بسم الله والحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله, محمد صلى الله عليه وسلم -
السلام عليكم -
قال الله تعالى (يَابَنِى ءادَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمْ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنْ الْجَنَّةِ يَنزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْءاتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ), وهذا نص صريح فى استحالة رؤية الإنس للشيطان ونسله, فالآية مطلقة ولم تستثن .
قال الرازي في تفسير (من حيث لا ترونهم) :"دل على أن الإنس لا يرون الجن لأن قوله: (من حيث لا ترونهم) يتناول أوقات الاستقبال من غير تخصيص، قال بعض العلماء ولو قدر الجن على تغيير صور أنفسهم بأي صورة شاؤوا وأرادوا، لوجب أن ترتفع الثقة عن معرفة الناس، فلعل هذا الذي أشاهده وأحكم عليه بأنه ولدي أو زوجتي جنى صور نفسه بصورة ولدي أو زوجتي وعلى هذا التقدير فيرتفع الوثوق عن معرفة الأشخاص، وأيضا فلو كانوا قادرين على تخبيط الناس وإزالة العقل عنهم مع أنه تعالى بين العداوة الشديدة بينهم وبين الإنس، فلم لا يفعلون ذلك في حق أكثر البشر؟ وفي حق العلماء والأفاضل والزهاد، لأن هذه العداوة بينهم وبين العلماء والزهاد أكثر وأقوى، ولما لم يوجد شيء من ذلك ثبت أنه لا قدرة لهم على البشر بوجه من الوجوه. ويتأكد هذا بقوله: * (ما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي)".
وقال ابن حزم في الفصل في الملل والأهواء والنحل (12/5) :"وإذا أخبرنا الله عز وجل أننا لا نراهم فمن ادعى أنه يراهم أو رآهم فهو كاذب إلا أن يكون من الأنبياء عليهم السلام فذلك معجزة لهم كما نص رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه تفلت عليه الشيطان ليقطع عليه صلاته قال فأخذته فذكرت دعوة أخي سليمان ولولا ذلك لأصبح موثقا يراه أهل المدينة أو كما قال - عليه السلام - ، وكذلك في رواية أبي هريرة الذي رأى إنما هي معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولا سبيل إلى وجود خبر يصح برؤية جني بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم وإنما هي منقطعات أو عمن لا خير فيه".
وروي عن الشافعي قوله: "من زعم أنه يرى الجن رددنا شهادته إلا أن يكون نبيا", وقوله هذا عام لا تخصيص فيه ولا إستثناء؛ أنظر أحكام القرآن للبيهقي (ح32) وأحكام القرآن للقرطبي (195/2).
وقال نور الدين الحلبي في عقد المرجان فيما يتعلق بالجان (ص 42) :"ونوزع في قدرتهم على التشكل بأنه : يستلزم المشقة بشيء فإنه من رأى نحو ولده أو زوجته احتمل أنه جني يتشكل بذلك, ورد بأن الله تعالى تكفل لهذه الأمة بعصمتها عن أن يقع فيها ما يؤدي لمثل ذلك المترتب عليه الريبة في الدين ، فاستحال شرعا الاستلزام المذكور".
روي عن أسيد بن عمرو قال: (ذكرنا عند عمر (بن الخطاب) الغيلان فقال: إنه لا يستطيع شيء أن يتحول عن خلق الله الذي خلقه، ولكن فيهم سحرة كسحرتكم، فإذا أحسستم من ذلك شيئاً فأذِّنوا) رواه ابن أبي شيبة (94/6), وعبدالرزاق (162/5), وصححه أبن حجر في فتح الباري (396/6). قول عمر فإن ظهور الجن بالصور المختلفة ليس حقيقة، وإنما هو من باب التخييل، كتخييل السحرة على الرائين .
ومثل قول الله تعالى (وَإِذْ زَيَّنَ لَهُمْ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ وَقَالَ لا غَالِبَ لَكُمْ الْيَوْمَ مِنْ النَّاسِ وَإِنِّى جَارٌ لَكُمْ فَلَمَّا تَرَاءَتْ الْفِئَتَانِ نَكَصَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَقَالَ إِنِّى بَرِىءٌ مِنْكُمْ إِنِّى أَرَى مَا لا تَرَوْنَ إِنِّى أَخَافُ اللَّهَ وَاللَّهُ شَدِيدُ الْعِقَابِ)
قال الضحاك : جاءهم إبليس يوم بدر برايته وجنوده ، وألقى في قلوبهم أنهم لن يهزموا وهم يقاتلون على دين آبائهم .
وهذا القول هو المطابق للآية, فالشيطان وجنود قد زينوا لهم أعمالهم بالوسوسة؛ بخلاف من قال أنه تشكل على صورة سراقة بن مالك، الذي لم يثبت بإسنادٍ صحيح، بل روي عن ابن عباس، وفي إسناده ضعف؛ فهو من رواية علي بن أبي طلحة .
قال الله تعالى (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخَاء حَيْثُ أَصَابَ وَالشَّيَاطِينَ كُلَّ بَنَّاء وَغَوَّاصٍ وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الأَصْفَادِ هَذَا عَطَاؤُنَا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسَابٍ), فالجن كانوا مرئيين وظاهرين لسليمان عليه السلام بمعجزة. وكما نعلم أن المعجزة أمر خارق للعادة، وأمور تجري حوادثها خلافاً للسنن الكونية؛ والساحر ليس له سلطه على الجن, بل هم من يطلبون من الساحر أشياء معينه, ثم إذا فعل نفذوا اوآمره, وليس له عليهم سلطان .
ولو كانت خاصية التشكل للجن من الخصائص التي أودعها الله فيهم، وجعل لهم القدرة على ذلك, لتمثل بصورة إنسان ومشى فى الطرقات, وتخفى وتشكل ودخل البيوت وعاث في الناس فسادا .
وقول الجمهور هو أن الجن يتشكلون ويشاهدون في بعض الأوقات ولبعض الناس, وقال بعضهم : إنه تخييل لا حقيقة له, وقال غيرهم .., والذي أؤمن به أن رؤيتهم خاصة بالنبي معجزه له, وأنهم لا يتشكلون, بل يتلبس الجن فيدخل في جسد إنسان او حيوان ويتحكم به ويتكلم بلسانه وصوته، أو يتسلط على حاسة البصر فيخيل بسحره للرأي فتتغير أمامه الحقائق, أما ان يتشكل الجن بنفسه على صور مختلفة فهذا لم يثبت, والله تعالى أعلم .