مشايخي الكرام:
تعلمون أنَّ صاحب القراءة العاشرة - بحسب ترتيب كتاب النشر وغيره - هو خلف بن هشام البزَّار، ولذا يُسمَّى: خلف العاشر، وهو آخِر العشرة موتًا توفي 229 هـ.
- أخذ القراءة عن سُليم صاحب حمزة.
- وعن يعقوب الأعشى وأبي زيد الأنصاري، وهما من أصحاب تلاميذ عاصم.
- وروى الحروف عن الكسائي، ولم يقرأ عليه.
فهذه روايته لقراءات الكوفيين قبله.
[أيضًا روى الحروف عن المسيبي عن نافع، وهذا لا يعنينا هنا]
وقراءة خلفٍ العاشر يُسمُّونَها: اختيار خلف، ولا شيء في هذه التسمية؛ فهذا شأن القراءات أنَّها اختيارات لأصحابِها من مَجموع ما رَوَوْا؛ كقِراءة نافع، وأبي عمرو مِمن عُرفوا بكثرة مشايخهم.
أمَّا موضوعُنا الآن فهو ما ذكره ابن الجزري وتُنوقل بعده: أنَّ اختيارَ خلف لا يخرُج عن قراءة حَمزة والكسائي ورواية أبي بكر (شعبة) إلا في حرف واحد.
قال ابن الجزري [النشر: ص191]: "تتبَّعْتُ اخْتِيارهُ فلمْ أرَهُ يخْرُجُ عنْ قِراءةِ الكُوفِيِّين فِي حَرْفٍ واحِدٍ، بلْ ولا عنْ حمْزةَ والكِسائِيِّ وأبي بكْرٍ إِلا في حَرْفٍ واحِدٍ، وهُو قوْلُهُ تعالى فِي الأنْبِياءِ: ((وَحَرَامٌ على قَرْيَةٍ)) قرأها كحَفْصٍ والجَماعةِ بِألِفٍ، ورَوى عنْهُ أبُو العِزِّ القلانِسِيُّ فِي إِرْشادِهِ السَّكْتَ بَيْنَ السُّورتَيْنِ فخالَفَ الكُوفِيِّين"
أقول: أي أنَّ خلفًا - رحمه الله - في اختياره، يتابع ما رواه عن هؤلاء [حمزة والكسائي وأبي بكر] أو أحدهم، ولم يُخالفهم ولو حتَّى إلى حفص الكوفي إلا في هذا الموضع المذكور من سورة الأنبياء؛ حيث يقرءون: (وحِرْمٌ).
وهذا التتبع من ابن الجزري - رحمه الله - حقيق أن يؤخذ ويتناقل بالتسليم؛ لمكانة ابن الجزري رحمه الله، وفيه دليل على أنَّ خلفًا لم يتصرَّف في اختياره إلا في حدود ضيقة جدًّا.
لكن لا بأس أن يكون على هذا التتبع استدراك لا يغير مضمونه ومحتواه.
وأنا لستُ جديرًا بهذا التتبع ولا قصدته، ولكن انتبهتُ مصادفةً إلى موضع خالف فيه خلفٌ حمزةَ والكسائيَّ وأبا بكر، وهذا الموضع هو قوله تعالى: ((كَوْكَبٌ دُرِّيّ))
فقرأ الكسائي: ((دِرِّيءٌ)) بكسر الدال وبهمزة بعد الياء المخففة، كأبي عمرو البصري.
وقرأ حمزة وأبو بكر كذلك إلا أن الدال مضمومة ((دُرِّيءٌ)).
ولم يقرأ خلف بهذه ولا تلك، وإنما قرأ كحفص والباقين: ((كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ)).
الإخوة الأفاضل
كتاب النشر الذي معي هو طبعة الشيخ الضباع، وكذلك الطبعة المأخوذة منها ومكتوب عليها اسم جمال الدين شرف (طبعة دار الصحابة)
ومعي أيضًا الجزء الذي حقَّقه الفاضل (محمد بن محفوظ الشنقيطي) كرسالة ماجستير، ولم أجد مَن نبَّه على ما نبهت إليه.
المرجوّ مِمَّن اطَّلع على تَحقيق الدكتور (السالم بن محمد محمود الشنقيطي) للقسم الأول أن يُتْحِفنا بتنبيهاته هنا إن وُجِدَتْ، فظني الجميل بالمحقّق الفاضل أن يكون نبه على مثل ذلك.