قال ابن تيمية في: (جامع المسائل): (4/ 142 - 144): (وإذا عَلِمَ الرجلُ أن المخطوبة لا تصلي كان تزوُّجُه أشَرَّ مما إذا علِمَ أنها قَحْبةٌ أو سارقةٌ أو شاربةُ خمر، فإن تاركَ الصلاة شرٌّ من السارق والزاني باتفاق العلماء، إذْ تاركُ الصلاة سواءٌ كان رجلاً أو امرأةً يَجِبُ قتلُه عند جمهور العلماء كمالك والشافعي وأحمد، والسارقُ لا يَجبُ قتله، ولا يَجبُ قتلُ الزانية التي لم تُحصن باتفاق العلماء، وإنَ كانت بكرًا بالغًا عند أبوَيها وهي لا تصلي كانت شرًّا من أن تكون قد زَنَتْ عندَهم أو سَرَقَتْ، وإذا كان الناسُ كلُّهم يُنكِرون أن يتزوَّجَ الرجلُ بسارقةٍ أو زانيةٍ أو شاربةِ خمر ونحو ذلك فيجبُ أن يكون إنكارُهم لِتزوُّجِ من لا تصلِّي أعظمَ وأعظمَ باتفاق الأئمة. فإنّ التي لا تصلي شرٌّ من الزانية والسارقة وشاربة الخمر.
وليس لقائل أن يقول: فالمسلمُ يَجوزُ له أن يتزوَّجَ اليهوديةَ والنصرانيةَ، فكيف بهذه؟ لأنَّ اليهودية والنصرانية تُقَرُّ على دينها، فلا تُقْتَل ولا تُضْرَب، وأما تاركُ الصلاة والسارق والشارب والزاني فلا يقر على ذلك، بل يُعاقَب إما بالقتلِ وإما بالقطع وإما بالجَلْد، وإن كان عقابُه في الآخرة أخف من عقاب الكافر، لكن لا يجوز لغيره أن يُقِرَّه على فسقِه، فمن أقرَّ فاسقًا على فسقِه ولم ينكر عليه كان عاصيًا آثمًا، ومن أقر ذميًا على دينه لم يكن آثمًا ولا عاصيًا، وقد قال تعالى: (الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُولَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ)، أي النساء الخبيثات للرجال الخبيثين، والنساء الطيبات للرجال الطيبين، والخبيثة هي الفاجرة، فهي للرجل الخبيث الفاجر.
والخُبْثُ إنْ قيلَ المرادُ به الزنا دل على أن تزوجَ الزانيةِ لا يجوزُ حتى تتوب، وهو أصحُّ قولَي العلماء، لقوله تعالى:
(وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ)، ولأن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى رجلاً أن يتزوَّج امرأة كان يزني بها اسمها عَنَاق، وأنزَل الله هذه الآية في ذلك، ولهذا كان المتزوجُ بها مذمومًا عند عامةِ العقلاء، حتى يقال: شَتَمَهُ بالزين والقاف، أي قال له: يا زوجَ القَحْبَة. والحديثُ الذي يُروَى في الرجل الذي قال: (إن امرأتي لا تَردُّ كف لامسٍ)، قد ضعَّفُوه، ولا شكَّ أنَّ الزانيةَ يُخافُ منها إفسادُ الفراش، وهو من هذا الوجه شرٌّ من غيرها، بخلاف مَن كان فسقُها بغير ذلك، ولهذا يقال: ما بَغَتِ امرأةُ نبى قط، لكن عقوبةَ المرأة التي تَترك الصلاةَ أعظمُ من عقوبةِ بعض البغايا فالمتزوجُ بها يكون قد أقر في بيته من المنكرات أعظمَ من أن يُقِر عنده أختَه الزانية وبنتَه الزانية.
وأما انفساخ النكاح بمجرد التركِ فلا يُحكَم بذلك، لكن إذا دُعِيَتْ إلى الصلاة وامتنعتْ انفسخَ نكاحُها في أحد قولَي العلماء، وفي الآخر لا ينفسخ، لكن على الرجل أن يقومَ بما يَجبُ عليه.
وليس كلُّ من وجبَ عليه أن يطلِّقَها ينفسخُ نكاحُها بلاَ فعله، بل يقال له: مرْها بالصلاة وإلاّ فَارِقْها، فإن كان عاجزًا عن ذلك لِثِقَلِ صَداقِها كان مُسِيْئًا بتزوجه مَن لا تُصلِّي على هذا الوجه، فيتوبُ إلى الله من ذلك، ويَنوِيَ أنه إذا قَدَرَ على أكثر من ذلك فَعَلَه، والله أعلم).