الحفيد (قصة)
عبدالباسط سعد عيسى
فتَّشَ في ذاكرته كثيرًا عن حدثٍ يصلُح قِصَّةً جذَّابة، لم يجد سوى محاولةٍ يتيمة للصعود إلى قمَّة النخلة الطويلة الوحيدة التي تتوسَّطُ الدار، لم يَصِل لتمرِها ولا لجريدِها؛ بل سقط وكُسِرت ساقُه، وسبَّبت له عرجة دائمة، كان للسقطة الفضلُ في أن يكره المغامَرة؛ لكنَّه أحبَّ الحديث عن هذه المغامَرة، يومَها أقسَمَ جَدُّه أن يقتلع النخلةَ من جذورها، وقد فعل، ودعا الجميع إلى تمرِها اللذيذ، وأودعوه بطونَهم بعد أن أخذَ الجيرانُ نصيبَهم، وكان جدُّه متوسِّطَ الطولِ، مفتول العضلات، وله وجهٌ فسيح، وعينان ضيِّقتان، جسدُه لم يعرف طريق الأطِبَّة، يشرب ماجور اللبن بالكامل كلَّ صباح، الوحيد بالعائلة الذي يستطيع أن يُسيطرَ على الناقة حال هياجها، كانت شدَّتُه مَضرِب المثل، يقول لي شيخُ الكتاب: جدُّك ممسوس، وحده شدَّ الحبل المربوط بجزء النخلة العُلويِّ حتى هَوَت بالقرب منه، جَرَحه شوكُها، حتى أنَّ إحداهن اخترقت قدمَه، نزعها وأكمل مَهمَّته، أصبحت فُسْحةُ الدار أرحب، مكانٌ يصلُح أن يقضيَ فيه وقتًا ممتعًا، كلَّ يومٍ قبل أن يخرج جدُّه للحقل يُمكِّنه من ركوب حِماره الجامِح، ويدور به مرَّتين وهو مُمسِكٌ للِجامِه، ذاتَ مرَّةٍ تجاسر وركبه وحده، ويبدو أنَّ الحِمار أبى ذلك في عدم وجود جدِّه، فقفز به حتى سقط وكُسِرت ساقُه الأخرى، وحين علِم جدُّه تغيَّرت معاملته للحِمار؛ حتى عاد ذاتَ ظهيرةٍ بسرج الحِمار ولجامه فقط، ولمَّا سألناه عنه قال: تعابث معي فضربتُه، ويبدو أنها جاءت في مقتَلٍ فسقط ميِّتًا.