تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 3 من 3

الموضوع: (( بُعِثْتُ بالسيف بين يدي الساعة ))

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي (( بُعِثْتُ بالسيف بين يدي الساعة ))

    قال ابن رجب رحمه الله -أخرج أحمد من حديث ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : " بعثت بين يدي الساعة ، حتى يعبد الله وحده لا شريك له ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي ، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري ، ومن تشبه بقوم فهو منهم " .
    فقوله صلى الله عليه وسلم : " بعثت بالسيف " :
    يعني أن الله بعثه داعيا إلى توحيده بالسيف بعد دعائه بالحجة ، فمن لم يستجب إلى التوحيد بالقرآن والحجة والبيان دعي بالسيف ، قال الله تعالى : { لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعلم الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز } .
    وفي الكتب السالفة وصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه يبعث بقضيب الأدب ، وهو السيف . ووصى بعض أحبار اليهود عند موته باتباعه وقال : انه يسفك الدماء ، ويسبي الذراري والنساء ، فلا يمنعهم ذلك منه . وروي أن المسيح عليه السلام قال لبني إسرائيل في وصف النبي صلى الله عليه وسلم : " إنه يسل السيف فيدخلون فيه دينه طوعا وكرها
    وإنما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بالسيف بعد الهجرة لما صار له دار وأتباع وقوة ومنعة ، وقد كان يتهدد أعداءه بالسيف قبل الهجرة ، وكان صلى الله عليه وسلم يطوف بالبيت وأشراف قريش قد اجتمعوا بالحِجر وقالوا : ما رأينا مثل ما صبرنا عليه من هذا الرجل ، قد سفه أحلامنا ، وشتم آباءنا ، وعاب ديننا ، وفرق جماعتنا ، وسب آلهتنا . لقد صبرنا منه على أمر عظيم . فلما مر بهم النبي صلى الله عليه وسلم غمزوه ببعض القول ، فعرف ذلك في وجهه صلى الله عليه وسلم ، وفعلوا ذلك به ثلاث مرات ، فوقف وقال : " أتسمعون يا معشر قريش ؟ أما والذي نفس محمد بيده ، لقد جئتكم بالذبح " . فأخذت القوم كلمته ، حتى ما فيهم رجل إلا وكأنما على رأسه طير واقع ، وحتى أن أشدهم عليه قبل ذلك ليلقاه بأحسن ما يجد من القول ، حتى انه ليقول : انصرف يا أبا القاسم راشداً ، فوالله ما كنت مجهولا .
    وقال محمد بن كعب : بلغ النبي صلى الله عليه وسلم أن أبا جهل يقول : إن محمداً يزعم أنكم ما بايعتموه عشتم ملوكا فإذا متم بعثتم بعد موتكم ، وكانت لكم جنان خير من جنان الأردن ، وأنكم إن خالفتموه كان لكم منه الذبح ، ثم بعثتم بعد موتكم وكانت لكم نار تعذبون فيها ، فبلغ النبي صلى الله عليه وسلم قوله . فقال : " وأنا أقول ذلك إن لهم مني لذبحاً ، وإنه لآخذهم " .
    وقد أمر الله تعالى بالقتال في مواضع كثيرة ، قال تعالى : { فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم واقعدوا لهم كل مرصد } وقال : { فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدوا الوثاق ، فإما منّاً بعد وإما فداء } ولهذا عوتبوا على أخذ الفداء منهم أول قتال قاتلوه يوم بدر ونزل قوله تعالى : { ما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى يثخن في الأرض . تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة }
    وكانوا قد أشاروا على النبي صلى الله عليه وسلم بأخذ الفداء من الأسارى وإطلاقهم .
    قال ابن عيينة : أرسل محمد صلى الله عليه وسلم بأربعة سيوف : سيف على المشركين من العرب حتى يسلموا ، وسيف على المشركين من غيرهم حتى يسلموا أو يسترقوا أو يقادوا بهم ، وسيف على أهل القبلة من أهل البغي .
    . والذي يظهر إن في القرآن أربعة سيوف : سيف على المشركين حتى يسلموا أو يؤسروا ، فأما منّاً بعد وإما فداء ، وسيف على المنافقين وهو سيف الزنادقة ، وقد أمر الله بجهادهم والإغلاظ عليهم في سورة براءة وسورة التحريم وآخر سورة الأحزاب ، وسيف على أهل الكتاب حتى يعطوا الجزية ، وسيف على أهل البغي ، وهو المذكور في سورة الحجرات . ولم يسل صلى الله عليه وسلم هذا السيف في حياته ، وإنما سله علي رضي الله عنه في خلافته . وكان يقول : " أنا الذي علمت الناس قتال أهل القبلة " .
    وله صلى الله عليه وسلم سيوف أخر ، منها : سيفه على أهل الردة وهو الذي قال فيه : " من بدل دينه فاقتلوه " . وقد سله أبو بكر الصديق رضي الله عنه من بعده في خلافته على من ارتد من قبائل العرب .
    ومنها سيفه على المارقين ، وهم أهل البدع كالخوارج . وقد ثبت عنه الأمر بقتالهم مع اختلاف العلماء في كفرهم . وقد قاتلهم علي رضي الله عنه في خلافته مع قوله : " انهم ليسوا بكفار " .
    وقد روي عن علي رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بقتال المارقين والناكثين والقاسطين . وقد حرق علي طائفة من الزنادقة ، فصوب ابن عباس قتلهم ، وأنكر تحريقهم بالنار . فقال علي : " ويح ابن عباس ، لبحاث عن الهنات " .
    قوله صلى الله عليه وسلم : " بين يدي الساعة " :
    يعني أمامها ، ومراده أنه بعث قدام الساعة قريباً منها . ومن أسمائه صلى الله عليه وسلم الحاشر ، والعاقب كما صح عنه صلى الله عليه وسلم انه قال : " أنا محمد وأحمد ، والماحي ، الذي يمحو الله بي الكفر ، والحاشر الذي يحشر الناس على قدمي ، والعاقب الذي ليس بعدي نبي " .

    وصح عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال : " بعثت أنا والساعة كهاتين " وأشار بإصبعيه ؛ السبابة والوسطى ، خرجاه في الصحيحين .
    وخرج الإمام أحمد من حديث بريدة : " بعثت أنا والساعة جميعاً إن كادت لتسبقني " . وللترمذي : " بعثت في نفس الساعة فسبقتها كما سبقت هذه لهذه - لإصبعيه السبابة والوسطى - ليس بينهما إصبع أخرى " والصحيح أنه يدل من ذلك على القرب من الساعة .

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    قوله صلى الله عليه وسلم : " حتى يعبد الله وحده لا شريك له " :
    هذا هو المقصود الأعظم من بعثته صلى الله عليه وسلم بل من بعثة الرسل من قبله كما قال تعالى : { وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون } وقال تعالى : { ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت } بل هذا هو المقصود من خلق الخلق وإيجادهم كما قال تعالى : { وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون


    فلما طبق الشرك أقطار الأرض ، واستطار شرره في الآفاق من المشرق إلى المغرب بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم بالحنفية المحضة والتوحيد الخالص دين إبراهيم عليه السلام ، وأمره أن يدعو الخلق كلهم إلى توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له ، فكان يدعو الناس سراً إلى ذلك نحواً من ثلاث سنين ، فاستجاب له طائفة من الناس ، ثم أمر بإعلان الدعوة وإظهارها ، وقيل له : { فاصدع بما تؤمر } فدعا إلى الله وإلى توحيده وعبادته وحده لا شريك له جهراً ، وأعلن الدعوة ، وذم الآلهة التي تعبد من دون الله ، وذم من عبدها وأخبر أنه من أهل النار ، فثار عليه المشركون ، واجتهدوا في إيصال الأذى إليه وإلى اتباعه ، وفي إطفاء نور الله الذي بعثه به ، وهو لا يزداد إلا إعلانا بالدعوة وتصميما على إظهارها وإشهارها والنداء بها في مجامع الناس .
    وكان يخرج بنفسه في مواسم الحج إلى من يقدم إلى مكة من قبائل العرب فيعرض نفسه عليهم ، ويدعوهم إلى التوحيد ، وهم لا يستجيبون له ، بل يردون عليه قوله ويسمعونه ما يكره ، وربما نالوه بالأذى ، وبقي عشر سنين على ذلك يقول : " من يمنعني حتى أؤدي رسالات ربي ؟ " .
    وكان يشق أسواقهم بالمواسم وهم مزدحمون بها كسوق ذي المجاز ، ينادي : " يا أيها الناس قولوا : لا إله إلا الله تفلحوا " ووراءه أبو لهب يؤذيه ويرد عليه وينهى الناس عن اتباعه .
    واجتمع المشركون مرة عند عمه أبي طالب يشكونه إليه ويقولون : شتم آلهتنا وسفه أحلامنا وسب آباءنا ، فمره فليكف عن آلهتنا . فقال أبو طالب للنبي صلى الله عليه وسلم : أجب فيما سألوه . فقال : " أنا أدعوهم إلى خير من ذلك : أن يتكلموا كلمة تدين لهم بها العرب ويملكون بها العجم " . فقال أبو جهل " نعطيكها وعشر أمثالها ، قال : " تقولون لا إله إلا الله " . فنفروا عنه ذلك وتفرقوا وهم يقولون : { أجعل الآلهة إلهاً واحداً ؟ إن هذا لشيء عجاب } وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قال لعمه : " يا عم لو وضعوا الشمس في يميني والقمر في يساري على أن أترك هذا الأمر ما تركته حتى يظهره الله أو أهلك دونه " .
    قال صلى الله عليه وسلم : " لقد أخفت في الله وما يخاف أحد ، ولقد أوذيت في الله وما أوذي أحد ، ولقد أتت علي ثلاثون - من بين يوم وليلة - ومالي طعام يأكله ذو كبد إلا شيء يواريه إبط بلال " .
    وفي رواية عنه صلى الله عليه وسلم قال : " ما أوذي أحد في الله ما أوذيت " .

    كان العدو يجهد له نيل الأذى ، والصديق يلوم على هذا الاحتمال إذا كان كذا ، والمحبة تقول : حبذا هذا الشقاء إذا كان في رضى الحبيب والدعوة إلى التوحيد ، حبذا .
    وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي * متأخر عنه ولا متقــدم
    أجد الملامة في هــــواك لذيذة * حباً لذكرك فليلمني اللوم
    ثم إن أبا طالب لما توفي وتوفيت بعده خديجة اشتد المشركون على رسول الله صلى الله عله وسلم حتى اضطروه إلى أن خرج من مكة إلى الطائف ، فدعاهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، فلم يجيبوه وقابلوه بغاية الأذى وأمروه بالخروج من أرضهم ، وأغروا به سفاءهم ، فاصطفوا له صفين وجعلوا يرمونه بالحجارة حتى أدموه ، فخرج معه مولاه زيد بن حارثة فلم يمكنه دخول مكة إلا بجوار وطلب من جماعة من رؤساء قريش أن يجيروه حتى يدخل مكة فلم يفعلوا حتى أجاره المطعم بن عدي ، فدخل في جواره ، وعاد إلى ما كان عليه من الدعاء إلى توحيد الله وعبادته .
    وكان يقف بالموسم على القبائل فيقول لهم قبيلة قبيلة : " يا بني فلان إني رسول الله إليكم : يأمركم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئاً " وأبو لهب خلفة يقول : لا تطيعوه . وكان النبي صلى الله عله وسلم ينادي : " من يؤويني ؟ من ينصرني ؟ حتى أبلغ رسالة ربي وله الجنة ؟ " فلا يجيبه أحد حتى بعث له الأنصار بالمدينة فبايعوه .
    هذا كله وهو صابر على الدعوة إلى الله عز وجل على هذا الوجه ، راض بما يحصل له فيها من الأذى ، منشرح الصدر بذلك ، غير متضجر منه ولا جزع . كان إذا اشتكى أحد من أصحابه يقول : " إني عبد الله ولن يضيعني " .
    صـرت لهم عبيداً * وما للعبد أن يعترضا
    من لمريض لا يرى * إلا الطبيب المُمرضا ؟
    وفي الصحيح عن عائشة قالت : قلت ، يا رسول الله ، هل مر عليك يوم أشد من يوم احد ؟ فقال : " لقد لقيت من قومك ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فلم أفق إلا وأنا بقرن الثعالب فرفعت رأسي فإذا أنا بساحبة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك ، وقد بعث الله إليك ملك الجبال لتأمره بما شئت فيهم ، قال فناداني ملك الجبال فسلم علي ، ثم قال : إن الله قد سمع قول قومك وأنا ملك الجبال ، وقد بعثني ربك إليك لتأمرني بأمرك وما شئت ، إن شئت أن أطبق الاخشبين عليهم ، فقال له الرسول صلى الله عليه وسلم : " بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد اله وحده لا يشرك به شيئاً " .
    ما مقصود الرسول صلى الله عليه وسلم إلا أن يعبد الله ولا يشرك به شيء ، وما يبالي - إذا حصل ذلك - ما أصابه في الدعوة إليه ، إذا وحد معبوده ، حصل مقصوده ، إذا عبد محبوبه ، حصل مطلوبه ، إذا ذكر ربه ، رضي قلبه ، وأما جسمه فما يبالي أصابه في سبيل ربه ما يؤلمه ، أو يلائمه .
    إذا كان سركم ما قد بليت به * فما لحرج إذا أرضاكم ألم
    وحسب سلطان الهوى انـه * يولـف فيه كل ما يؤلم
    وكان كلما آذاه الأعداء إذا دعاهم إلى مولاهم رجع إلى مولاه فتسلى بعلمه ونظره إليه وقربه منه ، واشتغل بمناجاته ، وذكره ودعائه وخدمته ، فنسي كل ما أصابه من الألم من اجله ، وقد أمره الله بذلك في القرآن في مواضع كثيرة نحو قوله تعالى : { واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وأدبار السجود } وقوله : { وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب } وقوله : { ولقد نعلك انك ليضيق صدرك بما يقولون فسبح بحمد ربك وكن من الساجدين ، واعبد ربك حتى يأتيك اليقين } .
    وكان صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر قام إلى الصلاة لأن الصلاة صلة ، وكان يقول : " وجعلت قرة عيني في الصلاة " .
    سروري مــن الدهر لقياكـم * ودار سلامي مغناكـــم
    وأنتم منتهـى أمـلي مـا حييت * وما طاب عيشي لولاكـم
    إذا ازدحمت فـي فؤادي الهموم * أروح قلبـي بذكراكــم
    فلا تنسوا العهد فيما مضـــى * فلسنا مدى الدهر ننساكم

    فلم يزل صلى الله عليه وسلم يدعو إلى عبادة الله وحده لا شريك له حتى ظهر دين الله وأعلن ذكره وتوحيده في المشارق والمغارب ، وصارت كلمة الله هي العليا ، ودينه هو الظاهر ، وتوحيده هو الشائع ، وصار الدين كله لله ، والطاعة كلها لله ، ودخل الناس في دين الله أفواجا . فجعل ذلك علامة اقتراب اجله وأمر حينئذ بالتهيؤ للقاء الله والنقلة إلى دار البقاء .
    وكان المعنى أن قد حصل المقصود من إرسالك ، وظهر توحيدي في أقطار الأرض وزال منها ظلام الشرك ، وحصلت عبادتي وحدي لا شريك لي ، وصار الدين كله لي ، فأنا أستدعيك إلى جواري لأجزيك أعظم الجزاء : { وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى } .
    وفي صفته صلى الله عليه وسلم في التوراة : " ولن أقبضه حتى أقيم به الملة العوجاء بأن يقولوا لا إله إلا الله وأفتح به أعينا عميا ، وآذانا صما ، وقلوبا غلفا " . وكان صلى الله عليه وسلم إنما يقاتل على دخول الناس في التوحيد كما قال : " أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله ، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام " .
    وكان إذا بعث سرية للغزو يوصي أميرهم بأن يدعو عدوه عند لقائهم إلى التوحيد ، وكذلك أمر علي ابن أبي طالب حين بعثه لقتال أهل خيبر .

    وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنه كان إذا بعث بعثاً قال " تألفوا الناس وتأنوا بهم ولا تغيروا عليهم حتى تدعوهم ، فما على الأرض من أهل بيت ولا مدر ولا وبر إلا أن تأتوني بهم مسلمين أحب إلى من أن تأتوني بنسائهم وأولادهم وتقتلوا رجالهم "

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2012
    المشاركات
    7,880

    افتراضي

    قوله صلى الله عليه وسلم : " وجعل رزقي تحت ظل رمحي " :
    إشارة إلى ان الله لم يبعثه بالسعي في طلب الدنيا ، ولا بجمعها واكتنازها ، ولا الاجتهاد في السعي في أسبابها وإنما بعثه داعيا إلى توحيده بالسيف ، ومن لازم ذلك أن يقتل أعداءه الممتنعين عن قبول التوحيد ، ويستبيح دماءهم وأموالهم ، ويسبي نساءهم وذراريهم ، فيكون رزقه مما أفاء الله من أموال أعدائه ، فإن المال إنما خلقه الله لبني آدم ليستعينوا به على طاعته وعبادته ، فمن استعان به على الكفر بالله والشرك به سلط الله عليه رسول واتباعه فانتزعوه منه وأعادوه إلى من هو أولى به من أهل عبادة الله وتوحيده وطاعته ، ولهذا يسمى الفيء لرجوعه إلى من كان أحق به ولأجله خلق .
    وكان في القرآن المنسوخ : { إنما أنزلنا المال لاقام الصلاة وإيتاء الزكاة } .
    فأهل التوحيد والطاعة لله أحق بالمال من أهل الكفر به والشرك ، فانتزع أموالهم ، وجعل رزق رسوله من هذا المال لأنه أحل الأموال كما قال تعالى { فكلوا مما غنمتم حلالا طيبا } وهذا مما خص الله به محمداً صلى الله عليه وسلم وأمته فإنه أحل لهم الغنائم .
    وقد قيل : ان الذي خصت بحله هذه الأمة هو الغنيمة المأخوذة بالقتال دون الفيء ، والمأخوذ بغير قتال فإنه كان حلاً مباحاً لمن قبلنا وهو الذي جعل رزق رسوله منه ، وإنما كان أحل من غيره لوجوده :
    ( منها ) انه انتزاع مال لا يستحقه لئلا يستعين به على معصية الله والشرك به ، فإذا انتزعه ممن لا يستعين به على غير طاعته وتوحيده والدعوة إلى عبادته كان ذلك أحب الأموال إلى الله وأطيب وجوده اكتسابها عنده .
    ( ومنها ) انه كان صلى الله عليه وسلم إنما كان يجاهد لتكون كلمة الله هي العليا ، ودينه هو الظاهر لا لأجل الغنيمة فيحصل له الرزق تبعا لعبادته وجهاده في الله ، فلا يكون فرغ وقتا من أوقاته لطلب الرزق محضا ، وإنما عبد الله في جميع أوقاته وحده فيها وأخلص له ، فجعل الله له رزقه ميسراً في ضمن ذلك من غير أن يقصده ولا يسعى إليه . وجاء في حديث مرسل أنه صلى الله عليه وسلم قال : " أنا رسول الرحمة ، وأنا رسول الملحمة ، إن الله بعثني بالجهاد ولم يبعثني بالزرع " . وخرج البغوي في معجمه حديثا مرسلا : " إن الله بعثني بالهدى ودين الحق ولم يجعلني زراعاً ولا تاجراً ، ولا سخابا بالاسواق ، وجعل رزقي تحت ظل رمحي " . وإنما ذكر الرمح ولم يذكر السيف لئلا يقال : انه صلى الله عليه وسلم يرتزق من مال الغنيمة : إنما كان يرزق مما أفاءه الله عليه من خيبر .
    والفيء ما هرب أهله منه خوفا وتركوه ، بخلاف الغنيمة فإنها مأخوذة بالقتال بالسيف ، وذكر الرمح أقرب إلى حصول الفيء لأن الرمح يراه العدو من بعد فيهرب فيكون هرب العدو من ظل الرمح ، والمأخوذة به هو مال الفيء ، ومنه كان رزق النبي صلى الله عليه وسلم بخلاف الغنيمة فإنها تحصل من قتال السيف . والله تعالى أعلم .
    وقال عمر بن عبد العزيز : إن الله تعالى بعث محمداً هاديا ولم يبعثه جابيا ، فكان صلى الله عليه وسلم شغله بطاعة الله والدعوة إلى التوحيد ، وما يحصل في خلال ذلك من الأموال من الفيء والغنائم يحصل تبعاً لا قصداً أصلياً ، ولهذا ذم من ترك الجهاد واشتغل عنه باكتساب الأموال . وفي ذلك نزل قوله تعالى : { ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة } لما عزم الأنصار على ترك الجهاد والاشتغال بإصلاح أموالهم وأراضيهم .
    وفي الحديث الذي خرجه أبو داود وغيره : " إذا تبايعتم بالعينة واتبعتم أذناب البقر ، وتركتم الجهاد ، سلط الله عليكم ذلا لا ينزعه الله من رقابكم حتى تراجعوا دينكم " ولهذا كره الصحابة رضي الله عنهم الدخول في أرض الخراج للزراعة فإنها تشغل عن الجهاد .
    وقال مكحول : إن المسلمين لما قدموا الشام ذكر لهم زرع الحولة ، فزرعوا فبلغ ذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه فبعث إلى زرعهم وقد ابيض وأردك فحرقه بالنار ، ثم كتب إليهم : إن الله جعل أرزاق هذه الأمة في أسنة رماحها ، وتحت أزجتها ، فإذا زرعوا كانوا كالناس . خرجه أسد بن موسى .
    وروي البيضاوي بإسناد له عن عمر انه كتب : من زرع زرعا واتبع أذناب البقر ورضي بذلك وأقر به جعلت عليه الجزية .
    وقيل لبعضهم لو اتخذت مزرعة للعيال ؟ فقال : والله ما جئنا زراعين ، ولكن جئنا لنقتل أهل الزرع ونأكل زرعهم .
    فأكمل حالات المؤمن أن يكون اشتغاله بطاعة الله والجهاد في سبيله ، والدعوة إلى طاعته لا يطلب بذلك الدنيا ، ويأخذ من مال الفيء قدر الكفاية ، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يأخذ لأهله قوت سنة من مال الفيء ثم يقسم باقيه ، وربما رأي محتاجا بعد ذلك فيقسم عليه قوت أهله بلا شيء .
    وكذلك من يشتغل بالعلم ، لأنه أحد نوعي الجهاد فيكون اشتغاله بالعلم للجهاد في سبيل الله والدعوة إليه ، فليأخذ من أموال الفيء أو الوقوف على العلم قدر الكفاية ليتقوى على جهاده ، ولا ينبغي أن يأخذ أكثر من كفايته من ذلك .
    وقد نص أحمد على أن مال بيت المال كالخراج لا يؤخذ منه أكثر من الكفاية ، فمال الوقف أضيق .
    ومن أشتغل بطاعة الله فقد تكفل الله برزقه ، كما في حديث زيد بن ثابت المرفوع : " من كانت الدنيا همه فرق الله عليه أمره وجعل فقره بين عينيه ، ولم يأته من الدنيا إلا ما كتب له ، ومن كانت الآخرة نيته جمع الله له أمره ، وجعل غناه في قلبه ، وأتته الدنيا وهي راغمة " . خرجه الإمام أحمد وابن ماجة .
    وخرجه الترمذي من حديث انس موفوعا : " إن الله يقول : يا آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى ، وأسد فقرك ، وإلا تفعل ملأت يديك شغلاً ، ولم أسد فقرك " .
    وخرج ابن ماجة من حديث ابن مسعود مرفوعا : " من جعل الهموم هما واحداً هم آخرته كفاه الله هم ديناه ، من تشعبت به الهموم في أحوال الدنيا لم يبال الله في أي أوديتها هلك " . وفي الآثار الإسرائيلية يقول الله : " يا دنيا اخدمي من خدمني ، واتعبي من خدمك "[مختصرمن الحكم الجديرة بالاذاعة]

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •