أي: قل - يا محمد - لقومك من قريش: لا أطلب منكم على تبليغي إياكم القرآن ورسالة الله مالًا، لكني أطلب منكم أن تحبوني بسبب قرابتي منكم، ولا تقطعوا ما بيننا من الرحم بتكذيبكم بي وعداوتي؛ يُنظر: ((تفسير ابن جرير)) (20/ 494، 501، 502)، ((الوجيز)) للواحدي (ص: 964)، ((تفسير القرطبي)) (16/ 21)، ((بدائع الفوائد)) لابن القيم (3/ 129)، ((تفسير ابن كثير)) (7/ 199)، ((تفسير القاسمي)) (8/ 363)، ((تفسير السعدي)) (ص: 757)، ((أضواء البيان)) للشنقيطي (7/ 69، 70).
قال ابن عاشور رحمه الله: (معنى الآية على ما يقتضيه نظمها: لا أسألكم على القرآن جزاءً إلا أن تودوني، أي: أن تعاملوني معاملة الود؛ أي: غير معاملة العداوة؛ لأجل القرابة التي بيننا في النسب القرشي .. وما فسَّر به بعض المفسرين أن المعنى: إلا أن تودوا أقاربي، عن فهمٍ غير منظورٍ فيه إلى الأسلوب العربي .. أما كون محبة آل النبي صلى الله عليه وسلم لأجل محبة ما له اتصالٌ به خُلُقًا من أخلاق المسلمين، فحاصل من أدلة أخرى .. وإنما سألهم المودة؛ لأن معاملتهم إياه معاملة المودة معينة على نشر دعوة الإسلام؛ إذ تلين بتلك المعاملة شكيمتُهم، فيتركون مقاومته، فيتمكن من تبليغ دعوة الإسلام على وجه أكمل، فصارت هذه المودة غرضًا دينيًّا لا نفع فيه لنفس النبي صلى الله عليه وسلم)؛ ((التحرير والتنوير)) لابن عاشور (25/ 82، 83)، وينظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/ 201)، ((العذب النمير)) للشنقيطي (1/ 495).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾، قال: (كان لرسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة في جميع قريش، فلما كذبوه وأبوْا أن يبايعوه قال: ((يا قوم، إذا أبيتُم أن تبايعوني، فاحفظوا قرابتي فيكم، لا يكن غيرُكم من العرب أَولَى بحفظي ونُصرتي منكم))؛ رواه ابن جرير في تفسيره (20/ 495).
وعن ابن عباس رضي الله عنهما أنه سئل عن قوله: ﴿ إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾، فقال سعيد بن جبير: قربى آل محمد صلى الله عليه وسلم، فقال ابن عباس: عجلت، إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بطن من قريش إلا كان له فيهم قرابة، فقال: (إلا أن تصِلوا ما بيني وبينكم من القرابة)؛ رواه البخاري (4818).
قال ابن تيمية رحمه الله: (ابن عباس كان من كبار أهل البيت، وأعلمهم بتفسير القرآن، وهذا تفسيره الثابت عنه .. ويُبين ذلك أن الرسول صلى الله عليه وسلم لا يسأل أجرًا أصلًا، إنما أجره على الله، وعلى المسلمين موالاة أهل البيت، لكن بأدلة أخرى غير هذه الآية، وليست موالاتنا لأهل البيت من أجر النبي صلى الله عليه وسلم في شيء، وأيضًا فإن هذه الآية مكية، ولم يكن علي بعدُ قد تزوَّج بفاطمة، ولا وُلِد له أولادٌ)؛ ((منهاج السنة النبوية)) (4/ 26، 27)، وينظر: ((منهاج السنة النبوية)) لابن تيمية (4/ 562، 563).
وقال ابن كثير رحمه الله: (الحق تفسير الآية بما فسَّرها به الإمام حبرُ الأمة، وترجمان القرآن، عبدالله بن عباس؛ كما رواه عنه البخاري رحمه الله، ولا تنكر الوصاة بأهل البيت، والأمر بالإحسان إليهم، واحترامهم وإكرامهم، فإنهم من ذريَّة طاهرة، من أشرف بيتٍ وُجِد على وجه الأرض، فخرًا وحسبًا ونسبًا، ولا سيما إذا كانوا متبعين للسنة النبوية الصحيحة الواضحة الجلية، كما كان عليه سلفهم، كالعباس وبنيه، وعلي وأهل بيته وذريته، رضي الله عنهم أجمعين)؛ ((تفسير ابن كثير)) (7/ 201).
وعن مجاهد في قوله: ﴿ إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾ قال: (أن تتبعوني، وتصدقوني، وتصلوا رحمي)؛ رواه ابن جرير في تفسيره (20/ 497).
وعن قتادة في قوله: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾، قال: (كل قريش كانت بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم قرابة، فقال: قل: لا أسألكم عليه أجرًا إلا أن تودوني بالقرابة التي بيني وبينكم)؛ رواه ابن جرير في تفسيره (20/ 498).
نسب قريش:
قبيلة قريش كلها ترجع في نسبها إلى فِهْر بن مالك، الملقَّب قريش، ونسب النبي صلى الله عليه وسلم يرجع إليه، فهو: محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب بن هاشم بن عبدمناف بن قُصي بن كِلاب بن مُرَّة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فِهْر بن مالك بن النضر بن كنانة؛ ينظر: ((نسب قريش)) لمصعب بن عبدالله الزبيري (ص: 12)، ((أنساب الأشراف)) للبلاذُري (1/ 39)، ((جمهرة أنساب العرب)) لابن حزم (1/ 12)، ((الأنساب)) للسمعاني (1/ 14).
وقيل: إن الذي لقَّبه قريش هو النضر بن كنانة، وليس حفيده، قال العلامة الشهير المبرد رحمه الله: (قريش، واسمه النضر بن كنانة بن خُزيمة بن مُدركة بن إلياس بن مُضر، وتفرَّقت قبائل قريش من بني فِهر بن مالك، فيُقال لهم: بنو فهر)؛ ((نسب عدنان وقحطان)) للمبرد (ص: 2).
فكل قريش لهم قرابة مع النبي صلى الله عليه وسلم، قريبة أو بعيدة، ولذلك أمر الله رسوله أن يُذكِّرهم بقرابته منهم؛ ليكونوا أول مَن يؤمن به، أو يخلوا بينه وبين دعوة العرب إلى الإسلام ولا يستمروا في أذيته وعداوته، فقال: ﴿ قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ﴾.
هذا وليُعلم أن أهل السنة والجماعة يعرفون حق آل بيت النبوة رضي الله عنهم، ولا ينكرون فضلهم وشرفهم، ويتقربون إلى الله بمحبتهم، فقد قال الله تعالى في كتابه الكريم: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب: 33]، وقال سبحانه: ﴿ رَحْمَتُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ عَلَيْكُمْ أَهْلَ الْبَيْتِ إِنَّهُ حَمِيدٌ مَجِيدٌ ﴾ [هود: 73]، وسياق هاتين الآيتين يدل بوضوح أن أزواج النبي من أهل بيته، فأهل البيت هم بنو العباس، وبنو علي بن أبي طالب، وبنو جعفر بن أبي طالب، وبنو عقيل بن أبي طالب، ويجمعهم في النسب هاشم بن عبدمناف، ومن آل البيت أيضًا جميع أمهات المؤمنين.
انتشار آل البيت في الأرض وخطأ من يظن أنهم في بقعة معينة:
اعلَم أن آل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم من بني هاشم، انتشرت ذريتُهم في أقطار الأرض، لا سيما ذرية علي بن أبي طالب، وعمه العباس بن عبدالمطلب، وقد كان لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه أولاد كثر: منهم الحسن والحسين ومحمد، وأبو بكر وعمر وعثمان، وغيرهم، وكلهم من آل البيت، ومن الخطأ الظن أن آل البيت هم فقط ذرية الحسن والحسين رضي الله عنهما.
قال العلامة ابن حزم رحمه الله: (ولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه: الحسن أبا محمد؛ والحسين أبا عبدالله، والمحسن، وزينب، وأم كلثوم، أمهم: فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومحمدًا أبا عبدالله، أمه خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة الحنفية؛ وعمر: أمه الصهباء بنت ربيعة بن بحير الثعلبية، والعباس أمه أم البنين بنت حزام بن خالد بن ربيعة بن الوحيد بن كعب بن ربيعة بن عامر بن صعصعة، أعقب هؤلاء كلهم، حاشا المحسن، فلا عقب له، مات صغيرًا جدًّا إثر ولادته، ولعلي أيضًا من الولد: أبو بكر؛ وعثمان: وجعفر، وعبدالله، وعبيدالله، ومحمد الأصغر، ويحيى، لم يعقب أحد من هؤلاء)؛ ((جمهرة أنساب العرب)) لابن حزم (1/ 37، 38)، وينظر: ((الطبقات الكبرى)) لابن سعد (3/ 14)، ((الكامل في التاريخ)) لابن الأثير (2/ 747، 748)، ((البداية والنهاية)) لابن كثير (7/ 367، 368)، ((الحاوي للفتاوي)) للسيوطي (2/ 37).
واعلَم أن آل البيت كغيرهم من الناس، منهم المؤمن وغير المؤمن، ومنهم الصالح والفاسد، والعلماء والفقهاء منهم كغيرهم من العلماء، منهم الأحناف والمالكية والشافعية والحنابلة، فمن الخطأ البين ظن بعض الناس أن آل البيت لهم مذهب فقهي خاص، أو أنهم محصورون في منطقة جغرافية محددة.
فضل آل البيت في السنة النبوية:
روى أئمة السنة في كتب الحديث أحاديثَ كثيرة في فضائل أهل البيت بالأسانيد المتصلة برواية الثقات الأثبات، وعامة الشيعة يجهلون هذا، ويظنون أن كتب السنة خالية من ذكر فضائل آل البيت، وربما رموهم بأنهم ناصبة وأعداء لآل البيت، ولو رجعوا إلى أمهات كتب الحديث، لعلموا أنهم أساؤوا الظن بأهل السنة، ولتيقَّنوا أن أهل السنة يحبون آل بيت النبوة، بدليل روايتهم فضائلهم ونشرها، وتديُّنهم بمحبتهم وتشريفهم، ولكن أكثر الناس لا يعلمون.
وهذه عشرة أحاديث صحيحة في فضائل أهل البيت من كتب الحديث المشهورة، مع تخريجها باختصار:
1- عن جابر بن عبدالله رضي الله عنهما قال: رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في حجته يوم عرفة وهو على ناقته القصواء يخطب، فسمعته يقول: ((يا أيها الناس، إني تركتُ فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا: كتاب الله، وعترتي أهل بيتي))؛ رواه الترمذي (3786) في سننه في باب مناقب أهل بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1761)، وذكر له شواهد كثيرة، فقد جاء هذا الحديث عن علي بن أبي طالب، وزيد بن أرقم، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة، وعمرو بن عوف، وابن عباس رضي الله عنهم أجمعين؛ قال العلماء في شرح هذا الحديث: معنى الأخذ بالكتاب: العمل بما فيه، وهو الائتمار بأوامر الله، والانتهاء عن نواهيه، ومعنى الأخذ بالعترة: التمسك بمحبتهم، والمحافظة على حُرمتهم، والعمل بروايتهم، والاهتداء بهديهم وسيرتهم إذا لم يكن مخالفًا للدين، فإنه لا عصمة لأحد غير الأنبياء، وكلٌ يؤخذ من قوله ويُرَدُّ إلا النبي صلى الله عليه وسلم.
2- عن زيد بن أرقم رضي الله عنه قال: قام رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا فينا خطيبًا، بماء يدعى خما بين مكة والمدينة، فحمد الله وأثنى عليه، ووعظ وذكر، ثم قال: ((أما بعد، ألا أيها الناس، فإنما أنا بشر يوشك أن يأتي رسول ربي فأجيب، وأنا تارك فيكم ثقلين: أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور، فخذوا بكتاب الله، واستمسكوا به))، فحث على كتاب الله ورغَّب فيه، ثم قال: ((وأهل بيتي أذكركم الله في أهل بيتي، أُذكركم الله في أهل بيتي، أذكركم الله في أهل بيتي))؛ رواه مسلم في صحيحه (2408)، وهذا الحديث يدل بوضوح على أن المراد بالأخذ بالعترة هو محبتهم ومعرفة حقِّهم، وترك ظلمهم؛ حيث أوصى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أُمته بالاستمساك بكتاب الله، ثم ذكَّرهم بحق أهل بيته، وكرَّر ذلك ثلاث مرات زيادة للتأكيد.
3- عن أبي الطفيل رضي الله عنه قال: جمع علي رضي الله عنه الناس في الرحبة، ثم قال لهم: أنشد الله كل امرئ مسلم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم غدير خم ما سمع، لما قام، فقام ناس كثير، فشهدوا حين أخذه بيده، فقال للناس: ((أتعلمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم؟))، قالوا: نعم يا رسول الله، قال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ مَن والاه، وعادِ مَن عاداه))؛ رواه الإمام أحمد في مسنده (19302)، والنسائي في السنن الكبرى (8424)، وابن حبان في صحيحه (6931)، وهو حديث صحيح ورد عن عشرة من الصحابة، وهم: علي بن أبي طالب، وسعد بن أبي وقاص، وأبي أيوب الأنصاري، وزيد بن أرقم، والبراء بن عازب، وبريدة بن الحصيب، وابن عباس، وأنس بن مالك، وأبي سعيد الخدري، وأبي هريرة رضي الله عنهم، وقد جمع هذه الروايات المحدث الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة (1750)؛ قال أبو نعيم الأصبهاني رحمه الله في كتابه (تثبيت الإمامة وترتيب الخلافة) ص 55 : "هذه فضيلة بينة لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعناه: من كان النبي صلى الله عليه وسلم مولاه، فعلي والمؤمنون مواليه، دليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: ﴿ وَالْمُؤْمِنُون َ وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [التوبة: 71]، وقال: ﴿ وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ﴾ [الأنفال: 73].
والولي والمولى في كلام العرب واحد، والدليل عليه قوله تبارك وتعالى: ﴿ ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لَا مَوْلَى لَهُمْ ﴾ [محمد: 11]؛ أي: لا ولي لهم، وقال: ﴿ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ﴾ [التحريم: 4]، وقال الله: ﴿ اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ﴾ [البقرة: 257]، وقال: ﴿ وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ ﴾ [المائدة: 56].
قال البيهقي رحمه الله في كتابه ((الاعتقاد)) (ص 354): (وأما حديث الموالاة، فليس فيه نص على ولاية علي بعده، فمقصود النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، هو أنه لما بعثه إلى اليمن وكثُرت الشكاة منه، وأظهروا بُغضه، أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن يذكر اختصاصه به ومحبته إياه، ويحثهم بذلك على محبته وموالاته وترك معاداته، فقال: ((من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم والِ مَن والاه وعاد من عاداه))، والمراد به ولاء الإسلام ومودته، وعلى المسلمين أن يوالي بعضهم بعضًا لا يعادي بعضهم بعضًا)؛ انتهى مختصرًا.
4- عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: والذي فلق الحبة، وبرأ النسمة، إنه لعهد النبي الأمي صلى الله عليه وسلم إلي: ((ألا يحبني إلا مؤمن، ولا يبغضني إلا منافق))؛ رواه مسلم في أوائل صحيحه في كتاب الإيمان رقم (78)، ورواه الترمذي (3736)، والنسائي (5018)، وابن ماجه في أوائل سننه (114)، ورواه الإمام أحمد بن حنبل في مسنده (642)، ورواه أحمد أيضًا في كتابه فضائل الصحابة في موضعين (948) (961)، ورواه ابن حبان في صحيحه (6924) في باب ذكر الخبر الدال على أن محبة المرء علي بن أبي طالب رضي الله عنه من الإيمان، ورواه البزار (560)، وأبو يعلى (291)، وغيرهم، قال العلماء: لا يبغض عليًّا لدينه إلا منافق، وكذلك لا يبغض الأنصار لدينهم إلا منافق، ففي صحيح مسلم (74) عن أنس بن مالك رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((آية المنافق بُغض الأنصار، وآية المؤمن حب الأنصار))، قال النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم (2/ 64): (ومعنى هذه الأحاديث: أن من عرف مرتبة الأنصار، وما كان منهم في نُصرة دين الإسلام، والسعي في إظهاره، وإيواء المسلمين، وقيامهم في مهمات دين الإسلام حقَّ القيام، وحبهم النبي صلى الله عليه وسلم، وحبه إياهم، وبذلهم أموالَهم وأنفسهم بين يديه، وقتالهم ومعاداتهم سائر الناس إيثارًا للإسلام، وعرَف من علي بن أبي طالب رضي الله عنه قربه من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحب النبي صلى الله عليه وسلم له، وما كان منه في نُصرة الإسلام وسوابقه فيه، ثم أحب الأنصار وعليًّا لهذا - كان ذلك من دلائل صحة إيمانه وصدقه في إسلامه؛ لسروره بظهور الإسلام والقيام بما يرضي الله سبحانه وتعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، ومن أبغَضهم كان بضد ذلك، واستدل به على نفاقه وفساد سريرته"، أما ما يحصل من بغي بعض المسلمين على بعض، وكراهة بعضهم بعضًا لأجل دنيا، أو لتأويل قد يُعذَر صاحبه، وقد لا يُعذر، فليس هذا نفاقًا، بل هذا بغي وظلم قد يحصل من بعض المسلمين، فقد أخبر الله عن المؤمنين أنه يدخلهم الجنة، وينزع ما كان في صدورهم من غل وأحقاد وضغائن؛ فقال سبحانه: ﴿ وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ ﴾ [الأعراف: 43]).
5- عن أم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لعلي: ((لا يبغضك مؤمن، ولا يحبك منافق))؛ رواه الإمام أحمد في مسنده (26507)، ورواه أيضًا في ((فضائل الصحابة)) (1059)، ورواه الترمذي (3717) في باب مناقب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأبو يعلى في مسنده (6904)، وصححه الأرنؤوط، وصحَّحه الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (1299).
6- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((والذي نفسي بيده، لا يبغضنا أهلَ البيت رجلٌ، إلا أدخله الله النار))؛ رواه ابن حبان في صحيحه (6978) في باب ذكر إيجاب الخلود في النار لمبغض أهل بيت المصطفى صلى الله عليه وسلم، وحسنه الأرنؤوط، وصحَّحه الألباني في ((السلسلة الصحيحة)) (2488).
7- عن أم المؤمنين عائشة بنت أبي بكر الصديق رضي الله عنهما عن فاطمة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه سلم قال لها: ((يا فاطمة، ألا ترضين أن تكوني سيدة نساء المؤمنين، أو سيدة نساء هذه الأمة؟))؛ رواه البخاري (6285)، ومسلم (2450)، وأحمد بن حنبل (26413)، وابن ماجه (1621)، والنسائي في ((السنن الكبرى)) (8310)، والطبراني في ((المعجم الكبير)) (1032)، والحاكم في ((المستدرك)) (4740)، وغيرهم.
8- عن ابن شهاب الزهري عن عروة قال: قالت عائشة لفاطمة رضي الله عنها بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم: ألا أُبشرك أني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: ((سيدات نساء أهل الجنة أربع: مريم بنت عمران، وفاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخديجة بنت خويلد، وآسية))؛ رواه الحاكم في ((المستدرك على الصحيحين)) (4853)، وصححه الذهبي على شرط البخاري ومسلم، وصححه الألباني في ((صحيح الجامع الصغير)) (3678).
9- عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة))؛ رواه أحمد في مسنده (10999)، والترمذي في سننه (3768) في باب مناقب أبي محمد الحسن بن علي بن أبي طالب، والحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهما، وصحَّحه الترمذي، وصححه الأرنؤوط والألباني، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (2/ 423): (ورد من حديث أبي سعيد الخدري وحذيفة بن اليمان، وعلي بن أبي طالب، وعمر بن الخطاب، وعبدالله بن مسعود، وعبدالله بن عمر، والبراء بن عازب، وأبي هريرة، وجابر بن عبدالله، وقرة بن إياس)، وقد أطال الألباني رحمه الله في تخريج هذا الحديث بجميع شواهده، ثم قال (2/ 431): (فالحديث صحيح بلا ريب، بل هو متواتر كما نقَله المناوي).
10- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه حسن وحسين؛ هذا على عاتقه، وهذا على عاتقه، وهو يلثم هذا مرة، وهذا مرة، حتى انتهى إلينا، فقال له رجل: يا رسول الله، إنك تحبهما، فقال: ((من أحبهما فقد أحبني، ومن أبغضهما فقد أبغضني)) رواه أحمد في مسنده (9673)، والحاكم في ((المستدرك)) (4777) في باب مناقب الحسن والحسين ابني بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وصححه الحاكم ووافقه الذهبي، وصححه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (2895).
وقد ذكر الإمام أبو بكر محمد بن الحسين الآجُرِّيُّ رحمه الله في كتابه ((الشريعة)) أبوابًا كثيرة في فضائل أهل البيت، وروى كثيرًا من الأحاديث في فضائلهم، ثم قال (5/ 2200): (كتاب جامع فضائل أهل البيت رضي الله عنهم قال محمد بن الحسين رحمه الله: قد ذكرت من فضائل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب وفاطمة، والحسن والحسين رضي الله عنهم - ما حضرني ذكره, وفضلهم كثيرٌ عظيم, وأنا أذكر فضل أهل البيت جملةً, الذين ذكرهم الله عز وجل في كتابه في غير موضع, وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يباهل بهم، فقال جل ذكره: ﴿ فَقُلْ تَعَالَوْا نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ ﴾ [آل عمران: 61]، وهم: علي وفاطمة والحسن والحسين رضي الله عنهم, وهم الذين غشاهم النبي صلى الله عليه وسلم بمرط له مرحل, وقال لهم: ﴿ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [الأحزاب: 33]، وهم: علي, وفاطمة, والحسن والحسين رضي الله عنهم, وممن قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((كل سبب ونسب وصهر منقطع يوم القيامة، إلا سببي ونسبي وصهري))، فهم علي, وفاطمة, والحسن والحسين, وجعفر الطيار, وجميع أولاد علي, وجميع أولاد فاطمة, وجميع أولاد الحسن والحسين, وأولاد أولادهم, وذريتهم الطيبة المباركة, وأولاد خديجة أبدًا, رضوان الله عليهم أجمعين)؛ انتهى مختصرًا.
وصدق شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله عندما ذكر في كتابه ((منهاج السنة النبوية)) (5/ 511) أن أهل العلم بالحديث كانوا يحرصون على جمع فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ومن ينظر في صحيح البخاري يعجب من كثرة تبويبات الإمام البخاري رحمه الله في فضائل آل البيت، فقد ذكر في كتاب فضائل أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم باب مناقب علي بن أبي طالب القرشي الهاشمي أبي الحسن رضي الله عنه، روى فيه سبعة أحاديث من رقم (3701 -3707)، وذكر باب مناقب جعفر بن أبي طالب الهاشمي رضي الله عنه، روى فيه حديثين (3708 و3709)، وذكر باب مناقب قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ومنقبة فاطمة عليها السلام بنت النبي صلى الله عليه وسلم، وذكر البخاري في هذا الباب قول أبي بكر الصديق رضي الله عنه: (والذي نفسي بيده، لقرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم أحب إلي أن أصل من قرابتي)، وروى عن ابن عمر عن أبي بكر رضي الله عنهم قال: (ارقبوا محمدًا صلى الله عليه وسلم في أهل بيته)، وذكر البخاري باب مناقب الحسن والحسين رضي الله عنهما، روى فيه ثمانية أحاديث (3746-3753)، ثم قال البخاري رحمه الله: باب مناقب فاطمة عليها السلام، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ((فاطمة سيدة نساء أهل الجنة))، حدثنا أبو الوليد، حدثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينار، عن ابن أبي مليكة، عن المسور بن مخرمة رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: ((فاطمة بضعة مني، فمن أغضبها أغضبني)).
وفي صحيح مسلم ذكر الإمام مسلم رحمه الله في كتاب فضائل الصحابة ستة أحاديث في فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه (2404-2409)، وروى ثلاثة أحاديث في فضائل الحسن والحسين رضي الله عنهما (2421-2423)، وروى حديثين في فضائل فاطمة رضي الله عنها (2449-2450).
ورواية أئمة أهل السنة لهذه الأحاديث الصحيحة في كتب الحديث، تثبت بوضوح محبة أهل السنة لآل بيت النبوة عليهم السلام، وتُبرئهم مما يَفتريه عليهم المفترون، ويتبين لكل عاقل منصف أن أهل السنة هم الذين عملوا بوصية النبي صلى الله عليه وسلم بالأخذ بالعترة، والتذكير بأهل بيته، فعرفوا قدرهم وشرفهم، وأحبوهم ونشروا فضائلهم، فلم يجفوا عنهم، ولم يغلوا فيهم برفعهم فوق منزلتهم، ولم يدَّعوا لهم ما لم يدَّعوه هم لأنفسهم من العصمة أو صرف العبادة لهم كالدعاء الذي هو مخ العبادة، وقد قال النبي عليه الصلاة والسلام: ((إياكم والغلو في الدين، فإنما أهلك من كان قبلكم الغلوُّ في الدين))؛ رواه أحمد (3248)، والنسائي (3057)، وابن ماجه (3029) من حديث ابن عباس، وصححه الألباني.
وختامًا: اعلَم رحمك الله أن الشريعة الإسلامية كما بيَّنتْ فضل آل بيت النبوة وشرفهم، فإنها بيَّنتْ أيضًا أنها لا تُفضِّل أحدًا بمجرد نسبه، فهذا نوح عليه الصلاة والسلام كان ابنه كافرًا، وإبراهيم عليه الصلاة والسلام كان أبوه كافرًا، وكانت زوجتا نوح ولوط كافرتين، وكان أبو لهب عم النبي صلى الله عليه وسلم كافرًا.
وقد قال الله تعالى: ﴿ اأَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13].
وكان من خطبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في حجة الوداع في آخر حياته: ((يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى))؛ رواه أحمد في مسنده رقم الحديث (23489)، وصحح الحديث الأرنؤوط في تحقيق المسند المجلد 38 صفحة 474، وصححه أيضًا الألباني في كتابه ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (2700).
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((ومن بطَّأ به عمله لم يُسرع به نسبه))؛ رواه مسلم في صحيحه (2699).
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (تعليق الشرف في الدين بمجرد النسب، هو حكم من أحكام الجاهلية الذين اتَّبعتهم عليه الرافضة وأشباههم من أهل الجهل، فإن الله تعالى قال: ﴿ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ [الحجرات: 13]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا لأسود على أبيض، ولا لأبيض على أسود - إلا بالتقوى، الناس من آدم، وآدمُ من تراب»، ولهذا ليس في كتاب الله آية واحدة يمدح فيها أحدًا بنسبه، ولا يذم أحدًا بنسبه، وإنما يمدح الإيمان والتقوى، ويذم بالكفر والفسوق والعصيان.
وقد ثبت عنه صلى الله عليه وسلم في الصحيح أنه قال: ((أربع من أمر الجاهلية في أمتي لن يدعوهنَّ، الفخر بالأحساب، والطعن في الأنساب، والنياحة والاستسقاء بالنجوم))، والشريعة إنما علقت بالنسب أحكامًا؛ مثل: كون الخلافة من قريش، وكون ذوي القربى لهم الخمس، وتحريم الصدقة على آل محمد صلى الله عليه وسلم، ونحو ذلك؛ لأن النسب الفاضل مظنة أن يكون أهله أفضل من غيرهم؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ((الناس معادن كمعادن الذهب والفضة، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقِهوا))، فأما إذا ظهر دين الرجل الذي به تتعلق الأحكام، وعُرِف نوعُ دينه وقدره، لم يتعلق بنسبه الأحكام الدينية؛ ولهذا لم يكن لأبي لهب مزية على غيره لَمَّا عُرِف كفرُه كان أحقَّ بالذم من غيره، ولهذا جُعل لمن يأتي بفاحشة من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ضِعفين من العذاب، كما جعل لمن يقنت منهن لله ورسوله أجرين من الثواب، فذَوو الأنساب الفاضلة إذا أساؤوا كانت إساءتهم أغلظَ من إساءة غيرهم، وعقوبتهم أشد عقوبة من غيرهم)؛ انتهى من ((مجموع الفتاوى)) (35/ 230).
اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان، ولا تجعل في قلوبنا غلًّا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم، وصلِّ اللهم وسلم على نبينا محمد وأهل بيته وأزواجه وذريته، كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، وبارِك على محمد وأهل بيته وأزواجه وذريته، كما باركتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميد مجيد.

رابط الموضوع: https://www.alukah.net/sharia/0/131398/#ixzz5ZvlLkgeV