هذا الأثر أخرجه الدولابي في الكنى والأسماء(2043) حدثنا علي بن معبد بن نوح قال: حدثنا روح بن عبادة قال: حدثنا حاتم بن أبي صغيرة أبو يونس القشيري قال: حدثنا سماك بن حرب، حدثنا عمي، أن ابن عياش خطبهم فقال: «إنّ هذه الكلاب ضعفة الجن، فما غشيكم منها عند طعامكم فأطعموه أو أطردوه» , وذكر الشبلي هذا الأثر في آكام المرجان (ص22) بقوله: قال أبوعثمان سعيد بن العباس الرازي..فذكره,
- قلت: لعل أبوعثمان - وهو صوفيٌ - له ترجمة في(الجرح والتعديل ج4 رقم 238), وذكره أبونُعيم في الحلية (10|70 ومابعدها) - قد أخرجه في كتاب (الإلهام والوسوسة) وهو الذي ينقل منه الشبلي في الآكام, وهو كتابٌ غير متوّفرٌ. وقد وقع في إسناد الدولابي إشكالات:
1)...حدثنا سماك بن حرب, حدثني عمي, وعمّه هذا لم يظهر لي من هو - ولكن لعله بشر - كما في سند الرازي الذي ذكره الشبلي في آكامه من طريقين عن شيخه إبراهيم بن موسى, بل زاده تعييناً إبن الجوزي في المنتظم من تاريخ الملوك والأمم(1|169) بقوله: بشر بن قحيف - وبشر هذا الصحيح بأنّه تابعي كما قال البخاري وصححه إبن حجر في الإصابة, وهو الذي يروي عنه سماك بن حرب.
2) ..أنّ إبن عياش خطبهم, لعله صوابه: إبن عباس – كما في جميع من ذكر هذا الأثر.
3) وقع هنا لفظة (الجن), ولعل صوابه (الحِن), وذلك لأمران:
الأول: كون إبن عباس فسّر معنى (الِحن) بقوله: ضعفة الجن – كما في رواية أبوعثمان الرازي المنقولة في كتاب الآكام, وفي معظم كتب اللغة التي تهتم بالغريب, لأّنّ هذه اللفظة تفسيرية, فأولاً ذكر الحِن, ثم فسّرها بقوله: ضعفة الجن, ومن المُستبعد أن يقول:( ..إنَ هذه الكلاب من الجن – ضعفة الجن).
الثاني: معظم كتب اللغة إنما تذكر هذا الأثر تحت حرف الحاء والنون (الحِن), ومنهم: إبن قتيبة في تأويل مختلف الحديث(ص270 – الهلالي), وفي غريب الحديث(2|621), وأبوعبيد في النهاية في غريب الحديث(3880 – الخرّاط), والزمخشري في الفائق في غريب الحديث(1|325), وإبن الجوزي في غريب الحديث(1|249), وإبن منظور في لسان العرب(13|132), بل إعتبره بيكر في تحقيق تأويل مختلف الحديث لإبن قتيبة (ص283) على ثلاث مخطوطات من أصل ثمانية توفّرت عنده, بأنّه الصواب, وكلمة (الجن) ماهى إلا تصحيفٌ.
بينما قال الهلالي في تحقيق نفس الكتاب(ص270) بأنّه هكذا في ثلاث مخطوطات من أصل الخمس التي إعتمد عليها, وفي الباقي بالجيم.
- وعموماً, فإنّ هذا السند جيدً من رواية الدولابي إلى بشر بن قحيف - وبشر هذا عِداده في التابعين – كما قال البخاري وإبن منده وأبونُعيم وإبن الأثير ووهّما أحمد بن سيار في ذكره ضمن الصحابة, وصحح إبن حجر ذلك, وأضاف بأنّ له إدراكاً, وبأنّه كان كبيراً في زمن النبي صلى الله عليه وسلم, كما في الإصابة (رسالة علمية – الصاعدي ترجمة 780).
وقد ذكره البخاري في تاريخه الكبير(2|81), وإبن أبي حاتم في الجرح والتعديل (2|363) وسكتا عنه, وذكره إبن حبان في الثقات(4|69), ولعله يتُسامح في مثل هذه الطبقات – من جهالة الحال – وخضوصاً بأنّه ذكر بأنّه سمع إبن عباس رضى الله عنهما يخطبهم, يعني قد شهد ذلك, وهذا أدعى للحفظ والضبط.... وكذا يشهد له ماذكره الشبلي بعده من كلام علي بن أبي طالب رضى الله عنه (إن كان السند محفوظاً كذلك!!)...والله تعالى أعلمتنبيهان:
1) سكت الهلالي عن تخريج هذا الأثر, وقال بيكر: لم أقف عليه مسنداً!! وكذا قال السناري في تحقيق تأويل مختلف الحديث ص195.
2) وقع في بعض طرق حديث قتل الكلاب المرفوعة قلبٌ وزيادةٌ, فقد أخرج أبويعلى برقم(2442), وعبد بن حميد (المنتخب 1464), والطبراني في الكبير(11979), والأوسط( 2719) و والبزار بنحوه (كشف 1228), هذا الحديث بلفظ (لولا أنّ الكلاب أمة من الأمم ، لأمرت بقتل كل أسود بهيم, فأقتلوا المعينة من الكلاب ؛ فإنها الملعونة من الجن )!!
وجاء مرسلاً فيما ذكره الشبلي في الآكام ص22 عن أبي قلابة (بتخصيص الأسود بأنّه جنّها)
قلت: وهنالك ملاحظتان:
الأولى: وهى أنّ أصل جاء بلفظ (لولا أنّ الكلاب أمةٌ, لأمرتُ بقتلها، فأقتلوا منها الأسود البهيم) أخرجه أحمد وعبد بن حميد وإبن حبان وغيرهم بسندٍ صحيحٍ, وقد صرّح الحسن بالسماع عند إبن حبان.
الثانية: هذه الزيادة الموجودة عند من ذُكر آنفاً لاتصح لأنّ:
- في رواية عبد بن حميد – ابوهارون العبدي – وهو متروكٌ, وقد كذبه بعضهم.
- وفي رواية أبي يعلى والطبراني – أبوعبدالرحمن العلاف, ذكره إبن أبي حاتم في الجرح والتعديل ولم يذكره بشئ, وذكره إبن حبان في الثقات, فهو مجهولٌ, وعبد الملك بن خطاب, ذكره إبن حبان في الثقات, وأخرج له البخاري في الأدب المفرد حديثين, وقال إبن القطان: حاله مجهولٌ, وقال الذهبي: مقلٌ جداً, وقال إبن حجر في التقريب: مقبولٌ – يعني إذا تُوبع, ومتابعة العبدي لاتسمن ولاتغني من جوعٍ.
- ورواية البزار قال فيها الهيتمي: سعيد بن بحر لم أجد من ترجم له, وقال إبن أبي العينين: ترجم له السمعاني في الأنساب, ولم يذكر فيه جرحاً ولاتعديلاً (المنتخب 1464), قلت:قال الألباني في الضعيفة(6064): بل وثقه الخطيب كما في تاريخه(10|131).
ولكن لاحجة فيها, لأنّ تفسير كلمة البهيم جاءت من الرواة, ليست مرفوعةً, ثم هى بمعنى رواية مسلم (وهى بمعنى الرواية المرسلة التي ذكرها الشبلي عن أبي قلابة) في تعليل قتل الكلب الأسود خصوصاً, وهى بأنّ كونه شيطاناً - والشيطان جنٌ- فكل شيطان جنٌ, ولاعكس , قال تعالى:( وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس كان من الجن ففسق عن أمر ربه أفتتخذونه وذريته أولياء من دوني وهم لكم عدو بئس للظالمين بدلا), وأنظر السلسلة الضعيفة (6084).
- وعليه, فصارت مثل هذه الزيادة منكرةٌ, وتحسين الهيتمي وكذا السناري في تحقيق تأويل مختلف(ص195) لايخفى بُعده.
هذا ماتيسير جمعه, والله تعالى أعلم