منهج الاقتصاد الإسلامي في علاج مشكلة الاحتكار
د.حسين شحاته




لقد انتشر الاحتكار بكافة صوره الاقتصادية والسياسية والاجتماعية وأحدث الفساد في الأرض، ولقد أشار الله سبحانه وتعالى إلى ذلك في قوله تبارك وتعالى: }ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون{ [الروم: 41]




ولقد تنبأ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بذلك، وحذرنا من الخصال التي تؤدي إلى الفساد، فقد روى البزار وابن ماجة والبيهقي عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يا معشر المهاجرين خصال خمس، إذا ابتليتم بهن، ونزلن بكم، وأعوذ بالله أن تدركوهن: لم تظهر الفاحشة في قوم حتى يعلنوا بها، إلاّ فشا فيهم الأوجاع التي لم تكن في أسلافهم, ولم يمنعوا زكاة أموالهم، إلاّ منعوا القطر من السماء، ولولا البهائـــم لم يمطروا، ولم ينقضوا عهد الله وعهد رسوله، إلاّ سلط عليهم عدو من غيرهم فيأخذ بعض ما في أيديهم، وما لم تحكم أئمتهم بكتاب الله، إلاّ جعل بأسهم بينهم" (رواه ابن ماجة والبيهقي).



ويقول الفقهاء وعلماء الاقتصاد الإسلامي إن الاحتكار الاقتصادي يضيع الحقوق ويعطل المصالح بسبب مخالفة ما أمر به الله ورسوله وأجمع عليه الفقهاء، وإنه من صور الاعتداء على حقوق الأفراد والمجتمعات وأكل أموال الناس بالباطل, ويترتب عليه الظلم ومحق البركات والحياة الضنك.



ومن أهم آثار الاحتكار الاقتصادية: قتل المنافسة المشروعة, وانخفاض الجودة, وتبديد الموارد, وظهور السوق السوداء, وحرق السلعة، ونحو ذلك مما يضر بالناس وبالأسواق، وهذا كله يخالف أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، ويسبب الحياة الضنك، وهذا ما أشار الله إليه في كتابه الكريم: }فإما يأتينكم منى هدى، فمن تبع هداي فلا يضل ولا يشقى، ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا{ [طه: 123- 124].



إن المحتكر هو أساس الفساد الاقتصادي، فإذا فسد التاجر فسد المال، ويزداد الفساد ضراوة إذا اجتمع فساد التاجر وفساد السلطان معا وكوَّنا حلفا، ولذلك يجب إصلاح السلطان أولا ثم إصلاح التاجر، وعلى هذه الحقيقة يقوم المنهج الإسلامي لعلاج مشكلة الاحتكار الاقتصادي والذي يتمثل في الآتي:



أولاً: التربية الإيمانية والأخلاقية لرجال الأعمال علي التقوى والإيمان والمراقبة والمحاسبة الذاتية والقناعة والرضا وغير ذلك من القيم: ودليل ذلك من الكتاب قول الله تبارك وتعالى: }ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذنهم بما كانوا يكسبون{ [الأعراف: 96].



ثانياً: تفقه رجال الأعمال في المعاملات التي يقومون بها ومعرفة الحلال والالتزام به ومعرفة الحرام بتجنبه, أي الالتزام بشريعة الله عز وجل وهدى ورسوله -صلى الله عليه وسلم- فهما أساس البركة والنماء، ويعرفون أن الاحتكار حرام، ويقود إلى المحق والخسارة, ودليل ذلك من الكتاب قول الله تبارك وتعالى: }ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا{ [طه: 124]



وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدى أبدا: كتاب الله وسنتي" (البخاري).



ثالثاً: الرقابة الفعالة من الحكومة علي الأسواق وتطبيق الحدود والعقوبات الواردة في شرع الله ضد المحتكرين جميعا، ولا مجال للمجاملة أو المحسوبية, وأساس ذلك قول الله تبارك وتعالي: }الذين إن مكناهم في الأرض أقاموا الصلاة وآتوا الزكاة وأمروا بالمعروف ونهوا عن المنكرk{ ويقول العلماء: (إصلاح الناس بالإيمان وإصلاح الدولة).



رابعاً: حسن اختيار العاملين في الأجهزة الحكومية المختلفة على أساس القيم الإيمانية والأخلاقية والفقه والحنكة والبصيرة؛ لأن ذلك من موجبات الوقاية من الفساد قبل وقوعه، ولقد طبق ذلك في صدر الدولة الإسلامية، ولاسيما في العاملين على المال وعلي الأسواق كما هو في نظام الحسبة.



خامساً: قدوة ولي الأمر في تطبيق أحكام ومبادئ الشريعة الإسلامية، فإذا صلح الراعي صلحت الرعية، ومن سيرة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- والخلفاء الراشدين ومن تبعهم بإحسان نستطيع أن نستنبط النماذج المشرفة لدور ولى الأمر في منع الفساد الاقتصادي، وفى هذا المقام نذكر من قال لعمر بن الخطاب: "لو رتعت لرتعت الرعية".



خلاصة القول:
يعتبر الاحتكار جريمة من أكبر الجرائم الاقتصادية؛ لأنه صورة من صور أكل أموال الناس بالباطل، والمحتكر ملعون من الله ورسوله[1]، ويجب علي ولي الأمر منعه من الاحتكار، العمل على أن تكون الأسواق طاهرة وخالية من الغش والغرر والجهالة والتدليس وأكل أموال الناس بالباطل, والتدخل بالتسعير العدل الذي لا وكس فيه و لا شطط.
[1] لقد ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم العديد من الأحاديث النبوية الشريفة عن الاحتكار وتهديد المحتكر بالويل والعذاب الأليم منها قوله صلى الله عليه وسلم:
"الجالب مرزوق والمحتكر ملعون" (رواه ابن ماجه)
"من احتكر حكرة يـريد أن يغلى بها على المسـلمين فهو خاطـئ" (رواه أحمد).
"من احتكر فهو خاطئ" (رواه مسلم وأبو داود والترمذي).

"لا يحتكر إلا خاطئ" (رواه أحمد ومسلم).

"من دخــل في شيء من أسعار المسلمين ليغليه عليهم كان حقـا على الله أن يقعده بعظم من النار يوم القيامة" (أخرجه الطبرانى).

"من احتكر على المسلمين طعامهم ضربه الله بالجذام والإفلاس" (رواه ابن ماجه).

"من احتكر طعامـا أربعين ليلة فقد برئ من الله وبرئ الله منه، وإيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله" (رواه أحمد والحاكم)