بسم الله الرحمن الرحيم

من أكبر أسباب الخلاف المؤدي للافتراق بين المسلمين في هذا العصر هو اختلاف المناهج ، قال الفراهيدي في العين ( ص 990 ) : " نهج : طريق نهْج : واسع واضح ، ونهج الأمر وأنهج –لغتان- أي وَضَحَ ، والمنهاج : الطريق الواضح " ا.هـ والمقصود باختلاف المناهج : منهج الدعوة ، ومنهج الحكم على الآخرين ، ومنهج الاستدلال وغيره . وفرق بين المنهج والعقيدة ، فالمنهج أعم ، قال العلامة صالح الفوزان حفظه الله في كتاب : الأجوبة المفيدة عن أسئلة المناهج الجديدة ( ص 123 ) : " المنهج أعم من العقيدة ، المنهج يكون في العقيدة ، وفي السلوك ، والخلاق والمعاملات ،وفي كل حياة المسلم، كل الخطة التي يسير عليها المسلم تسمى المنهج . أما العقيدة فيراد بها أصل الإيمان ، ومعنى الشهادتين ومقتضاهما هذه هي العقيدة "ا.هـ فالمنهج هو الطريقة التي يسير عليها المسلم في سيره إلى الله ، وكل هذا قد حوته الشريعة ففي الدعوة إلى الله ، وضع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخطوط العريضة التي يسير عليها الداعي إلى الله ، كما في حديث إرسال رسول الله صلى الله عليه وسلم معاذاً رضي الله عنه إلى اليمن فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنك تأتي قوما أهل تاب فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ...) الحديث، وفي الجهاد كذلك كما في حديث سهل بن سعد في الصحيحين ( لأعطين الراية غداً ...) وفيه ( فأعطاه الراية وقال : انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم ، ثم ادعهم إلى الإسلام ،ثم أخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه ...) الحديث ، وغيره من الأحاديث مثل النهي عن قتل الشيوخ ، والرهبان في الصوامع ،والأطفال ونحوه .كما أن من المنهج أن تكون الدعوة على بصيرة وهي العلم ، فالشرع كامل فلا مجال لاختراع مناهج للدعوة ، فالخير كل الخير في منهج النبوة .
ولهذا كثيرا ما يأتي سؤال هل وسائل الدعوة توقيفية فهذا السؤال لا بد فيه من بين المراد من قول السائل : ’’ وسائل ‘‘ ففرقٌ بين الوسائل و المناهج فقد سئل العلامة عبدالرحمن البراك هذا السؤال ( وهو موجود في مذكرة بعنوان : الأراك المجموع لفتاوى العلامة البراك ) :أما وسائل الدعوة فلا بد منها إلى تفصيل ، فيها وسائل توقيفية :في الأمور الوسائل الشرعية،هذه توقيفية،يعني الوسائل التعبدية،هذه توقيفية. والوسائل العادية:ليست توقيفية،عادية،م ثل:استعمال هذا المكبر وسيلة عادية،لا نقول إنه حرام،لأنه لم يأتي الأمر باستعماله،وسيلة عادية.الدعوة لإقامة مدارس لتعليم القرآن وتعليم السنة هذه وسائل عادية يمكن أن نقول أنها لم تكن معروفة بشكل واسع وبارز.
فالوسائل العادية ليست توقيفية؛ولكن يجب أن تكون هذه الوسائل العادة محكومةً بالشرع كما أشرت إلى هذا بأنه لا تجوز الدعوة إلى الله بفعل مُحرم،فلا ندعوا إلى الله بالأغـــــاني الدينية،والأغــ ـاني الدينية ما فيها دعوة ،كما هي أفعال المتصوفة يتعبدون لله بالغناء والرقص والمعازف، ومن الناس أيضاً يمكن في هذا الزمن من يحوله أن يدعوا إلى الله بمثل ذلك . أو أيضاً من نوع التمثيل ،التمثيل عندي أنه لا يكاد يخلو من منكر؛فلا أراه وسيلة في الدعوة إلى الله
."أ.هـ وقال العلامة صالح الفوزان حفظه الله في الأجوبة المفيدة ( ص 43) : " مناهج الدعوة توقيفية بينها الكتاب والسنة وسيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لا نحدث فيها شيئا من عند أنفسنا وهي موجودة في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإذا أحدثنا ضعنا وضيَّعنا ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد ) "البخاري ومسلم" ،نعم جدت وسائل تستخدم للدعوة اليوم لم تكن موجودة من قبل ، مثل مكبرات الصوت ، والإذاعات والصحف ، والمجلات ووسائل الاتصال السريع والبث الفضائي فهذه تسمى [ وسائل ] يستفاد منها في الدعوة ، ولا تسمى مناهج ، فالمناهج بينا الله تعالى بقوله : { ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة ...} الآية . وقوله تعالى : {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني } وفي سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما يبين مناهج الدعوة { لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة } " ا.هـ
لقد جرّبت الأمة مناهج متعددة، بعيداً عن منهج الوحيين، فماذا جنت حينئذ من ذلك؟ جنت الفشل الذريع والهوان الفظيع، ذاقت من الذل ألواناً، تفرقت أشتاتا وأصبحت شذر مذر .قال العلامة الإمام عبدالعزيز بن باز رحمه الله في الفتاوى ( 1/249) : " من أراد صلاح المجتمع الإسلامي ، أو صلاح المجتمعات الأخرى بغير الطريق والوسائل العوامل التي صلح بها الأولون فقد غلط وقال غير الحق "ا.هـ وقال العلامة بكر بن عبدالله أبو زيد حفظه الله في حكم الانتماء للجماعات ( ص 157 ) : " الأصل في وسائل الدعوة التوقيف على منهاج النبوة "ا.هـ قلت : من هنا علم أهمية معرفة منهج النبوة ، والسير عليه فخلافه هو خلاف الحق ، وما كان خلاف الحق فلا خير فيه ، ولذلك قلنا أن من أسباب الاختلاف ، اختلاف المناهج وإلى ذلك أشار العلامة المجاهد صالح لفوزان حفظه الله في كتابه محاضرات في العقيدة والدعوة (ص 165-166) : " السلف لهم منهج يسيرون عليه ، منهج في الاعتقاد ، ومهج في الدعوة ، ومنهج في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ومنهج في الحكم بين الناس ، وهذا المنهج كله متوحد على الكتاب والسنة "ا.هـ وقال : " إذا تنكرنا لهذا المنهج الذي كان عليه السلف الصالح واستوردنا مناهج من هنا و هناك ، تفرقنا وصار كل جماعة لها منهج يخالف الجماعة الأخرى وكل جماعة تخطئ الجماعة الأخرى ،لماذا أيها الأخوة ؟ ... أليس منهجنا هو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته ؟ أليس دليلنا ومصدرنا و مرجعنا هو كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ إذاً لماذا نستورد المبادىء من هنا وهناك والواجب أن نصدَّر هذا المنهج السليم الذي نحن عليه إلى بلاد العالم " ا.هـ وقال حفظه الله : " لا يليق بنا إلا أن نكون جماعة واحدة متمسكين بكتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، الجماعات الإسلامية خارج البلاد تفرقت ، فلا يسري هذا التفرق إلينا ، لا يفسد شبابنا ، لا يزيل هذه النعمة التي نعيش فيها " ا.هـ وقال حفظه الله في كتاب الأجوبة المفيدة ( ص 210 ) :" لا يمكن الاجتماع مع اختلاف المنهج والعقيدة ... قال الله تعالى : { ولا يزالون مختلفين* إلا من رحم ربك } إلا من رحم ربك : هم أهل العقيدة الصحيحة ، والمنهج الصحيح فهم الذين يسلمون من الاختلاف " ا.هـ وقال أعلى الله قدره ( ص 154 ) : " لا يمكن للمسلمين أن يتحدوا إلا على كلمة التوحيد ومنهج السلف ، وإذا سمحوا للمناهج المخالفة لمنهج السلف الصالح تفرقوا كما هو الواقع الآن "ا.هـ وقال حفظه الله ( ص 147 ) : " التحذير من المناهج المخالفة لمنهج السلف الصالح يعتبر جمعاً لكلمة المسلمين لا تفريقاً لصفوفهم ، لن الذي يفرق صفوف المسلمين هو المناهج المخالفة لمنهج السلف "ا.هـ وقال حفظه الله ( ص 136) : " يجب أن نحذَّر من المناهج المخالفة لمنهج السلف الصالح ، هذا من النصيحة لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم ، نحذَّر من أهل الشرور ونحذَّر من المناهج المخالفة لمنهج الإسلام ونبين مضار هذه الأمور للناس ، ونحثهم على التمسك بالكتاب والسنة هذا واجب "ا.هـ

قال ابن أبي داوود في الحائية :
تمسك بحبل الله واتبع الهدى ** ولا تك بدعيا لعلك تفلحُ
ودن بكتاب الله والسنن التي ** أتت عن رسول الله تنجوا وتربحُ


منهجُ النبوة متى كان غذاءً للقلوب والأفكار وشفاءً للأمراض والأسقام وحاكماً للشؤون والأحوال فستكون الحياة حينئذ حياةً يملؤها الأنس والطمأنينة والراحة، كما في قول الله جل وعلا: { وننزل من القرآن ما هو شفاء ورحمة للمؤمنين} سورة الإسراء( الآية 82 )، { قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء} سورة فصلت ( الآية 44).