هذا تعقيب على مقال لأحد الإخوة حفظه الله.
قلتُ: وخرج البيهقي في شعب الإيمان [74]، من طريق: حميد بن زنجويه، قال:قال الطبراني في مسند الشاميين 1443 - حدثنا أحمد بن المعلى الدمشقي ثنا هشام بن عمار ثنا صدقة بن خالد ثنا محمد بن عبد الله الشعيثي عن حرام بن حكيم ويونس بن مسيرة بن حلبس عن أبي مسلم الخولاني :
" أنه قدم العراق فجلس إلى رفقة فيها ابن مسعود فتذاكروا الإيمان، فقلت أنا مؤمن فقال بن مسعود أتشهد أنك في الجنة فقلت لا أدري مما يحدث الليل والنهار،
فقال بن مسعود لو شهدت أني مؤمن لشهدت أني في الجنة قال أبو مسلم فقلت:
"يا بن مسعود ألم تعلم أن الناس كانوا على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم على ثلاثة أصناف مؤمن السرير مؤمن العلانية كافر السرير كافر العلانية مؤمن العلانية كافر السريرة" قال: نعم.
قلت فمن أيهم أنت؟ قال: أنا مؤمن السريرة مؤمن العلانية. قال أبو مسلم قلت:
وقد أنزل الله عز و جل هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن فمن أي الصنفين أنت؟ قال: أنا مؤمن.
قلت صلى الله على معاذ قال وماله قلت كان يقول اتقوا زلة الحكيم وهذ منك زلة يا ابن مسعود فقال أستغفر الله". اهـ.
أقول : هذا السند ظاهره السلامة غير أن هشام بن عمار وهو إن كان من الثقات الكبار إلا أنه اختلط بآخره وصار يلقن فيتلقن وليس أحمد بن المعلى شيخ الطبراني من مشاهير تلاميذه
حدثنا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حدثنا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حدثنا عُثْمَانُ بْنُ الْأَسْوَدِ قَالَ: قُلْتُ لِعَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ: الرَّجُلُ يَقُولُ: لَا أَدْرِي أَمُؤْمِنٌ أَنَا أَمْ لَا؟
قَالَ: " سُبْحَانَ اللهِ قَالَ اللهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة: 3] فَهُوَ الْغَيْبُ، فَمَنْ آمَنَ بِالْغَيْبِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ بِاللهِ ". اهـ.
وورد في الجزء الثاني من حديث يحيى بن معين الفوائد رواية أبي بكر المروزي [19]، فقال:
ثنا ابن رجاء، عن عثمان بن الأسود، عن عطاء، أن رجلا قال: والله ما أدري أمؤمن أنا أم لا، فقال عطاء: «بالغيب آمنا به فنحن مؤمنون». اهـ.
وخرجه ابن أبي حاتم في تفسيره - محققا [70]، فقال: حدثنا أبو زرعة،
ثنا صفوان، ثنا الوليد، ثنا عثمان بن الأسود، عن عطاء ابن أبي رباح، في قول الله عز وجل: {الذين يؤمنون بالغيب}، فقال: "من آمن بالله، فقد آمن بالغيب". اهـ.
أقول : وعليه لا يحتمل منه الإنفراد بهذه القصة الغريبة ، التي فيها ما يخالف المنقول عن ابن مسعود في كتب العقيدة كما سيأتي بيانه ،
وأبو إدريس الخولاني لا يعرف بالرواية عن ابن مسعود ، وإنما يروي عن حذيفة ، ولو التقاه لحمل عنه كما حمل عن حذيفة
قلتُ: رواية هشام بن عمار من طريق أبي مسلم الخولاني وليس أبو إدريس الخولاني.
فلعله اختلط عليك بين أبي مسلم الخولاني وأبي إدريس الخولاني بل إن أبا إدريس هو من يروى عن أبي مسلم.
ثم أين ذكر أن أبا إدريس الخولاني أخذه من ابن مسعود رضي الله عنه؟ بل إنه رواه عن يزيد بن عميرة الزبيدي.
وذلك فيما خرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة والتاريخ (2/322)، فقال:
حَدَّثَنَا أَبُو صَالِحٍ وَابْنُ بُكَيْرٍ قَالا: ثَنَا اللَّيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عُقَيْلُ عَنِ ابْنِ شهاب أن ابا إدريس الخولانيّ أَخْبَرَهُ أَنَّ يَزِيدَ بْنَ عُمَيْرَةَ- كَانَ مِنْ أَصْحَابِ مُعَاذٍ- قال: فذكر نحوه وفيه ذكر خطبة لمعاذ رضي الله عنه.
وخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (65/338)، من طريق: أبي خالد، قال: حدثني الليث، عن عقيل، عن ابن شهاب، أن أبا إدريس عائذ الله بن عبد الله الخولاني، به.
وقد خرجه يعقوب قبله بدون ذكر المناظرة، فقال:
حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ قَالَ: أَخْبَرَنِي شَعَيْبٌ عَنِ الزُّهْرِيِّ ح.
وَحَدَّثَنَا حَجَّاجٌ قَالَ جَدِّي: عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ عَائِذُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ أَخْبَرَهُ يَزِيدُ بْنُ عُمَيْرَةَ صَاحِبُ مُعَاذٍ، قال: فذكرخطبة معاذ رضي الله عنه ووصيته فقط.
ثم قال: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ مَنْصُورٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي عَنْ صَالِحٍ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ فَذَكَرَ مِثْلَهُ.
قلتُ: ونبه البخاري أيضا على جهالة يزيد بن عميرة، فقال: "لم يُتابَع عليه، يُعرف بحديثٍ واحدٍ". اهـ.قال ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان72 - حدثنا أبو معاوية ، عن داود بن أبي هند ، عن شهر بن حوشب ، عن الحارث بن عميرة الزبيري ، قال :[فذكره مطولا وفيه ذكر وصية معاذ رضي الله عنه]
وهذا سند آخر ويعل تلك الرواية فإن فيها أن المناظر هو الحارث بن عميرة واسمه يزيد بن عميرة وتسميته ب( الحارث ) من أوهام الرواة كما نبه عليه البخاري
وقد يتبادر إلى الذهن إعلال هذا السند بشهر بن حوشب ، غير أن الذي يبدو أنه ليس بمحفوظٍ إلى شهر ، فإن فيه أبا معاوية الضرير وقد اضطرب في متنه وإسناده
ولم يتفرد بهذا بل توبع فيما خرجه الطبري في تهذيب الآثار [981]، فقال:
حَدَّثَنِي بِهِ أَبُو السَّائِبِ سَلْمُ بْنُ جُنَادَةَ، قَالَ: حَدَّثَنِي ابْنُ إِدْرِيسَ، قَالَ: سَمِعْتُ دَاوُدَ بْنَ أَبِي هِنْدَ، يَذْكُرُ، عَنْ شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ، قَالَ: فذكره.
قال ابن أبي شيبة في المصنف 30968- حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ ، عَنِ الشَّيْبَانِيِّ ، عَنْ ثَعْلَبَةَ ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ قَالَ : حدَّثَنِي الرَّسُولُ الَّذِي سَأَلَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مَسْعُودٍ ، قَالَ : [فذكر نحوه]
فهذا إسنادٌ آخر وفيه علة الإبهام ، وبدون ذكر مناظرة ،
وأبو معاوية لا يحتمل منه تعدد الأسانيد في مثل هذا لما ذكر منه من الاضطراب في غير حديث الأعمش ، ثم إنه مرجيء بل زعم بعضهم أنه زعيم المرجئة في الكوفة .
قلتُ: بل ذكر الشطر الأخير من المناظرة، قلتُ: ولم يتفرد بأصل القصة، فقد توبع فيما خرجه يعقوب بن سفيان في المعرفة (2/550)، ومن طريقه ابن عساكر (65/340)، فقال:
حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ حَدَّثَنَا حَمَّادٌ عَنْ أَيُّوبَ عَنْ أَبِي قِلَابَةَ عَنْ رَجُلٍ كَانَ يَخْدِمُ معاذ قَالَ: فذكر الشطر الأول من الأثر من وصية معاذ رضي الله عنه ولم يذكر المناظرة.
وورد تسميته فيما خرجه الطبراني في المعجم الكبير [228]، فقال: حَدَّثَنَا عَبْدَانُ بْنُ أَحْمَدَ،
ثنا مُعَاوِيَةُ بْنُ عِمْرَانَ الْجَرْمِيُّ، ثنا أَنَسُ بْنُ سَوَّارٍ، عَنْ أَيُّوبَ السَّخْتِيَانِي ِّ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عَمِيرَةَ الْهَمْدَانِيِّ ، حَدَّثَنِي مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ فِي وَصِيَّتِهِ، فذكر مثله وزاد: فيه حديثا مرفوعا.
قلتُ: زيادة ذكر المرفوع زيادة منكرة، ففي الإسناد أنس بن سوار ومعاوية بن عمران الجرمي فيهما جهالة.
والحديث المرفوع رواه الشافعي كما في السنن المأثورة رواية المزني [404]، فقال: سَمِعْتُ الثَّقَفِيَّ، يُحَدِّثُ عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلابَةَ، فذكره مرسلا.
ووقفت على إسناد نظيف فيما ورد في جزء بكر بن بكار [18]، قال: حَدَّثَنَا حَرِيزُ بْنُ عُثْمَانَ، ثَنَا رَاشِدُ بْنُ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ عُمَيْرَةَ الزُّبَيْدِيِّ، به.
قلتُ: لكن بكر بن بكار القيسي متكلم فيه، قال الحافظ ابن حجر: "له نسخة سمعناها بعلو، فيها مناكير، ضعيف بسببها". اهـ.
وقد روي بإسناد ءاخر واهٍ فيما خرجه إسحاق بن راهويه في مسنده كما في الإتحاف، فقال:
أَنْبَا حَمَّادُ بْنُ عَمْرٍو الْجَزَرِيُّ، عَنْ زَيْدِ بْنِ رَفِيعٍ، عَنْ مَعْبَدٍ الْجُهَنِيِّ، قَالَ: كَانَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: يَزِيدُ بْنُ عُمَيْرَةَ السَّكْسَكِيُّ، وَكَانَ تِلْمِيذًا لِمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ.
وخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (65/339)، من طريق محمد بن سعد، فقال: أنا حماد بن عمرو النصيبي، نا زيد بن رفيع، عن معبد الجهني، به.
وحماد بن عمرو هذا متروك الحديث كذا قال النسائي، وغيره، وقال زكريا الساجي: "أجمعوا على أنه متروك الحديث". اهـ.
وقال أبو نعيم الأصبهاني في مسند أبي حنيفة ص44 :" حدثنا أبو محمد بن حيان ثنا احمد بن رستة ثنا محمد ابن المغيرة حدثنا الحكم بن أيوب عن زفر عن أبي حنيفة عن جواب التيمي عن الحارث بن سويد أن
أقول : وهذا لونٌ ثالث في اضطراب القصة ، و محمد بن المغيرة إن كان هو الأصبهاني ، فهو مجهول ، والحكم بن أيوب لم أجد له ترجمة ، وأبو حنيفة حاله في الحديث معروفة
قلت: هذا منكر، إنما رواه أبو حنيفة كما في الفقه الأبسط (ص:115)، فقال: حَدثنِي حَمَّاد عَن حَارِث بن مَالك وَكَانَ من أَصْحَاب معَاذ بن جبل الْأنْصَارِيّ، فذكر الأثر مطولا.
وفي الإسناد حماد بن أبي سليمان متكلم فيه، وحارث بن مالك مجهول لم أعرفه.
قال ابن أبي شيبة في كتاب الإيمان 22 - حدثنا وكيع ، عن الأعمش ، عن أبي وائل ، قال : جاء رجل إلى عبد الله فقال : إني لقيت ركبا فقلت : من أنتم ؟ قالوا : « نحن المؤمنون قال : فقال : ألا قالوا نحن من أهل الجنة » .
وهذا إسنادٌ صحيح ، وهو المحفوظ عن ابن مسعود
وخرجه الللالكائي في شرح الأصول [1780]، من طريق أبي عَبْدِ اللَّهِ أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ، قَالَ:
نا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: نا شُعْبَةُ، قَالَ: حَدَّثَنِي سَلَمَةُ بْنُ كُهَيْلٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، قَالَ: قَالَ رَجُلٌ عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ : أَنَا مُؤْمِنٌ، قَالَ: " قُلْ: إِنِّي فِي الْجَنَّةِ، وَلَكِنَّا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ، وَمَلائِكَتِهِ، وَكُتُبِهِ، وَرُسُلِهِ ". اهـ.
والله أعلم.