الثامنة:


    الفائدة المستنبطة من قوله تعالى: {وقال الذي اشتراه من مصر لامرأته أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا وكذلك مكنا ليوسف في الأرض ولنعلمه من تأويل الأحاديث والله غالب على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون} (يوسف: 21).
    - قال ابن مسعود رضي الله عنه: «أفرس الناس ثلاثة: العزيز في يوسف؛ حيث قال لامرأته: {أكرمي مثواه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا}.
    وابنة شعيب، حين قالت لأبيها في موسى: {استأجره}.
    وأبوبكر في عمر رضي الله عنهما، حيث استخلفه.
    وفي رواية أخرى: «وامرأة فرعون، حين قالت: {قرة عين لي ولك لا تقتلوه عسى أن ينفعنا أو نتخذه ولدا}» (مدارج السالكين 507/2 ونظير هذا الكلام في هذا المقام في: الطرق الحكمية ص24).





    الفائدة التاسعة:


    الفائدة المستنبطة من قوله تعالى: {ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين} (يوسف: 22).
    - إنه سبحانه ذكر فضله ومنته على أنبيائه ورسله وأوليائه وعباده بما آتاهم من العلم، فذكر نعمته على خاتم أنبيائه ورسله بقوله: {وأنزل الله عليك الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم وكان فضل الله عليك عظيما}.
    وقال في يوسف: {ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين} (مفتاح دار السعادة 239/1-240).
    - قال الحسن: «من أحسن عبادة الله في شبيبته: لقّاه الله الحكمة عند كبر سنه، وذلك قوله: {ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين}».
    ومن هذا قال بعض العلماء: تقول الحكمة: مَن التمسني فلم يجدني: فليعمل بأحسن ما يعلم، وليترك أقبح ما يعلم، فإذا فعل ذلك: فأنا معه وإن لم يعرفني (مفتاح دار السعادة 1/508).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    40,538

    افتراضي رد: الروض الأنيق في الفوائد المستنبطة من قصة يوسف الصديق


    الروض الأنيق في الفوائد المستنبطة من قصة يوسف الصديق (2)


    د/ وليد بن محمد بن عبدالله العلي

    الفائدة العاشرة:

    الفائدة المستنبطة من قوله تعالى: {وراودته التي هو في بيتها عن نفسه وغلقت الأبواب وقالت هيت لك قال معاذ الله إنه ربي أحسن مثواي إنه لا يفلح الظالمون} (يوسف: 23).
    - البلاء بمخالفة دواعي النفس والطبع: من أشد البلاء، فإنه لا يصبر عليه إلا الصديقون، وأما البلاء الذي يجري على العبد بغير اختياره؛ كالمرض والجوع والعطش ونحوها: فالصبر عليه لا يتوقف على الإيمان، بل يصبر عليه البر والفاجر، لاسيما إذا علم أنه لا معول له إلا الصبر؛ فإنه لم يصبر اختيارا، بل صبر اضطرارا.
    ولهذا كان بين ابتلاء يوسف الصديق بما فعل به إخوته من الأذى والإلقاء في الجب، وبيعه بيع العبيد، والتفريق بينه وبين أبيه، وابتلائه بمراودة المرأة, وهو شاب عزب غريب بمنزلة العبد لها وهي الداعية إلى ذلك: فرق عظيم لا يعرفه إلا من عرف مراتب البلاء.
    فإن الشباب داع إلى الشهوة، والشاب قد يستحيي من أهله ومعارفه من قضاء وطره، فإذا صار في دار الغربة: زال ذلك الاستحياء والاحتشام، وإذا كان عزبا: كان أشد لشهوته، وإذا كانت المرأة هي الطالبة: كان أشد، وإذا كانت جميلة: كان أعظم، فإذا كانت ذات منصب: كان أقوى في الشهوة، فإن كان ذلك في دارها وتحت حكمها بحيث لا يخاف الفضيحة ولا الشهرة، كان أبلغ، فإن استوثقت بتغليق الأبواب والاحتفاظ من الداخل: كان أقوى أيضا للطلب، فإن كان الرجل كمملوكها وهي كالحاكمة عليه الآمرة الناهية: كان أبلغ في الداعي، فإذا كانت المرأة شديدة العشق والمحبة للرجل؛ قد امتلأ قلبها من حبه: فهذا الابتلاء الذي صبر معه مثل الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم، صلوات الله عليهم أجمعين.
    ولا ريب أن هذا الابتلاء: أعظم من الابتلاء الأول، بل هو من جنس ابتلاء الخليل بذبح ولده؛ إذ كلاهما ابتلاء بمخالفة الطبع ودواعي النفس والشهوة ومفارقة حكم طبعه، وهذا بخلاف البلوى التي أصابت ذا النون، والتي أصابت أيوب (طريق الهجرتين ص412-413).
    - أتته بالرغبة والرهبة، ومع هذا كله: عفَّ لله ولم يطعها، وقدم حق الله وحق سيدها على ذلك كله، وهذا أمر لو ابتلي به سواه: لم يُعلم كيف كانت تكون حاله (روضة المحبين ص326).
    - الصبر: حبس النفس عن الجزع والتسخط، وحبس اللسان عن الشكوى، وحبس الجوارح عن التشويش.
    وهو ثلاثة أنواع: صبر على طاعة الله، وصبر عن معصية الله، وصبر على امتحان الله.
    فالأولان: صبر على ما يتعلق بالكسب، والثالث: صبر على ما لا كسب للعبد فيه.
    وسمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: كان صبر يوسف عن مطاوعة امرأة العزيز على شأنها: أكمل من صبره على إلقاء إخوته له في الجب وبيعه وتفريقهم بينه وبين أبيه؛ فإن هذه أمور جرت عليه بغير اختياره، لا كسب له فيها، ليس للعبد فيها حيلة غير الصبر، وأما صبره عن المعصية: فصبر اختيار ورضا ومحاربة للنفس، ولاسيما مع الأسباب التي تقوى معها دواعي الموافقة (مدارج السالكين 2/162-163).
    - قال وهب بن منبه: «قالت امرأة العزيز ليوسف عليه السلام: ادخل معي القيطون - تعني الستر - قال: إن القيطون لا يسترني من ربي» (روضة المحبين ص399).
    - قال حصين بن عبدالرحمن: بلغني أن فتى من أهل المدينة كان يشهد الصلوات كلها مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان عمر يتفقده إذا غاب، فعشقته امرأة من أهل المدينة، فذكرت ذلك لبعض نسائها، فقالت: أنا أحتال لك في إدخاله عليك، فقعدت له في الطريق، فلما مر بها قالت له: إني امرأة كبيرة السن؛ ولي شاة لا أستطيع أن أحلبها، فلو دخلت فحلبتها لي - وكانوا أرغب شيء في الخير - فدخل فلم ير شاة، فقالت: اجلس حتى آتيك بها، فإذا المرأة قد طلعت عليه، فلما رأى ذلك: عمد إلى محراب في البيت فقعد فيه، فأرادته عن نفسه فأبى، وقال: اتقي الله أيتها المرأة، فجعلت لا تكف عنه ولا تلتفت إلى قوله، فلما أبى عليها: صاحت عليه، فجاؤوا فقالت: إن هذا يريدني عن نفسي، فوثبوا عليه وجعلوا يضربونه، وأوثقوه، فلما صلى عمر الغداة فقده، فبينما هو كذلك إذ جاؤوا به في وثاق، فلما رآه عمر قال: اللهم لا تخلف ظني به. قال: ما لكم؟ قالوا: استغاثت امرأة بالليل، فجئنا فوجدنا هذا الغلام عندها فضربناه وأوثقناه، فقال عمر ]: اصدقني. فأخبره بالقصة على وجهها، فقال له عمر ]: أتعرف العجوز؟ فقال: نعم؛ إن رأيتها عرفتها. فأرسل عمر إلى نساء جيرانها وعجائزهن، فجاء بهن فعرضهن، فلم يعرفها فيهن، حتى مرت به العجوز فقال: هذه يا أمير المؤمنين، فرفع عمر عليها الدرة، وقال: اصدقيني. فقصت عليه القصة كما قصها الفتى، فقال عمر: الحمد لله الذي جعل فينا شبيه يوسف (روضة المحبين ص460).



    الفائدة الحادية عشرة

    الفائدة المستنبطة من قول الله تعالى: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين} (يوسف: 24).
    - إن قيل: فقد همَّ بها.
    قيل عنه جوابان: أحدهما: أنه لم يهمَّ بها، بل لولا أن رأى برهان ربه لهمَّ. هذا قول بعضهم في تقدير الآية.
    والثاني وهو الصواب: أن همَّه كان همَّ خطرات، فتركه لله، فأثابه الله عليه، وهمُّها كان همَّ إصرار، بذلت معه جهدها فلم تصل إليه؛ فلم يستو الهمَّان.
    قال الإمام أحمد رحمه الله: «الهمُّ همَّان، همُّ خطرات، وهمُّ إصرار».
    فهمُّ الخطرات لا يُؤاخذ به، وهمُّ الإصرار يُؤاخذ به (روضة المحبين ص326).
    - ما يُدَّعى من التقديم في قوله: {ولقد همت به وهم بها لولا أن رأى برهان ربه}، وأن هذا قد تقدم فيه جواب "لولا" عليها: فهذا أولا لا يُجيزه النحاة، ولا دليل على دعواه، ولا يقدح في العلم بالمراد (الصواعق المرسلة 2/716).
    - إن القلب لابد له من التعلق بمحبوب؛ فمن لم يكن الله وحده محبوبه وإلهه ومعبوده: فلا بد أن يتعبد قلبه لغيره؛ قال تعالى عن يوسف الصديق عليه السلام: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}.
    فامرأة العزيز لما كانت مشركة: وقعت فيما وقعت فيه؛ مع كونها ذات زوج، ويوسف عليه السلام لما كان مخلصا لله تعالى نجا من ذلك مع كونه شابا عزبا غريبا مملوكا (إغاثة اللهفان 1/78-79).
    - الإقبال على الله والإخلاص له، وجعل محبته وترضّيه والإنابة إليه في محل خواطر نفسه وأمانيها، تدب فيها دبيب الخواطر شيئا فشيئا حتى يقهرها ويغمرها ويذهبها بالكلية، فتبقى خواطره وهواجسه وأمانيه كلها في محاب الرب والتقرب إليه وتملقه وترضيه واستعطافه وذكره، كما يذكر المحب التام المحبة لمحبوبه المحسن إليه الذي قد امتلأت جوانحه من حبه؛ فلا يجعل بيت أفكاره وقلبه معمورا بالفكر في حاسده والباغي عليه والطريق إلى الانتقام منه والتدبير عليه، هذا ما لا يتسع له إلا قلب خراب لم تسكن فيه محبة الله وإجلاله وطلب مرضاته.
    بل إذا مسه طيف من ذلك واجتاز ببابه من خارج، ناداه حرس قلبه: إياك وحمى الملك، اذهب إلى بيوت الخانات التي كل من جاء حل فيها ونزل بها، ما لك ولبيت السلطان الذي أقام عليه اليزك؛ وأدار عليه الحرس؛ وأحاطه بالسور؟
    قال تعالى حكاية عن عدوه إبليس أنه قال: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك المخلصين}، قال تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان}، وقال: {إنه ليس له سلطان على الذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون. إنما سلطانه على الذين يتولونه والذين هم به مشركون}؛ وقال في حق الصديق: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}.
    فما أعظم سعادة مَن دخل هذا الحصن وصار داخل اليزك، لقد آوى إلى حصن لا خوف على من تحصن به، ولا ضيعة على من آوى إليه، ولا مطمع للعدو في الدنو إليه منه، و(ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم} (بدائع الفوائد 2/205-206).
    - المخلص لله: إخلاصه يمنع غل قلبه، ويخرجه ويزيله جملة؛ لأنه قد انصرفت دواعي قلبه وإرادته إلى مرضاة ربه؛ فلم يبق فيه موضع للغل والغش، كما قال تعالى: {كذلك لنصرف عنه السوء والفحشاء إنه من عبادنا المخلصين}.
    فلما أخلص لربه: صرف عنه دواعي السوء والفحشاء، فانصرف عنه السوء والفحشاء؛ ولهذا لما علم إبليس أنه لا سبيل له على أهل الإخلاص: استثناهم من شَرْطَته التي اشترطها للغواية والإهلاك، فقال: {فبعزتك لأغوينهم أجمعين، إلا عبادك منهم المخلصين}، قال تعالى: {إن عبادي ليس لك عليهم سلطان إلا من اتبعك من الغاوين}.
    فالإخلاص: هو سبيل الخلاص، والإسلام: هو مركب السلامة، والإيمان: خاتم الأمان (مفتاح دار السعادة 1/277).



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •