[ الباب الثامن ] أحاديثٌ دلسها الوليد بن مُسلم عَنْ غير الأوزاعي .
أحببت الإشارة إلي أمر وهو أن ننسب الفضل لأهلهِ في بادئ الأمر ، وإعلم سددك الله أن الأحاديث التي عمدنا إلي ذكرها الآن هي نفسُ الأحاديث التي ذكرها أخينا المُبارك في مُلتقى أهل الحديث الصرح الحديثي الشامخ في موضوع لهُ عَنْ تدليس الوليد بن مُسلم عن غير الإمام الأوزاعي فإن لهُ موطئ قدمٍ في ذكرهِ لهذه الأحاديث التي سأذكرها الآن في أحاديث دلسها الوليد بن مُسلم ، وهو الأخ الحبيب الفاضل - أبو الفوزان السنابلي - سدد الله خُطاه هُنا .
[ الحديث الأول ] عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يُمْنُ الخيلِ في شُقْرها» .
قُلت : وهذا الحديث مما جزم فيه الإمام أبو حاتم الرازي - رحمه الله - بتدليس الوليد بن مُسلم وأنه قد ترك فيه راوٍ عمداً ! وقد أسقط مِنْ إسناده سُليمان كما عند ابن أبي حاتم في العلل عَنْ أبيه - رحمهم الله - قال ابن أبي حاتم في العلل (3/421) : (( وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رواه الوليدُ ابن مُسْلِمٍ، عَنْ شَيبان ، عَنْ عليِّ بن عبد الله ابن عباس: أنَّ النبيَّ قَالَ: يُمْنُ الخَيْلِ فِي شُقْرِهَا ؟قَالَ أَبِي: رَوَى زَيْدُ بْنُ الحُبَاب ، عن عبد الصَّمد بن عليِّ بن عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ أَبِيهِ، عَن جده، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، عَنْ شَيبان، عَنْ سُلَيمان بْنِ عليِّ بن عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن جدِّه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم . قلتُ لأَبِي: أيُّهما أصَحُّ؟
قَالَ: حديثُ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ صحيحٌ، وحديثُ زَيْدِ بْنِ حُباب (1) صحيحٌ؛ كان سُلَيمان وعبد الصَّمَد أخوَيْنِ، وَقَدْ روَيا هَذَا الحديثَ جميعًا - مُوَصَّلً (2) - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جدِّه. وَالَّذِي أَرَى: أَنَّ الوليدَ بْنَ مُسْلِمٍ تَرَكَ سُلَيمان مِنَ الإِسْنَادِ عَلَى العَمْد؛ لأَنَّ سُلَيمان أسرفَ فِي الْقَتْلِ والنِّكايَة فِيهِمْ، فَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يكونَ ذِكْرُه فِي الْحَدِيثِ. قلتُ: سُلَيمان بْنُ عليٍّ كَانَ بالشَّام؟ )) أهـ ، فإنظر كيف جزم الإمام ابي حاتم بأن الوليد بن مُسلم قد دلس إسناد هذا الحديث وأسقط منه سليمان عمداً ! وقد قاله كذلك أخينا المُبارك والصريحُ في عبارة أبي حاتم أنهُ قد دلسهُ ! وإسقاطهُ سليمان هُنا دليلٌ على أنه قد دلس فيه ! فكيف يأتي مِنْ بعدهم قومٌ أضاعوا العلم وأسرفوا في حق أنفسهم فقالوا أن لا تدليس للوليد بن مُسلم ثُم أسرفوا فقالوا [ بريءٌ ] تماماً مِنْ التدليس !! .
[ الحديث الثاني ] أخرج الإمام مُسلم في الصحيح (2/5921) : (( معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام قال حدثني الح?م بن ميناء أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة حدثاه أنهما سمعا رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول علي أعواد منبره : لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين )) .
قُلت : وهذا مما ثبت فيه تدليس الوليد بن مُسلم ! .
قال أبو الفوزان - سدده الله - : رواه ثلاثة من الثقات عن معاوية بهذالاسناد:
الاول: (أبو توبة ربيع بن نافع):أخرجه مسلم رقم: (865). والبيهقي في ال?بري رقم: (5360). وفي الصغري رقم: (601). وفي شعب الايمان رقم: (3008). وفي فضائل الاوقات رقم: (275). والطبراني في الاوسط رقم: (406). وفي مسندالشامين رقم: (2865). وابن عسا?رفي تاريخ دمشق رقم: (3665). والطحاوي في مش?ل الاثار رقم: (3186).
الثاني: (ابوز?ريا: يحيي بن حسان بن حيان):أخرجه الدارمي في سننه رقم: (1570). والبغوي في شرح السنة رقم: (1054). وفي معالم التنزيل رقم: (1252). واسناده صحيح
الثالث: (أبوعبدالله: محمد بن شعيب بن شابور):أخرجه البيهقي في شعب الايمان رقم: (300). وابن عسا?ر في تاريخ دمشق رقم: (1706) واسناده صحيح.
كيف وقد أثبت ابن عساكر - رحمه الله - تدليس الوليد بن مُسلم جازماً بأنهُ حين رواهُ عنهُ قد أسقط مِنْ الإسناد زيد بن سلام ! فقال في تاريخه (15/64) : (( أسقط الوليد زيد بن سلام من إسناده )) أهـ ! وقد يسأل السائل كيف لابن عساكر أن يجزم بأن الوليد بن مُسلم قد دلسهُ و أسقط فيه زيد بن سلام ! فتأمل وتأنى وكُن مِنْ أصحاب العقل ولا تتسرع في الحُكم فتُبرئ مَنْ قد ثبت عليه بالدلائل البينات والأخبار الواضحات وأقوال الأئمة الأتقياء حملة هذا اللواء ! أنه قد ثبت عليه التدليس وأنه دلس وسوى ! وليس بثبوت التدليس عليه شكٌ في أن الجرح في مروايته التي يثبت لنا فيها التدليس وإلا فإنه ثقةٌ معروفٌ مشهور الرواية .
وإليك ما أورده الحافظ مِنْ قرينةٍ على تدليسه (15/64) : (( أخبرناه أبو القاسم بن السمرقندي أنا أبو الحسين بن النقور أنا أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسين بن هارون نا عبد الله بن محمد نا أحمد بن عبد الرحمن نا الوليد نا معاوية بن سلام عن أبي سلام الأسود (2) نا الحكم بن مينا قال سمعت عبد الله بن عمر وأبا هريرة يقولان سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول على أعواد منبره يوم الجمعة لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن على قلوبهم وليكونن من الغافلين )) أهـ ! وتبينَ هُنا أن الوليد بن مُسلم قد ثبت عليه التدليس في هذا الحديث فأسقط بين معاوية بن سلام ! وأبي سلام الأسود (( زيد بن سلام )) ! فلما لا يثبت عليه ما أثبته الأئمة ولا يجوز أن نقول أن البراءة تامةٌ كاملةٌ بلا شيبٍ ولا ريبٍ ولا كلامٍ يُقال في مثل الوليد بن مُسلم والحقُ أنهُ ثابتٌ ولا مجال للإنكار ! فرحمك الله أيها الأنصاري ما هكذا يكونُ الإعلال ولا دراسةُ حال الرواة فإتقي الله وسر على منهج الأئمة الأخير تنل خيراً كثيراً .
[ همسة ] لمَنْ أراد النظر في إثبات التدليس مِنْ الوليد بن مُسلم ! فليذهب إلي ما أشرنا إليه مِنْ قول الأخ ابو الفوزان السنابلي وقد ذكر على تدليسه [5] أمثلةٍ عَنْ غير الأوزاعي وقد ذكرتُ هُنا شيئاً مِنْها مِنْ باب التعضيد ! وإني والله لأبرأ مِنْ قول أبي جابر في نفي التدليس عن الوليد بن مُسلم تماما وإن الحق الذي لا مرية فيه أنه ثابتٌ بإتفاق أهل الصنعة والعلم . والله أعلم .
[ الباب التاسع ] أحاديث وقع فيها تدليس الوليد بن مُسلم مِنْ كتاب العلل ! .
[ الحديث الأول ] عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " فِي بَيْضِ النَّعَامِ كُلُّ بَيْضَةٍ صِيَامُ يَوْمٍ ، وَإِطْعَامُ مِسْكِينٍ "
قُلت : ويشبه أن يكون الوليد بن مُسلم قد دلسهُ قد يكون أسقط منهُ ( زياد بن سعد / إبراهيم بن أبي يحيى ) قال أبي حاتم في العلل (3/195) : (( قَالَ أَبِي: هَذَا حديثٌ لَيْسَ بصَحيح عِنْدِي؛ وَلَمْ يسمعِ ابنُ جُرَيج مِنْ أَبِي الزِّناد شَيْئًا؛ يُشبه أَنْ يكونَ ابنُ جُرَيج أَخَذَهُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أبي يحيى )) ، وهذا الحديث الحديث رواه أبو داود في "المراسيل" (138) ، والدارقطني في "السنن" (2/249) من طريق أبي عاصم الضَّحاك بن مَخْلَد، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ زِيَادِ بن سعد، عن أبي الزناد، عن رجل، عن عائشة، به، ووقع عند أبي داود: «عن أبي الزناد: بلغني عن عائشة»
وهُنا في مراسيل أبي داود أثبت بين أبي الزناد وابن جريج واسطة " زياد بن سعد " وقد قال أبي حاتم الرازي " إبراهيم بن أبي يحيى " ! وقد أخذه عَنْ زياد بن سعد وإبراهيم بن أبي يحيى وروايته عند الشافعهي في كتابه الأم (2/209) ، ومما يشهد أنه قد أخذه عن زياد بن سعد الثقة عَنْ أبي الزناد - رحمه الله - ما قاله الدارقطني في "العلل" (2029) فقال: (( يرويه ابن جريج، واختلف عنه، فرواه الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْن جريج، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عن أبي هريرة، ورواه أبو قرَّة، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ زِيَادِ بن سعد، عن أبي الزناد، عن عروة، عن عائشة. وقال أَبُو عَاصِمٍ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ أبي الزناد عمن أخبره، عن عائشة، وقول أبي عاصم أشبه بالصواب. وذكر لأحمد بن حنبل حديث الوليد بن مسلم فقال: لَمْ يَسْمَعِ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ أبي الزناد، إنما يروي عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ أبي الزناد» )) أهـ ، وقد أرجعه الحافظ ابن حجر لأصل الحديث عند أبي داود في مراسيله وهو (138) ، فقال الحافظ في "التلخيص الحبير" (2/522) بعد أن ذكر ما نقله الدارقطني عن الإمام أحمد: (( قلت: فرجع الحديث إلى ما رواه أبو داود، وفيه رجل لم يسمَّ، فهو في حكم المنقطع )) أهـ ، وقال الطبراني في التلخيص (2/522) : (( تَفَرَّدَ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ )).
وأما قول أبي حاتم الرازي ويشبه أن يكون ابن جريج أخذه مِنْ ابن أبي يحيى قُلت وقوله وإن كان شكٌ في روايته مِنْ طريق ابن جريج عن ابن أبي يحيى ! عَنْ أبي الزناد وحدث به الوليد عن ابن جريج عن أبي الزناد مُباشرة ! ويشهد لقول أبي حاتم ما أخرجه الشافعي في كتابه الأم (2/209) ، وقال الأنصاري في القول النفيس (3/46) : (( المتهم في التدليس عند أبي حاتم هو ابن جريج ، ولهذا قال لم يسمع ابن جريج مِنْ أبي الزناد شيئاً ، ويشبه أن يكون ابن جريج أخذه مِنْ إبراهيم بن يحيى )) أهـ ، وهذا القولُ ليس بمُحتملٍ إذ أن ابن جريج أمنا تدليسهُ في رواية أبي داود في كتابه المراسيل (1/146) : (( حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي زِيَادٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حَكَمَ فِي بِيضِ النَّعَامِ فِي كُلِّ بَيْضَةٍ صِيَامُ يَوْمٍ أَوْ إِطْعَامُ مِسْكِينٍ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أُسْنِدَ هَذَا الْحَدِيثُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ )) أهـ . ويمكنك أن ترى أن ابن جريج قد صرح بالسماع من زياد بن سعد بصيغة " أخبرني " وأمنا بذلك التصريح بأخبرنا مِنْ تدليس بن جريج ! وقد تفرد بالرواية عنهُ الوليد بن مُسلم بهذا الإسناد مُسقطاً منهُ ما عند أبي داود والدارقطني وهو (( زياد بن سعد )) ، ومُسقطا ما أخرجه الشافعي في كتبه الأم مِنْ حديث " الثقة " عندهُ وهو (( إبراهيم بن أبي يحيى )) ! وإبراهيم هذا (( ضعيف )) والأرجح على رواية الشافعي أن ابن أبي يحيى أخذ الحديث مِنْ ابي الزناد فمحتملٌ أن يكون ابن جريج أخذهُ عن ابن أبي يحيى ولكن الأرجح هو أنه حدث بهِ بواسطة زياد بن سعد - ثقة - وحدث به دُون واسطة وقد أعله بالإنقطاع بين ابن جريج وأبي الزناد ولم يثبت لهُ سماعٌ منه ! وإنما حدث عنه بواسطة وطالما أن ابن جريج حدث عنه بواسطة زياد بن سعد ! فقرينة على أنه لم يسمع منه ! وبالتالي فالوليد قد تفرد بإسقاط الواسطتين بين ابن جريج وأبي الزناد ! وإن كان أبي حاتم يشكك في رواية ابن جريج عن ابن يحيى فهي مُحتملةٌ لاحتمال أن الشافعي قد رواها في كتابه الأم عنه والأرجح أن الواسطة بينه وبين أبي الزناد هي زياد بن سعد . والله أعلم .
[ الباب العاشر ] أحاديث قد يكون دلسها الوليد في كتاب العلل للدارقطني .
[ الحديث الأول ] عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَيُّهُمَا أَفْضَلُ : أَمَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ بَيْتُ الْمَقْدِسِ ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى هُوَ , وَلَيُوشِكَنَّ لأَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الأَرْضِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرًا لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا " ، قَالَ : أَوْ قَالَ : " خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ".
قُلت : قال الدارقطني في العلل (6/244) : (( فَقَالَ: يَرْوِيهِ قَتَادَةُ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ؛ فَرَوَاهُ حَجَّاجُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ.
وَاخْتُلِفَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، فَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ السَّدُوسِيُّ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بشير، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ.
وَكَذَلِكَ رَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ .
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، وَهِشَامُ بْنُ خَالِدٍ، وَغَيْرُهُمَا: عَنِ الْوَلِيدِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا أَحَدًا، وَقَتَادَةُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ.
وَقَوْلُ حَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ أَشْبَهُ بالصواب )) أهـ . فتعال أخي القارئ نتأمل أنا وأنت قول الإمام الدارقطني ولنرى كيف هو تحليلاً بإذن الله تبارك وتعالى كالتالي :
مَدار الحديث على [ قتادة بن دعامة السدوسي ] (( ثقةٌ إمامٌ مدلسٌ مِنْ الطبقة الثانية مُكثرٌ مِنْ الإرسال الخفي عمَّن لقيهم ما لم يسمعه منهم )) وقد سبق أن نظرنا بتدليسهِ وعنهُ :
(1) حجاج بن الحجاج عَنْ قتادة عن أبي الخليل عَنْ عبد الله بن الصامت .
وأنت كما ترى هُنا فالحجاج بن الحجاج قد أدخل واسطة (( أبي الخليل )) بين قتادة وبين عبد الله بن الصامت فيترجح أن روايتهُ هُنا دليلٌ على أن قتادة لم يسمع مِنْ عبد الله بن الصامت .
(2) سعيد بن بشير عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن .
ولو تأملنا هذه الرواية فيرويها عَنْ سعيد بن بشير (( ضعيف )) في قتادة - رحمه الله - الوليد بن مُسلم بواسطة سعيد بن أبي الحسن عَن عبد الله بن الصامت ، وكذا وافقه على روايته سعيد بن أبي عروبة وهو أوثق أصحاب قتادة عَنْ قتادة بذكر سعيد بن أبي الحسن ! .
وعن الوليد بن مُسلم محمد بن عقبة السدوسي - صدوق يخطئ كثيراً - وإن كان محمد بن يعقوب السدوسي لا ينهضُ مقابل علي بن حجر وهشام بن خالد ! وسعيد بن أبي الحسن - ثقة - وقد يسقط المدلس ثقةً أو ضعيفاً في روايته للحديث ! وليس تدليس التسوية مقصوراً على ما يرويه الراوي مِن أحاديث عن الضعفاء مِنْ الرواة ! بل قد يسقط في سند الحديث ثقةً إلا أنه قد تابع الوليد بن مُسلم على روايته هُنا عدد دون ذكر سعيد بن أبي الحسن فإنتفت شبهة التدليس عنه .
[ الحديث الثاني ] عَنْ أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ: الرَّجُلُ يَطَأُ الْعُذْرَةَ، قَالَ: التُّرَابُ لَهَا طَهُورٌ.
قال الدارقطني في العلل (8/159) : (( فَقَالَ: يَرْوِيهِ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ؛ فَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ ذَلِكَ أَبُو هَمَّامٍ، عَنِ الْوَلِيدِ.وَخَ لَفَهُ عُتْبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الرَّحْضِ، وَدَاوُدُ بْنُ رَشِيدٍ فَرَوَيَاهُ، عَنِ الْوَليِدِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.وَكَ َلِكَ قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي الْعِشْرِينَ، عَنْ سَعِيدٍ، وَقَالَ أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ : نُبِّئْتُ أَنَّ سَعِيدًا حَدَّثَ بِهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هريرة.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقِيلَ: عَنْهُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، مَوْقُوفٌ. وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ، عَنْ الْمَقْبُرِيِّ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَشْبَهُهَا بِالصَّوَابِ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ سَمْعَانَ متروكا )) أهـ .
قُلت : وإليك الإختلاف على الإمام الأوزاعي في الرواية على النقاط التالية :
(1) أبو همام عن الوليد بن مُسلم عن الأوزاعي عَنْ سعيد المقبري عَنْ أبي هريرة .
(2) خالفهُ عتبية بن سعيد بن الرخص وداود بن رشيد فحدثا به عَنْ الوليد بن مُسلم عن الأوزاعي عَنْ سعيد عَنْ أبيه عَنْ أبي هريرة - رضي الله عنه - ومثلهم بن أبي العشرين .
(3) أيوب بن سويد عَنْ الأوزاعي : نبئتُ أن سعيد حدث بهِ عَنْ أبيه .
(4) ورواه المصيصي عَنْ الأوزاعي عَنْ مُحمد بن عجلان عَنْ سعيد المقبري عَنْ أبيه عَنْ أبي هريرة - رضي الله عنه - وقيل عنه عن سعيد عن أبي هريرة .
ومثله قال سفيان بن عيينة عَنْ مُحمد بن عجلان ، عن سعيد المقبري أن إمراة سألت عائشة - رضي الله عنها - ورواية سفيان بن عيينة هذه - موقوفة - .
(5) ورواه عبد الله بن زياد بن سمعان عَن المقبري عَنْ القعقاع عَنْ أبيه عَنْ عائشة - سلام الله عليها - أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم ! وهو أشببه بالصواب عند الدارقطني .
وتعالوا معاً نأخذُ الإسناد الثالث وهي رواية أيوب بن سويد عَنْ الاوزاعي أنه قال : نُبئت أن سعيد بن أبي سعيد المقبري حدث به عن أبيه ! وهُنا أيوب بن سويد يثبت الواسطة بين الأوزاعي وبين سعيد المقبري ! وقد تابعه عليه كُلٌ مِنْ الرواة - أي أيوب بن سويد عَنْ الإمام الاوزاعي - :
[1] أبو المُغيرة وروايته أخرجها أبو داود في السنن (1/105) .
[2] والوليد بن مزيد وروايته أخرجها أبو داود في السنن (1/105) .
[3] عمرو بن عبد الواحد وروايته أخرجها أبو داود في السنن (1/105) .
وروايتهم عند غير واحدٍ مِنْ الأئمة في كُتب الحديث إلا أني اقتصرت على سنن أبي داود لعدم الإطالة في التخريج ! إلا أن الوليد بن مُسلم خالفهم جميعاً في روايته عَنْ الأوزاعي - رحمه الله - تعالى كما ترى في قول الإمام الدارقطني : (( فَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ ذَلِكَ أَبُو هَمَّامٍ )) كذا عبد الحميد بن أبي العشرين ، فروايه عَنْ سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
- الوليد بن مُسلم عَنْ الاوزاعي ( معروفٌ بتدليس التسوية ) .
- عبد الحميد بن أبي العشرين ، قال البخاري في حديثهُ كما نقل العقيلي في كتابه الضعفاء : ((أَبُو سَعِيدٍ حَدَثَّنِي آدَمُ بْنُ مُوسَى ، قَالَ : سَمِعْتُ الْبُخَارِيَّ ، قَالَ : " عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي الْعِشْرِينَ ، أَبُو سَعِيدٍ " ، قَالَ الْبُخَارِيُّ : " رُبَّمَا يُخَالَفُ فِي حَدِيثِهِ " )) ، والرجل ضعيفٌ لا يكون مثل أبو المغيرة والوليد بن مزيد في روايتهم ولا أيوب بن سويد عن الإمام الأوزاعي فمردودٌ أن تابع بذلك رواية الوليد بن مُسلم ، وعليه فإنا لا نسلم بسلامة الإسناد مِنْ تدليس الوليد بن مُسلم لأن الوليد بن مُسلم لم يذكر بين الأوزاعي وبين سعيد ! واسطةً والتي ثبتت في رواية أيوب بن سويد وتابعه عليه الثقات من أصحاب الإمام الأوزاعي - رحمه الله - .
وتوسط بين رواية أيوب بن سويد ! والوليد ( محمد بن كثير المصيصي ) وهو مقبولٌ وذكرت في روايته الواسطة بين الأوزاعي وسعيد بن أبي سعيد ! قال ابن عدي فيما يرويه عن الأوزاعي ومعمر - رحمهم الله - : (( له روايات عن معمر والأوزاعي خاصة أحاديث عداد مما لا يتابعه أحد عليه )) وهو على الأرجح بالاستقراء لقول الأئمة ! ضعيفٌ لايعتبد به إلا في الشواهد والمتابعات وهُنا قد رواها وذكر الواسطة بين الأوزاعي ألا وهو محمد بن عجلان - رحمهم الله - .
وفي التهذيب (5/220) : (( كان سعيد المقبري يحدث عن أبي هريرة، وعن أبيه عن أبي هريرة، وعن رجل عن أبي هريرة، فختلط عليه؛ فجعلها كلها عن أبي هريرة )) .
قال عبدالله : قال أبي : (( وقال يحيى بن سعيد : ابن عجلان لم يقف على حديث سعيد المقبري ما كان عن أبيه عن أبي هريرة ، وما روى هو عن أبي هريرة )) ، قال ابن حبان : (( قد سمع سعيد المقبري من أبي هريرة ،وسمع من أبيه عن أبي هريرة ،فلما اختلط على ابن عجلان صحيفته ولم يميز بينهما ،اختلط فيها وجعلها كلها عن أبي هريرة ،وليس هذا مما يهي الإنسان به ،لأن الصحيفة كلها في نفسها صحيحة،فما قال ابن عجلان :عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ،فذاك مما حمل عنه قديماً قبل اختلاط صحيفته عليه ،وما قال عن سعيد عن أبي هريرة فبعضها متصل صحيح وبعضها منقطع ،لأنه أسقط أباه منها ،فلا يجب الاحتجاج عند الاحتياط إلا بما يروي الثقات المتقنون عنه عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ،وإنما كان يهي أمره ويضعف لو قال في الكل :سعيد عن أبي هريرة ،فإنه لو قال ذلك لكان كاذبا في البعض ،لأن الكل لم يسمعه سعيد عن أبي هريرة ،فلو قال ذلك لكان الاحتجاج به ساقطا على حسب ما ذكرناه )) ، وبناء على ذلك فإنه ينظر إلي رواية محمد بن عجلان عَنْ سعيد المقبري عَنْ أبيه إذا رواها عنه الثقات المتقنون قبلت روايته ! أما إذا رواها ما دون ذلك فإن رواية بن عجلان عن سعيد عن أبيه ما يدل على إضطراب بن عجلان في روايته عن سعيد ! إذ أنه بعد الاختلاط جعل روايته عن المقبري كلها عن أبي هريرة وليس عن أبيه عن أبي هريرة،واشتراط رواية الثقات المتقنين عنه لقبول روايته للأمن ممن في حفظهم شيء ممن قد يهم فيزيد (عن أبيه ) دون دراية منه .
وحسبك بهذا السبب مِنْ الإضطراب مِنْ قبل بن عجلان أن يسقطه الوليد بن مُسلم ويدلسه عن الإمام الاوزاعي لما عرف به مِنْ ضعف في الحديث فرواية بن عجلان عن سعيد عن أبيه إضطرب فيها لما عرف مِنْ الإضطراب في روايته كما أسلفنا ! وبهذا يتبين لنا أن الوليد بن مُسلم قد دلس الواسطة بين الاوزاعي وبين سعيد المقبري ! لما عرف عنه مِنْ الإضطراب ولم يتطرق لذلك الأنصاري في كتابه القول النفيس (3/100) وأخطأ في أنه لا يوجد للوليد بن مُسلم تدليساً في هذه الرواية والصحيح أنه ثابتٌ عليه لما عرف مِن رواية أصحاب الأوزاعي عنه ! قوله نبئت ، وهم مقدمون على محمد بن كثير المصيصي ! والوليد بن مُسلم في روايتهم عن الأوزاعي .
[ خاتمة ] وهذا وقد تمت بحمد الله تبارك وتعالى هذه الدراسة المُختصرة لرواية الوليد بن مُسلم وما فيها مِنْ إثبات التدليس في الوليد بن مُسلم - رحمه الله - وبالجُملة فإنه تعقبٌ للشيخ أبي جابر الأنصاري - وفقه الله - في كتابه (( القول النفيس في براءة الوليد بن مُسلم من التدليس )) والذي ندين الله تبارك وتعالى به أن الوليد بن مُسلمٌ معروفٌ بتدليس التسوية وهذا ثابتٌ عليه بالدلائل والقرائن وأقوال الأئمة الأثبات مِنْ أقوالهم ، والصحيح أنه ثابتٌ لدينا بالقرائن البينات والبراهين الواضحات وهذا ما ظهر جلياً لنا في هذه الدراسة المُختصرة لتدليس الوليد بن مُسلم - رحمه الله - في بعض مروياته عَنْ الأوزاعي وغيره - رحمهم الله - . والله أعلى وأعلم .
وأملاهُ بحمد الله وأتمه العبد العاثر
أبو الزهراء - زُرعة - آل أبو عودة الغزي
28/5/2013
حامداً الله تبارك وتعالى ومُصلياً لهُ وعلى
الحبيب مُحمد صلى الله عليه وسلم ...