بسم الله الرحمن الرحيم
العلاقة بين الإمامين الماوردي والروياني:
يكثر السؤال عن العلاقة بين الإمامين: الماوردي والروياني، ولعل السبب في ذلك أن كثيرا من العلماء يقول: "وبهذا قال الماوردي والروياني"، أو نحو ذلك من العبارات التي تقرن بينهما، وتجد هذا كثيرا في كتب الشافعية، وتجده أكثر في كتب أصول الفقه، وقد منّ الله علي بتتبع هذا الأمر وتحريره في رسالتي للماجستير، وسأذكر هنا خلاصة ما توصلت إليه، والله المستعان.
أولا: في البداية لا بد وأن نعلم أن الماوردي متقدم على الروياني، فالأول توفي (450هـ)، والثاني توفي (502هـ).
ثانيا: بالنسبة لأصول الفقه؛ فإن الأصول التي اعتمدها الروياني هي نفس الأصول التي اعتمدها الماوردي، والناظر في مقدمتي (الحاوي الكبير) للماوردي و (بحر المذهب) للروياني يرى هذا جليا؛ حيث إن الروياني قد أخذ كثيرا من مسائل أصول الفقه التي ذكرها الماوردي في مقدمة كتابه.
أضف إلى ذلك أن الماوردي ذكر في كتاب القضاء من كتابه (الحاوي) فصلا يربو على مائة صفحة في الأصول، أخذه الروياني كما هو ووضعه في كتاب القضاء من كتابه (البحر)، وقد ذكر هو ذلك في بداية هذا الفصل -في (البحر) [11/92] نسخة دار الكتب العلمية- بقوله: "فصل ذكره القاضي الإمام صاحب الحاوي في هذا الموضع يتصل بالأصول والفروع، فأوردته على وجهه حتى لا يشذ منه شيء"، وقد قمت بمقابلة كلامه مع كلام الماوردي، فلم أر إلا تغييرا يسيرا في بعض العبارات.
لذلك نرى كثيرا ممن ألّفوا في كتب الأصول يقولون: "قال الماوردي والروياني"، وأحيانا يقول بعضهم: "قاله الماوردي والروياني كلاهما في كتاب القضاء"، وأحيانا البعض ينسب القول للروياني فقط دون أن يذكر الماوردي، مع أن الكلام في الحقيقة كلام الماوردي، انظر دليلا على هذا الذي قلته على سبيل المثال: البحر المحيط [2/207]، [4/65،53]، [5/60،14]، [6/433،33]، [8/257]، إرشاد الفحول للشوكاني [1/288، [2/1016،978].
ولا يعني هذا الكلام أن الروياني لم يذكر مسائل أخرى غير التي ذكرها الماوردي. وقد بينت ذلك بيانا وافيا في رسالتي. وأسأل الله القبول.
ثالثا: أما ذكر قوليهما معا في الفروع؛ فأيضا الناظر في الكتابين يجد أن الروياني ينقل كثيرا من الماوردي؛ خاصة أن كليهما شرح لـ (مختصر المزني)، وقد كان الروياني أحيانا ينبّه على نقله، وأحيانا لا ينبه؛ قال تاج الدين السبكي في ترجمة الروياني في (طبقات الشافعية الكبرى) [7/195]: "ومن تصانيفه (البحر)، وهو وإن كان من أوسع كتب المذهب، إلا أنه عبارة عن (حاوي) الماوردي مع فروع تلقاها الروياني عن أبيه وجده ومسائل أخر، فهو أكثر من (الحاوي) فروعا، وإن كان (الحاوي) أحسن ترتيبا وأوضح تهذيبا".
وأنا على جهلي وقلة بضاعتي عقّبت على كلام الإمام السبكي هذا بكلام طويل لا يتسع المقام هنا لذكره.
ولعلي أكون بهذه الإجابة قد جليّت الأمر، والله يغفر لي تقصيري، ومن كان له تعليق أو زيادة فائدة من مشايخنا الكرام فليفدنا، وجزاكم الله خيرا.