كـف عن الشكـوى وابـدأ العمـل
قارب الناس الوصول، وأنت ما زلت واقفا تشكو.. منذ كم وأنت على هذه الحال؟! عهدي بك تتبرم منذ زمن.. وما أرى لك جهدا في محاولة التغيّر والانتقال إلى حال أفضل.
- أليس هذا حال كثير من شبابنا؟!
بعضهم يشكو فعلا ما هو فيه، ولكنه يكتفي بمجرد الشكوى، ولا يحاول التقدم للأفضل.. فهو على هذا من سنين، ويمكن أن يبقى كذلك أيضا سنين أخر، وبعض الآخر يشكو ما يظن أنه فيه وليس فيه حتى يقع فيه.. وهذه لا تقل خطورة عن سابقتها، هذا يشكو من النساء والبنات.. إنهن في كل مكان.. ماذا أصنع؟!
في الشوارع، وفي المواصلات، وفي الجامعات، وفي العمل.. النساء البنات.. هكذا يردد حتى يصدق نفسه، فيتساهل في النظرات أو السلامات أو الكلام، ويقع فعلا في فتنة النساء.
وهذا يشكو من الوسوسة، وليس به شيء لكنه يخيل إليه حتى يوسوس.. بلاء.، آخر يشكو الفقر وقلة المال وكيف نأتي به؟ ومن أين؟ وما الوسيلة؟ وماذا سنفعل به؟ ثم يستيقظ ويده فارغة، ولكن قلبه قد امتلأ بحب المال. وصار المال فتنة كما قال [: «لكل أمة فتنة وفتنة أمتي المال» (رواه الترمذي وصححه الألباني.
ورابع ما زال واقفا مكانه منذ بدأ الالتزام، يتساءل أين الطريق؟ وكيف السبيل؟ كيف أطلب العلم؟. وكيف أربي نفسي؟ وتمر سنوات بعد سنوات، وهو ما زال في المكان نفسه.
وخامسة هاجسها في الحجاب، يا ترى تلبسه الآن؟ أم تنتظر حتى يأتيها ابن الحلال؟ ويا ترى هل سيكون حجاب السُنَّة أم حجاب «الموضة»؟ ويا ترى هل هي بالحجاب أجمل أو دونه؟ حيرة تمتد لزمان بعيد.
وأخرى مشكلتها في فتى الأحلام، كلما رأت شخصا على ما في مخيلتها عاشت الأحلام، وربما نصبت الشباك.. فيوما مع هذا وآخر مع ذاك. وفي النهاية.. الله أعلم بالنهاية.
كثيرة تلك الشواغل، ومتعددة تلك الأماني، ومتشعبة تلك الأهواء، لكن المشكلة أن الكل واقف في مكانه، ولا أحد يبدأ العمل، ويسلك الطريق.
لا تقف مكتوف اليد، ولا تبقَ مشتت الفكر، وإياك أن تديم الشكوى: {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ } (الرعد:11)، هذه قاعدة وأصل لا يتخلف، فابدأ بعلاج نفسك، ومجاهدة هواك، وسلوك سبيل الحق؛ وستجد المعونة على قدر المؤونة، وكلما جاهدت واجتهدت سترى التوفيق والتيسير، ويزول عنك الهم، وتُمحي عنك الوساوس، وتنجلي عنك الأحزان.
إن الذين يشكون الواقع وفقط، لن يغيروه مطلقا، ولن يتغيروا هم أيضا، بل سيظلون هكذا في وحل الفتنة، ومستنقع العطالة والبطالة، يقاسون المرارة والكرب طالما لم يبدؤوا العلاج.
إن صلاح القلب لا يكون بضربة حظ، أو بمعجزة تأتي من السماء على عبد جالس ينتظر الفرج بلا عمل، وبلا حركة، وبلا بذل سبب.. هذا لا يكون. لا بد من العمل كما قال صلى الله عليه وسلم: «اعملوا فكل ميسر لما خلق له» (صحيح البخاري).
والله تعالى لا يأتي العبد حتى يكون العبد هو الذي يأتيه أولا، ويمشي إليه، ويسلك الدرب للوصول إليه، فعند ذلك يأتي المدد والتوفيق، كما في الحديث القدسي الذي في مسند أحمد يقول تعالى: «يا ابن آدم: قم إليَّ أمشِ إليك، وامش إلي أهرول إليك» صححه الألباني، وفي الحديث الآخر المتفق عليه: «من تقرب مني شبرا تقربت منه ذراعا، ومن تقرب مني ذراعا تقربت منه باعا، ومن أتاني يمشي أتيته هرولة».
إن الوصول إلى الله يحتاج منا ألا نقف مكتوفي الأيدي أمام المشكلات والهموم، واضعين أيدينا على خدودنا نشتكي إلى كل رائح وغاد، بل لابد من التحرك للعلاج، فعاهد نفسك من الآن ألا تشتكي مطلقا.. كفّ عن الشكوى وابدأ بالعلاج؛ ليعينك الله على الوصول إليه. اللهم بلغنا مما يرضيك آمالنا.. آمين.
اعداد: د.بسام خضر الشطي