تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 10 من 10

الموضوع: هل الكفار الذين بلغتهم الدعوة كلهم مخلدون في النار؟؟؟

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Apr 2012
    الدولة
    الرمادي
    المشاركات
    107

    Question هل الكفار الذين بلغتهم الدعوة كلهم مخلدون في النار؟؟؟

    قال أحد من الـ...:
    الكفار الذين بلغتهم دعوة الرسول صنفان:
    الصنف الأول: عرف الحق فلم يصدقه و لم يتبعه فهذا كافر مخلد في النار
    الصنف الثاني: من بلغته الدعوة و لكن لم يبين له أن هذه الدعوة و هذا الدين حق و مات على هذه الحالة فهذا لا نقول بأنه كافر مخلد في النار
    و مثّل بأن لو مات عمر بن الخطاب قبل إيمانه ما كان كافرا و لا مخلدا في النار لأنه في تلك الحالة لم تبيِّن له بعدُ حقيقة دعوة الرسول ، والشاهد أنه لما تبين له حقيقة القرآن و دين الإسلام آمن.

    و من جملة دلائله فيما ذكر:

    - قوله تعالى ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين...)
    الشاهد: أن حرف"من" في هذه الآية للتبعيض فدلّ على أن بعض المشركين و أهل الكتاب لم يكونوا كفارا

    - معنى الكفر هو تغطية الحق و هولاء الكفار لم يتبين لهم أن ما يُدعون إليه هو الحق فعلى ذلك ليسوا كفار

    أرجوا من مشايخنا و طلاب العلم أن يبينوا لي هل قال بهذا التقسيم أحد من قبل و ما موقف علماء السلف من هذا التقسيم و هل يسوغ الإختلاف في مثل هذه المسائل؟لأن الطرف المخالف لمّا أنكرت عليه قوله رماني بالجمود الفكري و التحجير و لما قلت بأن هذا القول(الصنف الثاني) لم يقل به أحد من سلفنا الصالح و الأئمة المفسرين أنكر عليّ هذا بل و أضحك عليّ...؟أرجوا منكم أن توضحوا لي المسألة و جزاكم الله خيرا

  2. #2

    افتراضي رد: هل الكفار الذين بلغتهم الدعوة كلهم مخلدون في النار؟؟؟



    قال ابن القيم في طريق الهجرتين عند كلامه عن طبقات المكلفين :


    الطبقة السابعة عشرة: طبقة المقلدين وجهال الكفرة وأتباعهم وحميرهم الذين هم معهم تبعاً لهم يقولون: إنا وجدنا آباءَنا على أُمة، ولنا أُسوة بهم. ومع هذا فهم متاركون لأهل الإسلام غير محاربين لهم، كنساءِ المحاربين وخدمهم وأتباعهم الذين لم ينصبوا أنفسهم لنا نصب له أُولئك أنفسهم من السعى فى إطفاءِ نور الله وهدم دينه وإخماد كلماته، بل هم بمنزلة الدواب.
    وقد اتفقت الأُمة على أن هذه الطبقة كفار وإن كانوا جهالاً مقلدين لرؤسائهم وأئمتهم إلا ما يحكى عن بعض أهل البدع أنه لم يحكم لهؤلاءِ بالنار وجعلهم بمنزلة من لم تبلغه الدعوة، وهذا مذهب لم يقل به أحد من أئمة المسلمين لا الصحابة ولا التابعين ولا من بعدهم، وإنما يعرف عن بعض أهل الكلام المحدث فى الإسلام.
    وقد صح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ما من مولود إلا وهو يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه"، فأخبر أن أبويه ينقلانه عن الفطرة إلى اليهودية والنصرانية والمجوسية، ولم يعتبر فى ذلك غير المربى والمنشإِ على ما عليه الأبوان. وصح عنه أنه قال صلى الله عليه وسلم: "إن الجنة لا يدخلها إلا نفس مسلمة"، وهذا المقلد ليس بمسلم، وهو عاقل مكلف، والعاقل المكلف لا يخرج عن الإسلام أو الكفر. وأما من لم تبلغه الدعوة فليس بمكلف فى تلك الحال، وهو بمنزلة الأطفال والمجانين. وقد تقدم الكلام عليهم.
    والإسلام هو توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله وبرسوله واتباعه فيما جاءَ به، فما لم يأْت العبد بهذا فليس بمسلم وإن لم يكن كافراً معانداً فهو كافر جاهل. فغاية هذه الطبقة أنهم كفار جهال غير معاندين، وعدم عنادهم لا يخرجهم عن كونهم كفاراً فإن الكافر من جحد توحيد الله وكذب رسوله إما عناداً وإما جهلاً وتقليداً لأهل العناد.
    فهذا وإن كان غايته أنه غير معاند فهو متبع لأهل العناد، وقد أخبر الله فى القرآن فى غير موضع بعذاب المقلدين لأسلافهم من الكفار، وأن الأتباع مع متبوعيهم وأنهم يتحاجون فى النار وأن الأتباع يقولون: {رَبَّنَا هَؤُلاءِ أَضَلُّونَا فآتِهِمْ عَذَاباً ضِعْفاً مِنَ النَّارِ، قَالَ لِكُلِّ ضِعْفٌ وَلِكِنْ لا تَعْلَمُونَ} ، وقال تعالى: {وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِى النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيباً مِّنَ النَّار قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلّ فِيهَا إِن اللهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ} ، وقال تعالى: {وَلَوْ تَرَى إِذ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِندَ رَبِّهِمْ يَرْجَعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ القَوْلَ يَقُولُ الذين اسْتُضْعِفُوا لِلِّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لوْلا أَنتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ قَالَ الَّذِينَ الَّذِينَ استكبروا للذين اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنتُمْ مُجْرِمِينَ وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأمُرُونَنَا أن نَكْفُرِ بِاللهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَاداً} . فهذا إخبار من الله وتحذير بأن المتبوعين والتابعين اشتركوا فى العذاب ولم يغن عنهم تقليدهم شيئاً. وأصرح من هذا قوله تعالى: {إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوُا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُا مِنَّا} . وصح عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال: "من دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل أوزار من اتبعه، لا ينقص من أوزارهم شيئاً"، وهذا يدل على أن كفر من اتبعهم إنما هو بمجرد اتباعهم وتقليدهم.

    نعم لا بد فى هذا المقام من تفصيل به يزول الإشكال، وهو الفرق بين مقلد تمكن من العلم ومعرفة الحق فأعرض عنه، ومقلد لم يتمكن من ذلك بوجه، والقسمان واقعان فى الوجود، فالمتمكن المعرض مفرط تارك للواجب عليه لا عذر له عند الله، وأما العاجز عن السؤال والعلم الذى لا يتمكن من العلم بوجه فهم قسمان أيضاً أحدهما مريد للهدى مؤثر له محب له، غير قادر عليه ولا على طلبه لعدم من يرشده، فهذا حكمه حكم أرباب الفترات، ومن لم تبلغه الدعوة. الثانى: معرض لا إرادة له، ولا يحدث نفسه بغير ما هو عليه. فالأول يقول: يا رب لو أعلم لك ديناً خيراً مما أنا عليه لدنت به وتركت ما أنا عليه ولكن لا أعرف سوى ما أنا عليه ولا أقدر على غيره، فهو غاية جهدى ونهاية معرفتى. والثانى: راض بما هو عليه لا يؤثر غيره عليه ولا تطلب نفسه سواه ولا فرق عنده بين حال عجزه وقدرته، وكلاهما عاجز وهذا لا يجب أن يلحق بالأول لما بينهما من الفرق: فالأَول كمن طلب الدين فى الفترة ولم يظفر به فعدل عنه بعد استفراغ الوسع فى طلبه عجزاً وجهلاً، والثانى كمن لم يطلبه، بل مات فى شركه وإن كان لو طلبه لعجز عنه، ففرق بين عجز الطالب وعجز المعرض.
    فتأمل هذا الموضع، والله يقضى بين عباده يوم القيامة بحكمه وعدله، ولا يعذب إلا من قامت عليه حجته بالرسل، فهذا مقطوع به فى جملة الخلق. وأما كون زيد بعينه وعمرو بعينه قامت عليه الحجة أم لا، فذلك مما لا يمكن الدخول بين الله وبين عباده فيه، بل الواجب على العبد أن يعتقد أن كل من دان بدين غير دين الإسلام فهو كافر، وأن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه بالرسول. هذا فى الجملة والتعيين موكول إلى علم الله عز وجل وحكمه هذا فى أحكام الثواب والعقاب. وأما فى أحكام الدنيا فهى جارية مع ظاهر الأمر فأطفال الكفار ومجانينهم كفار فى أحكام الدنيا لهم حكم أوليائهم.

    وبهذا التفصيل يزول الإشكال فى المسألة. وهو مبنى على أربعة أُصول:
    أحدها: أن الله سبحانه وتعالى لا يعذب أحداً إلا بعد قيام الحجة عليه، كما قال تعالى: {وَمَا كُنَّا مُعَذَّبِينَ حَتَّى نبعث رَسُولاً} ، وقال تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} ، وقال تعالى: {كُلَّمَا أَلْقِى فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزْنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فكَذَّبْنَا وَقُلنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ} ، وقال تعالى: {فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقاً لأَصْحَابِ السَّعِيرِ} ، وقال تعالى: {يَامَعْشَرَ الْجِنّ وَالإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مّنْكُمْ يَقُصّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُم ْ لِقَآءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُواْ شَهِدْنَا عَلَىَ أَنْفُسِنَا وَغَرّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدّنْيَا وَشَهِدُواْ عَلَىَ أَنْفُسِهِمْ أَنّهُمْ كَانُواْ كَافِرِينَ} ، وهذا كثير فى القرآن، يخبر أنه إنما يعذّب من جاءه الرسول وقامت عليه الحجة، وهو المذنب الذى يعترف بذنبه، وقال تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} ، والظالم من عرف ما جاءَ به الرسول أو تمكن من معرفته، وأما من لم يكن عنده من الرسول خبراً أصلاً ولا يمكن من معرفته بوجه وعجز عن ذلك فكيف يقال إنه ظالم؟
    الأصل الثانى: أن العذاب يستحق بسببين، أحدهما: الإعراض عن الحجة وعدم إرادة العلم بها وبموجبها. الثانى: العناد لها بعد قيامها وترك إرادة موجبها. فالأول كفر إعراض والثانى كفر عناد. وأما كفر الجهل مع عدم قيام الحجة وعدم التمكن من معرفتها فهذا الذى نفى الله التعذيب عنه حتى تقوم حجة الرسل.
    الأصل الثالث: أن قيام الحجة يختلف باختلاف الأزمنة والأمكنة والأشخاص فقد تقوم حجة الله على الكفار فى زمان دون زمان وفى بقعة وناحية دون أُخرى كما أنها تقوم على شخص دون آخر، إما لعدم عقله وتمييزه كالصغير والمجنون وإما لعدم فهمه كالذى لا يفهم الخطاب ولم يحضر ترجمان يترجم له. فهذا بمنزلة الأصم الذى لا يسمع شيئاً ولا يتمكن من الفهم، وهو أحد الأربعة الذين يدلون على الله بالحجة يوم القيامة كما تقدم فى حديث الأسود وأبى هريرة وغيرهما.
    الأصل الرابع: أن أفعال الله سبحانه وتعالى تابعة لحكمته التى لا يخل بهاسبحانه ، وأنها مقصودة لغايتها المحمودة وعواقبها الحميدة. وهذا الأصل هو أساس الكلام فى هذه الطبقات الذى عليه نبنى مع تلقى أحكامها من نصوص الكتاب والسنة لا من أراء الرجال وعقولهم ولا يدرى عدد الكلام فى هذه الطبقات ، إلا من عرف ما فى كتب الناس ووقف على أقوال الطوائف فى هذا الباب والنهى إلى غاية مراتبهم ونهاية إقدامهم، والله الموفق للسداد الهادى إلى الرشاد.
    وأما من لم يثبت حكمة ولا تعليلاً، ورد الأمر إلى محض المشيئة التى ترجح أحد المثلين على الآخر بلا مرجح، فقد أراح نفسه من هذا المقام الضنك واقتحام عقبات هذه المسائل العظيمة، وأدخلها كلها تحت قوله: {لا يَسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} ، وهو الفعال لما يريد، وصدق الله وهو أصدق القائلين: {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ} لكمال حكمته وعلمه ووضعه الأشياءَ مواضعها، وأنه ليس فى أفعاله خلل ولا عبث ولا فساد يسأل عنه كما يسأل المخلوق، وهو الفعال لما يريد ولكن لا يريد أن يفعل إلا ما هو خير ومصلحة ورحمة وحكمة، فلا يفعل الشر ولا الفساد ولا الجور ولا خلاف مقتضى حكمته، لكمال أسمائه وصفاته، وهو الغنى الحميد العليم الحكيم.





  3. #3

    افتراضي رد: هل الكفار الذين بلغتهم الدعوة كلهم مخلدون في النار؟؟؟

    وقال ابن تيمية - مجموع الفتاوى :
    وَقَدْ فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَ مَا قَبْلَ الرِّسَالَةِ وَمَا بَعْدَهَا فِي أَسْمَاءَ وَأَحْكَامٍ وَجَمَعَ بَيْنَهُمَا فِي أَسْمَاءَ وَأَحْكَامٍ وَذَلِكَ حُجَّةٌ عَلَى الطَّائِفَتَيْن ِ: عَلَى مَنْ قَالَ: إنَّ الْأَفْعَالَ لَيْسَ فِيهَا حَسَنٌ وَقَبِيحٌ. وَمَنْ قَالَ: إنَّهُمْ يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ عَلَى الْقَوْلَيْنِ. أَمَّا الْأَوَّلُ فَإِنَّهُ سَمَّاهُمْ ظَالِمِينَ وَطَاغِينَ وَمُفْسِدِينَ؛ لِقَوْلِهِ: {اذْهَبْ إلَى فِرْعَوْنَ إنَّهُ طَغَى} وَقَوْلِهِ: {وَإِذْ نَادَى رَبُّكَ مُوسَى أَنِ ائْتِ الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} {قَوْمَ فِرْعَوْنَ أَلَا يَتَّقُونَ} وَقَوْلِهِ: {إنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} فَأَخْبَرَ أَنَّهُ ظَالِمٌ وَطَاغٍ وَمُفْسِدٌ هُوَ وَقَوْمُهُ وَهَذِهِ أَسْمَاءُ ذَمِّ الْأَفْعَالِ؛ وَالذَّمُّ إنَّمَا. يَكُونُ فِي الْأَفْعَالِ السَّيِّئَةِ الْقَبِيحَةِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْأَفْعَالَ تَكُونُ قَبِيحَةً مَذْمُومَةً قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ إلَيْهِمْ لَا يَسْتَحِقُّونَ الْعَذَابَ إلَّا بَعْدَ إتْيَانِ الرَّسُولِ إلَيْهِمْ؛ لِقَوْلِهِ: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} . وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ عَنْ هُودَ أَنَّهُ قَالَ لِقَوْمِهِ: {اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إلَهٍ غَيْرُهُ إنْ أَنْتُمْ إلَّا مُفْتَرُونَ} فَجَعَلَهُمْ مُفْتَرِينَ قَبْلَ أَنْ يَحْكُمَ بِحُكْمِ يُخَالِفُونَهُ؛ لِكَوْنِهِمْ جَعَلُوا مَعَ اللَّهِ إلَهًا آخَرَ فَاسْمُ الْمُشْرِكِ ثَبَتَ قَبْلَ الرِّسَالَةِ؛ فَإِنَّهُ يُشْرِكُ بِرَبِّهِ وَيَعْدِلُ بِهِ وَيَجْعَلُ مَعَهُ آلِهَةً أُخْرَى وَيَجْعَلُ لَهُ أَنْدَادًا قَبْلَ الرَّسُولِ وَيُثْبِتُ أَنَّ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ مُقَدَّمٌ عَلَيْهَا وَكَذَلِكَ اسْمُ الْجَهْلِ وَالْجَاهِلِيَّ ةِ يُقَالُ: جَاهِلِيَّةً وَجَاهِلًا قَبْلَ مَجِيءِ الرَّسُولِ وَأَمَّا التَّعْذِيبُ فَلَا. وَالتَّوَلِّي عَنْ الطَّاعَةِ كَقَوْلِهِ: {فَلَا صَدَّقَ وَلَا صَلَّى} {وَلَكِنْ كَذَّبَ وَتَوَلَّى} فَهَذَا لَا يَكُونُ إلَّا بَعْدَ الرَّسُولِ مِثْلَ قَوْلِهِ عَنْ فِرْعَوْنَ. {فَكَذَّبَ وَعَصَى} كَانَ هَذَا بَعْدَ مَجِيءِ الرَّسُولِ إلَيْهِ كَمَا قَالَ تَعَالَى. {فَأَرَاهُ الْآيَةَ الْكُبْرَى} {فَكَذَّبَ وَعَصَى} وَقَالَ: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ}

    وقال ابن جرير في تفسيره:
    (إنهم أتخذوا الشياطين) الأية، يقول تعالى ذكره: إن الفريق الذي حق عليهم الضلالة، إنما ضلوا عن سبيل الله وجارُوا عن قصد المحجة، باتخاذهم الشياطين نُصراء من دون الله، وظُهراء، جهلا منهم بخطأ ما هم عليه من ذلك، بل فعلوا ذلك وهم يظنون أنهم على هدى وحق، وأن الصواب ما أتوه وركبوا.
    وهذا من أبين الدلالة على خطأ قول من زعمَ أن الله لا يعذِّب أحدًا على معصية ركبها أو ضلالة اعتقدها، إلا أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها، فيركبها عنادًا منه لربه فيها. لأن ذلك لو كان كذلك، لم يكن بين فريق الضلالة الذي ضلّ وهو يحسَبُ أنه هادٍ. وفريق الهدى فَرْقٌ. وقد فرَّق الله بين أسمائهما وأحكامهما في هذه الآية.

    وقال:
    وقوله: (الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) يقول: هم الذين لم يكن عملهم الذي عملوه في حياتهم الدنيا على هدى واستقامة، بل كان على جور وضلالة، وذلك أنهم عملوا بغير ما أمرهم الله به بل على كفر منهم به، وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا: يقول: وهم يظنون أنهم بفعلهم ذلك لله مطيعون، وفيما ندب عباده إليه مجتهدون، وهذا من أدَل الدلائل على خطأ قول من زعم أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يقصد إلى الكفر بعد العلم بوحدانيته، وذلك أن الله تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء الذين وصف صفتهم في هذه الآية، أن سعيهم الذي سعوا في الدنيا ذهب ضلالا وقد كانوا يحسبون أنهم محسنون في صنعهم ذلك، وأخبر عنهم أنهم هم الذين كفروا بآيات ربهم. ولو كان القول كما قال الذين زعموا أنه لا يكفر بالله أحد إلا من حيث يعلم، لوجب أن يكون هؤلاء القوم في عملهم الذي أخبر الله عنهم أنهم كانوا يحسبون فيه أنهم يحسنون صنعه، كانوا مثابين مأجورين عليها، ولكن القول بخلاف ما قالوا، فأخبر جل ثناؤه عنهم أنهم بالله كفرة، وأن أعمالهم حابطة.

    وقال ابن قدامة في روضة الناظر :
    وزعم الجاحظ: أن مخالف ملة الإسلام إذا نظر، فعجز عن درك الحقِّ: فهو معذور غير آثم.وقال عبيد الله بن الحسن العنبري: كل مجتهد مصيب في الأصول والفروع جميعًا.
    وهذه كلها أقاويل باطلة. أما الذي ذهب إليه الجاحظ: فباطل يقينًا، وكفر بالله -تعالى- وردٌّ عليه وعلى رسوله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- فإنا نعلم -قطعًا- أن النبي -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم- أمر اليهود والنصارى بالإسلام واتِّباعه، وذمهم على إصرارهم. ونقاتل جميعهم، ونقتل البالغ منهم. ونعلم: أن المعاند العارف مما يقل، وإنما الأكثر مقلدة، اعتقدوا دين آبائهم تقليدًا، ولم يعرفوا معجزة الرسول وصدقه. والآيات الدالّة في القرآن على هذا كثيرة:
    كقوله تعالى: {ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}، {وَذَلِكُمْ ظَنُّكُمُ الَّذِي ظَنَنْتُمْ بِرَبِّكُمْ أَرْدَاكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ مِنَ الْخَاسِرِينَ}، {وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ}، {يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلَى شَيْءٍ} ، {وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} ، {الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا، أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِه ِ ... } .
    وفي الجملة: ذم المكذبين لرسول الله -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم-مما لا ينحصر في الكتاب والسنة.

    وقال ابن جرير الطبري في التبصير في معالم الدين:
    فأما الذي لا يجوز الجهل به من دين الله لمن كان في قلبه من أهل التكليف لوجود الأدلة متفقةً في الدلالة عليه غير مختلفةٍ،ظاهرةً للحس غير خفية، فتوحيد الله تعالى ذكره، والعلم بأسمائه وصفاته وعدله، وذلك أن كل من بلغ حد التكليف من أهل الصحة والسلامة، فلن يعدم دليلاً دالاً وبرهاناً واضحاً يدله على وحدانية ربه جل ثناؤه، ويوضح له حقيقة صحة ذلك؛ ولذلك لم يعذر الله جل ذكره أحداً كان بالصفة التي وصفت بالجهل وبأسمائه، وألحقه إن مات على الجهل به بمنازل أهل العناد فيه تعالى ذكره، والخلاف عليه بعد العلم به، وبربوبيته في أحكام الدنيا وعذاب الآخرة فقال -جل ثناؤه-: {قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً. الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً. أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً} .
    فسوى -جل ثناؤه- بين هذا العامل في غير ما يرضيه على حسبانه أنه في عمله عاملٌ بما يرضيه في تسميته في الدنيا بأسماء أعدائه المعاندين له، الجاحدين ربوبيته مع علمهم بأنه ربهم، وألحقه بهم في الآخرة في العقاب والعذاب. وذلك لما وصفنا من استواء حال المجتهد المخطئ في وحدانيته وأسمائه وصفاته وعدله، وحال المعاند في ذلك في ظهور الأدلة الدالة المتفقة غير المفترقة لحواسهما، فلما استويا في قطع الله -جل وعز- عذرهما بما أظهر لحواسهما من الأدلة والحجج، وجبت التسوية بينهما في العذاب والعقاب.

    وقال محمد المروزي في تعظيم قدر الصلاة:
    وَلَمَّا كَانَ الْعِلْمُ بِاللَّهِ إِيمَانًا، وَالْجَهْلُ بِهِ كُفْرًا، وَكَانَ الْعَمَلُ بِالْفَرَائِضِ إِيمَانًا، وَالْجَهْلُ بِهَا قَبْلَ نُزُولِهَا لَيْسَ بِكُفْرٍ وَبَعْدَ نُزُولِهَا مَنْ لَمْ يَعْمَلْهَا لَيْسَ بِكُفْرٍ لِأَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَقَرُّوا بِاللَّهِ فِي أَوَّلِ مَا بَعَثَ اللَّهُ رَسُولَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَيْهِمْ، وَلَمْ يَعْمَلُوا الْفَرَائِضَ الَّتِي افْتُرِضَتْ عَلَيْهِمْ بَعْدَ ذَلِكَ فَلَمْ يَكُنْ جَهْلُهُمْ ذَلِكَ كُفْرًا، ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ هَذِهِ الْفَرَائِضَ فَكَانَ إقْرَارُهُمْ بِهَا وَالْقِيَامُ بِهَا إِيمَانًا، وَإِنَّمَا يَكْفُرُ مَنْ جَحَدَهَا لِتَكْذِيبِهِ خَبَرَ اللَّهِ، وَلَوْ لَمْ يَأْتِ خَبَرٌ مِنَ اللَّهِ مَا كَانَ بِجَهْلِهَا كَافِرًا، وَبَعْدَ مَجِئِ الْخَبَرِ مَنْ لَمْ يَسْمَعْ بِالْخَبَرِ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، لَمْ يَكُنْ بِجَهْلِهَا كَافِرًا، وَالْجَهْلُ بِاللَّهِ فِي كُلِّ حَالٍ كُفْرٌ قَبْلَ الْخَبَرِ وَبَعْدَ الْخَبَرِ

    وقال ابن تيمية:
    وَالْكُفْرُ هُوَ عَدَمُ الْإِيمَانِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ تَكْذِيبٌ أَوْ اسْتِكْبَارٌ أَوْ إبَاءٌ أَوْ إعْرَاضٌ

    وقال:
    فَإِنَّ الْكُفْرَ عَدَمُ الْإِيمَانِ بِاَللَّهِ وَرُسُلِهِ سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ تَكْذِيبٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ تَكْذِيبٌ بَلْ شَكٌّ وَرَيْبٌ أَوْ إعْرَاضٌ عَنْ هَذَا كُلِّهِ حَسَدًا أَوْ كِبَرًا أَوْ اتِّبَاعًا لِبَعْضِ الْأَهْوَاءِ الصَّارِفَةِ عَنْ اتِّبَاعِ الرِّسَالَةِ وَإِنْ كَانَ الْكَافِرُ الْمُكَذِّبُ أَعْظَمَ كُفْرًا وَكَذَلِكَ الْجَاحِدُ الْمُكَذِّبُ حَسَدًا مَعَ اسْتِيقَانِ صِدْقِ الرُّسُلِ

    وقال الشيخ محمد بن عبدالوهاب - الدرر السنية:
    هَذَا من الْعجب العجاب كَيفَ تشكون فِي هَذَا وَقد وضحته لكم مرَارًا فَإِن الَّذِي لم تقم عَلَيْهِ الْحجَّة هُوَ الَّذِي حَدِيث عهد بِالْإِسْلَامِ وَالَّذِي نَشأ ببادية بعيدَة أَو يكون ذَلِك فِي مَسْأَلَة خُفْيَة مثل الصّرْف والعطف فَلَا يكفر حَتَّى يعرف وَأما أصُول الدّين الَّتِي وضحها الله وأحكمها فِي كِتَابه فَإِن حجَّة الله هِيَ الْقُرْآن فَمن بلغه فقد بلغته الْحجَّة وَلَكِن أصل الْإِشْكَال أَنكُمْ لم تفَرقُوا بَين قيام الْحجَّة وَفهم الْحجَّة فَإِن أَكثر الْكفَّار وَالْمُنَافِقِي نَ لم يفهموا حجَّة الله مَعَ قِيَامهَا عَلَيْهِم كَمَا قَالَ تَعَالَى {أم تحسب أَن أَكْثَرهم يسمعُونَ أَو يعْقلُونَ إِن هم إِلَّا كالأنعام بل هم أضلّ سَبِيلا} وَقيام الْحجَّة وبلوغها نوع وفهمهم إِيَّاهَا نوع آخر وكفرهم الله ببلوغهم إِيَّاهَا مَعَ كَونهم لم يفهموها وَإِن أشكل عَلَيْكُم ذَلِك فانظروا قَوْله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم فِي الْخَوَارِج (أَيْنَمَا لقيتموهم فاقتلوهم) مَعَ كَونهم فِي عصر الصَّحَابَة ويحقر الْإِنْسَان عمل الصَّحَابَة مَعَهم وَمَعَ إِجْمَاع النَّاس أَن الَّذِي أخرجهم من الدّين هُوَ التشدد والغلو وَالِاجْتِهَاد وهم يظنون أَنهم مطيعون الله وَقد بلغتهم الْحجَّة وَلَكِن لم يفهموها وَكَذَلِكَ قتل عَليّ بن أبي طَالب رَضِي الله عَنهُ الَّذين اعتقدوا فِيهِ الإلهية وحرقهم بالنَّار مَعَ كَونهم تلاميذ الصَّحَابَة وَمَعَ عِبَادَتهم وهم أَيْضا يظنون أَنهم على حق وَكَذَلِكَ إِجْمَاع السّلف على تَكْفِير أنَاس من غلاة الْقَدَرِيَّة وَغَيرهم مَعَ كَثْرَة علمهمْ وَشدَّة عِبَادَتهم وكونهم يظنون أَنهم يحسنون صنعا وَلم يتَوَقَّف أحد من السّلف فِي تكفيرهم لأجل أَنهم لم يفهموا فَإِن هَؤُلَاءِ كلهم لم يفهموا

    وقال الشيخ سليمان بن سحمان في كشف الاوهام والاللتباس بعد نقل كلام الشيخ السابق:
    فَإِذا علمت هَذَا وتحققته فَاعْلَم أَن هَذَا هُوَ سَبِيل الْمُرْسلين وَمن قفى أَثَرهم من الْآل وَالْأَصْحَاب وَالتَّابِعِينَ وَمن بعدهمْ من الْأَئِمَّة المهتدين فحجة الله هِيَ الْقُرْآن فَمن بلغه الْقُرْآن فَلَا عذر وَلَيْسَ كل جهل يكون عذرا لصَاحبه فَهَؤُلَاءِ جهال المقلدين لأهل الْكفْر كفار بِإِجْمَاع الْأمة اللَّهُمَّ إِلَّا من كَانَ مِنْهُم عَاجِزا عَن بُلُوغ الْحق ومعرفته لَا يتَمَكَّن مِنْهُ بِحَال مَعَ محبته لَهُ وإرادته وَطَلَبه وَعدم المرشد إِلَيْهِ أَو من كَانَ حَدِيث عهد بِالْإِسْلَامِ أَو من نَشأ ببادية بعيدَة فَهَذَا الَّذِي ذكر أهل الْعلم أَنه مَعْذُور لِأَن الْحجَّة لم تقم عَلَيْهِ فَلَا يكفر الشَّخْص الْمعِين حَتَّى يعرف وَتقوم عَلَيْهِ الْحجَّة بِالْبَيَانِ وَأما التمويه والمغالطة من بعض هَؤُلَاءِ بِأَن شيخ الْإِسْلَام توقف فِي تَكْفِير الْمعِين الْجَاهِل فَهُوَ من التلبيس والتمويه على خفافيش البصائر فَإِنَّمَا الْمَقْصُود بِهِ فِي مسَائِل مَخْصُوصَة قد يخفى دليلها على بعض النَّاس كَمَا فِي مسَائِل الْقدر والإرجاء وَنَحْو ذَلِك مِمَّا قَالَه أهل الْأَهْوَاء فَإِن بعض أَقْوَالهم تَتَضَمَّن أمورا كفرية من رد أَدِلَّة الْكتاب وَالسّنة المتواترة فَيكون القَوْل المتضمن لرد بعض النُّصُوص كفرا وَلَا يحكم على قَائِله بالْكفْر لاحْتِمَال وجود مَانع يمْنَع مِنْهُ كالجهل وَعدم الْعلم بِنَفس النَّص أَو بدلالته فَإِن الشَّرَائِع لَا تلْزم إِلَّا بعد بُلُوغهَا وَلذَلِك ذكرهَا فِي الْكَلَام على بدع أهل الْأَهْوَاء وَقد نَص على هَذَا فَقَالَ فِي تَكْفِير أنَاس من أَعْيَان الْمُتَكَلِّمين بعد أَن قرر هَذِه الْمَسْأَلَة قَالَ وَهَذَا إِذا كَانَ فِي الْمسَائِل الْخفية فقد يُقَال بِعَدَمِ الْكفْر وَأما مَا يَقع مِنْهُم فِي الْمسَائِل الظَّاهِرَة الجلية أَو مَا يعلم من الدّين بِالضَّرُورَةِ فَهَذَا لَا يتَوَقَّف فِي كفر قَائِله
    وَهَؤُلَاء الأغبياء أجملوا الْقَضِيَّة وَجعلُوا كل جهل عذرا وَلم يفصلوا وَجعلُوا الْمسَائِل الظَّاهِرَة الجلية وَمَا يعلم من الدّين بِالضَّرُورَةِ كالمسائل الْخفية الَّتِي قد يخفى دليلها على بعض النَّاس وَكَذَلِكَ من كَانَ بَين أظهر الْمُسلمين كمن نَشأ ببادية بعيدَة أَو كَانَ حَدِيث عهد بِالْإِسْلَامِ فضلوا وأضلوا كثيرا وَضَلُّوا عَن سَوَاء السَّبِيل

    وقال الشيخ أبا بطين - الدرر السنية:
    واحتج بعض من يجادل عن المشركين بقصة الذي قد أوصى أهله أن يحرقوه بعد موته، على أن من ارتكب الكفر جاهلا لا يكفر، ولا يكفر إلا المعاند.
    والجواب عن ذلك كله: أن الله سبحانه وتعالى أرسل رسله مبشرين ومنذرين، لئلا يكون للناس على الله حجة بعد الرسل؛ وأعظم ما أرسلوا به ودعوا إليه: عبادة الله وحده لا شريك له، والنهي عن الشرك الذي هو عبادة غيره؛ فإن كان مرتكب الشرك الأكبر معذورا لجهل، فمن الذي لا يعذر؟!
    ولازم هذه الدعوى: أنه ليس لله حجة على أحد إلا المعاند، مع أن صاحب هذه الدعوى لا يمكنه طرد أصله، بل لا بد أن يتناقض، فإنه لا يمكنه أن يتوقف في تكفير من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم أو شك في البعث، أو غير ذلك من أصول الدين، والشاك جاهل؛ والفقهاء يذكرون في كتب الفقه حكم المرتد: أنه المسلم الذي يكفر بعد إسلامه، نطقا أو فعلا أو شكا أو اعتقادا، وسبب الشك الجهل.
    ولازم هذا: أنا لا نكفر جهلة اليهود والنصارى، والذين يسجدون للشمس والقمر والأصنام لجهلهم، ولا الذين حرقهم علي ابن أبي طالب رضي الله عنه بالنار، لأنا نقطع أنهم جهال؛ وقد أجمع المسلمون على كفر من لم يكفر اليهود والنصارى، أو شك في كفرهم، ونحن نتيقن أن أكثرهم جهال.
    وقال الشيخ تقي الدين، رحمه الله تعالى: من سب الصحابة رضوان الله عليهم، أو واحدا منهم، واقترن بسبه دعوى أن عليا إله أو نبي، أو أن جبرائيل غلط، فلا شك في كفر هذا، بل لا شك في كفر من توقف في تكفيره. قال: ومن زعم أن الصحابة ارتدوا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا نفرا قليلا لا يبلغون بضعة عشر، أو أنهم فسقوا، فلا ريب في كفر قائل ذلك، بل من شك في كفره فهو كافر. قال: ومن ظن أن قوله تعالى: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ} [سورة الإسراء آية: 23] بمعنى قدر، وأن الله سبحانه ما قدر شيئا إلا وقع، وجعل عبدة الأصنام ما عبدوا إلا الله، فإن هذا من أعظم الناس كفرا بالكتب كلها، انتهى.
    إلى أن قال:
    من أنكر وجوب عبادة من العبادات الخمس، أو قال في واحدة منها إنها سنة لا واجبة، أو جحد حل الخبز ونحوه، أو جحد تحريم الخمر ونحوه، أو شك في ذلك، ومثله لا يجهله، كفر؛ وإن كان مثله يجهله عرف، فإن أصر بعد التعريف كفر، وقتل; ولم يقولوا: فإذا تبين له الحق وعاند كفر. وأيضا: فنحن لا نعرف أنه معاند، حتى يقول: أنا أعلم أن ذلك حق ولا ألتزمه، ولا أقوله، وهذا لا يكاد يوجد.
    وقد ذكر العلماء من أهل كل مذهب، أشياء كثيرة لا يمكن حصرها، من الأقوال، والأفعال، والاعتقادات أنه يكفر صاحبها، ولم يقيدوا ذلك بالمعاند؛ فالمدعي أن مرتكب الكفر متأولا، أو مجتهدا أو مخطئا، أو مقلدا أو جاهلا، معذور، مخالف للكتاب والسنة، والإجماع بلا شك، مع أنه لا بد أن ينقض أصله، فلو طرد أصله كفر بلا ريب، كما لو توقف في تكفير من شك في رسالة محمد صلى الله عليه وسلم ونحو ذلك.

    وقال ابن تيمية في الصارم المسلول:
    وبالجملة فمن قال أو فعل ما هو كفر كفر بذلك وإن لم يقصد أن يكون كافرا إذ لا يقصد الكفر أحد إلا ما شاء الله.

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Oct 2012
    المشاركات
    13,370

    افتراضي رد: هل الكفار الذين بلغتهم الدعوة كلهم مخلدون في النار؟؟؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناصر صلاح مشاهدة المشاركة
    قال أحد من الـ...:
    الكفار الذين بلغتهم دعوة الرسول صنفان:
    الصنف الأول: عرف الحق فلم يصدقه و لم يتبعه فهذا كافر مخلد في النار
    الصنف الثاني: من بلغته الدعوة و لكن لم يبين له أن هذه الدعوة و هذا الدين حق و مات على هذه الحالة فهذا لا نقول بأنه كافر مخلد في النار
    و مثّل بأن لو مات عمر بن الخطاب قبل إيمانه ما كان كافرا و لا مخلدا في النار لأنه في تلك الحالة لم تبيِّن له بعدُ حقيقة دعوة الرسول ، والشاهد أنه لما تبين له حقيقة القرآن و دين الإسلام آمن.

    و من جملة دلائله فيما ذكر:

    - قوله تعالى ( لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب و المشركين...)
    الشاهد: أن حرف"من" في هذه الآية للتبعيض فدلّ على أن بعض المشركين و أهل الكتاب لم يكونوا كفارا

    - معنى الكفر هو تغطية الحق و هولاء الكفار لم يتبين لهم أن ما يُدعون إليه هو الحق فعلى ذلك ليسوا كفار

    أرجوا من مشايخنا و طلاب العلم أن يبينوا لي هل قال بهذا التقسيم أحد من قبل و ما موقف علماء السلف من هذا التقسيم و هل يسوغ الإختلاف في مثل هذه المسائل؟لأن الطرف المخالف لمّا أنكرت عليه قوله رماني بالجمود الفكري و التحجير و لما قلت بأن هذا القول(الصنف الثاني) لم يقل به أحد من سلفنا الصالح و الأئمة المفسرين أنكر عليّ هذا بل و أضحك عليّ...؟أرجوا منكم أن توضحوا لي المسألة و جزاكم الله خيرا
    هذا كلام باطل
    لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ مُحَمَّدٌ رَسُولُ الله
    الرد على الشبهات المثارة حول الإسلام

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Apr 2012
    الدولة
    الرمادي
    المشاركات
    107

    افتراضي رد: هل الكفار الذين بلغتهم الدعوة كلهم مخلدون في النار؟؟؟

    جزاكما الله خيرا و بارك فيكما
    و لو تفضلتم بالرد على شبهته الأولى

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    المشاركات
    808

    افتراضي رد: هل الكفار الذين بلغتهم الدعوة كلهم مخلدون في النار؟؟؟

    بارك الله فيك.
    "المشركين" معطوف على أهل الكتاب. وينبغي أن ينزه القرآن عن هذا اللغو الذي يرطن به هذا الإنسان.
    إذ تقدير الكلام عنده: "لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والذين كفروا من المشركين." وهذا لم يقل به أحد. وأي فائدة في وصمهم بالكفر إن كانوا أصلاً مشركين؟
    ومما يدل عليه أن في بعض القراءات غير السبعية: "والمشركون" بالرفع معطوف على الذين كفروا الذي هو اسم "كان"
    وقرأ ابن مسعود رضي الله عنه: "لم يكن المشركون وأهل الكتاب منفكين" وهي قراءة على التفسير لا تُتلى لكن معناها صحيح.
    أفاد ذلك ابن العربي رحمه الله في أحكامه.
    ثم "من" في هذه الآية مختلف فيها. بعض العلماء يراها للبيان الجنس كالفخر الرازي وقبله الزمخشري، وبعضهم يراها للتبعيض كأبي حيّان. (أنظر ذلك عند قوله تعالى: "ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولاالمشركين أن ينزّل عليكم من خير من ربكم)
    فعلى القول بأنها لبيان الجنس فلا إشكال؛ وعلى القول بأنها للتبعيض فإنها خاصة بأهل الكتاب. و"المشركين" مجرور بالنسق على "مِن".
    والله تعالى أعلم.

  7. #7

    افتراضي رد: هل الكفار الذين بلغتهم الدعوة كلهم مخلدون في النار؟؟؟

    قال الله تعالى: (وإن أحد من المشركين استجارك فأجره حتى يسمع كلام الله ثم أبلغه مأمنه ذلك بأنهم قوم لا يعلمون)

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Apr 2012
    الدولة
    الرمادي
    المشاركات
    107

    Question رد: هل الكفار الذين بلغتهم الدعوة كلهم مخلدون في النار؟؟؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو بكر العروي مشاهدة المشاركة
    ثم "من" في هذه الآية مختلف فيها. بعض العلماء يراها للبيان الجنس كالفخر الرازي وقبله الزمخشري، وبعضهم يراها للتبعيض كأبي حيّان. (أنظر ذلك عند قوله تعالى: "ما يود الذين كفروا من أهل الكتاب ولاالمشركين أن ينزّل عليكم من خير من ربكم)
    فعلى القول بأنها لبيان الجنس فلا إشكال؛ وعلى القول بأنها للتبعيض فإنها خاصة بأهل الكتاب. و"المشركين" مجرور بالنسق على "مِن".
    والله تعالى أعلم.
    - كيف نفهم أن "من" في الآيات القرآنية هي للجنس أم للتبعيض؟،مثلا نرى أن الروافض يقولون في حرف "من" الذي جاء في آية: ( و السابقون من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم) يقولون أن حرف"من" هنا للتبعيض.. فهل هناك قواعد تبين لنا الأمر؟
    - أبو حيان الذي يقول بأن حرف"من" في هذه الآية للتبعيض هل خصه بأهل الكتاب؟
    - ما الدليل على قولكم( وعلى القول بأنها للتبعيض فإنها خاصة بأهل الكتاب)

    و جزاكم الله خيرا على التعاون

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Dec 2008
    المشاركات
    808

    افتراضي رد: هل الكفار الذين بلغتهم الدعوة كلهم مخلدون في النار؟؟؟

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة ناصر صلاح مشاهدة المشاركة
    - كيف نفهم أن "من" في الآيات القرآنية هي للجنس أم للتبعيض؟،مثلا نرى أن الروافض يقولون في حرف "من" الذي جاء في آية: ( و السابقون من المهاجرين و الأنصار و الذين اتبعوهم بإحسان رضي الله عنهم) يقولون أن حرف"من" هنا للتبعيض.. فهل هناك قواعد تبين لنا الأمر؟
    - أبو حيان الذي يقول بأن حرف"من" في هذه الآية للتبعيض هل خصه بأهل الكتاب؟
    - ما الدليل على قولكم( وعلى القول بأنها للتبعيض فإنها خاصة بأهل الكتاب)

    و جزاكم الله خيرا على التعاون
    وجزاكم بمثله.
    التفريق بين "من" التي للتبعييض و "من" التي لبيان الجنس دقيق. ولذلك يقع الخلاف فيه عند المعربين.
    والعلماء ومنهم ابن هشام -رحمه الله- يجعلون من علامات "من" التبعييضية جواز إبدالها ببعض. قال في مغني اللبيب: "وعلامتها إمكان سدِّ بعض مسدَّها كقراءة ابن مسعود: حتى تنفقوا بعض ما تحبون "
    أمّا "من" التي لبيان الجنس، فقد قال ابن هشام أيضًا:
    "الثالث بيان الجنس وكثيرا ما تقع بعد وما ومهما وهما بها أولى لإفراط إبهامهما نحو ( ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها ) ( ما ننسخ من آية ) ( مهما تأتنا به من آية ) وهي ومخفوضها في ذلك في موضع نصب على الحال ومن وقوعها بعد غيرهما ( يحلون فيها من أساور من ذهب ويلبسون ثيابا خضرا من سندس وإستبرق ) الشاهد في غير الأولى فإن تلك للابتداء وقيل زائدة ونحو ( فاجتنبوا الرجس من الأوثان ) وأنكر مجيء من لبيان الجنس قوم وقالوا هي في ( من ذهب ) و ( من سندس ) للتبعيض وفي ( من الأوثان ) للابتداء والمعنى فاجتنبوا من الأوثان الرجس وهو عبادتها وهذا تكلف وفي كتاب المصاحف لابن الأنباري أن بعض الزنادقة تمسك بقوله تعالى ( وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة ) في الطعن على بعض الصحابة والحق أن من فيها للتبيين ولا للتبعيض أي الذين آمنوا هم هؤلاء ومثله ( الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم ) وكلهم محسن ومتق "وإن لم ينتهوا عما يقولون ليمسن الذين كفروا منهم عذاب أليم " فالمقول فيهم ذلك كلهم كفار .
    والمتمعن في كلام ابن هشام يجد أن التفريق يعتمد على السياق.

    وخلاصة القول، واعتمادًا على السياق، فإن أهل الكتاب منهم المؤمن ومنهم الكافر. فجائز أن تكون "من" في الآية للتبعيض. وليس كذلك المشركون، فكلهم كفار. فهذه قرينة سياقية تجعلنا نميل إلى القول بأن "من" في آية سورة البينة هي لبيان الجنس.
    هذا ما عندي في هذا الجواب، ولعل أحد الإخوان يفيدكم أكثر.
    والله تعالى أعلم.

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Apr 2012
    الدولة
    الرمادي
    المشاركات
    107

    افتراضي رد: هل الكفار الذين بلغتهم الدعوة كلهم مخلدون في النار؟؟؟

    جزاكم الله خيرا على الفوائد
    و أما بالنسبة لقولكم:
    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو بكر العروي مشاهدة المشاركة
    .
    وخلاصة القول، واعتمادًا على السياق، فإن أهل الكتاب منهم المؤمن ومنهم الكافر. فجائز أن تكون "من" في الآية للتبعيض.
    .
    ألا يستقيم لنا أن نقول أن أهل الكتاب كان فيهم المؤمن و الكافر قبل البعثة و أما بعد بعثة الرسول فأهل الكتاب كفار كالمشركين و قول الله سبحانه و تعالى( لم يكن الذين كفروا ) المقصود منه حالهم و حكمهم بعد البعثة و على هذا نقول أن "من" هي للبيان لا للتبعيض؟

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •