قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
"وكان الجواري الصغيرات يضربن بالدف عنده صلى الله عليه وسلم، وكان يمكّنهن من عمل هذا الباطل بحضرته؛ إحساناً إليهن، ورحمةً بهن، وكان هذا الأمر في حقّه من الحق المستحب المأمور به، وإن كان هو في حقِّهن من الباطل الذي لا يُؤمَر أحدٌ سواهن به،...كما كان مزاحه مع من يمزح معه -من الأعراب والنساء والصبيان- تطييباً لقلوبهم، وتفريحاً لهم مستحباً في حقّه، يُثاب عليه، وإن لم يكن أولئك مأمورين بالمزح معه، ولا منهيين عن ذلك.
فالنبي صلى الله عليه وسلم يبذل للنفوس مِن الأموال والمنافع ما يتألفها به على الحق المأمور، ويكون المبذول مما يَلتذ فيه الآخذُ ويُحبه؛ لأن ذلك وسيلة الى غيره، ولا يفعل صلى الله عليه وسلم ذلك مع مَن لا يحتاج إلى ذلك، كالمهاجرين والأنصار، بل بذل لهم انواعاً أُخَرَ من الإحسان والمنافع في دينهم ودنياهم.
وعمرُ رضي الله عنه لا يحب هذا الباطلَ ولا يحب سماعَه، وليس هو مأموراً إذْ ذاك من التأليف بما أمرَ به النبي صلى الله عليه وسلم حتى تصبر نفسُه على سماعه، فكان إعراضُ عمرَ عن الباطل كمالاً في حقه، وحالُ النبي صلى الله عليه وسلم أكمل.
ومحبة النفوس للباطل نقصٌ، لكن ليس كل الخلق مأمورين بالكمال، ولا يمكن ذلك فيهم، فإذا فعلوا ما به يدخلون الجنة لم يَحرُم عليهم ما لا يمنعهم من دخولها".
"الاستقامة" لابن تيمية (2/152- 156).