قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: «وينبغي للعاقل أن يعرف أن مثل هذه المسائل العظيمة التي هي من أعظم مسائل الدين لم يكن السلف جاهلين بها ولا معرضين عنها؛ بل مَن لم يعرف ما قالوه فهو الجاهل بالحق فيها، وبأقوال السلف، وبما دَلَّ عليه الكتاب والسُّنَّة؛ والصواب في جميع مسائل النزاع ما كان عليه السلف من الصحابة والتابعين لهم بإحسان، وقولهم هو الذي يدل عليه الكتاب والسُّنَّة والعقل الصريح»اهـ([1]).
وقال الإمام شمس الدين السفاريني رحمه الله: «المراد بمذهب السلف: ما كان عليه الصحابة الكرام رضوان الله عليهم، وأعيان التابعين لهم بإحسان، وأتباعهم، وأئمة الدين ممن شُهِد له بالإمامة، وعُرِف عِظَمُ شأنه في الدين، وتلقى الناس كلامهم خَلَف عن سلف»اهـ([2]).
وقال الإمام اللالكائي رحمه الله في كلام نفيس له: «فإنَّ أوجب ما على المرء معرفةُ اعتقاد الدين، وما كلَّف الله به عباده من فَهم توحيده وصفاته وتصديق رسله بالدلائل واليقين، والتوصل إلى طرقها والاستدلال عليها بالحجج والبراهين.
وكان من أعظم مَقُول، وأوضح حجة ومعقول: كتاب الله الحق المبين، ثم قول رسول الله ﷺ، وصحابته الأخيار المتقين، ثم ما أجمع عليه السلف الصالحون، ثم التمسك بمجموعها والمقام عليها إلى يوم الدين، ثم الاجتناب عن البدع والاستماع إليها مما أحدثها المضلون.
فهذه الوصايا الموروثة المتبوعة، والآثار المحفوظة المنقولة، وطرائق الحق المسلوكة، والدلائل اللائحة المشهورة، والحجج الباهرة المنصورة التي عملت عليها الصحابة والتابعون، ومَن بعدهم من خاصة الناس وعامتهم من المسلمين، واعتقدوها حجة فيما بينهم وبين الله رب العالمين، ثم من اقتدى بهم من الأئمة المهتدين، واقتفى آثارهم من المتبعين، واجتهد في سلوك سبيل المتقين، وكان مع الذين اتقوا والذين هم محسنون.
فمن أخذ في مثل هذه المحجة، وداوم بهذه الحجج على منهاج الشريعة؛ أَمِن في دينه التَّبِعة في العاجلة والآجلة، وتمسك بالعروة الوثقى التي لا انفصام لها، واتقى بالجنة التي يُتقى بمثلها؛ ليتحصن بجملتها، ويستعجل بركتها، ويحمد عاقبتها في المعاد والمآب إن شاء الله.
ومن أعرض عنها وابتغى الحق في غيرها مما يهواه، أو يروم سواها مما تعدَّاه، أخطأ في اختيار بُغيته وأغواه، وسلكه سبيل الضلالة وأرداه»اهـ([3]).
[1])) «مجموع الفتاوى» (17/ 205).
[2])) «لوامع الأنوار البهية وسواطع الأسرار الأثرية لشرح الدرة المضية في عقد الفرقة المرضية» (1/ 20).
[3])) «شرح أصول اعتقاد أهل السنة» (1/ 7، 8).