جهد منظم يعني..عائد مضاعف



عبير النحاس





عندما بدأ برنارد شو مشواره الأدبي قوبل بالكثير من مواقف الرفض لنشر ما خطه قلمه, ولكنه لم يتوقف عن الكتابة, و لم يقتله الإحباط, و لم يبحث عن وظيفة مملة تقضي على ما تبقى من أحلامه, بل تابع الكتابة و تابع محاولاته للنشر و كان يجعل ما كتبه في درج من أدراج غرفته حتى اشتهر و فتحت له أبواب النشر على مصراعيها و عندها أخرج أوراقه القديمة و تلقتها دور النشر و الصحف في زمانه بامتنان عظيم.

كانت ثقة الكاتب بأدبه و فنه رائعة جداً و كان صموده في وجه اليأس و الإحباط أشد روعة و كان التزامه بالكتابة دون تشجيع يُذكر هو الأروع على الإطلاق.

كثيرا ما تصادفني حالات لفتيات أو فتيان رفع التشجيع من مستواهم الدراسي لفترة, ولكن بعضهم كانوا يعودون لحالهم السابق من الإهمال والكسل بعد غياب ذلك التشجيع و انصرافه عنهم , و نلحظ هذا في مدارسنا بقوة عندما تأتي مدرسة أو مدرس جديد لمادة من المواد و يشعر بعض الطلبة بالانجذاب لهذا المدرس, و قد يشعر بهذا جميع الطلبة و لكن أثر لطفه و تمكنه من المادة و معاملته الحسنة للأولاد يقابلها تحسن في مستوى بعض الطلاب و براعة في فهم المادة و حفظها و التمكن من أدواتها, و المشكلة تكمن في ما لو غاب ذلك المدرس أو تبدل بمن لا يمتلك مثل طاقاته الإيجابية , عندها نرى عودة للوراء بالنسبة لمن تقدموا في أيام ماضية.

صادفتني هذه القضية كثيرا في مراحل التدريس التي قضيتها كمدرسة رسم تستعذب مواهب الأطفال, و كنت أنظر إلى مواهبهم في الرسم كثروة , و كنت أرى فرحا في عيونهم عندما أردد عبارات الثناء على لوحاتهم و ربما رأيتني أطبع قبلات على وجوههم من شدة الفرح و الإعجاب, و كنت أستمتع بلوحات ساحرة رائعة خطتها أناملهم, و كثيراً ما سمعت شكاوى من الأهل بأن أولادهم باتوا يقضون ساعات في الرسم دون المواد الأخرى, و كنت أدرك أن للتشجيع ذلك الأثر و أنها كانت مواهب أصيلة ينقصها فقط بعض الدعم النفسي و الممارسة المستمرة وهذا ما كنت أحصل عليه في سنوات وجود الأطفال بقربي, و لكنهم عندما يغادرون المدرسة مودعين و ينتقلون لمدارس الطلاب الكبار كانوا يتركون أقلا م الفحم و ريشة التلوين و ينسون موهبتهم و كنت أنعي تلك المواهب و أكاد أذرف لرؤية التصلب يسري في أكفهم الصغيرة.

الجهد المنظم هو سر أي نجاح في هذه الحياة, و سر كل تقدم و تفوق فيها, و هذا ينطبق على كل مسالك الحياة و كل الأهداف التي نقررها لنا فيها, فالدراسة و التفوق تحتاج منا لجهد منظم في الدرس و الحفظ و حل الواجبات و المتابعة دون الالتفات لوجود تشجيع و دعم دائمين, فالتشجيع و الدعم يجب أن يكونا نابعين من أنفسنا بداية.

الموهبة أيضا تحتاج جهداً منظما من غير انتظار تشجيع؛ فالكاتب الذي يحبط لأن القراء لم يكثروا الثناء على ما كتبه لن يكون يوماً كاتبا مؤثراً, و الرسام الذي لا تأخذه قدماه نحو اللوحة شوقاً لن يكمل طريقه, وحافظ القرآن الذي يحفظ فقط قبل جلسة التسميع لن يكون من الحفظة الماهرين, و الطالب الذي يدرس قبيل الامتحان و خوفا من العقاب لن يبرع و لن يصل إلى درجة عالم يوما.

ما نحتاجه لنصل إذن هو جهد منظم لا تأثير للتشجيع الخارجي عليه, بل هو همة من داخلنا و تشجيع من ذواتنا, و حينها فقط سنحصل على ما أخبرتنا به تلك الحكمة التي عنونت بها المقال أو لنقل :" العائد المضاعف".