المبحث الرابع: حجية دلالة الإشارة:
تنحصر أقوال العلماء في دلالة الإشارة على قولين:
القول الأول: أن دلالة الإشارة قطعية:
وذلك كدلالة العبارة من غير تفرقة بين الإشارة الواضحة والخفية .
القول الثاني: أن الدلالة الواضحة تفيد القطع, والخفية تفيد الظنَّ:
وهذا هو المختار لدى أبي زيد الدبوسي, السرخسي, وصاحب كشف الأسرار . ووجهه أن الدلالة الخفية لا تكون واضحة للجميع فهي إذن لا تفيد القطعية لوجود الخفاء لاعتمادها على الظن لا اليقين في الكشف عنها.
تنبيه مهم:
يجب أن ينتبه إلى أمر مهم هنا ألا وهو: أن دلالة الإشارة يؤخذ بها ما لم تعارض بنص أصرح وأوضح في الدلالة. حيث أنه قد يأتي نص آخر أوضح في الدلالة, أو يكون هناك نص مخصص لعموم هذا الاستنباط, أو مقيد لإطلاقه, أو ربما ملغٍ لدلالته, وهناك أمثلة كثيرة على هذا في كتب الفقه والأصول.
يقول الشاطبي -رحمه الله تعالى-:
من الواجب أن ينظر في الوجه الذي تستفاد منه الأحكام, وهل يختص بجهة المعنى الأصلي أو يعم الجهتين معاً, أما جهة المعنى الأصليّ: فلا إشكال في صحة اعتبارها في الدلالة على الأحكام بإطلاق, ولا يسع فيه خلاف على حال, ومثال ذلك: صيغ الأوامر والنواهي والعمومات والخصوصات, وما أشبه ذلك مجرداً من القرائن الصارفة لها عن مقتضى الوضع الأول, وأما جهة المعنى التبعيّ: فهل يصح اعتبارها في الدلالة على الأحكام من حيث يفهم منها معان زائدة على المعنى الأصلي أم لا؟ هذا محل تردد, ولكل واحد من الطرفين وجه من النظر...
ثم قال الشاطبي -رحمه الله تعالى- عن الحكم الشرعي الزائد بعد الأصلي بأنه: أقوى الجهتين, ثم قال: لكن يبقى فيها نظر آخر, ربما أخال أن لها دلالة على معان زائدة على المعنى الأصلي, هي آداب شرعية وتخلقات حسنة يقر بها كل ذي عقل سليم فيكون لها اعتبار في الشريعة, فلا تكون الجهة الثانية خالية عن الدلالة جملة, وعند ذلك يشكل القول بالمنع مطلقاً, وبيان ذلك يحصل بأمثلة سبعة... .
فقد تستنبط حكما معيناً جاء النص بخلافه, وهذا أمر مهم جداً في مسألة استنباط الفوائد والأحكام من النص.

الشيخ أحمد عبد الكريم الراوي.