الشاعر عدي بن الرقاع ب بقلم فالح الحجية




موسوعة ( شعراء العربية )
شعراء العصر الاموي -ج2
بقلم - فالح الحجية
32
عدي بن الرقاع

هو ابو داود عدي بن زيد بن مالك بن عدي بن الرقاع بن عصر بن عك بن شعل بن معاوية بن الحارث وهو (عاملة) بن عدي بن الحارث وأم معاوية بن الحارث عاملة بنت وديعة من قضاعة وبها سموا (عاملة ) و الرقاع هو جد جده وقد نسب اليه والناس كذلك يفعلون .
شاعر كبير معروف حضري من أهل الشام ولد في الجبل و سكن دمشق ولقبه ابن دريد ب(شاعر الشام) وهو صاحب البيت الرائع والمشهور:

تزجي أغنّ كَأن إبرة روقه
قلم أصاب من الدواة مدادها

لم تعرف سنة ولادته فهي مجهولة كما جهلت سنة ولادة الكثير من الشعراء في العصرالجاهلي وصدر الاسلام والاموي وحتى العباسي الا انه عاصرعبد الملك بن مروان ومدحه واولاده وخاصة الوليد بن عبد الملك كما عاصرالخليفة عمر بن عبد العزيز وسليمان بن عبد الملك وكان مقدما عند خلفاء بني امية مدّحا لهم كمكا عاصر الفرزدق والاخطل وجرير وكان مهاجيا لجرير وقيل انه كان اعرجا بينما اعده الجاحظ ابرصا ولم يثبت انه ابرص واعرج ام ابرصا فقد اواعرجا او كلاهما فيه وكانت ابنته وتسمى ( سلمى) شاعرة او تجيد نظم الشعر فأتاه بعض الشعراء ليماتنوه وكان غائبا فسمعت بنته وهي صغيرة لم تبلغ دور وعيدهم فخرجت إليهم وأنشأت تقول :

تجمعتم من كل أوب وبلدة
على واحد لا زلتم قرن واحد

وكان من الشعراء الذين استشهد بشعرهم كثيرا من قبل أعلام اللغة والشعراء والأدب مما يدلل بلاغته وتضلعه في اللغة من ذلك
فصاحب كتاب لسان العرب (قاموس لغوي مشهور) فقد استشهد بشعر عدي في أكثر من مائة موضع وهذا ما يدل على اعتماد اللغويين على شعره.
ومن ذلك انه عندما سؤل جرير من أنسب الشعراء
قال: ابن الرقاع وذكرهذين البيتين له :

لولا الحياء وان رأسي قد عسا
فيه المشيب لزرت أم القاسم

فـكأنها بين النسـاء أعارهـا
عينيه أحور من جاذر جاسم

وقال جرير ايضا : ما كان يبالي إن لم يقل بعدها شيئا.
اما الأصمعي البصري فقد قال عن هذه الأبيات المتقدمة:
- أنها أحسن أبيات قيلت في فترة الجفون.
اما أبو تمام فقد اورد اسمه في شعره والاستشهاد بذكره فقال:

يثير عجاجة في كل ثغر
يهيم به عدي بن الرقاع

وكذلك نرى الشاعر الشريف الرضي يقول:

ويعجبني البعاد كأن قلبي
يحدث عن عدي بن الرقاع

ويشير اليه الشاعر علي بن المقرب الأحسائي يشير إليه فيقول:

أهم بهجوهم فأرى ضلالا
هجائي دون رهط ابن الرقاع

مما يؤكد ما ذهبت اليه أن ياقوت الحموي وهو من الذين كتبوا في جغرافيا البلدان قد استشهد بأبيات لعدي بن الرقاع في اكثر من مئة موضع وهذا ما يوثّق صحة المواضع التي تكلم عنها في شعره واهمية هذا الشعر وقوته .
ويروى ان الفرزدق قال :
- كنت في المجلس وجرير إلى جانبي فلما ابتدأ عدي بن الرقاعفي قصيدته:

عرف الديار توهما فاعتادها
من بعد ما درس البلى إبلادها

قلت لجرير مشيرا إلى عدي:
- هلم نسخر من هذا الشامي فلما ذقنا كلامه يئسنا منه.
لقد استطاع عدي بن الرقاع العاملي ما لم يستطعه غيره فقد استطاع أن يهزم جريرا في هجائه ويضطره إلى الاعتراف بهزيمته
فقد استهان جرير أول الأمر بشاعرية عدي بن الرقاع حين انشد قصيدته التي مطلعها :

حي الهدملة من ذات المواعيس

فأراد السخرية من هذا الشاعر الوافد من الجبل إلى دمشق ويروم مزاحمته على أبواب الملوك او الخلفاء فرماه ببيت من الشعر فيه من المجون ما لا يقبله الخلق القويم ولا يليق به وهو:

يقصر باع العاملي عن الندى
ولكن( أ...) العاملي طويل

فظن جرير أنه قد أخجله وأسكته ولكن عدي بن الرقاع انبرى له ببيت من الشعر اشد واقوى منه أفحمه به وهو:

أأمك كانت أخبرتك أم
أنت امرؤ لم تدر كيف تقول

فبهت جرير ولم يحسب لهذا القول حسابا فانهزم - وهو الذي لم يهزم من قبل- وخاف مغبة الاسترسال معه فآثر الانسحاب من هذه المعركة معترفا بهزيمته لأول مرة في حياته فأجابه:
بل أنا امرؤ لم أدر كيف أقول.
ولم تتم بينهما مهاجاة بعدها
وفي رواية اخرى :
دخل جرير على الخليفة الوليد بن عبد الملك وعنده عدي بنالرقاع العاملي فقال الوليد لجرير :
- أتعرف هذا ؟
- قال : لا يا أمير المؤمنين
- فقال الوليد : هذا عدي بن الرقاع
- فقال جرير : فشر الثياب الرقاع
- قال : ممن هو ؟
- قال : عاملي
- فقال جرير : هي التي يقول فيها الله عز وجل : (عَامِلَةٌ نَاصِبَةٌ * تَصْلَى نَارًا حَامِيَةً *) سورة الغاشية آية 3-4
- قال جرير :
يقصر باع العاملي عن الندى
ولكن أير العاملي طويل
- فقال له عدي بن الرقاع :
أأمك كانت أخبرتك أم
أنت امرؤ لم تدر كيف تقول
فقال جرير : لا ! بل أدري كيف أقول
فوثب العاملي إلى رجل الوليد فقبلها وقال :
- أجرني منه .
- فقال الوليد لجرير : لئن شتمته لأسرجنك ولألجمنك حتى
يركبك فيعيرك الشعراء بذلك .
فكنى جرير عن اسمه فقال :

إني إذا الشاعر المغرور حربني
جار لقبر على مران مرموس

قد كان أشوس آباء فورثنا شغبا
على الناس في أبنائه الشوس

أقصر فإن نزارا لن يفاضلها
فرع لئيم وأصل غير مغروس

وابن اللبون إذا ما لز في قرن
لم يستطع صولة البزل القناعيس

وفي رواية ثالثة عن سليمان بن عياش السعدي انه قال :
(ذكر كثير وعدي بن الرقاع العاملي في مجلس بعض خلفاء بني أمية فامتروا فيهما أيهما أشعر ؟ وفي المجلس جرير فقال جرير :
لقد قال كثير بيتا هو أشهر وأعرف في الناس من عدي بن الرقاعنفسه ثم أنشد قول كثير :

أأ نزم أجمال وفارق جيرة
وصاح غراب البين أنت حزين

قال : فحلف الخليفة لئن كان عدي بن الرقاع أعرف في الناس من بيت كثير ليسرجن جريرا وليلجمنه وليركبن عدي بن الرقاععلى ظهره فكتب إلى واليه بالمدينة :
(إذا فرغت من خطبتك فسل الناس من الذي يقول : أأن زم أجمال وفارق جيرة وصاح غراب البين أنت حزين وعن نسب ابنالرقاع فلما فرغ الوالي من خطبته قال : إن أمير المؤمنين كتب إلي أن أسألكم من الذي يقول : أأن زم أجمال وفارق جيرة
قال : فابتدروا من كل وجه يقولون : كثير كثير
ثم قال : وأمرني أن أسأل عن نسب ابن الرقاع فقالوا : لا ندري حتى قام أعرابي من مؤخر المسجد
فقال : هو من عاملة )
وله أبيات غزلية من أرق الشعر العربي كقوله:

وكـأنـهـا بين النـسـاء أعارهـا
عينيه أحور من جاذر جاسم

وسنان أقصده النعاس فرنقت
في جـفـنه سـنـة وليس بنائم

اوقوله:

لو ثوى لا يريمها ألف حول
لم يطل عندها عليه الثواء

أهـواهـا شـفه أم أعيرت
منظرا غير ما أعير النساء
ويروي المؤرخون أنه لما قال في إنشاد قصيدته الدالية
إلى هذا البيت:
تزجي أغن كان أبرة روقه
قلم أصاب من الدواة مدادها

وسمعه الشعراء في المجلس سجدوا له وعندها استغرب الناس كيف يسجد الشعراء لبيت من الشعر؟
فقال بعض الشعراء: إنا نعرف مواضع السجود في الشعر كما تعرفون مواضع السجود في القرآن.
وهذه بعض ابيات قصيدته :

عَرَفَ الدِّيَارَ تَوَهُّماً فاعْتَادَهَا
من بعدِ ما درسَ البلى أبلادها

إلا رواسيَ كلهنَّ قد اصطلى
جمراً واشعلَ أهلها إيقادها

بِشُبَيْكَة ِ الحَوَرِ الّتِي غَرْبِيّهَا
فَقَدَتْ رسومُ حِيَاضِهَا وُرَّادَها

كانَتْ رواحِلَ للقُدُورِ فَعُرِّيَتْ
منهنَّ واستلبَ الزمانُ رمادها

وتنكرتْ كلَّ التنكرِ بعدنا
وَالأَرْضُ تَعْرِفُ بَعْلَهَا وَجَمَادَهَا

وَلَرُبَّ وَاضِحَة ِ الجَبِيْنِ خَرِيدَة ٌ
بَيْضاءُ قَدْ ضَرَبَتْ بِهَا أَوْتَادَهَا

تصطادُ بهجتها المعللَ بالصبا
عُرُضاً فَتُقْصِدُهُ وَلَنْ يَصْطَادَهَا

كالظبية ِ البكرِ الفريدة ِ ترتعي
من أرضها قفاتها وعهادها

خضبتْ بها عقدُ البراقِ جبينها
مِنْ عَرْكِهَا عَلَجَانَهَا وَعَرَادَهَا

كَالزَّيْنِ فِي وَجْهِ العَرُوسِ تَبَذَّلَتْ
بَعْدَ الحَيَاءِ فَلاَعَبَتْ أَرْآَدَهَا

تُزْجِي أَغَنَّ كَأَنَّ إبْرَة َ رَوْقِهِ
قلمٌ أصابَ منَ الدواة ِ مدادها
ومن جميل الإبداع في شعره في غير الغزل قوله:

والنـاس أشباه وبين حـلـومهم
بون كـذاك تفـاضل الأشـيـاء

بل ما رأيت جبال أرض تستوي
فيما عسيت ولا نجـوم سـماء

والمجد يورثـه امرؤ أشـباهـه
ويموت آخر وهو في الأحياء

ومن شعره ايضا :

فلو قبل مبكاهـا بكيت صبابـة
إليها شفيت النفس قبل التندم

ولكن بكت قبلي فهيج لي البكا
بكاها فقـلت: الفضل للمتقدم

توفي عدي بن الرقاع سنة\ 95 هـجرية الموافقة لسنة \714 ميلادية في دمشق ودفن فيها .
يتميز شعره بالمتانة والسبك القوي وبالبداعة والقول الجميل فشعره جيد فشعره مفهوم اللفظ سهل العبارة واضح المعاني جيد المباني شديد المتانة قوي البلاغة خال من التعقيد عندما تقرأه تنسجم معه وتنفتح اليه النفس ورتاح فيه ومن شعره هذه الابيات:

طار الكرى وألم الهم فاكتنعا
وحيل بيني وبين النوم فامتنعا

كان الشباب قناعاً استكن به
وأَسْتَظِلُّ زَمَاناً ثُمَّتَ انْقَشَعَا

فاسْتَبْدَلَ الرَّأْسُ شَيْباً بعد دَاجِيَة ٍ
فينانة ٍ ما ترى في صدغها نزعا

فإن تكن ميعة من باطل ذهبت
وأَعْقَبَ اللَّهُ بعد الصَّبْوَة ِ الوَرَعَا

فقد أبيت أراعي الخود راقدة
على الوَسَائِدِ مَسْرُوراً بها ولِعَا

براقة الثغر تشفي القلب لذتها
إذا مقبلها في ريقها كرعا

كَالأُقْحُوَانِ بِضَاحِي الرَّوْضِ صَبَّحَهُ
غَيْثٌ أَرَشَّ بِتَنْضَاحٍ وما نَقَعَا

صَلَّى الَّذِي الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لَهُ
والمُؤْمِنُونَ إذَا مَا جَمَّعُوا الجُمَعَا

عَلَى الَّذِي سَبَقَ الأَقْوَامَ ضَاحِيَة ً
بِالأَجْرِ والحَمْدِ حَتَّى صَاحَبَاهُ مَعَا

لا يبرح المرء يستقري مضاجعه
حتى يقيم بأعلاهن مضطجعا

هو الَّذي جَمَعَ الرَّحْمَنُ أُمَّتَهُ
على يديه وكانوا قبله شيعا

عذنا بذي العرش ان نحيا ونفقده
وأن نكونَ لِرَاعٍ بَعْدَهُ تَبَعَا

إنَّ الوليدَ أَميرَ المؤمنين لَهُ
ملك عليه أعان الله فارتفعا


امير البيــــــــــا ن العربي
د. فالح نصيف الحجية الكيلاني
العراق- ديالى - بلدروز


************************
*******