إذا ذُكر القدر.. فأمسكوا
قضايا العقيدة ممتعة وسهلة لمن يعرف كيف يتعامل معها ويتعلمها وفق كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم الصحيحة كما فهمها الصحابة - رضوان الله عليهم.
- كيف تسهب في الكلام عن القدر والرسول صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ذكر القدر.. فأمسكوا»؟!
صاحبي من الذين يعتبرون مواضيه العقيدة جافة، وعلمية، بعيدة عن الإيمانيات، ويدعو إلى الإكثار من الرقائق والتذكير بالآخرة والموعظة بالترغيب والترهيب.
- ابتداء ينبغي أن يعلم أن خير سبيل لتثبيت الإيمان وترقيق القلب هو تحقيق الإيمان الصحيح بأركان العقيدة من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر، ففيها من ترقيق القلوب وتثبيت الإيمان ما ليس في غيرها، والحديث الذي ذكرته، نصه عن ابن مسعود - رضي الله عنه - أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا ذكر أصحابي فأمسكوا وإذا ذكر النجوم فأمسكوا وإذا ذكر القدر فأمسكوا»، وقال عنه الألباني - رحمه الله: كل طرقه ضعيفة الأسانيد، ولكن يشد بعضها بعضا، وأورده في السلسلة الصحيحة.
ومعنى الحديث أن هذه القضايا الثلاث: الصحابة، والنجوم، والقدر، يجب أن نكون حذرين عندما نتحدث عنها، ويجب أن نلتزم فيها بما ورد في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الصحيحة، وألا نخوضَ بآرائنا لأننا إن فعلنا تنكبنا الطريق، وربما هلكنا بسبب خوضنا في هذه القضايا بآرائنا وأهوائنا، ويؤيد هذا الشرح حديث أنس بن مالك، قال: تمارى بعض الناس في القدر فسمعهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فخرج إليهم وكرهه كراهية شديدة حتى كأنما فقئ في وجهه حب الرمان، فقال: «فيم أنتم؟!» قالوا: تمارينا في القدر يا رسول الله، فقال صلى الله عليه وسلم : «كل شيء بقدر حتى العجز والكيس» بفتح الكاف وسكون الياء (السلسلة الصحيحة).
فلا ينبغي الكلام في القدر إلا بالتزام كتاب الله وسنة الرسول صلى الله عليه وسلم ، وأن جميع ذلك متوافق، فلا يضرب كلام الله بكلام الله، ولا بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الصحيحة.
أظهر صاحبي عدم رضاه عن نفسه.
- والله كنت أظن أن الأولى في هذه الأمور ألا يتكلم المرء فيها.
- نعم، الأفضل ألا يتكلم إن لم يكن يعلم، ولكن الأفضل من كل ذلك أن يتعلم كيف يحقق (الإيمان بالقدر) تحقيقاً صحيحاً؛ لأنه ركن من أركان الإيمان، ويعرف التفاصيل الصحيحة، ولكن الحد الأدنى من ذلك هو ما جاء في هذا الحديث: «كل شيء بقدر»، وكذلك ما ورد في السلسلة الصحيحة عن جابر بن عبدالله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «لا يؤمن عبد حتى يؤمن بالقدر خيره وشره حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وأن ما أخطأه لم يكن ليصيبه» وكذلك الحديث الآخر الذي ورد في مسند الإمام أحمد: عن وهب بن خالد عن بن الديلمي قال: لقيت أبي بن كعب، فقلت: يا أبا المنذر إنه قد وقع في نفسي شيء من هذا القدر فحدثني بشيء لعله يذهب من قلبي، قال: لو أن الله عذب أهل سمواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالم لهم ولو رحمهم كانت رحمته لهم خيرا من أعمالهم ولو أنفقت جبل أحد ذهبا في سبيل الله عز وجل وما قبله الله منك حتى تؤمن بالقدر وتعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئة وما أخطأك لم يكن ليصيبك ولو مت على غير ذلك لدخلت النار، قال: فأتيتُ حذيفةَ فقال لي مثلَ ذلك وأتيتُ ابن مسعود فقال لي مثل ذلك وأتيتُ زيدَ بن ثابت فحدثني عن النبي صلى الله عليه وسلم مثلَ ذلك. تعليق شعيب الأرنؤوط: إسناده قوي.
فمعنى الإمساكِ عن الحديث في القدر، هو النهيُ عن الخوض في القدر بالآراء والأهواء والمنطق والعقل، وإنما يلتزم المؤمن بالآيات والأحاديث فقط، وكذلك عند الحديث عن الصحابة وما حصل بينهم بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم ، فإذا خضنا بآرائنا وعقولنا في هذه الأمور على وجه الخصوص، ضللنا طريق الهداية. نسأل الله العافية.
اعداد: د. أمير الحداد