تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 20 من 22

الموضوع: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ

    لْحَمْدُ للهِ بِالْعَشِى وَاِلإِشْرَاقِ ، وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ الأَتَمَّانِ الأَكْمَلانِ عَلَى مَنْ وَقَعَ عَلَى مَحَبْتِهِ الإِتْفَاقُ ، وَطَلَعَتْ شُمُوسُ أَنْوَارِهِ فِي غَايَةِ الإِشْرَاقِ ، وَتَفَرَّدَ فِى مَيْدَانِ الْكَمَالِ بِحُسْنِ الإِسْتِبَاقِ ، النَّاصِحِ الأَمِينِ الَّذِي اهْتَدَى الْكَوْنُ كُلُّهُ بِعِلْمِهِ وَعَمْلِهِ ، وَالْقُدُوَةِ الْمَكِينِ الَّذِي اقْتَدَى الْفَائِـزُونَ بِحَـالِهِ وَقَوْلِهِ ، نَاشِـرِ أَلْوِيَةِ الْعُلُومِ وَالْمَعَارِفِ ، وَمُسْدِي الْفَضْلِ لِلأَسْلافِ وَالْخَوَالِفِ ، الدَّاعِي عَلَى بَصِيرَةٍ إِلَى دَارِ السَّلامِ ، وَالسِّرَاجِ الْمُنِيرِ وَالْبَشِيرِ النَّذِيرِ عَلَمِ الأَئَمَّةِ الأَعَلامِ ، الآَخِذِ بِحُجُزِ مُصَدِّقيِّهِ عَنْ التَّهَافُتِ فِي مَدَاحِضِ الأَقْدَامِ ، وَالتَّتَابُعِ فِي مَزَلاتَ الْجَرْأَةِ عَلَى الْعِصْيَانِ :

    [ الباب الأول ] تَعريف تدليس التَسوية .
    وهذا النوعُ مِنْ التدليس هو أردى أنواعهِ وشرهُ قال الحافظ الذهبي في ترجمة الوليد بن مسلم - رحمه الله - : (( وكان من أوعية العلم ، ثقة حافظا ، لكن رديء التدليس ، فإذا قال : حدثنا ، فهو حجة . هو في نفسه أوثق من بقية وأعلم )) وهو أن يسقط الراوي شيخاً ضعيفاً بين ثقتين علم سماعهما مِنْ بعضهما البعض أو تلاقيهما ، ففي هذه الحالة يأتي الراوي فيسقط الضعيف من بين الثقتين حتى يصبح السند مستقيماً كله، ثم يأتي بالعنعنة، ولذلك كثير من المدلسين لا يقبل منه إلا إذا صرح بالتحديث، كما قال الذهبي في بقية، قال: أما بقية إن قال: عن، فلا تلتفت إليه، وإن صرح بالتحديث فذاك، يعني: إذا قال: حدثني، فخذ، فالمدلس هنا يقول: حدثني ثم يأتي بشيخه الثقة، ثم يقول: عن؛ لأنه لو قال: حدثني، لكان كاذباً، فيسقط الضعيف من بين الثقتين ويأتي بصيغة موهمة للسماع وهي عن، ويكون شيخه قد عاصر الثقة الذي بعد الضعيف.
    وقد دفع هذا الأمر العُلماء إلي التشنيع على تدليس التسوية واتهم بذلك الثوري -وكان مقلاً- والأعمش والوليد بن مسلم وهشيم بن بشير وبقية بن الوليد .
    وقد بالغ ابن حزم فقال : (( إن الذي يدلس تدليس التسوية ساقط العدالة، رقيق الديانة؛ لأنه سيضيع أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، أو نقول: يدخل في أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ما ليس منها )) أهـ .
    قُلت : وهذه مُبالغة مِنْ ابن حزم - رحمه الله - فليس مَنْ اتهم بتدليس التسوية ساقطُ العدالة رقيق الديانة في حين أنا نرى الأئمة يثنون على مثل الوليد بن مسلم ويقولون بأنه ثقةٌ ثبتٌ مِنْ الأعلام إلا أنه متهم بتدليس التسوية ، والحق أننا لابد أن ننظر للأمر بعينٍ ناقدةٍ ، وليس مثل الوليد بن مسلم سافط العدلة تماما بل مَنْ كان معروفا بتدليس التسوية فهذا مطعنٌ في عدالته ولا يقتضي اسقاط حديثه بالكلية فكونه ساقط العدالة تماما يقتضي ترك حديثه بالكلية وإن كان تكلم فيه لتدليسه فهذا لا يعني رد حديثه بالكلية كما هو ظاهر كلام ابن حزم - غفر الله له - ! وأعجب من وصفه إياهم بقوله - رقيق الديانة - وهذا وإن كان هذا أردى أنواع التدليس وأقبحها عند المحدثين فإنه ليس بمسلكٍ يسلك في الكلام عمن اتهم فيه .
    ولا نعلم أحداً مِنْ الأئمة قديما ولا حديثاً قال بهذا القول والفاصل في المسألة أن لا يقول الراوي المتهم بتدليس التسوية ! حدثنا وإلا صار بذلك كذاباً بل إن الغالب على أمثال تدليس الوليد بن مسلم إذا دلس تسويةً عن الإمام الأوزاعي أن يقول (( قال الأوزاعي )) وليس بصيغةِ حدثنا ! او كأن يوهم الرواي بصيغةٍ توهم السماع وهو أن يقول (( عن )) وهذا لا يجعلها ممن استساغ الكذب على النبي صلى الله عليه وسلم ولذلك فإنا لا نسلم لابن حزم بقوله هذا .
    [ تنبيه ] وهذا النوع مِنْ التدليس قد سماهُ بعد المُتقدمين تجويداً ، وإنظر بذلك لتدريب الراوي وفتح المغيث وشرح ألفية السيوطي أي أنهُ يذكر في جياد أهل الإسناد ، أي أنه جعل ظاهر الإسناد بهذا الفعل المُستقبح جيداً ، وسماه صاحب ظفر الاماني بالتحسين وهو أن يحسن الراوي ظاهر الإسناد بأن يحذف منه الضعيف ويبقى الثقات مِنْ الرواة .
    ويشترط في هذا النوع مِنْ التدليس يشترط فيه التحديث والإخبار مِنْ المدلس إلي آخره ولذلك قال العلائي جامع التحصيل (ص94) : (( وهو مذموم جداً من وجوه كثيرة منها أنه غش وتغطية لحال الحديث الضعيف وتلبيس على من أراد الاحتجاج به. ومنها أنه يروي عن شيخه ما لم يتحمله عنه لأنه لم يسمع منه الحديث إلا بتوسط الضعيف ولم يروه شيخه بدونه ، ومنها أنه يصرف على شيخه بتدليس لم يأذن له فيه، وربما ألحق بشيخه وصمة التدليس إذا تتحقق عليه أنه رواه عن الواسطة الضعيف ثم يوجد ساقط في هذه الرواية فيظن أن شيخه الذي أسقطه ودلس الحديث وليس كذلك )) وعليه فإنه لابد مِنْ أن يصرح المدلس المُتهم بتدليس التسوية مِنْ أول الإسناد إلي أخرهِ ولا ينفع أن يصرح بالتحديث بينهُ وبين شيخه فقط .
    [ مثال ] ما أورده ابن أبي حاتم في العلل : (( سمعت أبي -وذكر الحديث الذي رواه إسحاق بن راهويه، عن بقية قال: حدثني أبو وهب الأسدي عن نافع، عن ابن عمر، حديث: "لا تحمدوا إسلام المرء حتى تعرفوا عقدة رأيه"- قال أبي: هذا الحديث له أمر قل من يفهمه. روى هذا الحديث عبيد الله بن عمرو، عن إسحاق بن أبي فروة، عن نافع عن ابن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم. وعبيد الله بن عمرو، كنيته أبو وهب، وهو أسدي، فكناه بقية ونسبه إلى بني أسد كي لا يفطن له، حتى إذا ترك إسحاق بن أبي فروة لا يهتدى له )) أهـ .
    قُلت : وعبيد الله بن عمرو ( ثقة ) ، إسحاق بن أبي فروة ( متروك الحديث ) ، نافع ( ثقة جليل ) فإنظر يا رعاك الله كيف هي عند ابن أبي حاتم ! فسواهُ بقية بن الوليد فجعل ظاهر الإسناد أنه جيدٌ وهذا مما وقع فيه بقية بن الوليد مِنْ التجويد - تدليس التسوية - . والله أعلم .
    ومِنْ أكثر مَنْ وقع فيه مِنْ الرواة بقية بن الوليد والوليد بن مسلم ! قال الشيخ الجديع في كتابه النفيس تحرير علوم الحديث (2/956) : (( دخلت حمص وأكثر همي شأن بقية، فتتبعت حديثه وكتبت النسخ على الوجه، وتتبعت ما لم أجد بعلو من رواية القدماء عنه، فرأيته ثقة مأموناً، ولكنه كان مدلساً، سمع من عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك أحاديث يسيرة مستقيمة، ثم سمع عن أقوام كذابين ضعفاء متروكين عن عبيد الله بن عمر وشعبة ومالك، مثل: المجاشع بن عمرو، والسري بن عبد الحميد، وعمر بن موسى الميثمي، وأشباههم، وأقوام لا يعرفون إلا بالكنى، فروى عن أولئك الثقات الذين رآهم بالتدليس ما سمع من هؤلاء الضعفاء، وكان يقول: (قال عبيد الله بن عمر عن نافع) و (قال مالك عن نافع كذا)، فحملوا عن بقية عن عبيد الله، وعن بقية عن مالك، وأسقط الواهي بينهما، فالتزق الموضوع ببقية و تخلص الواضع من الواسط )) ثُم اعتذر له الإمام ابن حبان - رحمه الله تعالى - المجروحين (1/200) كما نقل الشيخ الجديع .
    لاشك في كون تدليس التسوية قادحاً في عدالة الرواة ! وقد اتهم به مَنْ هم بالجلالة والمكانة ما الله تعالى به عليمٌ كالإمام الثوري وكان - قليلاً ما يقع منه - والأعمش وأحسن ما يعتذر لمثل هذين الإمامين أنهما ما كانا يفعلانه إن وقع منهم إلا لمَنْ يعرف عندهم بانه ثقة ، ومَنْ اشتهر به أكثر هما الوليد بن مسلم وبقية ، والإكثارُ مِنْ تدليس التسوية قدحٌ في الراوي إلا أن بعضاً مِنْ الأئمة الكبار قد وقع فيهِ كما أسلفنا وليس بسبب يترك لأجله رواية المُدلس إنما يقوم المرء بجمع طرق الحديث وتخريجه وبذلك يعرف ما إن وقع فيهِ أم لم يقع ، ومثل الثوري ومنه يكاد أن يكون نادرا ومن الأعمش فإنهما فعلاه إجتهادا منهما وعمن هو عندهم ثقةٌ ! ولكن تبقى رواية الوليد بن مسلم والذي اجتمع الناس على أنه معروفٌ بهِ فهل اقتضى ذلك اسقاط عدالته بالكامل ! أم أنه لا يقبل منه ما قد دلس به وما صرح به بالسماع فمقبولٌ بلا خلاف .

    [ الباب الثاني ] وينقسمُ هذا الباب إلي فصلين مِنْ حيث حال الوليد بن مسلم .
    [ 1 ] أقوال مَنْ وثقهُ مِنْ الأئمةِ دُون التطرقِ لتدليسهِ وتسويتهِ .
    [ 2 ] أقوال الأئمة الذين قالوا بوثاقتهِ خصوصاً في روايته عَنْ الإمام الأوزاعي


    [ 1 ] أقوال مَنْ وثقهُ مِنْ الأئمةِ دُون التطرقِ لتدليسهِ وتسويتهِ .
    قال الإمام العجلي في الثقات (2/342) : (( ثقة )) .
    وقال الإمام محمد بن سعد (7/326) : (( كان الوليد ثقة كثير الحديث والعلم ، حج سنة أربع وتسعين ومائة ، ثم رجع ، فمات بالطريق )) أهـ .
    والحافظ المزي تهذيب الكمال 7/486-489 : (( قال ابن المديني: الوليد رجل أهل الشام، وعنده علم كثير، ولم أستمكن منه )) وقد نقل توثيق الأئمةِ لهُ في الحافظ الذهبي في السير .
    قال أبو اليمان : (( ما رأيت مثل الوليد بن مسلم )) .
    وقيل لأبي زرعة : (( الوليد أفقه أم وكيع ؟ فقال : الوليد بأمر المغازي ، ووكيع بحديث العراقيين )).
    وقال أبو مسهر : (( كان الوليد من حفاظ أصحابنا )) .
    وقال أبي حاتم الرازي : (( صالح الحديث )) .
    وقال ابن عدي : (( الثقات من أهل الشام مثل الوليد بن مسلم )) .
    قال الإمام أحمد : (( ما رأيت في الشاميين أعلق مِنْ الوليد بن مسلم )) .
    قُلت : ولم يترجم للرواة مثل الإمام الحافظ المزي في تهذيب الكمال حيث كان يذكر الرواة فيسند إلي مَنْ وثقهُ توثيقهُ وبالإسناد وهذا مِنْ باب التمكن مِنْ أقوال الأئمةِ والوصول إليها ، ولذلك فإنا سنذكر هُنا بعضاً مما أسنده الإمام المزي في تهذيب الكمال من الكلام في الوليد بن مسلم .
    قال الحافظ المزي (31/86) : (( قَال الْفَضْل بْن زياد: قال أحمد بْن حنبل: ليس أحد أروى لحديث الشاميين من إِسْمَاعِيل بْن عياش، والوليد بن مسلم )) .
    قُلت : وقول الإمام أحمد آنف الذكر مِنْ أنه لم يرى أحداً أعقل مِنْ الوليد بن مسلم أورده المزي في تهذيب الكمال مٌسنداً في المصدر السابق وهو من رواية الإمام عبد الله بن أحمد عن أبيه أنظر تهذيب الكمال للحافظ المزي (31/86) .
    وأيضاً : (( وَقَال عَبد اللَّهِ بْن عَلِيّ ابْن المديني، عَن أَبِيهِ، حَدَّثَنَا عَبْد الرحمن بْن مهدي، عَنِ الْوَلِيد بْن مسلم، ثُمَّ سمعت من الْوَلِيد، قال علي: وما رأيت من الشاميين مثله، وقد أغرب الْوَلِيد أحاديث صحيحة لم يشركه فيها أحد )) .
    وعند أبي زرعة في تاريخه (384) : (( قال لي مَرَوَان بْن مُحَمَّد: إذا كتبت حديث الأَوزاعِيّ، عَنِ الْوَلِيد بْن مسلم فما تبالي من فاتك )) وانظر الجرح والتعديل: 9 / الترجمة 70.
    وقال أبو زرعة في تاريخه (384) : (( قال لي أَحْمَد بْن حَنْبَلٍ: كَانَ عندكم ثلاثة أصحاب حديث: مَرَوَان بْن مُحَمَّد، والوليد، وأَبُو مسهر )) أهـ .
    والمزي في التهذيب (31/86) : (( قَال أَحْمَد بْن أَبي الحواري أيضا : سمعت أَبَا مسهر قال: رحم الله أَبَا العباس، يَعْنِي الْوَلِيد بْن مسلم، كان معنيا بالعلم )) أهـ .
    وقال : (( وَقَال يعقوب بْن سفيان الفارسي ، كنت أسمع أصحابنا يقولون: علم الشام عند إِسْمَاعِيل بْن عياش، والوليد بْن مسلم، فأما الْوَلِيد فمضى على سنته، محمودا عند أهل العلم، متقناصحيحا، صحيح العلم )) أهـ .
    وقال : (( سألت أَبَا مسهر عَنِ الوليد ابن مسلم فَقَالَ: كَانَ من ثقات أصحابنا، وفي رواية: من حفاظ. أصحابنا )) وانظر تاريخ أبو زرعة الدمشقي 384 .
    وأما قول أبي حاتم الرازي آنف الذكر رواهُ عنه محمد بن إبراهيم الأصبهاني (الجرح والتعديل: 9 / الترجمة 70) . وَقَال في العلل لابنه: كثير الوهم (رقم 494) ، وَقَال فِي موضع آخر منه: كثير الخطأ ، وإني رأيت الشيخ أبي جابر الأنصار يرى أن الجرح بمثل هذه الألفاظ مِنْ الأئمةِ نفيٌ للتدليس عن الوليد بن مسلم ! وإن كانوا جرحوه بمثل هذا الجرح فلا يعني أنهم قالوا بتدليسه ! .
    وقال المزي : (( وَقَال صدقة بْن الْفَضْل الْمَرْوَزِيّ : حج الْوَلِيد بْن مسلم وأنا بمكة فما رأيت رجلا أحفظ للحديث الطويل وأحاديث الملاحم منه، وكَانَ أصحابنا فِي ذَلِكَ الوقت يكتبون ويطلبون الآراء، فجعلوا يسألون الْوَلِيد عَنِ الرأي ولم يكن يحفظ، ثُمَّ حج وأنا بمكة، وإذا هُوَ قد حفظ الأبواب وإذا الرجل حافظ متقن قد حفظ )) انظر المعرفة والتاريخ (2/421) .
    اكمال تهذيب الكمال لمغلطاي (12/250) نقلا عن الخليلي في كتابه الإرشاد : (( مقدم على جميع أهل الشام متفق عليه )) أهـ .

    قُلت : وهذه جُملةٌ مِنْ أقوال الأئمة النُقاد الذين وثقوهُ وقالوا بأنهُ مِمَنْ اتفق عليهِ أهل العلمِ ولهُ روايةٌ في الصحيحين ! وسيأتي الكلام عليها ، وقولهم ثقةٌ دُون التعرض لتدليسه لا ينفي وقوعهُ في التدليس ! وإذا كان ثبت عن مثل ابن المديني وأبي حاتم والفسوي والإمام أحمد بن حنبل عنه أنه ثقةٌ فهل هذا يزيل ما وسم بهِ بالتدليس ! .
    والذي يتضحُ أن القول بأن التدليس لا يقدح بعدالة الرواي غالباً وإلا فإن هذا يلزم أن يترك مَنْ هو مثل ابن جريج ! والإمام الثبت قتادة على قلة تدليسه ! ومَنْ هو مثل الأعمش الذي قيل عنه " ربما " وهذه تقتضي الظن لا الجزم بوقوع مثله في تدليس التسوية ، وقد ذهب جمهورُ العلماء على عدة شروط في رواية المدلس قد اشترطوها لأن التدليس ليس مِنْ الكذب وقال البزار في النكت للزركشي (2/81) : (( التَّدليس ليس بكذب ، وإنَّما هو تحسين لظاهر الإسناد )) ولذلك فإن إطلاق الكذب على التدليس ليس في مكانهِ .
    فالجرح لا يكون قدحا في العدالة إطلاقاً بل إن أحسن ما يقال بأنهُ جرحٌ لرواية المُدلس ولذلك وضع الأئمةُ شروطاً لقبول رواية المدلس فهو على الأرجح ثقةٌ ثبتٌ إلا أنه كان مُتهمٌ بتدليس التسوية مثلاً وهذا لحديثه شروطٌ قد رأينأ أمثال شيخنا ماهر بن ياسين الفحل يقول بأنهُ لابد أن يصرح الوليد بن مسلم مِنْ أول السند إلي آخرهِ بالتحديث والسماع ، ولذلك فإن للأئمة مذاهبٌ في رواية المدلس عندهم - رحمهم الله ورضي عنهم - :
    1- لا تقبل رواية المدلس مطلقاً سواءٌ أصرح بالسماع أم لم يصرح بهِ وهذا القول مبنيٌ على تعريف التدليس بأنهُ الكذبُ وهو ما نقل عن القاضي عَبْدُ الْوَهَّابِ فِي التَّلْخِيصِ فَقَالَ: التَّدْلِيسُ جَرْحٌ، فَمَنْ ثَبَتَ تَدْلِيسُهُ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ مُطْلَقًا . انظر فتح المغيب بشرح ألفية الحديث (1/228)
    2- منهم من قبل رواية الندلس مطلقاً قال الشيخ ماهر الفحل : (( وَهُوَ فرع لمذهب من قَبِلَ المرسل ونقله الْخَطِيْب البغدادي عن جمهور من قَبِلَ المراسيل ، وحكاه الزركشي عن بعض شارحي أصول البزدوي من الحنفية وبنوا هَذَا عَلَى ما بنوا عَلَيْهِ قبول المرسل ؛ من أنّ إضراب الثقة عن ذكر الرَّاوِي تعديل لَهُ ، فإن من مقتضيات ثقته التصريح باسم من روى عَنْهُ إذا كَانَ غَيْر ثقة )) أهـ
    3- ومن عرف أنه لا يدلس إلا عن الضعفاء لم يقبل منه إلا ما صرح به بالسماع وهذه السمة في الوليد بن مسلم الدمشقي ، ومَنْ عرف أنه لا يدلس إلا عن الثقات كابن عيينة سواءٌ أكان مصرحا بالسماع أم لم يصرح به
    4- التفريق بين أن يروي بصيغة مبينة للسماع فتقبل روايته ! وبين أن يروي بصيغة مُحتملة السماع فترد روايتهُ وهذا ما عليه جمهور أهل الحديث وعامتهم منهم الخطيب وابن الصلاح ، وعلى الراجح فإنهُ لابد مِنْ معرفة الرواية التي وقع فيها التدليس من الرواي إن كان سمع بها قبلت وإن لم يكن صرح بالسماع لم تقبل وهو التفريق بين ما ثبت فيه تدليسه وبين ما لم يثبت.
    والذي يتضحُ بأن الجرح نسبيٌ قال الدكتور الجديع تحرير علوم الحديث (1/376) : (( التدليس جرح نسبي يقدح فيما حدث به الراوي مدلساً، أو مترجحاً فيه مظنة التدليس، على ما ستعلمه في مبحث (الحديث المدلس) من ألقاب (الحديث المردود) ، ولا يكون وصف الراوي به مما يقدح في عدالته بمجرده، كما لا يكون منافياً لثقته، لأسباب بينتها في المبحث المشار إليه.
    لذلك تجد أكثر من واقعه كانوا من الثقات المعروفين ، ولو جعلنا التدليس قادحاً، فإنه سيكون قادحاً في العدالة؛ لما فيه من معنى الغش، ولكن التأويل عند من فعله حال دون الجرح به )) .
    وقال : (( ومن النقاد من جعل الإكثار من التدليس، وفحش ما يأتي به الراوي المدلس من المنكرات مما يكون قد سمعه من كذاب أو مجهول فدلسه ، ملحقاً الضرر بذلك المدلس، فيجعل علة جرحه عنده تلك المنكرات التي رواها )) .
    وقال الدكتور : (( والوقوف على تحرير هذا السبب من الجرح في الموصوف به، يدفع التهمة عن بعض الرواة ممن اختلف فيهم، يعود الجرح فيهم إلى هذا السبب، فإذا تبين لم يصلح معه رد قول المعدل في حال بيان هذا الراوي سماعه للخبر )) .
    وقال : (( والتحقيق أن عبارات النقاد في ابن عمارة لم تبن على ما ذكره ابن حبان، فإنه يوجد في الموصوفين بالثقة من كان يدلس المتهمين ويعنعن عن شيوخهم، ولم يطعن عليه بمثل ما طعن على ابن عمارة وفيهم من روى عنه شعبة نفسه، وإنما قام الطعن على ابن عمار على وهائه في نفسه من جهته، وقد قال علي بن المديني: " ما أحتاج إلى شعبة فيه، أمر الحسن بن عمارة أبين من ذلك "، قيل: أكان يغلط؟ فقال: كان يغلط؟! أي شيء يغلط؟ " وذهب إلى أنه كان يضع الحديث)) أهـ .
    قُلت : ومما يتضح فإن الجرح نسبيٌ بسبب التدليس ويدقحُ بما حدث به الراوي مِنْ حديث ولا يكون قدحاً للعدالة بمطلقها وليس كُل مَنْ اتهم بالتدليس عن الضعفاء متروكُ الحديث مطلقاً وهذا الذي يظهر لنا من قول الدكتور حيث قال : (( فإنه يوجد في الموصوفين بالثقة من كان يدلس المتهمين ويعنعن عن شيوخهم، ولم يطعن عليه بمثل ما طعن على ابن عمارة وفيهم من روى عنه شعبة نفسه، وإنما قام الطعن على ابن عمار على وهائه في نفسه من جهته )) فأرجع الطعن فيه على شيءٍ في نفسهِ حتى اتهمه ابن المديني بالوضع ! .
    ومثل الوليد بن مسلم في الصنف الخامس مِنْ أصناف المدلسين ما قاله السيوطي في ألفيته :
    وَالْمُرْتَضَى قَبُولُهُمْ إِنْ صَرَّحُوا ... بِالْوَصْلِ فَالأَكْثَرُ هَذَا صَحَّحُوا
    وهذا الصنف الخامس مِنْ المدلسين إذ أنهم أدخلوا فيه الوليد بن مسلم وقد أثبت أن ما أتى في الصحيح بعن في ألفيتهِ محمولٌ على الإتصال : (( وَمَا أَتَانَا فِي الصَّحِيحَيْنِ بِـ " عَنْ " ... فَحَمْلُهُ عَلَى ثُبُوتِهِ قَمَنْ )) ولذلك فإن حديث الوليد بن مسلم في الصحيح محمولٌ على الإتصال وسيأتي بيان هذه المسألة بشكل موسع في رواية المدلسين عند الشيخين بعد الإنتهاء ! ، فلا يقبل من الوليد بن مسلم إلا ما صرح به بالسماع مِنْ أول الإسناد لأخرهِ وتوثيقهم لا يعني أنه توثيقٌ في العدالة والرواية مُطلقاً كما قال الشيخ أبي جابر الأنصاري في كتابه القول النفيس ! بل الذي يظهر لنا أنه ممن عرف بانه مِنْ الثقات إلا أنه كان يدلس ومثلهُ لا يقبل منه إلا ما صرح به بالسماع ولا يكتفى بتصريحه عن شيخه الأوزاعي بل في كل طبقات الإسناد .
    ومن المُلاحظ على الأخ الشيخ أبي جابر في كتابه النفيس أنهُ كان شديد الألفاظ في حق مُخالفه وهذا مما استنكرته على الشيخ - سدده الله - إذ أن توثيقهُ مِنْ قبل الأئمة لا ينافي وقوعه في التدليس فهذا الأعمش متفقٌ على إمامتهِ إلا أنه كان يدلس ! وهذا قتادة موصوفٌ بالتدليس وهذا لا ينافي إمامته ، وهذا أبي إسحاق السبيعي مِنْ المكثرين والأئمة الأعلام وتدليسه وقوعه فيه لم ينافي إمامته ! فكيف بمثل الوليد بن مسلم ! .


  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ

    [ 2 ] أقوال الأئمة الذين قالوا بوثاقتهِ خصوصاً في روايته عَنْ الإمام الأوزاعي .
    وأما تدليس التسوية فقد ثبت عند المتقدمين مِنْ أهل العلمِ بأن الوليد بن مسلم يدلس تدليس تسوية وهذا مما لا خلاف فيهِ ، ولا يقبل من الوليد بن مسلم إلا ما قد صرح به بالسماع عند العلماءْ وإلا فإن روايته في الصحيحين محمولةٌ على الإتصال وسيأتي بيان ذلك بإذن الله .
    قال في معرض كلامه على تدليس الوليد أنه على صورتين :
    1- أنه قد يأخذ عن يوسف بن السفر ( وهو متروك ) عن الأوزاعي فيسقطه ويروي عن الأوزاعي .
    2- أن يروي الأوزاعي عن أحد من الضعفاء فيسقط الضعيف ويسوي الإسناد .
    ومما مضى فتدليس التسوية من أقبح أنواع التدليس ولا يستلزم وقوع المُدلس بهِ أن يسقط العدالة بالإطلاق إذ أن هذا نسبيٌ ولا يكون غالباً ! وروايته عن الأوزاعي وإن كان يدلسُ فيها تدليس تسويةٍ فإن هذا لا يجري مجرى العُموم على كُل ما رواه الوليد بن مسلم عَنْ الأوزاعي ، فإنه قد يحدث عنه بصيغةِ السماع ويصرح بالحديث عنهُ وهو مِنْ أصحاب الإمام الأوزاعي المشهورين ، وما يعاب عليه أنه كان يدلس عنه تدليس التسوية على إمامته في روايته عنهُ ، ودليلهُ أن الشيخين قد أخرجوا لهُ مِنْ روايته عَنْ الأوزاعي ما عرف أنه قد صرح به بالسماع وثبت لديهما أنهُ قد صرح بهِ.
    ودليله ما قاله الحافظ ابن حجر في الفتح (1/450) : (( مَاله عَن مَالك فِي الْكتب السِّتَّة شَيْء وَقد احْتَجُّوا بِهِ فِي حَدِيثه عَن الْأَوْزَاعِيّ بل لم يرو لَهُ البُخَارِيّ إِلَّا من رِوَايَته عَن الْأَوْزَاعِيّ وَعبد الرَّحْمَن بن نمر وثور بن يزِيد وَعبد الله بن الْعَلَاء بن زبر وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن جَابر وَيزِيد بن أبي مَرْيَم أَحَادِيث يسيرَة وَاحْتج بِهِ الْبَاقُونَ )) أهـ .
    قُلت : قال الشيخ أبي جابر الأنصاري في القول النفيس في براءة الوليد بن مسلم من التدليس (1/63) : (( فدعوى الإمامين الدارقطني وابن حبان كسهمين كلاهما أخطأ مرماه .
    وإلا فأين السابقون لهم بالعلم والفهم ، لم يتفطنوا لدعوى الإمامين ولم يعلوا أحاديث الوليد بن مسلم بتدليس التسوية أيو يذكروا بذلك على الأقل
    )) أهـ .
    قُلت : وهذا مِنْ الشيخ ليس بالمقبول أبداً إذ كيف يمكنُ أن نقول بان أمثال الشيخين لم يتفطنوا لرواية الوليد بن مسلم وهو معروفٌ بالتدليس واشتهر به عند الأئمةِ قاطبةً ولا ينافي مَنْ قال بوثاقته أن يكون جهل تدليسه ! ، وهذا صنيع الشيخين فمعرفتهم بتدليسهِ واردٌ إذ لايمكن الجزم بأن إخراجهم له في الصحيح دُون معرفة تدليسهِ وهذا ما عرف به صاحب الصحيحين - رضي الله عنهما - مِنْ رواية المدلسين وهو التتبع والتحري لما يرويه هذا المدلس وإخراج ما علم سماعهُ.
    وأما التسوية مِنْ رواية الوليد بن مسلم فليست مِنْ شيءٍ في صحيح البخاري ومسلم فقد صرح بالسماع في 30 حديث وعنعن في الصحيحين بـ7 أحاديث أما الأحاديث فقد تجيء عنهُ فيصرح مِنْ أول السند إلي أخره بالسماع ! وقد تأتي الأسانيد التي عنعنها بأسانيد عَنْ نفس الشيوخ تنفي كون الوليد بن مسلم قد دلس فيه تدليس التسوية ومِما يقوم مقام التصريح .
    قال ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل (9/17) : (( سمعت أبي يقول ذلك ثنا عبد الرحمن ثنا ابى ثنا احمد ابن أبي الحواري قال سمعت مروان يعني ابن محمد الطاطري ومربنا الوليد فلما ولى قال لى مروان: عليك به فانك إذا سمعت منه لم يضرك من فاتك من اصحاب الاوزاعي ابدأ بكتاب الاوزاعي )) أهـ ، وأيضاً عَنْ الطاطري في تهذيب الكمال (31/93) : (( وَقَال عَبَّاس بْن الْوَلِيد الخلال : قال لي مَرَوَان بْن مُحَمَّد: كَانَ الْوَلِيد بْن مسلم عالما بحديث الأَوزاعِيّ )) وهذا مما يعول عليه في مسألة قبول حديث الوليد بن مسلم في الصحيح ، وهو أن الوليد بن مسلمٌ معنيٌ بروايته عن الأوزاعي إلا أنهُ كان يدلس فيه فأمانة أهل الحديث تقتضي أن يصرح بالحديث لكي يقبل منه ما حدث بهِ وإن عنعن في الصحيحين فينظر هل صرح بالسماع أم لم يفعل .
    [ مسألةُ ] عنعنة المُدلسين في الصحيحين .
    وأما عنعنة المدلس عند المُحدثين على قولين عندهم - رحمهم الله - :
    (1) أن عنعنة المدلس محمولةٌ على الإتصال في الصحيحين ، حيث قالوا بأن قبول العنعنة في الصحيح أن يكون الراوي قد صرح بالسماع بهِ ، وأما حديث أمثال الأعمش وقتادة وأبي الزبير ومَنْ هو مثل أبي إسحاق السبيعي فعنعنتهم محمولةٌ على الإتصال حتى يرد دليل على ثبوت ذلك عليهم - رحمهم الله - ، ومنه فحملُ عنعنة المدلس على الإتصال هو مذهبُ : (( ابن الصلاح - العلائي - والنووي - والقطب الحلبي )) وقد نقل العلائي في جامع التحصيل عن زمرة مِنْ العلماء في القول بأن عنعنة المدلس محمولةٌ على الإتصال في الصحيحين .
    (2) أن تُعامل رواية المدلس في الصحيح مُعاملتها خارجهُ وعلى هذا سار الحافظ ابن حجر العسقلاني هدي الساري (385) : (( ومع ذلك فحكم من ذكر برجاله من تدليس أو إرسال ، أن تسبر أحاديثهم الموجودة بالعنعنة ، فإن وجد التصريح فيها بالسماع إندفع الإعتراض وإلا فلا )) والذي يظهر لي أننا إن أردنا التعامل مع رواية الوليد بن مسلم في الصحيح فنقول :
    (3) والأسلمُ أن عنعنته مقبولةٌ في الصحيح إذا صرح بها بالسماع وقد صرح بـ30 حديث في الصحيح بالسماع ، وإن عنعنة وهي 7 أحاديث فإنا ننظر ما إن كان الوليد بن مسلم قد صرح بالسماع خارج الصحيح وعلى هذا تسري ضوابط قبول الرواة المشهورين به المكثرين .
    (4) أن يكون المدلس مِنْ أثبت الناس في شيخهِ واحتمال عنعنة المدلس عمن أكثر عنه ولازمهُ هو مذهب الإمامين البخاري ومسلم والحميدي - رحمهم الله - .
    (5 ) أما وإن تُوبع المُدلس بروايتهِ مثل الوليد بن مسلم ممن لم يعرف بالتدليس يرفع عنهُ التُهمةَ قال الضحاك : (( إنما الوليد بن مسلم وإن كان يخشى من تدليسه ، فقد تُوبع فقد أمنا بذلك تدليسه )) ، وإعلم أن هذه النقطتين مما يعضدُ ما قاله الحافظ ابن حجر العسقلاني ، وتؤيد ما ذهب إليه الصنف الأول مِنْ الأئمةَ فلا اعتراض على القولين ، ورواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي في الصحيح لمُلازمتهِ إياهُ ومعرفتهِ بحديثهِ . والله أعلم .
    وأما الوليد بن مسلم فالذي يظهر لنا والله أعلى وأعلم أنه في المرتبة الرابعة مِنْ المُدلسين وحكم هذه الطبقة مِنْ المدلسين أن لا يقبل منهم إلا ما صرحوا به بالسماع وإن رووا بالعنعنة فإنها مردودةٌ ويأتي التأصيلُ في مسألة عنعنة أمثال هؤلاء فإن كانت مُخرجة في الصحيحين فإنها قد تَكون عند غير البخاري ومسلم قد صرح بها بالسماع ، والسبع أحاديث التي عنعن بها الوليد بن مسلم في الصحيح قد صرح بالسماع في مواطن خارج الصحيحين ، وإن وقع هذا مِنْهُ فيكونُ حديثهُ في عداد المقبول عند أئمةِ الحديث وإن كان قد عنعن ! ، أما إن لم يثبت أنه قد صرح مثلهُ بالسماع ما كان للشيخين أن يخرجا حديثهُ في الصحيحين .
    والذي نراهُ - بعلمنا القاصر - أن الشيخين أدقُ مناهج المحدثين نقداً للسنة وتتبعاً لروايات المدلسين وجعلهُ في المرتبة الرابعة الإمام الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - تعريف أهل التقديس بالموصوفين بالتدليس (134) ، ولذلك إنا لا ننفي إمامة الوليد بن مسلم ومعرفته بحديث الأوزاعي وهذا لا يعني نفي التدليس تماماً عَنْ الإمام الأوزاعي ، فإنهم يقبلون ما عرف به مِنْ أنه مكثر عن شيخه ما صرح به بالسماع أو صرح به في موطن أخر إن كانت الرواية مخرجة في الصحيحين وتُعامل رواية أمثال الوليد بن مُسلم بالتحقيق والبحث والسبر حتى يتبين ما إن كان صرح بالسماع فقبلت أو عنعن فترد إلا إن ثبت أنه صرح خارج الصحيح . والله أعلم .
    وقال المزي في تهذيب الكمال (31/93) : (( وَقَال أَحْمَد بْن أَبي الحواري : قال لي مَرَوَان بْن مُحَمَّد: إذا كتبت حديث الأَوزاعِيّ، عَنِ الْوَلِيد بْن مسلم فما تبالي من فاتك .
    وَقَال الْفَضْل بْن زياد: قال أحمد بْن حنبل: ليس أحد أروى لحديث الشاميين من إِسْمَاعِيل بْن عياش، والوليد بن مسلم )) أهـ .
    وقد أثنى عليه الطاطري وابن مسهر وهما من أهل بلدهِ في روايته عن الشاميين وخصوصاً الأوزاعي - رحمه الله - وأما طلب الشيخ أبي جابر الأنصاري في (1/63) مِنْ كتابه الجرح المفسر فإننا نقول لهُ ، ما علمنا أن مَنْ تكلم في تدليسهِ أسقط عدالتهُ بالمُطلق ، وقد أورد القرائن لما عرفَّ بهِ مِنْ التدليس وأوضح السبب الذي لأجلهِ تكلم في تدليس الوليد بن مسلم ومثيلهُ ما أورده الحافظ ابن عساكر في التاريخ (63/191) : ((أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي أخبرنا أبو الفضل بن البقال أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا عثمان بن أحمد حدثنا حنبل بن إسحاق قال سمعت يحيي بن معين يقول قال أبو مسهر ?ان الوليد يأخذ من ابن أبي السفر حديث الأوزاعي و?ان ابن أبي السفر ?ذاب وهو يقول فيها قال الأوزاعي )) أهـ .إسنادهُ صحيحٌ.
    وقد رأينا الإمام المعلمي يقول فيه (( شديد التدليس ، يدلس التسوية )) التن?يل: 2/ 93وانظر: الن?ت الجياد المنتخبة من ?لام شيخ النقاد: ص689 ، وقد رأينا الإمام الألباني - رحمه الله - كذلك يضعف أحاديثاً للوليد بن مسلم مُعلاً إياها بأنهُ يدلس تدليس تسوية ، وقد تراجع عَنْ جُملة مِنْ الأحاديث التي كان يراها حسنةً عن الوليد بن مسلم بعلة التدليس والتسوية .
    وكما لا يخفى جرحُ الجارح لا ينفي تعديل المُعدل ! وتعديل المعدل لا ينفي وقوع الجرح مِنْ الجارح فإن كان الشيخ أبي جابر - وفقه الله - قاس على هذا فإنا نقيسُ على مثلها ! إذ أن تعديلهم لهُ لا ينافي جرح مَنْ هو مثل الدارقطني وابن حبان والحافظ ابن حجر ، والعلائي ، وأبو زرعة العراقي ، وابن دقيق العيد مِنْ وسمه بتدليس التسوية ، وجرحُهم لهُ بتدليس التسوية لا يقتضي القضاء على العدالة بالإضمحلال أخي الشيخ أبي جابر الأنصاري - نفع الله بك - ! .


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ


    [ الباب الثالث ] وهذا الباب يحتوي ذكر مَنْ اتهم الوليد بن مسلم بتدليس التسوية .
    [ 1 ] مَنْ رمى الوليد بن مسلم بتدليس التسوية .
    وقد ألف الأخ الشيخ الأنصاري كتاباً أسماهُ القول النفيس في براءة الوليد بن مسلم من التدليس وهو كتابٌ يُشير فيه إلي أن ما خلص إليه هو براءة الوليد بن مسلم مِنْ تدليس التسوية ، ومثل هذا القول لم يسلم لهُ بهِ أحدٌ مِنْ أهل العلمِ المعاصرين ! فضلاً عَنْ ضربهِ بأقوال الأئمة المُتقدمين ومنهم المتاخرين كالألباني وابن حجر ! والذهبي والحفاظ المُتقنين فظهر لهُ مالم يظهر لهم وهم أهلُ العلم والتحقيق والتمحيص ، فكانت عباراتهُ شديدةً وألفاظهُ قويةً في تعامله مَعْ المُخالفين له ! ، وإن أقدم مَا استدل به على تدليس الوليد بن مسلم هو قول الهيثم بن خارجة مِنْ رواية الحافظ جزرة ! وقد نقل إسنادها الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق ودِراسةُ الأمر في عدة مباحث .
    وأحب أن أشير إلي أن تدليس الوليد بن مسلم لا يكونُ إلا أن يحصل منه وأن يصرح بذلك وهو ما ورد عن الهيثم بن خارجة - رحمه الله - أو أن يصرح أهل الصنعة وأهل الفن بذلك ممن عرف حديثهُ وكان لهُ مدُّ بصرٍ فيهِ ودراستهُ ولذلك فإن حديثهُ في الصحيح قد صرح به بالسماع في المواضع الـ7 التي أخرجها لهُ البخاري ومسلم في الصحيح ، فإن حصل وصرح بذلك مِنْ قوله ثبت عليه أما وإن قال أهل العلم بهذا الشان أنهُ مدلسٌ فهذا يعتبر بهِ عندنا وعند غيرنا مِنْ عامة طلبة الحديث .
    [ أولاً ] دِراسةُ قول الهيثم بن خارجة في تدليس الوليد بن مسلم .
    أخرجهُ الإمام الحافظ ابن عساكر في تاريخه (63/291) : (( أنبأنا أبو بكر محمد بن عبد الباقي وأبو غالب أحمد بن الحسن عن أبي إسحاق إبراهيم بن عمر عن محمد بن العباس بن الفرات أخبرنا أبو عبد الله محمد بن العباس ين أحمد الضبي أخبرنا أبو الفضل يعقوب بن إسحاق بن محمود الفقيه الهروي أخبرنا صالح ابن محمد الحافظ قال سمعت الهيثم بن خارجة يقول قلت للوليد بن مسلم قد أفسدت حديث الأوزاعي قال: كيف؟ قلت: يروي عن الأوزاعي عن نافع وعن الأوزاعي عن الزهري وعن الأوزاعي عن يحيى بن سعيد وغيرك بدخل بين الأوزاعي وبين نافع عبد الله بن عامر الأسلمي وبينه وبين الزهري إبراهيم بن مرة وقرة وغيرهما فما يحملك على هذا قال أنبل الأوزاعي أن يروي عن مثل هؤلاء قلت فإذا روى الأوزاعي عن هؤلاء وهؤلاء ضعفاء أحاديث مناكير فأسقطتهم أنت وصيرتها من رواية الأوزاعي عن الثقات صعف الأوزاعي فلم يلتفت إلى قولي )).
    قُلت : وهذا عندي فيه نظرٌ لعلتين في المتن :
    [ 1 ] فيه مَنْ لم أعرفهُ وهو أبو الفصل يعقوب بن إسحاق بن محمود الفقيه الهروي فقد أكثر عنهُ الرواية الخطيب البغدادي في تاريخ بعداد ، والحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق .
    [ 2 ] للوليد بن مسلم شيوخاً هم أنبل وأرفع منزلة مِنْ الإمام الأوزاعي - رحمه الله - كابن أبي ذئب ، والإمام مالك ، والإمام ابن المُبارك ، والثوري فلا يستقيم أن يخص أحداً بالنبل والمكانة على هذه الثلة الجليلة مِنْ الأئمةِ العُلماء الذين عرفوا بوثاقتهم وإمامتهم وأنهم أركانٌ في الدين وحملةٌ للسنة وعُرفوا بالتقوى والإيمان والورع فكيف ميز الأوزاعي عنهم ! .
    واعلم أن الرواية عن الضعفاء ليست مغمزاً في الرواة والمحدثين ولعمري لو كانت مغمزاً لكان حرياً بمن يسلك هذا المسلك أن يغمز مثل شعبة الذي حديث عَنْ جابر بن يزيد الجعفي - المتروك - ولعيب ذلك على سفيان الثوري الذي حدث عن - محمد بن السائب الكلبي - وقد كان أمثالهم يحفظون أحاديث الضعفاء ويأخذونهُ مِنْهُمْ للأمانة التي حملوها وكان حرياً بهم أن يبينوا هذه الأحاديث الضعيفة فما حفظوها وما عرفوها وما حدثوا بها إلا ليبينوها للناس ، وليحذروا مِنْها ذوي الألباب والشباب ويذبوا عَنْ السُنة كُل مُدخَلٍ إليها مِنْ شوائب الألسنةِ والكلام ! .
    ثُم إعلم أن الإكثار مِنْ الرواية عَنْ الضعفاء كانت عند أهل الحديث سببا للقدح بالمُكثرِ عَنْهُمْ ولكن الأمور التي أسلفنا في ذكرها مِنْ روايتهم لحديث الضعفاء وللأسباب التي أتينا على ذكرها فإنهُ لا خلاف في كونها مِنْ الفضل لا مِنْ المغمز عند أولي الألباب .

    قال الشيخ أبي جابر الأنصاري (1/90) : (( ولئن كان التدليس أخو الكذب وذلك لأن المدلس يوهم شيئاً عن نفسه بلفظ محتمل بخلاف ما أخبر )) أهـ .
    وقد زعم الشيخ - سدده الله - أن مَنْ رمى الوليد بن مسلم بالتدليس فإنهُ يلصق بالوليد بن مسلم الكذب لأنهُ يكذب على لسان شيخهِ أو يوهم أن شيخهُ هو مَنْ دلس هذا الحديث والذي عليه المُحدثين أن التدليس ليس كذباً واستدل بذلك ومثل برواية الأوزاعي عن الزهري ! والتي أسقط منها الوليد بن مسلم (( إبراهيم بن مرة )) وهو (( كذابٌ )) فجعل هذا الفعل كذباً وهذا عندنا محل نظر إذ أن التدليس ليس الكذب وليس هذا باباً يتطرق إليه ليكون حجةً في نفي التدليس عن الوليد بن مسلم لأننا إن وصفناه بتدليس التسوية فلا يقتضي رميهُ بالكذب إطلاقاً لأن التدليس عند أهل العلم ليس الكذب وإليك البيان في المسألة .
    (1) إعلم يا رعاك الله أن وصف أحدٍ مِنْ المُحدثين بالتدليس فليس مُرادهُ ما جاء في اللغةِ ومعناهُ الكذب والتزوير ، إنما هو عند المحدثين - كما تقدم - إخفاء عيب في السند والتحسين وقد سماهُ بعضهم (( التجويد )) ويأتي هذا لأسبابٍ منها رغبة الراوي في العلو ، أو استصغار شيخٍ أو إجلالاً لمثل هذا الشيخ أن يحدث عن الضعفاء والمتروكين وإن كان للتدليس أنواعاً مذمومةً فقد تنزه عن مثلها الأئمة الثقات الأثبات الذين تدور عليهم الرواية ومدار الحديث عليهم .
    وهذا النوع مِنْ التدليس قد سماهُ بعد المُتقدمين تجويداً ، وإنظر بذلك لتدريب الراوي وفتح المغيث وشرح ألفية السيوطي أي أنهُ يذكر في جياد أهل الإسناد ، أي أنه جعل ظاهر الإسناد بهذا الفعل المُستقبح جيداً ، وسماه صاحب ظفر الاماني بالتحسين وهو أن يحسن الراوي ظاهر الإسناد بأن يحذف منه الضعيف ويبقى الثقات مِنْ الرواة .
    (2) عند الجمهور أن رواية المدلس لا ترد مطلقاً وكما أسلفنا فلا يكون قادحاً بالعدالة على الإطلاق مما يلزم إسقاط روايته ! ومَنْ هو بمثل هذه الصفة أو وسم بهِ فإنه لا يقبل منه إلا ما قد صرح به السماع على طبقات المُدلسين أو مَنْ جعله الأئمة في الرابعة أو الثالثة ! ، وقد تجد أهل الصنعة يقبلون مِنْ المُدلس العنعنة إذا عرف أن مثله لا يدلس إلا عن ثقة ، أو على سعة روايته وإمامتهِ وجلالته في الحديث فإنهم يقبلونها إذا عرف عنهُ ذلك ويحملونها على السماع .
    وقال الشيخ أنهم لا يقبلون مِنْ الوليد بن مسلم إلا ما صرح به بالسماع في كل طبقات الإسناد فليس ذلك بلازم ! ورمى مَنْ قال بهذا القول أنهُ تحكمٌ بلا مُستند ! .
    وهذا عجيبٌ جداً إذ أن الحافظ ابن حجر العسقلاني قال أنهُ في الطبقة الرابعة مِنْ المدلسين ، وهذا الشيخ المحدث الحويني يقول ببذل الإحسان (2/133) : ((
    وهذا اسنادضعيف، لأن الوليدبن مسلم لم يصرح بالتحديث في ?ل السند )) وكذلك الشيخ محمد ناصر الدين الألباني ، وردت لهُ أحاديثاً لم يصرح بها بالسماع في كل طبقات الإسناد ! وإن قال قائلٌ كيف للشيخين أن يخرجوا لهُ سبع أحاديث مُعنعنةً ! قُلنا ومثل هذا لا تقومُ به قائمة ولا تشدهُ حُجةٌ أبداً لأن الأحاديث التي عنعنها الوليد بن مسلم في الصحيح قد صرح بها بالسماع في موطنٍ خارج الصحيح وإن ثبت لنا سماعهُ أو تصريحه بالسماع فإن مثل عنعنته في الصحيح تحمل على الإتصال .
    وخُلاصة الامر أن ما رويَّ عَنْ الهيثم بن خارجة مِنْ أن الوليد بن مُسلم أفسد حديث الأوزاعي ليس بصحيحٍ لأن فيه مَنْ لم يعرف وهو الهروي ! والمتن لا يحتمل أبدا أن يكون مثل الوليد بن مسلم قد دلس عن الأوزاعي لإنبالهِ ولهُ مِن الشيوخ مَنْ هم أجل مِنْ الأوزاعي ! .

    [ بَابٌ مُهمٌ ] مَنْ رمى الوليد بن مسلم بتدليس التسوية .
    أردتُ بهذا قبل الشروح في ذكر أحاديث الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن نافع التي تدلس فيها عنهُ رحمه الله تعالى أن أذكر مَنْ وسم الوليد بن مسلم بتدليس التسوية حتى يسهل مناقشة الأقوال وإن ما أحببت أن أشير إليه هو أن هُناك إجماعٌ على تدليس الوليد بن مسلم بين المحدثين وأهل هذا العلم مُتقدماً ومُتأخراً والتوثيق يختلف تماما عَنْ الوصف بالتدليس ، فألفاظ الأئمة في الجرح والتعديل تختلف تماما بحسب مضامينها ودلالتها عند المحدثين وغابتهم في القول بالتوثيق أو الوصف بالتدليس فتراهُ حافظاً إماماً موثقاً إلا أن هُناك مَنْ قال بأنهُ مدلسٌ وإنفرد بهذا اللفظ في وصف هذا الراوي والتدليس لا ينافي الوثاقة أبداً عند أهل العلم والحديث .
    (1) قال صاحب تكميل النفع محمد عمرو عبد اللطيف (1/105) : (( الأولى: عنعنة الوليد بن مسلم: فإنه ثقة حافظ لكنه كثير التدليس والتسوية )) أهـ .
    قُلت : وإنظر كَيف أثر بوثاقتهِ وحفظهِ وأنهُ ذا منزلةٍ عاليةٍ جداً ، إلا أنه كان يدلس وكما أسلفنا فإن الأصل في التوثيق أن لا ينافي الوصف بالتدليس ، فكَمْ مِنْ إمامٍ إنفرد إمامٌ بتوثيقهِ ثُم قال آخرٌ بأنهُ مُدلسٌ ولم يصحب هذا القول شيءٌ فلا ينفي وثاقتهُ عند ذلك الإمام .
    (2) سؤالات الترمذي للإمام البخاري (1/307) : (( أنه مدلس: وذلك أن الوليد بن مسلم لم يصرّح فيه بالسماع من ثور بن يزيد بل قال فيه: "عن ثور"، والوليد مدلس فلا يحتج بعنعنته ما لم يصرّح بالسماع )) أهـ .
    (3) النكت على مقدمة ابن الصلاح للزركشي (2/121) : (( وَذكر الثَّانِي ابْن أبي حَاتِم (الْوَلِيد بن مُسلم الدِّمَشْقِي) فِي الْخَامِس من سُؤَالَات أبي دَاوُد )) أهـ .
    قلُت : وذكرهم هنا في المُدسلين وقد سبقهُ يحيى بن حية وذكره العجلي في المُدلسين وإن لم يكن هذا القول صريحاً على تدليسهِ بل ذكرهُ في جُملةِ مَنْ عرف بالتدليس .
    (4) التوضح الأبهر لتذكرة ابن الملقن (1/102) : (( الوليد بن مسلم الدمشقي، أبو العباس، ثقة كثير التدليس والتسوية )) أهـ .
    (5) قال الشيخ حماد الأنصاري في التدليس والمدلسون (7/100) : (( معروف موصوف بالتدليس الشديد مع الصدق ويعاني التسوية التي تقدمت صفتها وحكمها )) أهـ .
    (6) ومنِهم مَنْ جعلهُ مُدلسٌ تدليس أسماء أو شيوخ فذكره الدكتور الجديع في تدليس الأسماء في كتابه تحرير علوم الحديث (2/961) : (( ومنهم: الوليد بن مسلم الدمشقي، ومن أمثلة فعله ذلك، أنه كان يروي عن (عبد الرحمن بن يزيد بن تميم) فيقول: " قال أبو عمرو "، و " حدثنا أبو عمرو عن الزهري " يوهم أنه الأوزاعي، وإنما ابن تميم، وكلاهما رويا عن الزهري ، وابن تميم هذا منكر الحديث ليس بثقة )) أهـ .
    (7) الكنى والأسماء للإمام مسلم الحاشية (1/611) : (( ثقة لكنه كثير التدليس والتسوية )).
    (8) أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق (63/191) : ((
    أخبرنا أبو القاسم بن السمرقندي أخبرنا أبو الفضل بن البقال أخبرنا أبو الحسين بن بشران أخبرنا عثمان بن أحمد حدثنا حنبل بن إسحاق قال سمعت يحيي بن معين يقول قال أبو مسهر ?ان الوليد يأخذ من ابن أبي السفر حديث الأوزاعي و?ان ابن أبي السفر ?ذاب وهو يقول فيها قال الأوزاعي )).
    قُلت : وهذا إسنادهُ صحيحٌ وليس لمَنْ أعلهُ حُجةٌ في إعلالهِ .
    (9) المُغني في الضعفاء (2/725) : (( الْوَلِيد بن مُسلم الدِّمَشْقِي إِمَام مَشْهُور صَدُوق وَلكنه يُدَلس عَن ضعفاء لَا سِيمَا فِي الْأَوْزَاعِيّ فاذا قَالَ ثَنَا الاوزاعي فَهُوَ حجَّه)) أهـ .
    قُلت : وهذا الحافظ الناقد الرحالة الإمام الثبت المُحدث العالمِ الذهبي يقول أنه لا يقبل من الوليد بن مسلم إلا ما صرح به بالسماع ! فهل كان الذهبي مُقلداً أم كان مُحققا عند الأخ الشيخ أبي جابر الأنصاري في كتابه القول النفيس في براءة الوليد ! .
    (10) قال العلائي في جامع التحصيل (1/111) : (( الوليد بن مسلم الدمشقي كذلك ويعاني التسوية أيضا كما تقدم )) أهـ .
    (11) المدلسين (1/99) : (( الوليد بن مسلم الدمشقي كذلك ويعاني تدليس التسوية أيضاً )) .
    (12) قال الحافظ ابن حجر في طبقاته (1/51) : (( الوليد بن مسلم الدمشقي معروف موصوف بالتدليس الشديد مع الصدق )) أهـ .
    قُلت : وهذا الحافظ ابن حجر يجعل الوليد بن مسلم في الطبقة الرابعة من المدلسين ! وكل مَنْ وصف الوليد بن مسلم بمثل هذا الوصف إمامٌ حافظٌ ناقدٌ واسعُ البصيرة نقي الإطلاع إمامٌ في صنعتهِ فهل كُلُّ مَنْ وقع مِنْهُ هذا الفعل مُقلدٌ حتى جاز الأمر عند الشيء أن يسقط أقوال كُل العُلماء والأئمة الذين قالوا بأنه مدلسٌ يدلس تدليس تسوية لأجل تبرأة الوليد بن مسلم ، وكأني رأيتهُ ينفر عَنْ الدفاع عن قول إمامٌ واحدٌ مِنْ الأئمةِ وأراهُ مُتمسكٌ بهذه القشة ! .
    (13) ديوان الضعفاء (1/428) : ((الوليد بن مسلم: ثقة مدلس، لا سيما في شيوخ الأوزاعي)) .
    قُلتُ : وهذا هو تدليس التسوية عَنْ شيوخه فيسقطهم ويجود الإسناد .
    (14) التكميل في الجرح والتعديل ومعرفة الثقات (2/120) : (( وقال حنبل عن يحيى بن معين: قال أبو مسهر: كان الوليد يأخذ من ابن أبي السَّفَر حديث الأوزاعي، وكان ابن أبي السَّفَر كذَّاباً، وهو يقول فيها: قال الأوزاعيُّ )) أهـ .
    (15) قال الدَّارقطنيُّ في موسوعة أقوال الدارقطني (2/700) : (( الوليد بن مسلم يرسل، يروي عن الأوزاعي أحاديث الأوزاعي، عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي، مثل نافع وعطاء والزهري، فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عن عطاء، يعني مثل عبد الله بن عامر الأسلمي، وإسماعيل بن مسلم
    قال السُّلَمِيُّ: قال الدَّارَقُطْنِي ّ: الوليد بن مسلم يرسل في أحاديث الأوزاعي، عند الأوزاعي أحاديث عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخهم، أدركهم الأوزاعي مثل نافع والزهري وعطاء، فيسقط الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي، عن نافع والزهري وعطاء
    )) .
    قُلت : وقول الإمام الدارقطني هذا ينفي براءة الوليد بن مسلم مِنْ التدليس وإمامٌ في العلل كالإمام الدارقطني لا يفرط بمثل قولهِ لأن لهٌ علمٌ مقدمٌ بأحاديث الوليد بن مسلم قال الإمام طاهر المقدسي
    سُئِلَ الحافظ سعد بن علي عن الدارقطني وابن مندة والحاكم وعبد الغني، فقال : أما الدارقطني ( ببغداد ) فأعلمهم بالعلل ، وأما ابن مندة ( بأصفهان ) أكثرهم حديثاً ، ومثل هذا القول يثبت وقوع التدليس مِن الوليد بن مسلم ! فكيف له أن ينكره .
    (16) المُعجم الصغير لرواة ابن جرير الطبري (2/627) : (( توفي آخر سنة أربع وتسعين ومائة، أو أول سنة خمس وتسعين ومائة، من الثامنة، ثقة، لكنه كثير التدليس، والتسوية)) أهـ .
    (17) أسماء المدلسين (1/102) : (( يكثر مِنْ التدليس )) أهـ .
    (18) وقال ابن حجر في التقريب (7483) (( ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية )) .
    (19) التبيين لأسماء المدلسين المقدمة (1/13) : (( ونقل الذهبي عن أبي الحسن بن القطان في بقية انه يدلس عن الضعفاء ويستبيح ذلك وهذا إن صح عنه مفسد لعدالته ، قال الذهبي في الميزان قلت نعم والله صح هذا عنه انه يفعله وصح عن الوليد بن مسلم بل وعن جماعة كبار فعله وهذا بلية منهم ولكنهم فعلوا ذلك باجتهاد وما جوزوا على ذلك الشخص الذي يسقطون ذكره بالتدليس انه تعمد الكذب وهذا أمثل ما يعتذر به عنهم والله اعلم انتهى )) .
    قُلتُ : والقدحُ بعدالة الراوي تماما ليس بمُسلمٍ عند أهل الحديث كما تقدم ، وما ذكرهُ الإمام هُنا إن هو إلا تدليس التسوية وهو تجويد الإسناد وتحسين ظاهرهِ وهذا ما وقع فيه الوليد بن مسلم في أحاديثه عن الإمام الاوزاعي ومثل هذا القول لا يتركُ وراء الظهر كما فعل الأخ الشيخ أبي جابر الأنصاري - سدده الله - في معرض الكلام على براءة الوليد بن مسلم . والله المُستعان .
    (20) من تكلم فيه وهو موثق مرير (1/191) : (( ثقة لكنه مدلس عن الضعفاء فلا بد أن يصرح بالسماع إذا احتج به إما إذا قيل عن فليس بحجة )) أهـ .
    (21) وقال النسائي في السير (9/420) : (( وَقَالَ النَّسَائِيُّ: الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا فِي الأَوْزَاعِيِّ مِنَ الوَلِيْدِ بن مُسْلِمٍ، لاَ يُخْطِئُ، وَلاَ يُدَلِّسُ )) أهـ .
    قُلت : وقال الحافظ في السير (8/8) : (( وَقَالَ أَبُو مُسْهِرٍ: رُبَّمَا دَلَّسَ الوَلِيْدُ بنُ مُسْلِمٍ عَنْ كَذَّابِيْنَ. قُلْتُ: البُخَارِيُّ، وَمُسْلِمٌ قَدِ احْتَجَّا بِهِ، وَلَكِنَّهُمَا يَنْتَقِيَانِ حَدِيْثَهُ، وَيَتَجَنَّبَان ِ مَا يُنكَرُ لَهُ، وَقَدْ كَانَ فِي آخِرِ عُمُرِهِ ذَهَبَ إِلَى الرَّمْلَةِ، فَأَكْثَرَ عَنْهُ أَهْلُهَا )) أهـ .
    (22) وقد كان يوهم الوليد بن مسلم إن حدث عن الزهري أن أبو عمرو هو الإمام الأوزاعي فقال صاحبُ التعديل والجرح لمن أخرج له البخاري في الصحيح الأحاديث المتفق على اطراحها - تركها - (1/297) : (( وَمثل مَا يرويهِ الْوَلِيد بن مُسلم عَن أبي عَمْرو عَن الزُّهْرِيّ فيوهم أَنه أَرَادَ بِهِ الْأَوْزَاعِيّ وَإِنَّمَا أَرَادَ عبد الرَّحْمَن بن يزِيد بن تَمِيم وهما جَمِيعًا قد سمعا من الزُّهْرِيّ والوليد بن مُسلم قد سمع مِنْهُمَا وَالْأَوْزَاعِي ّ ثِقَة وَعبد الرَّحْمَن بن يزِيد ضَعِيف وَقد يكون الحَدِيث يرويهِ الثِّقَة عَن الثِّقَة وَلَا يكون صَحِيحا لعِلَّة دَخلته من جِهَة غلط الثِّقَة فِيهِ وَهَذِه الْوُجُوه كلهَا لَا يعرفهَا إِلَّا من كَانَ من أهل الْعلم بِهَذَا الشَّأْن وتتبع طرق الحَدِيث وَاخْتِلَاف الروَاة فِيهِ وَعرف الْأَسْمَاء والكنى وَمن فَاتَتْهُ الرِّوَايَة عَن من عاصره وَمن لم تفته الرِّوَايَة عَنهُ وَمن كَانَ من شَأْنه التَّدْلِيس وَمن لم يكن ذَاك من شَأْنه )) أهـ .
    قُلت : قال ابن حبان في الثقات (9/222) : (( الْوَلِيد بن مُسلم أَبُو الْعَبَّاس الدِّمَشْقِي مولى لبَنِي أُميَّة يَرْوِي عَن الْأَوْزَاعِيّ وَالثَّوْري وَمَالك روى عَنهُ أَحْمد وَيحيى وَإِسْحَاق وعَلى وَأهل بَلَده كَانَ مولده سنة تسع عشرَة وَمِائَة وَمَات سنة أَربع أَو خمس وَتِسْعين وَمِائَة بِذِي الْمَرْوَة منصرفة من الْحَج وَكَانَ مِمَّن صنف وَجمع إِلَّا أَنه رُبمَا قلب الْأَسَامِي وَغير الكنى )) ، وهذا يدل على أن الوليد لم يكن قد وقع بتدليس التسوية فحسب بل وقع أيضاً بتدليس الأسماءْ . والله أعلم .
    (23) قال ابن الجوزي في الموضوعات (2/460) : (( الوليد يدلس تدليس التسوية )) .
    (24) قال ابن القطان بيان الوهم والإيهام (4/110) : (( الوليد بن مُسلم ?َانَ يُدَلس وَيُسَوِّي )) .
    (25) وقال ابن دقيق العيد الإمام في معرفة أحاديث الأحكام (1/572) : (( ?َذَلِ? فبرواية مَحْمُود عَن الْوَلِيد - وَ?َذَلِ?َ رِوَايَة مُحَمَّد بن عبد الله الْبَغْدَادِيّ (عَنهُ) - يَزُول التَّدْلِيس، وبرواية أبي الْمُغيرَة عَن حريز تَزُول التَّسْوِيَة )) أهـ .

    (26) وقد رأيت الشيخ المعلمي يصفهُ بذلك التدليس القبيح في كتابه النافع الذي رد به على الكوثري التنكيل (2/93) : (( شديد التدليس ، يدلس التسوية )) أهـ.
    [ الخُلاصة ] وهذه قرابة الـ26 نص عَنْ العُلماء والأئمة الأتقياء والحُفاظ الثقات الأثبات أهل الدِيانة والامانةِ مِمَنْ لهُمْ دِرايةً بالمَروياتِ صَحيحها وسَقيمها ! ومَنْ عرف طَبقات الرُواة والمُحدثين وحقق ونظر وسبر الطُرق والأخبار ، يثبتون على الوليد بن مسلم التدليس والتسوية ، ومنهم كابن حبان يقول بأنه كان يدلس الأسماء وغير ابن حبان قال ذلك ، وهذا عندنا إجماعٌ على أن الوليد بن مسلم يقع في تدليس التسوية ولا أدري كيف ينفرد الأنصاري ببرائتهِ ! ثُم يتمسك بقول إمامٍ واحدٍ ويترك الإجماع المنعقد على وقوع الوليد بهِ ، وهذا مِنْ غرائب ما رأيت للشيخ أبي جابر في كتابه البراءة مِن التدليس ! وهذا لم يسلم لهُ أحدٌ مِنْ العُلماء المُعاصرين كيف وإذ به يخالفُ مَنْ عرفت أمانته وإمامتهُ ووثاقتهُ في الرجال والرواية وليت شعري أكان مُنصفاً بتحقيقه .
    وفي شرح كتاب التدليس للدميني (8/6) : (( وهذه مشهورة عن الوليد بن مسلم، فكان الأوزاعي يروي عن ضعفاء، والوليد بن مسلم يروي عن الأوزاعي، فيأتي الوليد بن مسلم مثلاً فيسقط الضعيف بين الأوزاعي وبين الثقة الذي هو شيخ شيخه، فيكون الإسناد مباشرة: الوليد بن مسلم وهو الثقة، عن الأوزاعي وهو الثقة، عن شيخ شيخ الأوزاعي الثقة أيضاً، أما الضعيف الذي بين الثقتين فأسقطه، لا سيما وإن كان شيخ شيخ الأوزاعي لم يكن معاصراً له ولم يسمع منه، فالناظر والناقد لهذا الحديث في أول وهلة يرى أن سلسلة الإسناد سلسلة صحيحة، لكن الناقد البصير الجهبذ سينظر فيقول: إن الأوزاعي لم يرو عن شيخ شيخه هذا، ولم يرو الأوزاعي عن فلان إلا بواسطة، وهذه الواسطة لم يسقطها الوليد؛ لأنه يقول: حدثني الأوزاعي، ويقول: الأوزاعي أسقط الضعيف وعنعن عن الثقة، فـ الأوزاعي مدلس، فيتهمون الأوزاعي بالتدليس بسبب فعل الوليد بن مسلم، أو بسبب فعل بقية بن الوليد )) أهـ .
    وأثبته على الوليد الدكتور ابراهيم اللاحم شرح إختصار علوم الحديث (1/172) : (( نعم، هذا تدليس التسوية ما تعرضت له، يعني ما، ليس، أو ما كل ما حذفه ابن كثير، أو لم يذكره ابن كثير نتعرض له؛ لأن المسألة أو القضايا تطول، تدليس التسوية كما ذكرنا، لكن السؤال يقول: تدليس التسوية كما نعرف لا يسقط المدلس شيخه، ويصرح أحيانا بالتحديث، ولكن يسقط متى؟ يسقط في أي مكان؟ في الوسط، وهذا يفعله بعض المدلسين، يعني هذا ليس بالكثير، يفعله بقية بن الوليد، ويفعله الوليد بن مسلم.
    الوليد بن مسلم مثلا يروي الأوزاعي، يروي عن نافع ويروي عن عطاء، يروي عن عطاء، معروف بالرواية عن عطاء، ولكنه أيضا يروي عن عطاء أحيانا بواسطة بعض الضعفاء، من الذي يروي هكذا؟ الأوزاعي ، الوليد بن مسلم إذا روى عن الأوزاعي، يسقط هؤلاء الضعفاء، ويجعل الرواية عن الأوزاعي عن عطاء مباشرة، فالأخ يقول: هل يشترط أن يصرح المدلس بتدليس التسوية في جميع الإسناد؛ لكي نأمن من تدليسه في أول الإسناد، ونأمن من تدليسه في وسط الإسناد؟ الذي يظهر هو هذا، الذي يظهر وهو أنه لا بد أن يصرح من عرف بتدليس التسوية، ونجد في كلام العلماء، في كلام ابن حجر-رحمه الله- في "الفتح" كثيرا ما يورد هذا ويقول: الإسناد مصرح فيه بالتدليس، فأمن تدليس الوليد وتسويته، يظهر-والله أعلم-، نعم
    )) وبهِ ذا عنعن والراوي عنه الوليد بن مسلم (نعم)، فقط خاف أن يضعّف، وإلا فالأوزاعي قد عرفت إمامته، وعرفت ثقته، فخاف أن الناس يظنون أن الأوزاعي هو الذي وضع هذا الحديث الضعيف، أو هذا الحديث المنكر، فخاف من هذا، والحمد لله لم يحصل -أي لم يضعف الأوزاعي- لأنه قد عرف أن الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية . وهذا عينُ قول أبي الحسن المأربي في سؤالاتهِ (1/36) .


  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ


    [ ثانياً ] أحاديث الوليد بن مسلم التي دلسها عن الأوزاعي عن نافع .
    لا يشك إنسان على أن الوليد بن مسلم معنيٌ بحديثِ الأوزاعي وأن لهُ أحاديثاً جياداً عَنْ الإمام الأوزاعي وكونه معروفٌ بالرواية عنهُ لا ينفي وقوعه بالتدليس ، ولعمري إن الوليد بن مسلم مِن أهل الورع والإيمان والديانة إلا أن عاب عليهِ أهل الحديث والصنعة التدليس وهذا لا يقدح أبدا في وثاقتهِ فضلاً عن حديثه إطلاقاً عَنْ الإمام الأوزاعي - رضي الله عنهما - فالوسم بالتدليس لا يقتضي طرح كل ما يرويه عن شيخه الذي عرف بالتدليس عنه على كثرة مصاحبته .
    وقد حدث عَنْ الأوزاعي عَنْ نافع قرابة 16 حديثاً وقد أخرج منها الإمام البخاري لفظ ( كان النبي يعدوا إلي المصلى )) وهذا الحديث اخرجه الإمام البخاري في الصحيح باب حمل العنزة (2/537) وقد صرح الوليد بن مسلم في الصحيح بالسماع مِنْ الأوزاعي والإخبار عَنْ نافع - رحمه الله - وصيغته : (( حدثنا الوليد قال : حدثنا أبو عمرو قال : أخبرني نافع عن ابن عمر )) .
    ويأتي هُنا مقامُ الإحتجاج بقول الدارقطني وأن لا إعتراض لا على ما قاله الدارقطني ولا ما قاله الهيثم بن خارجة على - ضعف الرواية - في أنهُ يدلس أحاديثاً عَنْ ضعفاء عنهم ، وقد أخرج هذا الحديث الأول الإمام البخاري وقد صرح به بالسماع الوليد بن مسلم في كُل طبقات الإسناد وهو مما أخرجه الإمام البخاري لهُ في الصحيح تصريحاً بالسماع .
    ورواية المُعروفين بأنهم في الطبقة الرابعة من المدلسين قليلةٌ جداً إذ حسب الإحصائية التي ذكرها صاحب عنعنة المدلس في الصحيح (6) رواة مِنْهُمْ الوليد بن مُسلم ! وعدد الاحاديث التي صرح بها بالسماع مِنْ هؤلاء (37) وأما ما عنعن فيه مَنْ أخرج لهم (27) وعنعنتهم قد صرح بها الرواة بالسماع كما أفاد صاحب التحقيق في عدة مواضع خارج الصحيح وهذا دأب المُحدثين في مروايات المُدلسين في الصحيح إن كانوا قد صرحوا بها بالسماع خارجاً لا يشك عندها أن ما رواه المُدلس هُنا صحيحٌ وإن كان قد عنعن في الصحيح عند الإمامين الجبلين .
    قال الإمام الدارقطني في الضعفاء والمتروكين (ص32) : ((
    الوليد بن مسلم يرسل، يروي عن الأوزاعي أحاديث الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء عن شيوخ قد أدر?هم الأوزاعي مثل نافع وعطاء والزهري فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عن عطاء يعني مثل عبد الله بن عامر الأسلمي وإسماعيل بن مسلم )) أهـ .
    تأمل معي جيداً كلام الإمام الدارقطني - رحمه الله - وقوله (( عَنْ شيوخ ضعفاء عَنْ شيوخ أدركهم الأوزاعي مثل نافع وعطاء والزهري )) وهذا لا ينفي أن لهُ عَنْ الاوزاعي عَنْ نافع أحاديثاً جياداً أخرج أمثالها الإمام البخاري في الصحيح ، وقد أورد لهُ عَنْ الأوزاعي حديثاُ مُعلقاً وسيأتي دراسةُ إسناد هذا الحديث تبعاً للأمثالة على حديث الوليد بن مسلم عن الاوزاعي عن نافع مولى ابن عُمر وسنعمد إلي ذكر الأحاديث التي ثبت لدينا فيها أنهُ قد دلسها .

    [ الحديث الأول ] عن عبد الله بن عمر : (( كان يعرك عارضه ويشبك لحيته )) .
    أخرجه الإمام البيهقي في السنن الكبير (1/55) : (( أخبرنا أبو عبد الله السوسي ، ثنا أبو العباس الأصم ، ثنا أبو العباس بن الوليد بن مزيد ، أخبرني أبي ، أنا الأوزاعي قال : حدثني عبد الله بن عامر حدثني نافع أن ابن عمر )) موقوفاً عَنْ ابن عمر - رضي الله عنه - .
    قُلت : وهذا مما يحتح به لأثبات تدليس الوليد بن مسلم ، فالوليد بن مزيد أصح كتاباً مِنْ الوليد بن مسلم عَنْ الإمام الاوزاعي وقد حدث عن الأوزاعي بواسطة عبد الله بن عامر وهو " متروك " إلا أن الوليد بن مسلم قد أزال هذه الواسطة وبن عامر هو أحد الضعفاء الذين قيل أنه يدلس عنهم رواية الأوزاعي عنهم - رضي الله عنه - ودليل التدليس .
    أخرج الطبراني في جامع البيان (6/119) : (( حدثنا أبو الوليد قال ثنا الوليد قال ثنا أبو عمرو عن نافع عن ابن عمر )) موقوفاً بهِ كما تقدم في الباب وهذا دليلٌ على أن الوليد قد أسقط ابن عامر مِنْ رواية الأوزاعي عن نافع مولى ابن عمر عنهُ بهذا الحديث ومثل هذا الوجه صحيحٌ لأن رواية الوليد بن مزيد عن الإمام الأوزاعي أصح كتاباً لأن الوليد بن مزيد كان يحدث عنهُ مِنْ كتاب .
    قال النسائي في السير (9/420) : (( وَقَالَ النَّسَائِيُّ: الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا فِي الأَوْزَاعِيِّ مِنَ الوَلِيْدِ بن مُسْلِمٍ، لاَ يُخْطِئُ، وَلاَ يُدَلِّسُ )) أهـ .
    وقال أبو حاتم الرازي الجرح والتعديل (9/18) : (( قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: عَلَيْكُم بِكُتُبِ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ، فَإِنَّهَا صَحِيْحَةٌ )) قُلت : وكتابه الوليد بن مزيد عَنْ الاوزاعي أصحُ وهذا مما يثبت أن رواية الوليد بن مزيد مِنْ كتابه عن الأوزاعي أوضح قرينة على وقوع الوليد بن مسلم في التدليس لحديثهِ آنف الذكر .
    قال المزي في التهذيب (31/84) : (( وَقَال العباس بْن الوليد بْن مزيد: سمعت أَبَا مسهر يَقُول: لقد حرصت على علم الأَوزاعِيّ حَتَّى كتبت عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سماعة ثلاثة عشر كتابا حَتَّى لقيت أباك فوجدت عنده علما لم يكن عند القوم وَقَال العباس أيضا: قال لي يُوسُف بْن السفر سمعت الأَوزاعِيّ يَقُول: مَا عرض علي كتاب أصح من كتب الْوَلِيد بْن مزيد )) أهـ .
    وقال المزي عن العباس أيضاً : (( سمعت أبا مسهر يَقُولُ: كَانَ الأَوزاعِيّ يَقُول: مَا عرضت فيما حمل عني أصح من كتب الْوَلِيد بْن مزيد )) أهـ .
    وهذا الوليد بن مسلم نفسه يشهد على أن رواية الوليد بن مزيد صحيحة عن الإمام الأوزاعي إذا إختلف فقال في التهذيب (31/84) : (( وَقَال أيضا: سمعت صَالِح بْن يَزِيد شيخا لنا، قال: قلت للوليد بْن مسلم: إلى من أختلف؟ قال: عليك بالوليد بْن مزيد، فإني سمعت الأَوزاعِيّ يَقُول: كتب الْوَلِيد بْن مزيد صحيحة )) قُلت : وهذه قرينة على أن الوليد بن مسلم أسقط رواية بن عامر عن الأوزاعي والتي هي في كتاب الوليد بن مزيد عنهُ ، وهي دلالةٌ واضحةٌ على أن الوليد بن مسلم قد دلسه عن الاوزاعي بإسقاط عبد الله بن عامر ! ، وفي التهذيب قول ابي بشر الدولابي في أن الوليد بن مزيد إنما كان يحدث عن الأوزاعي من كتابه فقال : ((عن معاوية بْن صَالِح: الْوَلِيد بْن مزيد قال أَبُو مسهر: كَانَ ثقة لم يكن يحفظ، وكانت كتبه صحيحة )) . أهـ .
    ومِنْ القرائن التي تُحيطُ برواية الوليد بن مسلم أنه إختلف به على الأوزاعي :
    [1] رواية الوليد بن مزيد عن الاوزاعي عن عبد الله بن عامر عن نافع .
    [2] رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن نافع مولى ابن عمر عن ابن عمر .
    [3] أبو المغيرة عنه عن عبد الواحد بن قيس عن نافع عن ابن عمر به .
    [4] إسماعيل بن سماعة وأبي المغيرة والوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن عبد الواحد بن قيس عن يزيد الرقاشي وقتادة بن دعامة السدوسي - مرسلا - .
    [5] رواية عبد الحميد بن العشري عنه ، عن عبد الواحد بن قيس عن نافع عن ابن عمر .
    وهذه الروايات إختلف فيها على الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى رحمة واسعة والتأصيل فيها على النحو الآتي حتى يتبين لنا العلة مِنْ الحديث وقد رجح الإمام أبو حاتم رواية قتادة مرسلةً مُثبتاً فيه عبد الواحد بن قيس ويزيد الرقاضي وإليك بيان الطرق التي جاءت عن الأوزاعي .
    [1] وأما رواية الوليد بن مزيد فهي بواسطة عبد الله بن عامر " متورك " وهو أحفظُ في روايته عن الأوزاعي لأنهُ يحدث عنهُ مِن كتابهِ وقد سبق وأن بينا أن كتابه عن الأوزاعي صحيح بما قاله أهل العلمِ كأبي مسهر والوليد بن مسلم نفسهُ فالروايةُ أضحُ مِنْ غيرها لأنها مِنْ كتابه .
    [2] وهُنا في رواية الوليد بن مسلم قد أسقط الوليد بن مسلم الضعيف وهو عبد الله بن عامر مِنْ رواية الأوزاعي وسوى الإسناد ورواهُ بنفس الإسناد عن الإمام نافع مولى ابن عمر عنه موقوفاً وهذا يثبت أن الوليد بن مسلم إنما أسقط مِنْهُ عبد الله بن عامر وهذا هو تدليس التسوية !! .
    [3] ورواية عبد الواحد بن قيس " ضعيفة " لضعفه .
    قال الشيخ الأنصاري في القول النفيس (1/126) مِنْ أنا لو رمنا الصحيح عن الإمام الأوزاعي فإنا نعمد إلي رواية الوليد بن مزيد ، وأبي المغيرة الذي حدث عن عبد الواحد بن قيس ! وقال أنه إختلاف تضادٍ لأن الأول يرويه مرة عن الإمام الأوزاعي عن عبد الله بن عامر والآخر يرويه عن الإمام الأوزاعي عن عبد الواحد بن قيس وصحح رواية الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عن نافع مُباشرةً والتي تفرد بها الوليد بن مسلم فلم يذكر بين الأوزاعي وبين نافع واسطة ! .
    وقال الشيخ الأنصاري لو ملنا إلي الترجيح بين رواية بن مزيد ورواية ابي المغيرة فإلي رواية أبي المغيرة مِل ! والأصلح عندي ما عرفناهُ مِنْ رواية الوليد بن مزيد أنها مِنْ كتابه وقد صحح كتابه الوليد بن مسلم وابي مسهر والإمام الأوزاعي نفسهُ ! .
    ويمكنُ لنا أن نثبت في هذا تدليس الوليد بن مسلم لأن كُلاً مِنْ (( الوليد بن مزيد - أبو المغيرة - إسماعيل بن سماعة - وعبد الحميد بن العشري )) كُلهم كان في حديثهم عن الإمام الأوزاعي واسطةٌ إلا أن الوليد بن مسلم أسقط الواسطة بين الأوزاعي ونافع ! وبيه فادخال الجمع للواسطة بين الإمام الأوزاعي وبين نافع مولى ابن عمر أصلحُ وأمكنُ مِنْ الوليد بن مسلم وأقواها رواية بن مزيد التي هي مِنْ كتابه الذي ثبت أنه صحيح عن الأوزاعي عن بن عامر الضعيف .
    فلو أمعنت النظر في الروايات السابقة لرأيت أن الوليد بن مسلم الوحيد الذي خالف الرواة عنهُ وأسقط الواسطة بين الأوزاعي وبين نافع مولى ابن عمر ! ورواية من بن مزيد مِنْ كتابه عن الإمام الأوزاعي وغيرهُ مِنْ الذين رووا الحديث عنه فادخلوا الواسطة قرينة قوية على تدليس الوليد بن مسلم في الحديث وإسقاطه للواسطة في الحديث فظهر لنا تدليسه . والله أعلم .

    [ الحديث الثاني ] عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى الله عليه وسلم؛ في الْمَيِّتِ يُعَذَّبُ بِالنِّيَاحَةِ عَلَيْهِ.
    رواهُ كُلٌ عَنْ ابنِ عُمر عَنْ الفاروق عُمر بن الخطابِ عَنْ النبي - صلى الله عليه وسلم - كُلٌ مِنْ :
    (1) سعيد بن المُسيبِ وإختلفَ عنهُ .
    (2) وسالم بن عبد الله بن عُمر ونافعٌ وإختلف عنهما .
    (3) وَأَبُو صَالِحٍ السَّمَّانُ، وَقَزْعَةُ، وَيَحْيَى بْنُ رُؤْبَةَ،
    وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دِينَارٍ، وَأَبُو بَكْرِ بْنُ حَفْصٍ، وَيُوسُفُ بْنُ مَاهِكٍ، وَغَيْرُهُمْ
    .
    قال الإمام الدارقطني في العلل (2/58) : (( وَأَمَّا حَدِيثُ نَافِعٍ، فَرَوَاهُ عَنْهُ عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، مِنْ رِوَايَةِ يَحْيَى الْقَطَّانُ، وَمُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ عَنْهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ.
    وَتَابَعَهُ مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ، مِنْ رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْهُ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ.
    وَرَوَاهُ الْأَوْزَاعِيُّ ، عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ، بِمُتَابَعَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ، وَمَالِكٌ، مِنْ رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْهُ.
    وَخَالَفَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مَزْيَدٍ، وَبِشْرُ بْنُ بَكْرٍ، فَرَوَيَاهُ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ يَحْيَى، قَالَ: حَدَّثَنِي مَوْلًى لِآلِ الزُّبَيْرِ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، عَنْ عُمَرَ )
    ) أهـ . قُلتُ ويأتيكَ التَفصيلُ كما يأتي :
    [1] رَواهُ عَنْ نافع عُبيد الله بن عُمر وعَنْهُ يحيى بن سعيد القطان ومُحمد بن بشر .
    [2] وتَابع عُبيد الله عَنْ نافعْ مالكُ بن أنسٍ وعنهُ الوليدُ بن مُسلم .
    [3] والأوزاعيُ عَنْ يحيى بن أبي كثير عَنْ نافع [ مُباشرةً ] مِنْ رواية الوليد بن مُسلم عنهُ .
    وتابعهُ عن نافع عُبيد الله بن عُمر ومالك بن أنس .
    [4] وخالف الوليد بن مزيد الوليد بن مُسلم وكلاهما مِنْ أصحاب الإمام الأوزاعي فأدخل الوليد بن مزيد واسطةً وهو مولى لآل الزُبير بين يحيى بن أبي كثير وبين نافع مولى ابن عمر .
    ولو أمعنت النظر فإن الإختلاف على الإمام الأوزاعي في روايتهِ عَنْ يحيى بن أبي كثير عَنْ نافع مولى ابن عُمر بين صاحبيهِ فأحدهما صاحبُ كتابٍ صحيحٍ بشهادة [ الاوزاعي - الوليد ] - رحمهما الله تعالى جميعاً - والآخر هُو الوليد بن مُسلم وهو مشهورٌ بتدليس التسوية ! عَن الأوزاعي خصوصاً أحاديثاً حدث بها عَنْ الأوزاعي عن نافع مولى ابن عمر - رضي الله عنهم- .
    فيكونُ الوليد بن مسلم أسقط (( مولى لآل الزُبير )) لأن الإختلاف في الرواية هُنا على الإمام الأوزاعي بين صاحبيهِ ! اللذان عُرفا بالحديث عنهُ ! وقد حاول الشيخ أبو جابر الأنصاري الذب عن الوليد بن مسلم في مطلع حديثهِ عَنْ الإسقاط ، وقال أن معنى كلام المتقدمين هو اسقاط الوليد بن مسلم للضعفاء بين شيخهِ وبين من حدث عنهُ ، واستدل بان معنى كلام المُتقدمين مبنيٌ على ذلك المَبنى وهو أنه يسقط بين الأوزاعي وبين شيخ الأوزاعي واسطةً ضعيفة فيقوم الوليد بتدليس هذه الواسطة الضعيفة فيسقطها ! .
    وقرن ذلك بأنه لا يمكن أن يكون دلس لأن الذي سقط بين يحيى بن أبي كثير وبين نافع ! وهذا ليس بمسلمٍ به إذ أن أهل العلم يشترطون أن يصرح بالسماع في جميع طبقات الإسناد وإعلم أن المُدلس تدليس تسوية قد يسقط ما بين شيخهِ وبين شيخ شيخه ! أو قد يسقطُ الضعيف عَنْ شيخ شيخهِ فيسوي الإسناد ! والدليل رواية الوليد بن مزيد والتي هي أصحُ لأنها مِنْ كتابهِ عَنْ الإمام الأوزاعي فيشترط أن يصرح الوليد بن مسلم في كل الطبقات لأنهُ مِنْ بعد شيخه إلي آخرهِ فلابد أن يكون قد صرح بالسماع وإلا فإنا لا نأمن تدليس الوليد بن مسلم ! .
    ولو تأملنا الإسناد لعرفنا أن المُدلسَّ هُنا الوليد بن مُسلم وفيه مُناقشةٌ لاستدلال الشيخ الأنصاري في كتابه براءة الوليد بن مسلم (1/135) :
    [1] رواه الوليد بن مسلم عن الأوزاعي عَنْ يحيى بن أبي كثير عن نافع .
    [2] ورواهُ اثنين مِنْ الرواة عنهُ عَنْ يحيى بن أبي كثير عن مولى لآل الزبير عن نافع .
    قال الشيخ : (1/135) : (( ولو تأملنا الإسناد لرأينا يحيى بن أبي كثير وهو اليمامي وقد اتهم هو بالتدليس أيضاً ، وهو أقرب لتدليس مولى لآل الزبير مِنْ الوليد بن مسلم وربما كان اهماله في رواية الوليد بن مزيد وبشر بن بكر تدليسا منه له على ما يعرف به من تدليس الشيوخ )) !! أهـ .
    قُلت : عجباً لك ! فيحيى بن أبي كثير لم يعرف بالتدليس ! وأما يحيى بن أبي كثير وحديثهُ هو مِنْ قبيل المرسل الخفي لا من قبيل التدليس ! وهو لهُ رؤيةٌ لهُ ولكن لم يعرف لهُ سماعٌ منهُ وهو مِنْ قبيل المرسل الخفي كما أثبتنا ذلك على قتادة - رحمه الله - .
    فقد نفى روايته عنهُ الإمام أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم وابن معين - رحمهم الله - إلا أن أبو عبد الله الحاكم أثبت لهُ سماعٌ منهُ في معرفة علوم الحديث (174) : ((
    قد ثبت عندنا من غير وجه رواية يحيى بن أبي كثير، عن أنس بن مالك، إلا أنه لم يسمع منه هذا الحديث - حديث أفطر عندكم الصائمون - وله علة )) وليحيى بن أبي كثير عن أنس 5 أحاديث حدث بها عنهُ بواسطةٍ ولهُ جملةٌ مِنْ الأحاديث التي رواها عن أنس بن مالك - رضي الله عنهُ - مُباشرةً .
    (1) لما نزلت هذه الآية على النبي صلى الله عليه وسلم قال : " وأحق له أن يؤمن " .

    أخرجهُ الحاكم وقال (( صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاهُ )) وتعقب قولهُ هذا الإمام الحافظ الذهبي - رحمهم الله - وقال : (( منقطع )) فقد قال في الميزان أنهُ لم يسمع منهُ ! ولعل هذا المرجع الذي لأجله أعل الحافظ الذهبي رواية يحيى بن أبي كثير عن انس بن مالك ، وفي إسناده ضعفاءٌ يحيى بن المتوكل تفرد بها عن يحيى وهو ضعيف .
    ولهُ قرابة الـ10 أحاديث عن أنس بن مالك بدون واسطةٍ وكلها لا يخلوا مِن الضعف والوضع والإضطرابْ ، والذي يترجح أن يحيى بن أبي كثير عن أنس بن مالك وقد رآهُ ! مُرسلٌ خفيٌ لا تدليس ولم نعرف ذلك على الإمام يحيى بن كثير اليمامي - رحمه الله - ولذلك قال الحافظ ابن رجب في شرح علل الترمذي : (( فإن كان الثقة يروي عمن عاصره أحياناً ولم يثبت لقيه له ثم يدخل أحياناً بينه وبينه واسطة , فهذا يستدل به هولاء الائمة على عدم السماع )) وهذا وقع لقتادة بن دعامة السدوسي وقد كان كثيرا يحدث عمَّن عاصرهُ ورآهُ مالم يسمعهُ منهُ .
    وقد أراد الشيخ الأنصاري في كتابه القول النفيس إلحاق وصمة التدليس على يحيى بن أبي كثير وهذا لا يصح عندي لأنهُ بريءٌ من هذه التُهمة خصوصاً في روايته عن انس بن مالك ! فيحيى بن أبي كثير في رواية الوليد بن مزيد ذكر مولى لآل الزُبير وروايتهُ عمن عاصرهُ بواسطة هي أقوى في الإعتبار مِنْ روايتهِ عن نافع مولى ابن عمر ! فكيف يرميه الأنصاري بالتدليس وأصحُ ما يقال عن يحيى بن أبي كثير أنه كثيراً ما كان يرسل مُرسلاً خفياً عَمَّن عاصرهُ ولم يروي عنه .
    توجيه النظر إلي أصول الأثر (1/272) : (( يحيى بن أبي كثير اليمامي أحد الْأَئِمَّة الْأَثْبَات الثِّقَات المكثرين عَظمَة أَيُّوب السّخْتِيَانِيّ وَوَثَّقَهُ الْأَئِمَّة وَقَالَ شُعْبَة حَدِيثه أحسن من حَدِيث لزُّهْرِيّ وَقَالَ يحيى الْقطَّان مرسلاته تشبه الرّيح لِأَنَّهُ كَانَ كثير الْإِرْسَال والتدليس والتحديث من الصُّحُف وَاحْتج بِهِ الْأَئِمَّة )) قُلت : وهو أقرب إلي كونه كان يرسل دُون التدليس فهو عندي بريءٌ منه ، وقد تفرد بالقول بأنهُ مدلسٌ الإمام النسائي - رحمه الله - وأثبت أنهُ يحدث عمن لقيهُ مالم يسمعهُ مِنْهُ العلائي - رحمه الله - في كتابه جامع التحصيل ولنا على يحيى بن أبي كثير دراسةٌ سنقومُ بطرحها باذن الله تبارك وتعالى بعد الانتهاء مِنْ اثبات ذلك على الوليد بن مسلم .
    بل حاول الشيخ إلصاق التُهمة بيحيى بن أبي كثير في (1/136) واستمر على هذا المنوال وقلنا أن هذه التُهمة لا تثبت على يحيى بن أبي كثير والصريح عندنا أنهُ كان يرسل إرسالاً خفياً وأن الواجب في مثل هذه المسألة أو من هو بمثل حال الوليد بن مسلم أن يصرح في كُل طبقات الإسناد بالسماع وهذا ما عليه العُلماء ومشيختنا ! ، وقد سبق أن كتاب الوليد بن مزيد أصحُ عند الإمام الأوزاعي والوليد بن مسلم ! فإدخال الواسطة في روايته وقد حدث به بشر بن بكر أيضاً قرينةٌ على أن الوليد بن مسلم قد أسقط مولى لآل الزُبير في رواية الحديث .
    فاسقاطهِ لمولى آل الزبير في الحديث قرينةٌ على أنهُ قد دلسهُ ! وإن كان المسقط هُنا هو عبد الله البهي وثقه ابن معين وابن سعد ! وضعفهُ أبي حاتم الرازي إلا أن هذا لا ينفي التُهمة على الوليد بن مسلم - رحمه الله - حيث أسقط الراوي مِنْ الإسناد فسواهُ ، وبهذا يتضح أن ما ذهب إليه الشيخ في أن الوليد بريء مِنْ هذا ليس في محلهِ .

    [ فصلٌ بالباب الثاني ] تَقديم الوَليد بن مَزيد على الوليد بن مُسلم .
    وقد يُشكلٌ أحدٌ في أن الوليد بن مُسلمٍ أوثقُ مِنْ الوليد بن مزيد في روايته عن الإمام الأوزاعي - رحمه الله - مُعللاً بأن الوليد بن مُسلم أوثقُ مِنْ الوليد بن مزيد في الإمام الأوزاعي وهذا لا يستقيم وقد رجح ذلك الشيخ الكريم الأنصاري في كتابه " القول النفيس في براءة الوليد بن مسلم من التدليس " واستدل أن الوليد مقدمٌ في الإمام الأوزاعي بما قيدهُ في الباب الأول مِنْ التوثيق للإمام الوليد بن مُسلم - رحمه الله - في الإمام الأوزاعي ، وهذا الزعمُ ضعيفٌ جداً .
    قال النسائي في السير (9/420) : (( وَقَالَ النَّسَائِيُّ: الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا فِي الأَوْزَاعِيِّ مِنَ الوَلِيْدِ بن مُسْلِمٍ، لاَ يُخْطِئُ، وَلاَ يُدَلِّسُ )) أهـ .
    وقال أبو حاتم الرازي الجرح والتعديل (9/18) : (( قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: عَلَيْكُم بِكُتُبِ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ، فَإِنَّهَا صَحِيْحَةٌ )) قُلت : وكتابه الوليد بن مزيد عَنْ الاوزاعي أصحُ وهذا مما يثبت أن رواية الوليد بن مزيد مِنْ كتابه عن الأوزاعي أوضح قرينة على وقوع الوليد بن مسلم في التدليس لحديثهِ آنف الذكر .
    قال المزي في التهذيب (31/84) : (( وَقَال العباس بْن الوليد بْن مزيد: سمعت أَبَا مسهر يَقُول: لقد حرصت على علم الأَوزاعِيّ حَتَّى كتبت عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سماعة ثلاثة عشر كتابا حَتَّى لقيت أباك فوجدت عنده علما لم يكن عند القوم وَقَال العباس أيضا: قال لي يُوسُف بْن السفر سمعت الأَوزاعِيّ يَقُول: مَا عرض علي كتاب أصح من كتب الْوَلِيد بْن مزيد )) أهـ .
    وقال المزي عن العباس أيضاً : (( سمعت أبا مسهر يَقُولُ: كَانَ الأَوزاعِيّ يَقُول: مَا عرضت فيما حمل عني أصح من كتب الْوَلِيد بْن مزيد )) أهـ .
    وهذا الوليد بن مسلم نفسه يشهد على أن رواية الوليد بن مزيد صحيحة عن الإمام الأوزاعي إذا إختلف فقال في التهذيب (31/84) : (( وَقَال أيضا: سمعت صَالِح بْن يَزِيد شيخا لنا، قال: قلت للوليد بْن مسلم: إلى من أختلف؟ قال: عليك بالوليد بْن مزيد، فإني سمعت الأَوزاعِيّ يَقُول: كتب الْوَلِيد بْن مزيد صحيحة )) قُلت : وهذه قرينة على أن الوليد بن مسلم أسقط رواية بن عامر عن الأوزاعي والتي هي في كتاب الوليد بن مزيد عنهُ ، وهي دلالةٌ واضحةٌ على أن الوليد بن مسلم قد دلسه عن الاوزاعي بإسقاط عبد الله بن عامر ! ، وفي التهذيب قول ابي بشر الدولابي في أن الوليد بن مزيد إنما كان يحدث عن الأوزاعي من كتابه فقال : ((عن معاوية بْن صَالِح: الْوَلِيد بْن مزيد قال أَبُو مسهر: كَانَ ثقة لم يكن يحفظ، وكانت كتبه صحيحة )) . أهـ .
    قُلت : وهذه الأدلة مِنْ الأدلة البينات في الردِ على مَنْ زعم أن الوليد بن مُسلم أوثقُ أصحاب الإمام الأوزاعي ! ومُقدمٌ على رواية الوليد بن مزيد إذ أن القرائنَ في الحديثين اللذان ذكرنا سابقاً في الباب الثاني أن الوليد بن مزيد كان يخالفُ الوليد بن مسلم في روايتهُ فيحدث عن الأوزاعي عن الإمام نافع برواية الواسطة ! إلا أن الوليد بن مُسلم كان يُسقطها ، وحاول الأنصاري الذب عن هذه المرويات إلا أنهُ لم يكن موفقاً - والله المُستعان - في تعقبهِ لأن الوليد كما قال الإمام الدارقطني - رحمه الله - وأعني بذلك بن مزيد : (( كَانَ ( يَعْنِي : ابْنَ مَزْيَدٍ ) مِنْ ثِقَـاتِ أَصْحَابِ الأَوْزَاعِيِّ )) واعلم أن وسمهُ بالخطأ والوهم مِنْ الأئمةِ قرينةٌ على أن الوليد بن مزيد مقدمٌ في أصحاب الإمام الأوزاعي لأن الوليد كان لديه كتابٌ صحيحٌ سماعهُ فيه من الإمام الأوزاعي وقد قدمهُ الإمام والوليد عند الإختلاف على أصحاب الإمام الأوزاعي في الحديث .
    وهذه فائدةٌ جليلةٌ في حديث الاوزاعي عن الإمام يحيى بن أبي كثير والذي سبق وأن أخرجنا روايتهُ في الحديث الثاني الذي ثبت فيه تدليس الوليد بن مُسلم عن الإمام الأوزاعي - رحمه الله تعالى - عَنْ نافع والذي يَزيدُ ما ذهبنا إليه مِنْ كون الوليد بن مُسلم قد دلس الحديث الثاني لا الإمام يحيى بن أبي كثير اليمامي قال ابو حاتم في الجرح والتعديل (9/61) : ((
    سَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ قُلْتُ : فِي حَدِيثِ يَحْيَى ابْنِ أَبِي كَثِيرٍ ؛ مَنْ أَحَبُّهُمْ إِلَيْكَ: هِشَامٌ , أَوِ الأَوْزَاعِيُّ ؟ , قَالَ : هِشَامٌ أَحَبُّ إِلَيَّ ؛ لأَنَّ الأَوْزَاعِيَّ ذَهَبَتْ كُتُبُهُ )) وهذا مما يركن إليهِ في مسألة حديث الوليد بن مسلم والوليد بن مزيد أيهما يقدمُ في روايته عن الإمام الأوزاعي - رحمه الله - في الرواية . والله أعلم .

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ


    [ الحديث الثالث ] حديث أم سلمة - رضي الله عنها - : (( يُرْخِينَ شِبْراً )) .وهذا أخرجهُ النسائي في السُنن الكُبرى (8/44) : مِنْ رواية الوليد بن مُسلم عن الإمام الأوزاعي عَنْ نافع عن أم سلمة أنها قالت : قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "تُرخي المرأةُ من ذيلها شبراً" قلتُ: إذاً تنكشف؟ قال: "ذراعاً لا تزيد عليه" .
    قُلت : وهذا مِنْ بلايا الوليد بن مُسلم والذي يثبت فيه صراحةً أنهُ قد سواهُ ودلس فيه تدليساً قبيحاً وهو تدليس التسوية - رحمه الله تعالى - ، وقد أسقط مِنْ السند يحيى بن أبي كثير عَنْ نافع عن أم سلمة - رضي الله تعالى عنها - ومثل هذا لا يغفل عَنْهُ مَنْ كان لهُ أقل درايةٍ بالحديث .
    أخرج النسائي في السُنن (8/209) : (( حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ بْنِ مَزْيَدٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبِي قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ، عَنْ نَافِعٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ، أَنَّهَا ذَكَرَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُيُولَ النِّسَاءِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يُرْخِينَ شِبْرًا» قَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: إِذًا يَنْكَشِفَ عَنْهَا، قَالَ: «تُرْخِي ذِرَاعًا، لَا تَزِيدُ عَلَيْهِ» )) أهـ .
    قُلت : وهذا الحديث يرويه جمعٌ مِنْ الثقات عَنْ أم سلمة - رضي الله عنها - وقد أعل الدارقطني سماع نافع مِنْ أم سلمة - رضي الله عنها - فقال في السُنن (2/38) : ((
    لاَ يَصِحُّ لِنَافِعٍ سَمَاعٌ مِنْ أُمِّ سَلَمَةَ)) ، وعند أحمد مِنْ رواية نافع عن سليمان بن يسار عن أم سملة (44/280) . يتبع بإذن الله تبارك وتعالى الأحاديث التي دلس بها الوليد عن الأوزاعي عن نافعه .

    [ الحديث الرابع ] أَنَّهُ كَانَ يَنَامُ اليَسِيرَ فِي المَسْجِدِ الحَرَامِ فَيَتَوَضَّأُ .
    أَخْرَجَهُ البَيْهَقِيُّ فِي " السُّنَنِ الكُبْرَى " (1/119) : أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرٍ الحَارِثِيُّ الأَصْبَهَانِيّ ُ , حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ , حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ , حَدَّثَنَـا أَبُو عَامِرٍ مُوسَى بْنُ عَامِرٍ , حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ؛ قَالَ : وَأَخْبَرَنِي أَبُو عَمْرٍو , عَنْ نَافِعٍ ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا _ بهِ .
    قُلت : وهذا الحديث قد رواهُ الوليد بن مُسلم عَنْ الإمام الأوزاعي وهذا دليلٌ على أنهُ قد دليس فيه وسوى ومما يدل على أنهُ قد دلس الحديث ما رواه ابن حذلم مِنْ حديث الأوزاعي (16) حَدَّثَنَا أَبُو عَبْدِ المَلِكِ أَحْمَدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ القُرَشِيُّ ؛ قَالَ : حَدَّثَنَا عَبْدُ المَلِكِ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ ؛ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي , عَنْ أَبِيهِ ؛ قَالَ : حَدَّثَنِي الهِقْلُ , عَنِ الأَوْزَاعِيِّ , عَنِ جَسْرِ بْنِ الحَسَنِ, عَنْ نَافِعٍ ؛ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ كَانَ يَضْطَجِعُ فَيَنَامُ اليَسِيرَ فِي المَسْجِدِ وَيَتَوَضَّأُ . أهـ.
    فانظر هُنا أن الذي أسقطهُ الوليد بن مسلم مِنْ الإسناد هو جسر بن الحسن ، فأسقطهُ مِنْ الإسنادِ فدَلسَّهُ عَنْ الإمام الاوزاعي وهذا الرجلُ مُتكلمٌ فيهِ أي أنهُ ضعيفُ الروايةِ وهو الفزار اليمامي ،قَالَ فِيهِ ابْنُ مَعِينٍ : " لَيْسَ بِشَيْءٍ " , وَقَالَ النَّسَائِيُّ : " ضَعِيفٌ " , وَقَالَ : الجَوْزَجَانِيّ ُ : " وَاهِي الحَدِيثِ " , وَقَالَ الدَّارَقُطْنِي ُّ : " لَيْسَ بِالقَوِيِّ " , وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : " وَإِنَّمَا عُرِفَ جَسْرٌ بِالأَوْزَاعِيّ ِ حِينَ رَوَى عَنْهُ , وَلاَ أَعْرِفُ لِجَسْرٍ _ هَذَا _ كَثِيرَ رِوَايَةٍ " , أَمَّا ابْنُ حَاتِمٍ فَقَالَ فِيهِ : " لاَ أَرَى بِحَدِيثِهِ بَأَساً " , وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي " الثِّقَاتِ " وَقَالَ : " صَدُوقٌ " , وَقَالَ ابْنُ حَجَرٍ فِي " التَّقْرِيبِ " (رقم :922) : " مَقْبُولٌ " ، ومَنْ حدث عن الاوزاعي هُنا هو الهقل بن زياد وهو ثقةٌ مِنْ أوثق أصحاب الإمام الأوزاعي وهو في الرواية مقدمٌ على الوليد بن مُسلمٍ لوثاقتهِ وصحبتهُ لهُ .
    فيتضحُ ان رواية جسر بن الحسن اليمامي مِنْ رواية الهقل بن زياد هي المحفوظة في هذا الباب مِنْ رواية الإمام الاوزاعي ويتضحُ مِنْ الأمر أنها لا تصح لأن جسر ضعيفُ الحديث ، وقد أخطأ الأنصاري في كتابهِ القول النفيس (1/141) : (( وبعد البحث الدؤوب لم أجد من يرويه غير البيهقي )) قُلت بل رواه ابن حذلم وهذا استفدناهُ مِنْ شيخنا الكَريم نَادر بن وهب النَاطور ! فليس الحديثُ مِنْ رواية البيهقي أو أن البيهقي انفرد بها هكذا ! بل ثبت أن الوليد بن مُسلم قد دلسهُ وسواهُ مِنْ حديث ابن حذلم آنف الذكر وبهذا يثبت لنا أن الوليد بن مُسلم قد دلس هذا الحديث وسواهُ عَنْ الأوزاعي وعليهِ فإن هذا الإسناد معلولٌ لضعفٍ في جسر بن الحسن اليمامي وتدليس الوليد بن مُسلم لهُ عند الإمام البيهقي - رحمه الله - والله أعلم .


    [ الحديث الخامس ] أَنَّهُ كَانَ يَكُونُ فِي السَّفَرِ فَتَحْضُرُهُ الصَّلاَةُ وَالمَاءُ مِنْهُ عَلَى غَلْوَةٍ .
    أخرجهُ البيهقي في السُنن (1/233) : ((أَخْبَرَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ الحَارِثِ الفَقِيهُ , أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَيَّانَ الأَصْبَهَانِيّ ُ , حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ الحَسَنِ , حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ , حَدَّثَنَا الوَلِيدُ قَالَ : قِيلَ لأَبِي عَمْرٍو : حَضَرَتِ الصَّلاَةُ وَالمَاءُ حَائِزٌ عَنِ الطَّرِيقِ , أَيَجِبُ عَلَيَّ أَنْ أَعْدِلَ إِلَيْهِ ؟ , قَالَ : حَدَّثَنِي مُوسَى بْنُ يَسَارٍ , عَنْ نَافِعٍ , عَنِ ابْنِ عُمَرَ , فَذَكَرَهُ )) أهـ .

    قُلت : واسنادهُ ضعيفٌ جداً فالوليد لم يصرح بالسماع لهُ مِنْ الإمام الأوزاعي ، ولا بسماع موسى بن يسار مِنْ نافع بل عنعنهُ ، وقد تفرد به الإمام الأوزاعي عَنْ موسى بن يسار .
    قال أبو حاتم في الجرح (8/167) : (( شيخٌ مستقيم الحديث )) وقال الحافظ ابن حجر : (( مقبول )) وهذا يعني أن موسى بن يسار يُتابع على روايتهِ ! وهذه لم يتابع عليها موسى بن يسار عَنْ نافع عن ابن عُمر بهذا الإسناد ، وقد تابع أبا عامر عليهِ صفوان بن صالح ، وقد صرح بسماع الوليد بن مُسلم مِنْ الأوزاعي ولا تصحُ هذه المُتابعة لصفوان بن صالح اخرجها ابن المنذر (513) .
    قَالَ : كَتَبَ إِلَيَّ الوَلِيدُ بْنُ حَمَّادٍ يَذْكُرَ أَنَّ صَفْوَانَ بْنَ صَالحٍ حَدَّثَهُمْ , حَدَّثَنَا الوَلِيدُ , سَأَلْتُ الأَوْزَاعِيَّ قُلْتُ : ... , فَذَكَرَ نَحْوَهُ . قُلتُ : الوليد بن حماد ابن جابر الزيات ، وهذا إسنادٌ شاميٌ وترجم لهُ الحافظ ابن عساكر في تاريخ دمشق ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً وضعفهُ الخليلي في الإرشاد (1/407) وقال الإمام الذهبي في السير (14/78) : (( وَلاَ أَعْلَمُ فِيهِ مَغْمَزاً , وَلَهُ أُسْوَةُ غَيْرِهِ فِي رِوَايَةِ الوَاهِيَاتِ )) وبهذا فالرواية ضعيفة لا تصح عن نافع عن ابن عُمر - رضي الله عنهما - . والله أعلم .
    [ الخُلاصة ] وأما فيما يتعلق برواية الوليد بن مُسلم عن الأوزاعي عَنْ نافع ! فقد ثبت أنهُ دلس في أحاديث عنهُ وسوى الإسناد وهذا يدفع ما قالهُ الأنصاري في كتابهِ عَنْ روايات الوليد عن الأوزاعي عن نافع عن ابن عُمر ، كذلك تُكلم في سماع الأوزاعي مِنْ نافع - رحمه الله - والأرجح أنهُ لم يسمع منهُ ولهُ عَنْ نافع أحاديثاً رواها مُباشرةً وأكثرها لا يصحُ مِنْها شيءٌ ، وتارةً بينهُ وبين نافع رجلٌ واسطة ، وتارى يروي عنه بواسطتين رجلاً أو رجلين ، فلا حُجة للأنصاري أن قال بأن الوليد لم يدلس أحاديث عن الأمام الاوزاعي عن نافع ولم يسقط بينهُ وبين شيخه راوٍ . والله أعلم .


  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ


    [ ثالثاً ] الإمام الأوزاعي عَنْ الزهري .
    قال الإمام ابن معين - رحمه الله - : (( الاوزاعي في الزهري ليس بذاك ونحوه يعقوب )) .
    وقال الحافظ - رحمه الله - : (( ثقة جليل ، يخطئ في حديث بن أبي كثير والزهري )) .
    وأصحاب الإمام الاوزاعي :
    1- الهقل بن زياد .
    2- ابن المُبارك .
    3- أبو إسحاق الفزاري .
    4- ابن سماعة .
    5- ابن أبي العشرين .
    6- الوليد بن مزيد .
    أثبتهم عن عَنْ الإمام الأوزاعي - رحمه الله - :
    1- قال الإمام أحمد بن حنبل ، وابن معين ، وأبي صالح ، وأبي مسهر ، ومروان بن محمد أنه الهقل بن زياد ، وقال ثُم ابن سماعة . شرح العلل لابن رجب (2/458) .
    2- وقال هشام ابن عمار كما في تهذيب التهذيب (3/305) ابن أبي العشرين .
    3- وقال النسائي أنهُ ابن المُبارك. تسمية فقهاء الأمصار (130) .
    4- وقال الحاكم أنه أبو إسحاق الفزاري . الدوري (4/443) .
    5- الوليد بن مزيد وهو قول النسائي وأبي مسهر والوليد بن مسلم والأوزاعي .
    6- محمد بن شعيب بن شابور . وهو قول أبو داود .

    [ الحديث الأول ] يقتل ابن مريم الدجال بباب لد .
    أخرجه ابن عساكر في تاريخ دمشق (34/508) : مِن طريق أبي عامر موسى بن عامر المري ، عن الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ، عن الزهري عَنْ مجمع بن جارية ، عن أبي هريرة .
    قال الحافظ ابن عساكر عقبهُ : (( كذلك وقع في الرواية خطأ فاحشٌ في موضعين .
    الموضع الأول : أنه جعل الحديث من مسند أبي هريرة ، والحديث في مسند مجمع بن جارية وله صحبهُ بلا خلاف .
    الموضع الثاني : أنه أسقط مِنه من بين الزهري ومجمع رجليت ، فإنه يرويه الزهري ، عن عبيد الله بن عبد الله بن ثعلبة عن عبد الرحمن بن يزيد بن جارية ، عَنْ عمه مجمع بن جارية )
    ) أهـ .
    قُلت : ويشهد أن الوليد بن مُسلم قد دلس وسوى عَنْ الأوزاعي عَنْ الزهري - رحمهم الله - ما أخرجه الإمام أحمد في المُسند (3/430) : (( حدثنا محمد بن مصعب قال : ثنا الأوزاعي ، عن الزهري ، عَنْ عبد الله بن ثعلبة ، عن عبد الرحمن بن يزيد ، عن عمهِ مجمع بهِ )) أهـ ، وقد تابعهُ على روايته بذكر الواسطتين بين الإمام الزهري ومجمع كُلٌ مِنْ :
    [1] بهلول بن حكيم .
    أخرج الطبراني في المُعجم الكبير (19/444) : حدثنا عبد الرحمن بن سلم الزهري ، ثنا أبو كريب ثنا بهلول بن حكيم عن الاوزاعي عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن ثعلبة ... بنحوهِ .
    [2] الوليد بن مزيد .
    أخرج ابن عساكر في تاريخ دمشق (47/511) : فقال أخبرنا أبو الحسن الفقهيان ، قالا : أنبأنا أبو العباس بن قبيس ، أنبأنا أبو محمد بن أبي نصر ، أنبأنا خيثمة بن سليمان ، أنا العباس بن الوليد بن مزيد أخبرنا أبي ، حدثنا الأوزاعي ...بهِ مُتابعة بهلول .
    [3] عباد بن جويرية .
    وأخرج روايتهُ ابن قانع في مُعجم الصحابة (3/112) بهِ كما محمد بن مصعب .
    [4] عقبة بن علقمة مُتابعاً لمُحمد بن مُصعب كمن سبق .
    وروايته عند ابن الأعرابي في المُعجم (2264) .
    قُلت : ويتبين أن أصحاب الإمام الاوزاعي قد تعاقبوا في روايتهم على ذكر الواسطتين ، والتي تراها سقطت مِنْ رواية الوليد بن مُسلم عَنْ الأوزاعي آنفةِ الذكر ! وقد حاول الشيخ تضعيف الإسناد مِنْ غير رواية الوليد بن مُسلم ! والصحيح على فرض ضعف الاسناد مِنْ هذه الناحية فإنهُ لا ينفي اسقاط الوليد بن مسلم للواسطتين بما رواهُ غيرهُ عَنْ الأوزاعي .
    وإليك ما يثبت أن الضعف هُنا ليس مبحثاً للحديث وهو أن عباد بن جويرية ( ضعيف ) والصحيحُ أننا أمام اثبات أن الوليد بن مُسلم قد دلس في حديثهِ عَنْ الإمام الاوزاعي عَنْ الزهري وتبرير الشيخ بأن السقط لو كان مِن الوليد بن مُسلم لأسقط المجهول وأثبت الثقة ! وهذا غريبٌ جداً إذ لم يكن الاسقاط في الإسناد من الوليد بن مُسلم فهل هُو مِنْ الإمام الاوزاعي !! .
    قال الشيخ في القول النفيس (1/374) : (( وهذا يدل على أن الوليد لم يرد تدليسا من السقط الوارد في الإسناد إنما شيء سمعه مِنْ الاوزاعي فأداهُ كما سمعه )) أهـ .
    قُلت وليت شعري ألك في هذا بينةٌ واضحةٌ وقد رواهُ الوليد بن مزيد وهو أوثقُ وأصحُ كتاباً مِنْ الوليد بن مُسلم عن الإمام الاوزاعي وذكر فيه الواسطتين ! والوليد بن مُسلم أسقطها وقد حدث بها عَنْ الإمام الاوزاعي [ 5 ] أنفس مُثبتين للواسطة بين الاوزاعي و الزهري ! ، ثُم جاء الوليد بن مسلم فتفرد بإسقاط الواسطتين وتؤول هذا الأمر والتدليس هُنا بمثل هذا القول ! .
    وبثبوت التدليس ولو لمرةٍ واحدةٍ عَنْ الزُهري يعضدُ قول المُتقدمين كالدارقطني وابن خارجة على ضعف الرواية بأنهُ كان يدلس عن الإمام الزهري فيسقط بين الأوزاعي وبينه واسطة وهذه بحد ذاتها قرينةٌ قويةٌ على أنه قد يدلس عن الإمام الأوزاعي أحاديثاً عَن الزهري ويسقط منها شيوخاً ضعفاء ! وقد يسقط الثقات كما فعل في روايته هذه فتأمل . والله تعالى أعلم .

    [ الحديث الثاني ] لتنقون كَمَا تنقوا التَّمْر من الحثالة وليذهبن خياركم وليبقين شِرَاركُمْ فموتوا إِن اسْتَطَعْتُم .. عَنْ أبي هُريرة - رضي الله عنه - موقوفاً .
    أخرج الداني في السنن الواردة في الفتن (3/580) ، وأبو طاهر السلفي في المشيخة البغدادية ص 45 كما نقل الأنصاري بكتابهِ كلاهما مِنْ طريق عبد الله بن سليمان ، عن هشام بن خالد ، عن الوليد بن مسلم ، عن الاوزاعي ، عن الزهري ، عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة بنحوه .
    قُلت : وهذا قد عنعنه الوليد بن مُسلم وهو مشهورٌ بتدليس التسوية ، وقد حدث به عَنْ الأوزاعي وتابع عليه الوليد بن مُسلم عبد الحميد بن أبي العشرين وحديثهُ عند ابن حبان في الصحيح (14/264) ، والطبراني في الأوسط (5/63) وتمام في فوائدهِ (2/171) ، وابن عساكر في التاريخ (8/222) مِنْ طريق جنادة بن محمد بن أبي يحيى المري ، عن عبد الحميد بن أبي العشرين ، عن الأوزاعي ، عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً .
    وهذه المُتابعة لا تعضدُهُ أبداً فابن أبي العشرين - ضعيفٌ - على الراجحِ مِنْهُ وإن كان أحد الأثبات في الإمام الأوزاعي رحمه الله تعالى إلا أن البخاري : (( رجح الوقف مِنْ حديث أبي هريرة )) وعن أبي هريرة رواهُ موقوفاً كُلٌ مِنْ كما قال الدارقطني في العلل :
    [1] إسماعيل بن عبد الله بن سماعة .
    [2] وعمر بن عبد الواحد .
    وقال في العلل (9/157) : (( أنهما روياهُ عَنْ الأوزاعي ، عن يونس بن يزيد ، عن الزهري ، عَنْ أبي هريرة - رضي الله عنه - مرسلا موقوفاً )) أهـ . قُلت : وهذا بينٌ في أن الوليد بن مُسلم قد دلس الحديث عَنْ الأوزاعي ، وحاول الأنصاري أن يستنكر هذا على الإمام الدارقطني واصفاً الرواية التي ذكرها في علله (( وهماً )) كما قال في (1/414) !! ثُم زعم أن توسيطهُ بينهما لا يعني أن الوليد قد دلسهُ وقد رواهُ اثنين وخصوصاً أحد الأثبات عَنْ الإمام الاوزاعي - رحمه الله - ! ، وهذا القولُ لا يستقيم البتة ولا يعني أن تذب عَنْ إمامٍ مِنْ الأئمةِ بهذه الطريقة ترمي كُل شيءٍ بالسقوطِ والأوهام والخطأ والألفاظ التي أساء بها الأنصاري إلي الأئمة الذين أعلوا وقالوا بتدليسهِ ! .
    وزعمه أنه لزم علينا أن نجر سحب الاتهام على ابن أبي العشرين وهو ليس بمُتهمٍ بالتدليس قُلتُ وابن أبي العشرين على صحبته للإمام الاوزاعي إلا أن في حديثه عنهُ ضعفٌ وكلام ! وقد رواهُ مَنْ هو أوثقُ مِنْهُ في الإمام الأوزاعي وهو إسماعيل بن عبد الله بن سماعة فهذا قال فيه المزي في تهذيب الكمال : (( وقال أَبُو مسهر : كَانَ من الفاضلين وذكره فِي الأثبات من أصحاب الأوزاعي وقال : هُوَ بعد الهقل # وقال أَبُو حاتم : كَانَ من أجل أصحاب الأوزاعي وأقدمهم روى له )) وروايتهُ عندي مقدمة على رواية ابن أبي العشرين في الأوزاعي وقد أثبت على قول الإمام الدارقطني الواسطة بين الأوزاعي وبين الزهري ! ولمَنْ علم حٌجةٌ على مَنْ لم يعلم أخي الشيخ الأنصاري ، ولو كانت هذه الروايات غير موجودةً أصلاً لما ذكرها الدارقطني علةً وعللهُ بالوقفِ ، وأيضاً أشار البخاري إلي كون الرواية عن أبي هريرة موقوفةً فليت شعري أكان لذلك مكانٌ في حديثكم !! . والله أعلم .
    [ خُلاصةُ حَديث الوليد عَنْ الأوزاعي عَنْ الزُهري ] وهذين الحديثين قرينةً على أن التدليس قد يحصل مِنْ الوليد بن مُسلم عن الأوزاعي عَنْ الزُهري وهذا واقعٌ لا منفيٌ تماماً ولهُ احاديثٌ ليست مِنْ طريق الوليد بن مُسلم عن الأوزاعي والحقُ ان الأوزاعي اضطرب في بعض أحاديث الزُهري كما قال الإمامين فيهِ سالفاً والبُخاري أخرج للأوزاعي عن الزُهري ما ثبتت صحتهُ عندهما - رضي الله عنهما - والذي نُريد بيانه والاشارة إليه إلي أن التدليس واقعٌ مِنْ الوليد فيسقط بين شيخه وشيخ شيخه راوٍ وليس بمنفيٍ تماما ولهُ عَنْ الأوزاعي عن الزُهري أحاديثاُ جياداً أخرج بعضها الإمام البخاري بالصحيح ومُسلم وقد صرح الوليد بالسماع في كل طبقات الإسناد . والله أعلى وأعلم بالصواب .


  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ

    [ رابعاً ] : حَديث الوليد عَنْ الاوزاعي عَنْ يحيى بن سعيد الأنصاري .
    [ الحديث الأول ] أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم ليس فِيمَا دُونَ خَمْسِ ذَوْدٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسِ أَوَاقٍ صَدَقَةٌ وَلَيْسَ فِيمَا دُونَ خَمْسَةِ أَوْسُقٍ صَدَقَة .
    قُلت : قال الحافظ ابن حجر (2/274) : ((لَكِنْ دَلَّتْ رِوَايَةُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ عَلَى أَنَّ رِوَايَةَ الْأَوْزَاعِيِّ عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ مَوْهُومَةٌ أَوْ مُدَلَّسَةٌ وَلِذَلِكَ عَدَلَ عَنْهَا الْبُخَارِيُّ وَاقْتَصَرَ عَلَى طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ )) أهـ .
    وقال أيضاً (1/357) : (( ثَانِيهمَا أَنه اخْتلف فِيهِ على الْأَوْزَاعِيّ مَعَ ذَلِك بِزِيَادَة رجل فِيهِ بَينه وَبَين يحيى بن سعيد من رِوَايَة الْوَلِيد بن مُسلم وَإِذا تَأَمَّلت مَا ذكره لم تَجِد مَا اخْتَارَهُ مُسْتَقِيمًا بل رِوَايَة الْوَلِيد بن مُسلم تدل على أَنه لم يكن عِنْد الْأَوْزَاعِيّ عَن يحيى بن سعيد إِلَّا بِوَاسِطَة )) .
    قال الأنصاري أن هذه دلالةٌ على براءة الوليد بن مُسلم مِنْ التدليس ، وأنها صريحةٌ على تدليس غيرهُ مِنْ الرواة للحديث ، ونحنُ نسأل الشيخ الأنصاري هُنا إذا كانت هذه الرواية مُدلسةٌ فمِمَنْ البلاءُ والذي وقع بالتدليس مِنْ الرواة لهذا الحديث وأخصُّ بذلك رواية الوليد بن مُسلم .

    [ الباب الرابع ] دِراسةُ قَول أبي داود في تدليس الوليد بن مُسلم ومُناقشة الأنصاري عليه في كتابه الموسوم بالقول النفيس في براءة الوليد بن مُسلم مِنْ التدليس (2/92) .
    وهذه الدراسةُ تابعةٌ لدراسة قول الهيثم بن خارجة والتي أثبتنا فيها أن الوليد بن مُسلم قد دلس في أحاديثهِ مرةً عَنْ نافع ! ومرةً عَنْ الزُهري ومَرةً عَنْ يحيى بن سعيد الأنصاري ، وهذا لا ينفي كون الوليد له أحاديثاً جياداً عَنُهم إلا أن أحاديث الوليد عن الأوزاعي عن نافع مُتكلمٌ فيها كلامٌ كثير ولهُ عَنْ الزُهري أحاديثاً جياداً إلا أن المقصد مِنْ ذكر هذه الأمثلة إثبات أن الوليد بن مُسلم قد وقع وأن سوى فيما يروي عَنْ الأوزاعي عَنْ شيوخٍ لهُ كنافع والزُهري ويحيى بن سعيد ، وبغض النظر على العلة التي ظهرت لنا في رواية الهيثم بن خارجة إلا أن هذا ثابتٌ على الوليد بن مُسلم وقد دلس في أحاديثهِم ، وقد دلس الوليد في أحاديث غير الأوزاعي وسيأتي .

    قال أبو عبيدة الآجري في سؤالاته (2/186) : (( وسمعت أبا داود يقول : الوليد أفسد حديث الاوزاعي ، أحاديثُ عند الاوزاعي عن رجل عن الزهري ، ورجلٌ عَنْ عطاء ، وعن رجل عن نافع ، جعلها الأوزاعي عن الزهري وعن عطاء وعن نافع )) أهـ .
    وقال أيضاً في سؤالاته (2/186) : (( وسمعت أبا داود يقول : وأدخل الأوزاعي بينهُ وبين الزهري ونافع وعطاء نحواً مِنْ ستين رجلا أسقطها الوليد كلها )) أهـ .
    قُلتُ : وقد جهلهُ الأنصاري في كتابه (2/92) وأعل هذا الإسناد إلي أبي داود بجهالة حال تلميذه ومَنْ عرف عند أهل العلم قاطبةً بمُلازمتهِ لأبي داود ودليلهُ كتاب السؤالات الذي حوى كثيراً مِنْ روايته عن شيخه أبي داود وحكمه وإعلالهُ للأحاديث والرواة وليس ذلك بمُسلمٍ أبداً لهُ .
    والذي يظهر جلياً عندي أنهُ مِنْ تلامذة أبي داود وهو ثقةٌ معروفُ الرواية عند مَنْ له أدنى دراية في هذه الصنعة عن أبي داود وسؤالاتهُ هذا غنيٌ عَنْ التعريف وهو كتابٌ مشهورٌ صنفهُ عَنْ سؤالاته لشيخه أبو داود - رحمه الله - واعلم أن الرجل ثقةً يستغنى عَنْ شهرة كتابه عَنْ توثيقهِ وإن دل كلام السيوطي في تدريب الراوي على ذلك فيقول : ((
    ما الكتاب المشهور الغني بشهرته عن اعتبار الإسناد منا إلى مصنفه كالمسانيد والسنن ، مما لا يحتاج في صحة نسبتها إلى مؤلفها إلى اعتبار إسناد معين ، فإن المصنف منهم إذا روى حديثا ، ووجدت الشرائط فيه مجموعة ، ولم يطلع المحدث المتقن المطلع فيه على علة لم يمتنع الحكم بصحته ، ولو لم ينص عليها أحد من المتقدمين )) أهـ .
    وشهرةُ الكتابِ لا يُحتاجُ بها لمعرفة أبي عبيدة الآجري ، وإنما وقعت الجهالة مِنْ قلة المصادر التي قد ترجمت لهُ ، وقد ترجم لهُ الإمام المزي والحافظ الذهبي في كُتبهم ويرجعُ ذلك لأن الرجل معروفُ الرواية عن أبي داود - رضي الله عنهما - وان كان لم يرق لدرجة الحُفاظ والمعروفين فإن هذا لا ينفي قبول ما ينقله عن أبي داود ، وقد رأيت الكثير من مشيختنا وعلمائنا يعتدُ كثيرا بالأقوال المحفوظة التي رواها الآجري عن أبي داود في كتابه السؤالات .
    وكونهُ مِنْ أهل الصدقِ حملُ الناس والأعلام روايته عن أبي داود في السؤالات وتلقيهم لها بالاعتبار والاحتجاج في الرجال والعلل ، ومثل هذا لا يمكن أن ينكرهُ أحدٌ وإلا لزم مَنْ قال بأن جهالة حاله لازمة لرد ما يرويه عن أبي داود اسقاط الكتابِ بالكلية ! وهذا مردودٌ جملةً وتفصيلاً لأن الصريح في الأمر أننا نقبل ما يرويه الآجري عنهُ وهو ثابتٌ بالتلقي .
    وانظر لابن أبي مسرة، لو تأملت مروياته لعلمت أنه من كبار محدثي مكة، ولكن ترجمته عزيزة ولم يكد يوثقه أحد صراحة إلا ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل وكانت عبارته فيه مقتضبة لا تدل على سعة رواية الرجل ، ولكن تواريخ مكة ليست كثيرة كتواريخ العراقيين فقلة المصادر جعلت التعديل قليل، مع انعدام تصانيف الرجل وما وصلنا إنما رواياته عن مشايخه من المكيين كالحميدي مثلا ، ويحضرني فيما أظن ابن لؤلؤ من الطبقة التي تليه فليس فيه كبير تعديل.
    وحتى لا نحيل إلي المجهول فإنهُ يكفينا معرفة عين الرجل وشهرته بالرواية عن أبي داود لكتابه السؤالات وقبول الأئمة والأعلام لروايته عن أبي داود وإن كان وقع فيها بعض الأخطاء وقد نبه لذلك الشيخ الكريم عبد الرحمن الفقيه في هذا الملتقى العامر ، إلا أن سؤالاته مُتلقى بالقبول وهل التوثيق إلا قبول الرواية والاعتماد عليها وارتضائها في النقل أيها القارئ الكريم ! .

    وإعلم أنهُ ذكر في ترجمة شيخه في جُملة مَنْ روى عنهُ وقال المزي : (( وأبو عبيد محمد ابن علي بن عثمان الآجرّي الحافظ له عنه مسائل مفيدة )) وتبعه على هذا القول الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمهم الله - ، ويرى فضيلة المشرف الشيخ حماد الأنصاري أنه لا يبعد أن تكون له ترجمة في "تاريخ بغداد" إلا أنها لم تصل إلينا في ضمن تراجم أخرى ساقطة منه. انظر موارد الخطيب البغدادي/87. ويستدل على ذلك النقص بأن ابن حجر أورد ابن أبي حاتم في "لسان الميزان" 3/432 ، ورأينا ذهبي العصر يصفهُ بالحافظ في التنكيل (2/674) .
    ويقول الدكتور عبد الله بْن عبد الله الزائد في مُقدمة السؤالات (1/7) : ((
    كثيراً ما يتردد في ثنايا الكتب المطولة النقل عن أبي داود بواسطة تلميذه هذا: أبي عبيد مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ الآجري، أحد علماء القرن الرابع الهجري )) أهـ .
    وقال مُحقق السؤالات (1/39) : (( هو أبو عبيد مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ الآجرّيالبصري صاحب أبي داود السجستاني، أحد علماء القرن الثالث الهجري، والظاهر أن حياته أدركت أوائل القرن الرابع الهجري، ودليل هذا أني وجدت أبا أحمد العسكري1صاحب تصحيفات المحدثين يقول: ثنا أبو عبيد مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عُثْمَانَ الآجري في أكثر من موضع من كتابه المذكور. ومعلوم أن أبا أحمد العسكري ولد سنة 293هـ وتأخرت وفاته إلى سنة 382هـ مما جعلني أقطع بتأخر وفاته إلى ذلك الوقت. وقد أشار الدكتور فؤاد سزكين إلى تأخر وفاته لكنه لم يقم الدليل على ذلك، بل إن عبارته تفيد الاحتمال حيث قال ما نصه: وربما أدركت حياته أوائل القرن الرابع )) أهـ .
    وقال أيضاً : (( لم أوفق في الحصول على عبارة صريحة في تعديل الآجري، إذ لم يترجم له أحد فيما أعلم حتى يذكر ما يفيد ذلك، إلا ما قاله الأئمة كالمزي والذهبي وابن حجر في ذكرهم لتلاميذ أبي داود حيث قالوا: وأبو عبيد الآجري الحافظ، وهذه الكلمة وإن كانت لا تدل على توثيق عند أئمة هذا الشأن فهي رتبة علمية رفيعة قل من يحصل عليها، ولكن إطلاق الحفاظ عليه لقب صاحب أبي داود - رحمه الله -، وهو الإمام الناقد المعتد بقوله ليفيد أن أبا داود قد رضي به في دينه وخلقه، واطمأن إليه لما وجد فيه من أهلية علمية تؤهله لأن يحتل هذه المكانة لديه.
    هذا بالإضافة إلى أن الأئمة اعتدوا بما نقله عن أبي داود وعملوا به على وجه التسليم، وعلى أية حال فمن الصعب أن أجزم بتوثيقه وإن كنت أشم رائحة ذلك
    )) أهـ .
    فالرجلُ معروفُ العين مُتقبلُّ الروايةِ مِنْ الأئمة الأعلامِ ، ووثاقةُ مثلهِ وإن لم يرد فيها نصٌ صريحٌ على ذلك فإنهُ يكفيك أن ارتضاه أبو داود وعرفهُ حقاً وإلا لما رضيَّ أن يكون لهُ هذا المؤلف عنه وكل تلك السؤالات ، وقد ذكر في جُملة تلاميذه وقد وصفهُ الذهبي والمزي بالحافظ في ذكر مَنْ حدث عن ابو داود ، ومثل هذه اللفظة لا ينالها الكثير وإن كانت دلالة على عدم التوثيق المُطلق إلا أنهم قالوا فيه ما رأوهُ صريحاً جلياً في سؤالاتهِ لأبي داود في كتابه المعروف والمشهور .

    [ الفصل الأول ] مُناقشة قول أبي داود - رضي الله عنه - في تدليس الوليد .
    وهذا النصُ صحيحُ السند إلي أبي داود - رحمه الله - وإعلالهُ بهذه العلة الواهية ليس محلاً للنظرِ بل الصحيح أنهُ مقبولٌ مُتلقى بالرضى والاعتماد عليه قديما وحديثاً في سؤالاته لأبي داود ، وقد رأينا الخطيب البغدادي ينقل عنهُ في تاريخ بغداد (2/561) و (10/75) ، وابن عساكر في تاريخ دمشق (22/195) وغيرهم ممن اعتمد قولهُ في سؤالاته لأبي داود في العلل ومعرفة الرجال وهذا إن دل فعلى أن روايته متقبلة ساريةٌ بين الناسِ والعُلماء الأجلاء ، ولو لم يكن مُحقق الكتاب قد وفق إلي ترجمةٍ صريحةٍ بهِ فيكفينا أن الرجل مِنْ عُلماء البصرة أو بغداد ! وإن لم يرد فيه عند الخطيب ولا عند غيره توثيقاً فكَمْ مِنْ ترجمةٍ ذهبت في كُتب الجرح والتعديل والتاريخ وضربنا لك مِنْ ذلك الأمثال فيما تقدم فلا تدَنْدِنَنَّ على الأمرِ أكثر مما ينبغي ! .

    قال أبو عبيدة الآجري في سؤالاته (2/186) : (( وسمعت أبا داود يقول : الوليد أفسد حديث الاوزاعي ، أحاديثُ عند الاوزاعي عن رجل عن الزهري ، ورجلٌ عَنْ عطاء ، وعن رجل عن نافع ، جعلها الأوزاعي عن الزهري وعن عطاء وعن نافع )) أهـ .
    وقد أولهُ الأنصاري بأن حديث الأوزاعي فاسدٌ بالكُلية ! وهذا ليس بصحيح فوقوع التدليس مِنْ الوليد بن مُسلم عن الأوزاعي أو الوليد عن رجل عن الزُهري أو عَنْ رجل عَنْ عطاء أو عن رجل عن نافع لا يلزم إسقاط حديثهُ بالكلية ! وقد ثبت لدينا أن الوليد بن مُسلم قد حدث عن رجل عن نافع في أحاديثَ سنأتي على ذكرها بإذن الله تبارك وتعالى فليس النص فيه عُموم الإسقاط أو الفساد كما وهم الأخ الشيخ في كتابه (2/98) وهذا محلُ نظر لا نقبله منه .
    فليس هذا القول فيه تخبيطٌ وتخليطٌ ففسادُ حديث الاوزاعي في حديثه لا يلزم الكُلية التامة لما رواه الوليد عن الأوزاعي ! ولذلك فإنه لا يلزم أن ابي داود يرى فساد حديث الاوزاعي بالكُلية أبداً يا رعاك الله ، بل أفسد ما يرويه عَنْ الأوزاعي مِنْ أحاديث دلسها ، ولا يجبُ أن يؤول كلام إمام عابدٌ مثل أبي داود بمثل هذا التأويل مِنْ باب سوء الظن وإن كُنت لأرى قولهُ هُنا لا يعني به أبدا إسقاط أحاديث الأوزاعي وفسادها عموماً إنما خُصوصاً ! وقد يُرجع إلي مخافة ابي داود مِنْ أن ينسب التدليس إلي الأوزاعي في رواية الوليد ! ولذلك فإن هذا مُحتملٌ وإلا فلا دليلٌ ولا قرينةٌ على أن ابي داود أراد فساد حديث الاوزاعي بالكُلية كما قال الأخ الأنصاري (2/99 ) .
    قد روى أبو زُرعة عن إسحاق الخطمي عن عمرو بن أبي سلمة : (( قال : قُلت للأوزاعي : يا أبا عمرو نافع أو رجلٌ عن نافع ؟ فقال رجلٌ عَنْ نافع ، فقال عمرو بن شعيب أو رجلٌ عن عمرو بن شعيب فقال : عمرو بن شعيب ، قُلت : الحسن أو رجل عن الحسن ؟ فقال رجل عن الحسن )).
    قُلت : ونفى لأجل هذا سماع الأوزاعي من نافع كُل من أبي زُرعة وابن عبد البر ، وقد ثبت لدينا أن الأوزاعي لم يسمع مِنْ نافع مولى ابن عُمر وقد ثبت ذلك في أكثر مِنْ موطنٍ وعلق الشيخ البرقوي على حديث الوليد عن نافع مُباشرة في الصحيح بما يدفعنا عن ذكرهِ هُنا لأن الأمر لا يسعنا للإطالة وحديثهُ في جُملة المُتكلم فيه ، فكثيرا ما يدخل بينهُ وبين نافع رجلاً أو رجلين وهذا يثبت قول أبي داود ولا يرده بالكلية كما زعم الأنصاري - غفر الله تعالى له - .
    فالنصُ الأول عَنْ أبي داود مقبولٌ ولا يُرد بمثل الإنشاءات المبنية على الفرضيات التي أسس لمبانيها الشيخ الأنصاري في كتابه القول النفيس ، والذي يظهر لي جلياً أن ابي داود لم يخالف أحداً في كلامه ولا عيب فيما نقل عنهُ ، ولا جهالة في الآجري كما زعم ، والصحيح أن الرواية مقبولةٌ مُوافقةً لما وصقهُ به الهيثم بن خارجة ، وإن كان هذا القول يعضد قول الهيثم لأن أبو داود وهو إمامٌ في هذه الصنعة أن يقول مثل هذا وعلى ضعف الرواية المذكورة عن الهيثم فإن هذه تقوي الإثبات الذي عليه أهل العلمِ قاطبةً بتدليس الوليد بن مُسلم .


    [ الفصل الثاني ] الأحاديث التي وقع تدليس الوليد بها عَنْ الأوزاعي عن عطاء .
    [ الحديث الأول ] حديثُ جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - : (( أَهْلَلْنَا مَعَ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ بِالْحَجِّ خَالِصًا , لَا نَخْلِطُهُ بِعُمْرَةٍ .. الحديث )) أهـ .
    وأخرج أبو داود في سُننه (2/155) ، وأبو عُوانة في مُسنده (2/233) ، عَنْ العباس بن الوليد بن مزيد قال أخبرني أبي قال حدثني الاوزاعي قال حدثني من سمع عطاء بن أبي رباح أخبرني جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - بنحوهِ .
    قُلت : ورواية الوليد بن مزيد - ثقة مِنْ أثبات أصحاب الإمام الأوزاعي - قد حدث بها بواسطةٍ عَنْ عطاء بن أبي رباح وهذا يدخل الشك والريبة فيما رواه الوليد بن مُسلم عن الإمام الأوزاعي فيقع لنا احتمال تدليس الوليد بن مُسلم للحديث لأن الوليد بن مزيد أوثقُ مِنْ الوليد بن مُسلم في روايته ع الإمام الأوزاعي فهو يحدث عنهُ مِنْ كتابه وهو صحيح الكتاب كما أسلفنا مِنْ صنيع الوليد بن مُسلم وأبي مسهر والإمام الاوزاعي ذاته والنسائي - رحمهم الله - .
    وحديث الوليد أخرجه ابن ماجة (2/992) مِنْ طريق عبد الرحمن بن ابراهيم الدمشقي ، والطحاوي في مشكل الآثار مِنْ طريق مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَيْمُونٍ ، والطبراني (2/127) مِنْ طريق صفوان بن صالح ، وابن عروبة في جزءٍ لهُ ح61 مِنْ رواية عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار ، أربعتهم (( عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي ، محمد بن عبد الله بن ميمون ، صفوان بن صالح ، عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار )) عَنْ الوليد بن مسلم عن الإمام الأوزاعي عَنْ عطاء بن أبي رياح - رحمهم الله - بنحوه .
    1- عبد الرحمن بن إبراهيم الدمشقي " دحيم " حدث به عن الوليد بن مُسلم عَنْ الأوزاعي عَنْ عطاء مُعنعناً بنحوهِ ودحيم (( ثقة مأمون )) مِنْ الحُفاظ الأثبات في دمشق .
    2- محمد بن عبد الله بن ميمون عَنْ الوليد بن مُسلم مُعنعنا قال فيه ابن أبي حاتم (( كتبت عنه في الإسكندرية وهو صدوقٌ ثقة )) .
    3- وصفوان بن صالح بن دينار عَنْ الوليد مُعنعناً عَنْ الأوزاعي عَنْ عطاء ذكره الحافظ ابن عساكر في كتابه التاريخ ولم يذكر فيه جرحاً ولا تعديلاً ، وترجم لهُ الحافظ المزي في التهذيب قال فيه الإمام أبو حاتم (( صدوق )) ، وأبي داود (( حجة )) وهو على الأرجح صدوق .
    4- عمرو بن عثمان بن سعيد بن كثير بن دينار (( صدوق )) .
    قُلت والبلوى ليست مِنْ هؤلاء إنما مِنْ الوليد بن مُسلم الذي رواهُ مُعنعناً عَنْ الأوزاعيِ رحمه الله تعالى وليس الأصل فيمن يروي عنهُ بل فيما يرويه هُو - رحمه الله - وقد خالفه الوليد بن مزيد وقد أخرجه الإمام البخاري - رحمه الله - مُختصراً والذي يظهر أن صنيع البُخاري في إخارجه للوليد بن مسلم عن الأوزاعي عَنْ عطاء وقد ذكر الإمام البخاري أن الحديث مرويٌ مِن طريق ابن عباس وأنس بن مالك - رضي الله عنهما - أخرج البخاري في الصحيح (2/132) : (( حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُوسَى، أَخْبَرَنَا الوَلِيدُ، حَدَّثَنَا الأَوْزَاعِيُّ، سَمِعَ عَطَاءً، يُحَدِّثُ عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا «أَنَّ إِهْلاَلَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ ذِي [ص:133] الحُلَيْفَةِ حِينَ اسْتَوَتْ بِهِ رَاحِلَتُهُ» رَوَاهُ أَنَسٌ، وَابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ )) أهـ ، وروايته هُنا مُختصرةٌ عن الإمام الأوزاعي وهذا لا ينفي وقوع التدليس عن الوليد بن مُسلم لأن الوليد بن مزيد رواهُ بنحو حديث الأوزاعي عند ابن ماجة والطبراني وابن عروبة ، فروايتهُ محل نظر لما رواه الوليد بن مزيد مُقدماً .
    5- ورواه علي بن سهل الرملي عن الوليد بن مُسلم عند أبو عوانة في المُسند (2/334) وعلي بن سهل الرملي (( صدوق )) وهذه الروايات عن الأوزاعي - رحمه الله - دُون ذكر واسطةٍ بينهُ وبين عطاء بن أبي رباح وقد رواهُ الوليد بن مُسلم ! ، وخالفهم الوليد بن مزيد مِنْ كتابه وحدث به عن عطاء وبين الأوزاعي وبين عطاء واسطةُ من سمع مِنْ عطاء ويرجح أنه إسماعيل بن مسلم المكي وهو (( ضعيفٌ )) وقد وقع الإختلاف على الإمام الأوزاعي مِنْ هذا الباب .
    وهذه الروايات كُلها تدل على وقوع الإختلاف على الإمام الأوزاعي - رحمه الله تعالى - فرواهُ مَنْ ذكرناهم فأكثرهم معروفٌ بصدقهِ ! وأما ما رواه إبراهيم بن موسى عن الأوزاعي عن عطاء بروايته عن الإمام الوليد بن مسلم فيكفي ان الإمام البخاري أشار إلي أن الحديث مَرويٌ بنحو ما أخرجه هو في الصحيح من طريق ابن عباس وأنس بن مالك فهذا إن دل على شيءٍ فإن الإمام البخاري احتاط مِنْ تدليس الوليد مُسلم بأن أورد لما أخرجه شاهداً مِنْ رواية الصحابيين الجليلين ابن عباس وأنس - رضي الله عنهم - وهذا لا يُقوي أبدا حجة الأنصاري في نفي التدليس عن الوليد بن مسلم لأن الوليد بن مزيد قد حدث به فأدخل واسطةً وهو من سمع عطاء بن أبي رباح.
    1- قال الأنصاري (2/129) لو عرف الإمام البخاري أن فيها تدليس ما أخرجها في الصحيح ، قُلنا وماذا تُسمي اتباعها بإشارة إلي أن الرواية التي أخرجها رواها ابن عباس وأنس - رضي الله عنهما - وهذا إن دل على شيءٍ فعلى حرص البخاري على أن يكون لحديث الوليد بن مُسلم شاهدٌ الذي أخرجهُ بالصحيح مِنْ طريقه فيأمن بذلك وقوع التدليس منهُ والحديث في الصحيح عنه صحيحٌ مُختصراً عن الإمام الأوزاعي وأما حديثهُ عند ابن ماجة فطويلٌ مِنْ هذا الباب وفيه أن الوليد قد حدث به بإدخال واسطة وهي مُرج
    حةٌ على رواية الوليد عن الأوزاعي خارج الصحيح .
    والله أعلم.

    [ الحديث الثاني ] حديث : " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه " .
    جاء عن عطاء بن أبي رباح - رحمه الله - على وجهين والمُراد إثبات أن الوليد بن مُسلم قد وقع في هذا الحديث بالتدليس وسوى ! ودليلهُ أن هذا الحديث جاء مِنْ الوجه الأول مِنْ طريق عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس والوجه الثاني وهي رواية الوليد بن مُسلم - رحمه الله - كالتالي :
    عطاء بن أبي رباح ، عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس ، ورواهُ عَنْ عطاء الإمام الأوزاعي - رحمه الله - وإختلف عليهِ في الرواية على عدة وجوه :
    [1] رواهُ الوليد بن مُسلم عن الأوزاعي عن عطاء عن ابن عباس فأسقط فيه عبيد بن عمير .
    ورواهُ عن الوليد بن مُسلم - رحمه الله - كُلٌ مِنْ :
    (1) مُحمد بن المُصفى
    أخرجه ابن ماجه في السنن ( 2045 ) ، والطبراني في معجمه الأوسط ( 8 / 161 رقم 8273 ) ، و العقيلي في الضعفاء ( 4 / 1298 ) ، والبيهقي في السنن الكبرى ( 7 / 356 ) ، وابن عدي في الكامل ( 2 / 346 ) ، وأبو القاسم الفضل بن جعفر التميمي في فوائده ، وابن أبي عاصم – كما ذكر ذلك السخاوي في المقاصد ( 239 ) – ومن طريق ابن أبي عاصم الضياء المقدسي في المختارة ( 11 / 200 رقم 190 ) من طرق عن محمد بن المصفَّى . به ، بألفاظ مختلفة .
    قال البُويصيري في مِصباح الزُجاجة (2/130) : (( هذا إسنادٌ صحيح ، إنْ سَلِمَ من الانقطاع ؛ والظاهر : أنه منقطع ... وليس ببعيد أن يكون السقط من صنعة الوليد بن مسلم ، فإنه كان يدلس تدليس التسوية )) أهـ ، وقال السخاوي في المقاصد (( رجاله ثقات )) . والله أعلم .
    قُلت : إلا أن بشر بن أبي بكر أثبت في روايته عن الإمام الأوزاعي - رحمه الله - عبيد بن عُمير الذي سبق وأن أشرنا إلي كون الوليد بن مُسلم قد أسقطهُ وهو احتمالٌ واردٌ بشكلٍ كبيرٍ جداً ، قال فيه الحافظ ابن حجر العسقلاني : ((
    ورجاله ثقات ، إلا أنه أعل بعلةٍ غير قادحة ، فإنه من رواية الوليد ، عن الأوزاعي ، عن عطاء ، عنه . وقد رواه بشر بن بكر ، عن الأوزاعي ، فزاد : ( عبيد بن عمير ) بين عطاء وابن عباس ... وهو حديث جليل )) أهـ .
    ورواية بشر بن بكرٍ في الصحيح لابن حبان - رحمه الله - (16/202) : (( أَخْبَرَنَا وَصِيفُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَافِظُ بِأَنْطَاكِيَةَ حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ عَنِ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ1 عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عليه" )) أهـ فلو تأملت الإسناد لرأيت أن بشر بن بكر يثبت فيه عبيد بن عمير والأصل - عمر - كما في صحيح ابن حبان فقد تحرف مِنْ الأصل ، إلا أن الوليد بن مُسلم في روايته عن الإمام الأوزاعي قد أسقط منها عبيد ! وهذا يثبت وقوعه بهِ .
    قال الإمام الألباني في الإرواء (1/123) : (( المعروف ما ذكره ابن ماجه .... فظاهر إسناده الصحة ، لأن رجاله كلهم ثقات ، وقد اغتر بظاهره صاحب ( التاج الجامع للأصول الخمسة ) فقال ( 1 / 25 ) : ( سنده صحيح ) ، وخفيت عليه علته ، وهي الانقطاع بين عطاء وابن عباس )) أهـ .

    (2) محمد بن إبراهيم الزبيدي عند ابن عدي (2/346) بهِ .
    (3) محمد بن عبد الله بن ميمون عند ابن عدي (2/347) بهِ .
    [2] مَنْ رواهُ عَنْ الأوزاعي مُثبتاً لعبيد بن عمير في روايته عن عطاء بن أبي رباح 3 نفرٍ كما ثبت لدينا مِنْ قراءة بعض تخريجات الأخوة - وفقهم الله - للحديث فقد كفونا مؤونة التخريج .
    (1)
    عبد الله بن يزيد الدمشقي ، ذكر ابن عدي في الكامل ( 2 / 346 ) .
    (2)
    بشر بن بكر ، ورواه عن بشر خمسةٌ هم :
    [ أولاً ] أبو يعقوب البويطي يوسف بن يحيى ، وهذا حديثه عند ابن عدي في الكامل في ضعفاء الرجال (2/347) وقال عقبهُ : (( ابن أخت غزال : " عما حدث به أنفسها ، وما استكرهوا عليه " قال : يعني البويطي : وحدثني به مرةً أخرى ، فقال : عن عطاء ، عن عبيد بن عمير ، عن ابن عباس ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – يعني بمثله)) أهـ .

    [ ثانياً ] حسين بن أبي معاوية البزاز ، حسين أبو علي الصائغ كلاهما عن بشر بن بكر عَنْ الإمام الاوزاعي عَنْ عطاء عن عبيد بن عمر عَنْ عباس أخرجه ابن عدي في الكامل ( 2 / 347 ) بهِ كما هو عن بشر بن أبي بكر آنف الذكر في تخرج رواية الوليد بن مسلم .
    [ ثالثاً ] بحر بن نصر بن سابق الخولاني ، أخرجه الحاكم في المستدرك ( 2 / 560 رقم 2855 ) والبيهقي بهِ وعقب الإمام البيهقي قائلاً : (( كذا قال في أحد الموضعين – يقصد أبو عبد الله الحافظ الذي رواه عنه البيهقي – عن أبي العباس ، عن بحر ، وقد مضى ذلك عن أبي عبد الله السوسي وغيره ، عن أبي العباس عن الربيع ، وهو أشهر . ورواه جماعة من المصريين وغيرهم عن الربيع ، وبه يعرف ؛ وتابعه على ذلك البويطي ، والحسين بن أبي معاوية )) أهـ .
    [ رابعاً ] الربيع بن سليمان المرادي ، أخرجه الطبراني في المعجم الصغير ( 1 / 282 رقم 752 ط الحوت وَ 1 / 270 ط العظيم آبادي ) ، ومن طريقه ابن عساكر في تاريخ دمشق ( 50 / 261 ) ، وابن حبان في صحيحه ( 16 / 202 ترتيبه ) ( 5 / 44 رقم 1498 موارد ) ، والدارقطني في سننه ( 4 / 170 ) وفي الأفراد – كما في الأطراف لابن طاهر المقدسي ( 3 / 220 رقم 2479 ) – ، والطحاوي في شرح معاني الآثار ( 3 / 95 ) ، والبيهقي في السنن الكبرى ( 7 / 356 ) وَ ( 10 / 60 ) ، وفي معرفة السنن والآثار ( 5 / 495 ) ، وابن حزم في المحلَّى ( 9 / 466 ط البنداري ) ( 11 / 8 ط البنداري ) وَ في الإحكام ( 5 / 138 دار الجيل ) ، وابن عدي في الكامل ( 2 / 347 ) ، والضياء المقدسي في المختارة ( 11 / 182 وما بعدها ) ، والصيداوي في معجم شيوخه ( 361 ) ، وابن المنذر في الإقناع ( 2 / 584 ) ، والمخلص في الفوائد المنتقاة ( 1 / ق56 / ب ) ، وأبو بكر الأصيلي في فوائده – كما ذكر ذلك ابن القطان في بيان الوهم والإيهام ( 2 / 346 ) – من طرق عن الربيع بن سليمان المرادي ، عن بشر بن بكر . به ، بلفظ : " إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ ، والنسيان ، وما استكرهوا عليه " .
    قال الإمام الطبري : (( لم يروه عن الأوزاعي إلا بشر بن بكر ، تفرد به الربيع بن سليمان )) .
    وقال الدارقطني : (( غريب من حديث الأوزاعي ، عن عطاء ؛ تفرد به : بشر بن بكر ، ولم يحدث به عنه غير الربيع بن سليمان ، وأبي يعقوب البويطي الفقيه )) أهـ .

    قال البيهقي في السنن الكبرى ( 7 / 356 ) : (( جود إسناده بشر بن بكر ، وهو من الثقات . ورواه الوليد بن مسلم ، عن الأوزاعي ،فلم يذكر في إسناده عبيد بن عمير )) أهـ.
    وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (2/361) : (( وهذا إسنادٌ صحيحٌ في ظاهر الأمر ، ورواته كلهم محتجٌ بهم في الصحيحين ، وقد خرَّجه الحاكم ، وقال : صحيحٌ على شرطهما . كذا قال ؛ ولكن له علَّة . وقد أنكره الإمام أحمد جداً ، وقال : ليس يروى فيه إلا عن الحسن ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – مرسلاً ... وذكر لأبي حاتم الرازي حديث الأوزاعي ، وحديث مالك ؛ وقيل له : إنَّ الوليد روى – أيضاً – عن ابن لهيعة ، عن موسى بن وردان ، عن عقبة بن عامر ، عن النبي – صلى الله عليه وسلم – مثله . فقال أبو حاتم : هذه أحاديث منكرة ، كأنها موضوعة . وقال : لم يسمع الأوزاعي هذا الحديث من عطاء ، وإنما سمعه من رجلٍ لم يسمه ، أتوهم أنه : عبد الله بن عامر ، أو إسماعيل بن مسلم . قال : ولا يصح هذا الحديث ، ولا يثبت إسناده )) .

    قُلت : والحديث صحيحٌ بلا شكٍ ولا ريب في هذا . والله أعلم .
    [ تنبيه ] استفدنا مِنْ تخريج أخينا عبد الله المزروع .

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ

    [ الحديث الثالث ] أنهُ صلى الله عليه وسلم قال : (( مَنْ صَامَ الْأَبَدَ، فَلَا صَامَ وَلَا أَفْطَرَ )) .
    أخرجه النَّسائي 4/205 قال: أخبرنا العباس بن الوليد , قال: حدثنا أبي، وعقبة. وفي 4/206 قال: أخبرنا إسماعيل بن يعقوب , قال: حدثنا محمد بن موسى , قال: حدثنا أبي. ثلاثتهم (الوليد بن مزيد، وعقبة بن علقمة، وموسى بن أعين) عن الأوزاعي. قال: حدثني عطاء. قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ سَمِعَ ابْنَ عُمَرَ , فذكره.
    وقد يُشكلٌ أحدٌ في أن الوليد بن مُسلمٍ أوثقُ مِنْ الوليد بن مزيد في روايته عن الإمام الأوزاعي - رحمه الله - مُعللاً بأن الوليد بن مُسلم أوثقُ مِنْ الوليد بن مزيد في الإمام الأوزاعي وهذا لا يستقيم وقد رجح ذلك الشيخ الكريم الأنصاري في كتابه " القول النفيس في براءة الوليد بن مسلم من التدليس " واستدل أن الوليد مقدمٌ في الإمام الأوزاعي بما قيدهُ في الباب الأول مِنْ التوثيق للإمام الوليد بن مُسلم - رحمه الله - في الإمام الأوزاعي ، وهذا الزعمُ ضعيفٌ جداً .
    قال النسائي في السير (9/420) : (( وَقَالَ النَّسَائِيُّ: الوَلِيْدُ بنُ مَزْيَدٍ أَحَبُّ إِلَيْنَا فِي الأَوْزَاعِيِّ مِنَ الوَلِيْدِ بن مُسْلِمٍ، لاَ يُخْطِئُ، وَلاَ يُدَلِّسُ )) أهـ .
    وقال أبو حاتم الرازي الجرح والتعديل (9/18) : (( قَالَ الأَوْزَاعِيُّ: عَلَيْكُم بِكُتُبِ الوَلِيْدِ بنِ مَزْيَدٍ، فَإِنَّهَا صَحِيْحَةٌ )) قُلت : وكتابه الوليد بن مزيد عَنْ الاوزاعي أصحُ وهذا مما يثبت أن رواية الوليد بن مزيد مِنْ كتابه عن الأوزاعي أوضح قرينة على وقوع الوليد بن مسلم في التدليس لحديثهِ آنف الذكر .
    قال المزي في التهذيب (31/84) : (( وَقَال العباس بْن الوليد بْن مزيد: سمعت أَبَا مسهر يَقُول: لقد حرصت على علم الأَوزاعِيّ حَتَّى كتبت عَنْ إِسْمَاعِيل بْن سماعة ثلاثة عشر كتابا حَتَّى لقيت أباك فوجدت عنده علما لم يكن عند القوم وَقَال العباس أيضا: قال لي يُوسُف بْن السفر سمعت الأَوزاعِيّ يَقُول: مَا عرض علي كتاب أصح من كتب الْوَلِيد بْن مزيد )) أهـ .
    وقال المزي عن العباس أيضاً : (( سمعت أبا مسهر يَقُولُ: كَانَ الأَوزاعِيّ يَقُول: مَا عرضت فيما حمل عني أصح من كتب الْوَلِيد بْن مزيد )) أهـ .
    وهذا الوليد بن مسلم نفسه يشهد على أن رواية الوليد بن مزيد صحيحة عن الإمام الأوزاعي إذا إختلف فقال في التهذيب (31/84) : (( وَقَال أيضا: سمعت صَالِح بْن يَزِيد شيخا لنا، قال: قلت للوليد بْن مسلم: إلى من أختلف؟ قال: عليك بالوليد بْن مزيد، فإني سمعت الأَوزاعِيّ يَقُول: كتب الْوَلِيد بْن مزيد صحيحة )) قُلت : وهذه قرينة على أن الوليد بن مسلم أسقط رواية بن عامر عن الأوزاعي والتي هي في كتاب الوليد بن مزيد عنهُ ، وهي دلالةٌ واضحةٌ على أن الوليد بن مسلم قد دلسه عن الاوزاعي بإسقاط عبد الله بن عامر ! ، وفي التهذيب قول ابي بشر الدولابي في أن الوليد بن مزيد إنما كان يحدث عن الأوزاعي من كتابه فقال : ((عن معاوية بْن صَالِح: الْوَلِيد بْن مزيد قال أَبُو مسهر: كَانَ ثقة لم يكن يحفظ، وكانت كتبه صحيحة )) . أهـ .
    قُلت : وهذه الأدلة مِنْ الأدلة البينات في الردِ على مَنْ زعم أن الوليد بن مُسلم أوثقُ أصحاب الإمام الأوزاعي ! ومُقدمٌ على رواية الوليد بن مزيد إذ أن القرائنَ في الحديثين اللذان ذكرنا سابقاً في الباب الثاني أن الوليد بن مزيد كان يخالفُ الوليد بن مسلم في روايتهُ فيحدث عن الأوزاعي عن الإمام نافع برواية الواسطة ! إلا أن الوليد بن مُسلم كان يُسقطها ، وحاول الأنصاري الذب عن هذه المرويات إلا أنهُ لم يكن موفقاً - والله المُستعان - في تعقبهِ لأن الوليد كما قال الإمام الدارقطني - رحمه الله - وأعني بذلك بن مزيد : (( كَانَ ( يَعْنِي : ابْنَ مَزْيَدٍ ) مِنْ ثِقَـاتِ أَصْحَابِ الأَوْزَاعِيِّ )) واعلم أن وسمهُ بالخطأ والوهم مِنْ الأئمةِ قرينةٌ على أن الوليد بن مزيد مقدمٌ في أصحاب الإمام الأوزاعي لأن الوليد كان لديه كتابٌ صحيحٌ سماعهُ فيه من الإمام الأوزاعي وقد قدمهُ الإمام والوليد عند الإختلاف على أصحاب الإمام الأوزاعي في الحديث .
    وهذه فائدةٌ جليلةٌ في حديث الاوزاعي عن الإمام يحيى بن أبي كثير والذي سبق وأن أخرجنا روايتهُ في الحديث الثاني الذي ثبت فيه تدليس الوليد بن مُسلم عن الإمام الأوزاعي - رحمه الله تعالى - عَنْ نافع والذي يَزيدُ ما ذهبنا إليه مِنْ كون الوليد بن مُسلم قد دلس الحديث الثاني لا الإمام يحيى بن أبي كثير اليمامي قال ابو حاتم في الجرح والتعديل (9/61) : ((
    سَأَلْتُ أَبَا زُرْعَةَ قُلْتُ : فِي حَدِيثِ يَحْيَى ابْنِ أَبِي كَثِيرٍ ؛ مَنْ أَحَبُّهُمْ إِلَيْكَ: هِشَامٌ , أَوِ الأَوْزَاعِيُّ ؟ , قَالَ : هِشَامٌ أَحَبُّ إِلَيَّ ؛ لأَنَّ الأَوْزَاعِيَّ ذَهَبَتْ كُتُبُهُ )) وهذا مما يركن إليهِ في مسألة حديث الوليد بن مسلم والوليد بن مزيد أيهما يقدمُ في روايته عن الإمام الأوزاعي - رحمه الله - في الرواية . والله أعلم .
    وقد تابع الوليد بن مزيد على روايته في ذكر الواسطة كُلٌ مِنْ :
    [1] عقبة بن علقمة البيروتي عند النسائي .
    [2] موسى بن أعين الجزري ، النسائي (2/125) .
    [3] يحيى بن حمزة الدمشقي ،
    النسائي (2/125) .
    [4] بشر بن بكر ، الطبري في تهذيب الآثار (475) .
    خالفهم الوليد بن مُسلم عَنْ الأوزاعي عَنْ عطاء عن عبد الله بن عمر هكذا دُون ذكره للواسطة بين عطاء وعبد الله بن عمر وهذا ما يثبت أن روايته حصل بها تدليس .
    أخرجه النَّسائي 4/205، قال: أخبرني حاجب بن سليمان , قال: حدثنا الحارث بن عطية. وفي 4/205 قال: حدثنا عيسى بن مساور، عن الوليد (ح) وأنبأنا محمد بن عبد الله , قال: حدثني الوليد.كلاهما (الحارث بن عطية، والوليد بن مسلم) قالا: حدثنا الأوزاعي، عن عطاء بن أبي رباح، فذكره ، وقد أخرجهُ ابن حبان في الصحيح (8/347) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو .
    (1) وقد تابع الوليد بن مُسلم عليها الحارث بن عطية .
    أخرجها
    النسائي في السنن الكبرى (2/125) ، والمُجتبى (4/205) عَنْ الحاجب بن سليمان عن الحارث بن عطية عن الإمام الاوزاعي عن عطاء بهِ دُون ذكر الواسطة .
    قُلت : والحارث بن عطية البصري (( ثقةٌ )) وثقه ابن معين وذكره ابن حبان في ثقاته وقال : ((
    كَانَ من أصدقاء مخلد بْن الحسين ربما أخطأ )) أهـ ، ورواية الوليد بن مزيد ومَنْ تابعه أصحُ مِنْ رواية الوليد بن مُسلم والحارث بن عطية ! فالجمع عن الأوزاعي أرجح وأثبت مِنْ رواية الإثنين والحارث لم يوثقه إلا ابن معين وذكر ابن حبان لهُ ليس توثيقاً مُطلقاً ، والوليد بن مُسلم مُدلس وخالف رواية أثبت أصحاب الأوزاعي الوليد بن مزيد وهي أرجع مع جمع الثقات الذين تابعوه .
    (2) وتابع الوليد بن مُسلم محمد بن مصعب القرقساني .
    أخرجه الإمام أحمد في المُسند (2/198) والطبري في تهذيب الآثار .
    قُلت : قُلت ولا يعتد بمثلها للوليد بن مسلم قال ابن حبان في المجروحين : ((
    يروي عن الأوزاعي ، روى عنه العراقيون ، وأهل الشام ، كان ممن ساء حفظه حتى كان يقلب الأسانيد ، ويرفع المراسيل ، لا يجوز الاحتجاج به إذا انفرد ، فأما فيما وافق الثقات ، فإن احتج به محتج ، وفيما لم يخالف الأثبات إن اعتبر به معتبر ، لم أر بذلك بأسا )) فليست بالمُتابعة التي يعول عليها لأثبات أن الوليد بن مُسلم لم يدلس الحديث وقد رواها عن بن مزيد من هو أوثق من القرقساني ومِنْ الحارث بن عطية عَنْ الإمام الأوزاعي - رحمه الله - بذكر الواسطة .
    (3) وتابع الوليد بن مسلم رواد بن الجراح عن الأوزاعي .
    أخرجه البزار في المُسند (6/382) والطبراني في المعجم الكبير (12/445) ، وابن عساكر في التاريخ (24/453) كُلهم مِنْ طريق رواد بن الجراح عن الأوزاعي عَنْ عطاء عن عبد الله دُون ذكره للواسطة كما رواية الوليد بن مُسلم - رحمه الله - آنفة الذكر .
    قُلت : وهذه مُتابعة لا يعول عليها فرواد بن الجراح (( ضعيفٌ )) قال ابن عدي : ((
    عامة ما يرويه لا يتابعه الناس عليه، وكان شيخا صالحا، وفي حديث الصالحين بعض النكرة، إلا أنه يكتب حديثه )) وقال العقيلي (( حدث بمناكير )) ، وقال أبو حاتم الرازي : (( مضطرب الحديث تغير حفظه في آخر عمره وكان محله الصدق )) ، وقال ابن حبان : (( يخطئ ويخالف )) ، وقال الحاكم : (( تغير بآخرة، فحدث بأحاديث لم يتابع عليها )) ، وقال النسائي : (( ليس بالقوي، روي غير حديث منكر، وكان قد اختلط )) ، وقال الحافظ : (( صدوق اختلط بأخرة فترك، وفي حديثه عن الثوري ضعف شديد )) وقد تركه الإمام الدارقطني - رحمه الله - وقال البخاري : (( اختلط لا يكاد يقوم حديث )) فكيف يعول على مثل هذه المُتابعة للوليد بن مٌسلم عن الاوزاعي وصاحبها ضعيف الحديث ! .
    (4) وتابع الوليد بن مُسلم محمد بن كثير المصيصي عن الأوزاعي .
    أخرجه ابو نعيم في الحلية (3/320) ، قال حدثنا محمد بن أحمد بن علي ثنا محمد بن يوسف بن الطباع ، ثنا محمد بن كثير - المصيصي - ثنا الأوزاعي عن عطاء به .
    قُلت : وهذه المُتابعة لا يعتد بها ! فمحمد بن كثير المصيصي مُتكلمٌ فيهِ قال أبو أحمد الحاكم عنه كما نقل المزي : (( ليس بالقوي عندهم )) ، وقال ابن عدي : (( له روايات عن معمر والأوزاعي خاصة أحاديث عداد مما لا يتابعه أحد عليه )) ، وقال ابن حبان : (( يخطئ ويغرب )) ، وقال أبو داود السجستاني : (( لم يكن يفهم الحديث )) ، وقال الإمام أحمد : (( منكر الحديث يروي أشياء منكرة ومرة: لم يكن عندي ثقة ومرة: ليس بشيء يحدث بأحاديث مناكير ليس لها أصل، ومرة عن البخاري ضعفه أحمد )) ، وقال النسائي (( ليس بالقوي كثير الخطأ )) ، وبه فإن المُتابعة هذه لا يعتد بها لنفي التدليس عن الوليد بن مُسلم خاصةُ وقد رواها مَنْ هو أوثق أصحاب الأوزاعي وذكر فيها الواسطة وقد دلسها الوليد بن مُسلم وتبعوهُ بذلك الأربعة الذين ذكرنا .
    قد يعل البعضُ أن هذا لم يسوه الوليد بن مُسلم وهذا ليس في محله إذ لو كانت الرواية عند الوليد بن مزيد أحد ثقات اصحاب الأوزاعي عَنْ مجهولٍ وقد أثبتها [4] أنفسٍ مِنْ بعدهِ ثُم أتى الوليد بن مُسلم وأسقطها ! وقد حدث بها أربعةٌ وتابعوه عليها وحديثهم لا يعول عليه لما فيهم من الضعف والإختلاط فلا يأمننَّ أحدٌ تدليسهُ هُنا ، وكُلٌ مِنْا يعلم أن الوليد بن مُسلم مدلس تدليس تسوية ولابد أن يصرح في جميع طبقات الإسناد بالسماع ولم يفعل ، وقد أخرجه البخاري من غير طريق الوليد بن مُسلم في الصحيح عَنْ عطاء - واسع الرواية - وهي الأصح ، وبه يتضح أن الوليد قد أسقط الواسطة بين عطاء وبين عبد الله بن عمر ! فإن قياس قول الأئمة أنه ينبل الأوزاعي في أن يروي عن الضعفاء فليس التدليس مشروطا برواية الوليد فقط عن الأوزاعي بل قد يسقط المُدلس مَنْ روى عنه شيخ شيخه ! وهذا مُحتملٌ ولا نعلمُ احداً نفاه على قصور ما نعلم ونسأل الله تعالى التوفيق والسداد . هذا والله أعلى وأعلم .


    [ كَلمة لابد منها ] حَول ما قاله أبي داود - رحمه الله - في الوليد بن مُسلم .
    [1] لإثبات أن أبي داود - رحمه الله - أثبت التدليس على الوليد بن مُسلم لزم منا إثبات أن الوليد بن مُسلم دلس في أحاديث الأوزاعي عن عطاء بن أبي رباح ! وقد غضضت البصر عن كثير من الأحاديث عنه عن الأوزاعي عن عطاء بُغية الاختصار ، ولا أنكر أن لهُ أحاديثاً عَنْ الأوزاعي عن عطاء صحيحةٌ فمنها ما أخرجه البخاري وقد صرح الوليد فيه بالسماع ! وجاء مُتابعٌ للوليد بن مُسلم خارج الصحيح عن الأوزاعي ! إلا أن البُغية التي نرومها هي إثبات أن الوليد بن مُسلم قد دلس في أحاديثه عَنْ الإمام الأوزاعي عن عطاء وتبرأة ابي داود السجستاني مِنْ ما رماهُ به الأنصاري مِنْ أن قولهُ لم يكن في محله واتهامه ساقطٌ - والله المستعان - وإن لم يكن قالها صراحة .
    [2] وقد أثبتنا أن الوليد بن مُسلم قد دلس في أحاديث عن نافع ! ولهُ أحاديثاً عَنْ رجل عَنْ نافع عَنْ رجلين عَنْ نافع كذلك وثبت فيها تدليسهُ عندنا فيما سيأتي إن شاء الله تبارك وتعالى ، وثبت أنه قد دلس عن الإمام الزهري أحاديثاً وكونهُ قد دلس في بعض الأحاديث وصرح في أخرى ليست بنفس ما روى مِنْ الحديث المدلس لا يعني اسقاط العدالة مُطلقاً لأن هذا يلزم الحط من حديث الوليد بالكُلية وهذا لم نقلهُ في بداية التحقيق بل قُلنا أن التدليس يقدح في الرواية التي دلس بها ، وأن الجرح به نسبيٌ فإن أكثر مِنْ التدليس حتى فحش تدليسه فجاء بالمناكير والعجائب كان جرحاً للعدالة وأما التدليس هُنا فهو جرحٌ للرواية نفسها لا للراوي مِنْ حيث العدالة .
    وقد ثبت لنا أنه دلس في غير الإمام الأوزاعي ولم يكن تدليسهُ فقط مرهونٌ بالإمام الأوزاعي وسيأتي هذا لنا في مبحثٍ مُنفردٍ للأحاديث التي دلسها الوليد بن مُسلم عن غير الإمام الأوزاعي وقد رأينا أكثير مِنْ [30] عالمٍ مِنْ العُلماء وإمامٍ مِنْ الأئمة ومُحققٍ عادلٍ قُدوةٍ حافظٍ مُحدثٍ يثبت على الوليد بن مُسلم تُهمة التدليس وحاول الأنصاري في كتابه " القول النفيس " أن ينفيه ! وهذا مما تعجب منه مَنْ هُو في طبقتهِ ومَنْ عرفهُ وقال بعضُ العُلماء أن لديهم إجماعٌ على تدليس الوليد بن مُسلم وهذا ما تحقق لي في سبر أقوال الأئمة في تدليس الوليد .
    ومما يجب التنبه لهُ وهو أن تدليس الوليد بن مُسلم ليس في كُل ما يرويه الأوزاعي عَنْ ( عطاء ، ونافع ، والزهري ) بل إنما يقعُ لهُ في روايته عنه عنهم تدليسٌ للضعفاء وقد أوضحنا ذلك بالأمثلة حين سبرنا بعض مروايته في الكُتب الستة عند أهل العلم ! وقد ثبت لي فيها التدليس للوليد بن مُسلم وليس ذلك هُناك ما ينفي وقوعهُ ! ولا يعني وقوعه اسقاط ما روى بالكُلية .
    [ خُلاصةُ رواية الوليد عن الأوزاعي عن عطاء ] تبين للقارئ أن التدليس قد وقع مِنْ الوليد بن مُسلم عن الأوزاعي عن عطاء والرواياتُ مُخرجة مِنْ كتاب القول النفيس للأنصاري والتي علق عليها بأن لا يوجد فيها تدليس للوليد ولم يثبت لنا ذل كفي أكثر من حديث وذكرنا منه هذه الأحاديث الثلاثة اختصارا للوقت والجهد ، وحتى يتبين أن الأئمة ما قالوا فيه أنه قد دلس عن مثل عطاء هباءاً منثوراً ولا تبعهم بذلك الأئمة المُتأخرين بجهل وتقليد كما وصف أكثرهم وليس ذلك مِنْ الأنصاري بمقبول وغاية ما يقال هُنا أن التدليس قد ثابت ! وهيهات أن ينفيه عاقلٌ وقد ثبت عند مَنْ سبر وأنصف وحقق الحديث أنه قد دلس عن الأوزاعي عن عطاء .


  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ

    [ الفصل الثالث ] الأوزاعي عن نافع بواسطة رجل أو رجلين .
    [ الحديث الأول ] حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا _ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ قَالَ : " الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ، فَأَطْفِئُوهُ بِالمَاءِ " .
    أَخْرَجَهُ أحمد 2/21 (4719) قال: حدّثنا يحيى، عن عُبيد الله. و"البُخَارِي" 4/147 (3264) قال: حدّثنا مسدد، عن يحيى، عن عُبيد الله. وفي 7/167 (5723) قال: حدّثني يحيى بن سليمان، حدّثني ابن وهب. قال: حدّثني مالك. و"مسلم" 7/23 (5802) قال: حدّثنا زير بن حرب , ومحمد بن المثنى. قالا: حدثنا يحيى، وهو ابن سعيد، عن عُبيد الله. وفي (5803) قال: وحدّثنا ابن نُمير، حدّثنا أبي , ومحمد بن بشر (ح) وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا عبد الله بن نمير , ومحمد بن بشر. قالا: حدّثنا عُبيد الله. وفي (5804) قال: وحدثني هارون بن سعيد الأيلي , أخبرنا ابن وهب , حدثني مالك (ح) وحدّثنا محمد بن رافع، حدّثنا ابن أبي فديك، أخبرنا الضحاك، يعني ابن عثمان. و (اابن ماجة) 3472 قال: حدّثنا علي بن محمد حدّثنا عبد الله بن نمير، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر. و"النَّسائي" في "الكبرى" 7564 قال: الحارث بن مسكين , قراءة عليه وأنا أسمع , عن ابن القاسم. قال: حدّثني مالك (ح) وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم. قال: أخبرنا المعتمر , ومحمد بن بشر، عن عُبيد الله.
    ثَلاثتهم (( عبيد الله ، ومالك ، والضحاك )) عن نافع بهِ .
    قُلت : وقد جاء هذا الحديث مِنْ طريق أم المؤمنين عائشة - سلام الله عليها - ، ومِنْ طريق عبد الله بن عباس الهاشمي - رضي الله عنه - وهما شاهدٌ لحديث نافع مولى ابن عُمر عنهُ ، وقُلت سابقاً لا يصح للأوزاعي سماعاً مِنْ نافع مولى ابن عُمر - رضي الله عنهما - وهذا ثابتٌ لدينا بالقرائن إذ لا يصح مِنْ طريقه عن نافع حديثٌ واحدٌ ! وقد ثبت لدينا أن الوليد بن مُسلم قد دلس إسناد الحديث وخالف به أصحاب الأوزاعي كُلهم وقد جاء عنه عن نافع مثله .
    أخرج القزويني في أخبار قزوين (1/300) وَمِمَّا سَمِعَ ( أَيِ : الحَسَنُ بْنُ الحُسَيْنِ ) أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ( يَعْنِي: مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ المعسلِيَّ ) حَدِيثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ البَيْرُوتِيُّ _ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ _ ، [ حَدَّثَنِي أَبِي ] ، حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، بِهِ .
    قُلت : وهذا الإسنادُ مسلسلٌ بالعلل ولا يصح فيه اثبات سماع الأوزاعي مِنْ نافع ! :
    (1) هذا الإسناد مُعلق ، قد علقهُ القزويني في ترجمته له .
    (2) الحسن البزاز لا أعلم أحدا ترجم له سوى القزويني ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلاً .
    (3)
    مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ المعسلِيُّ ، أثنى عليه وليس في ثناء أبو القاسم توثيقاً له .
    (4) عُقْبَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ الْبَيْرُوتِيُّ ، وهو ثقةٌ إلا أن رواية ابنهُ محمد عقبة فيها كلامٌ ، قال ابن حبان في كتابه الثقات (8/500) : (( عقبَة بن عَلْقَمَة الْبَيْرُوتِي يروي عَن الْأَوْزَاعِيّ روى عَنهُ الْعَبَّاس بن الْوَلِيد بن مزِيد وَأهل الشَّام يعْتَبر حَدِيثه من غير رِوَايَة ابْنه مُحَمَّد بن عقبَة عَنهُ لِأَن مُحَمَّدًا كَانَ يدْخل عَلَيْهِ الحَدِيث ويجيب فِيهِ )) ، وقال ابن عدي في كامله (6/491) : ((

    [ الفصل الثالث ] الأوزاعي عن نافع بواسطة رجل أو رجلين .
    [ الحديث الأول ] حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا _ ؛ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ _ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ _ قَالَ : " الحُمَّى مِنْ فَيْحِ جَهَنَّمَ ، فَأَطْفِئُوهُ بِالمَاءِ " .
    أَخْرَجَهُ أحمد 2/21 (4719) قال: حدّثنا يحيى، عن عُبيد الله. و"البُخَارِي" 4/147 (3264) قال: حدّثنا مسدد، عن يحيى، عن عُبيد الله. وفي 7/167 (5723) قال: حدّثني يحيى بن سليمان، حدّثني ابن وهب. قال: حدّثني مالك. و"مسلم" 7/23 (5802) قال: حدّثنا زير بن حرب , ومحمد بن المثنى. قالا: حدثنا يحيى، وهو ابن سعيد، عن عُبيد الله. وفي (5803) قال: وحدّثنا ابن نُمير، حدّثنا أبي , ومحمد بن بشر (ح) وحدّثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدّثنا عبد الله بن نمير , ومحمد بن بشر. قالا: حدّثنا عُبيد الله. وفي (5804) قال: وحدثني هارون بن سعيد الأيلي , أخبرنا ابن وهب , حدثني مالك (ح) وحدّثنا محمد بن رافع، حدّثنا ابن أبي فديك، أخبرنا الضحاك، يعني ابن عثمان. و (اابن ماجة) 3472 قال: حدّثنا علي بن محمد حدّثنا عبد الله بن نمير، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَر. و"النَّسائي" في "الكبرى" 7564 قال: الحارث بن مسكين , قراءة عليه وأنا أسمع , عن ابن القاسم. قال: حدّثني مالك (ح) وأخبرنا إسحاق بن إبراهيم. قال: أخبرنا المعتمر , ومحمد بن بشر، عن عُبيد الله.
    ثَلاثتهم (( عبيد الله ، ومالك ، والضحاك )) عن نافع بهِ .
    قُلت : وقد جاء هذا الحديث مِنْ طريق أم المؤمنين عائشة - سلام الله عليها - ، ومِنْ طريق عبد الله بن عباس الهاشمي - رضي الله عنه - وهما شاهدٌ لحديث نافع مولى ابن عُمر عنهُ ، وقُلت سابقاً لا يصح للأوزاعي سماعاً مِنْ نافع مولى ابن عُمر - رضي الله عنهما - وهذا ثابتٌ لدينا بالقرائن إذ لا يصح مِنْ طريقه عن نافع حديثٌ واحدٌ ! وقد ثبت لدينا أن الوليد بن مُسلم قد دلس إسناد الحديث وخالف به أصحاب الأوزاعي كُلهم وقد جاء عنه عن نافع مثله .
    أخرج القزويني في أخبار قزوين (1/300) وَمِمَّا سَمِعَ ( أَيِ : الحَسَنُ بْنُ الحُسَيْنِ ) أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ( يَعْنِي: مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ المعسلِيَّ ) حَدِيثَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ ، أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ البَيْرُوتِيُّ _ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ _ ، [ حَدَّثَنِي أَبِي ] ، حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ ، أَخْبَرَنِي نَافِعٌ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، بِهِ .
    قُلت : وهذا الإسنادُ مسلسلٌ بالعلل ولا يصح فيه اثبات سماع الأوزاعي مِنْ نافع ! :
    (1) هذا الإسناد مُعلق ، قد علقهُ القزويني في ترجمته له .
    (2) الحسن البزاز لا أعلم أحدا ترجم له سوى القزويني ولم يذكر فيه جرحا ولا تعديلاً .
    (3)
    مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ المعسلِيُّ ، أثنى عليه وليس في ثناء أبو القاسم توثيقاً له .
    (4) عُقْبَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ الْبَيْرُوتِيُّ ، وهو ثقةٌ إلا أن رواية ابنهُ محمد عقبة فيها كلامٌ ، قال ابن حبان في كتابه الثقات (8/500) : (( عقبَة بن عَلْقَمَة الْبَيْرُوتِي يروي عَن الْأَوْزَاعِيّ روى عَنهُ الْعَبَّاس بن الْوَلِيد بن مزِيد وَأهل الشَّام يعْتَبر حَدِيثه من غير رِوَايَة ابْنه مُحَمَّد بن عقبَة عَنهُ لِأَن مُحَمَّدًا كَانَ يدْخل عَلَيْهِ الحَدِيث ويجيب فِيهِ )) ، وقال ابن عدي في كامله (6/491) : (( روى عَن الأَوْزاعِيّ ما لم يوافقه عليه أحد من رواية ابنه مُحَمد بن عقبة وغيره عنه )) وَقَالَ العُقَيْلِيُّ فِي " الضُّعَفَاءِ " (3/354) : (( عُقْبَةُ ابْنُ عَلْقَمَةَ البَيْرُوتِيُّ عَـنِ الأَوْزَاعِيِّ لاَ يُتَابَعُ عَلَيْـهِ )) .
    ومحمد بن عقبة بن علقمة البيروتي لا يحدث عن الأوزاعي مُباشرةً بل بينهُ وبين الأوزاعي واسطة أبيه وهو مَنْ يحدث عن الإمام الاوزاعي ، قال أبو حاتم في الجرح (8/36) : ((
    رَوَى عَنْ أَبِيهِ ، سَمِعَ مِنْهُ أَبِي بِبَيْرُوتَ ، وَكَتَبَ إِلَيَّ بِبَعْضِ حَدِيثِهِ ، وَهُوَ صَدُوقٌ " ، وَكَذَلِكَ فَإِنَّ الرَّافِعِيَّ أَوْرَدَ إِسْنَاداً آخَرَ فِي تَرْجَمَةِ شِيرَزَادَ بْنِ أَحْمَدَ الشَّعِيرِيِّ ذَكَرَ فِيهِ السِّلْسِلَةَ نَفْسَهَا ؛ حَيْثُ قَالَ : " سَمِعَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ عُمَرَ المعسلِيَّ جُزْءاً مِن فَوَائِدِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي حَاتِمٍ بِسَمَاعِ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ مِنْهُ ، وَفِي الجُزْءِ : أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ بْنِ عَلْقَمَةَ البَيْرُوتِيُّ فِيمَا كَتَبَ إِلَيَّ ، حَدَّثَنِي أَبِي ، حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ ، حَدَّثَنِي سَعِيدُ بْنُ المُسَيَّبِ )) أهـ .
    تَابع عقبة بن علقمة البيروتي عباد بن جويرية أخرج حدي
    ثهُ البَزَّارُ فِي " مُسْنَدِهِ " (2/251) ، وهذه المُتابعة لعقبة لن علقمة لا تستقيم ولا تقوم بها حجة لأنها ضعيفة ، فعباد بن جويرية ضعيفُ الحديث قد ضعفهُ جملةٌ مِنْ الأئمة ، قَالَ أَبُو زُرْعَةَ الرَّازِيُّ : " لَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَمَا أَرَى أَنْ يُحَـدَّثَ عَنْهُ " ، وَقَالَ النَّسَائِيُّ : " مَتْرُوكُ الحَدِيثِ " ، وَقَالَ أَبُو دَاوُدَ : " غَيْرُ ثِقَةٍ وَلاَ مَأْمُونٍ " ، وَقَالَ ابْنُ عَدِيٍّ : " وَعَبَّادُ بْنُ جُوَيْرِيَةَ _ هَذَا _ يَتَبَيَّنُ ضَعْفُهُ عَلَى رِوَايَاتِهِ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ وَعَنْ غَيْرِهِ " .
    وخالف عقبة بن علقمة البيروتي عَن الأوزاعي جمعٌ مِنْ أصحابه :
    (1) عِيسَى بْنُ يُونُسَ بْنِ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ (( ثقة مأمون )) وروايته عند البزار في المُسند الزخار (2/228) ، وعيسى بن يونس قال فيه الوليد : (( مَا أُبَالِي مَنْ خَالَفَنِي فِي الأَوْزَاعِيِّ ، مَا خَلاَ عِيسَى بْنَ يُونُسَ ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُ أَخْذَهُ أَخْذاً مُحْكَماً )) إلا أن في روايته علةٌ وهو إبراهيم بن يوسف وهو إن كان صدوقاً في نفسه إلا أنه ليس بالقوي .
    (2) الهقل بن زياد ، وقد سبق وأن أشرنا إلي كون الهقل بن زياد مِنْ اوثق أصحاب الإمام الأوزاعي - رحمهم الله - عَنِ الأَوْزَاعِيِّ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنْ نَافِعٍ ، وهُنا كما ترى فإن الهقل أدخل بين الاوزاعي وبين نافع واسطة وهو - الزهري - وحديثهُ عند تمام في فوائدهِ (2/128) ، كذلك مِنْ طريقه أخرجه ابن عساكر في التاريخ (46/452) وفيه الواسطة ألا وهو الإمام الزهري - رحمه الله - .
    وإسنادهُ جيدٌ ، وفيه عمرو بن هشام البيروتي وهو صدوق يخطئ كما قال الحافظ ابن حجر العسقلاني - رحمه الله - وقوله صدوقٌ يخطئ أي أن حديثهُ ينجبر .
    (3) وَرَوَاهُ الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ _ وَهُوَ ثِقَةٌ _ عَنِ الأَوْزَاعِيِّ، عَنْ نَافِعٍ ، عَنِ القَاسِمِ ، عَنْ عَائِشَةَ _ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا _ : أَخْرَجَهُ ابْنُ أَبِي الدُّنْيَا فِي " المَرَضِ وَالكَفَّارَاتِ " (رقم :236) قَالَ : حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ ، حَدَّثَنَا الوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ ، عَنِ الأَوْزَاعِيِّ ، بِهِ نَحْوَهُ ، وَزَادَ : قَالَ نَافِعٌ : وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِذَا كَانَتْ بِهِ : اللَّهُمَ اكْشِفْ عَنَّا الرِّجْزَ .
    قُلت : والوليد بن مُسلم وإن كان ثقةً في الحديث إلا أنه يدلس تدليس التسوية ، وقد خالف في هذا الحديث جميع أصحاب الإمام الأوزاعي فرواهُ عَنْ الاوزاعي عن نافع مُباشرة ، وقد عنعن في جميل مراحل الإسناد ، والإسنادُ مدخول فلا يصحُ بهِ سماع الأوزاعي مِنْ نافع كما أنه يثبت أن الوليد بن مُسلم قد سوى الإسناد وجعله عَنْ الأوزاعي مُباشرة . والله أعلى وأعلم .
    [ مُلاحظة ] استفدتُ مِنْ دراسة الشيخ نادر الناطور . والله المُعين .
    والوليد بن مُسلم قد سبق وأن أشرنا إلي وقوعه في التدليس فيما خرجناهُ مِنْ حديثه عن الإمام الأوزاعي في اول الأبواب ، وكون أئمة الحديث قد وسموهُ بالتدليس والاكثار منهُ عن الإمام الأوزاعي لا يعني انتفاء وقوع التدليس فألفاظ أئمة الجرح والتعديل متفاوتة وتخرجُ باعتبار ما اشتهر به الرجل مِنْ الوهم أو التدليس ، وإطلاقهم التدليس الشديد عن الأوزاعي وهو ما نعرفهُ أنا وأنتم بتدليس التسوية ولعل مثل قولهم (( يعرف بالتدليس الشديد )) ليس الإكثار ! - يا رعاك الله - بل التسوية وهو المَعروفُ بأنه أقبح أنواع التدليس وأشدها عندهم ، ولم تثبت لنا براءة الوليد بن مُسلم تماما مِن تدليس التسوية بل ثبت أنه قد وقع فيه ، وإن كان التدليس وهو التسوية لا يسقط العدالة نسبياً إلا أنه يدفع في نفس المُحدث الشك فيما يرويه الوليد بن مُسلم ولذلك كانت الأمانة تقتضي عليهم أن يجعلوهُ في المرتبة الرابعة التي لا يقبل منها إلا ما صرحوا به في جميع طبقات الإسناد بالسماع ! وخصوصاً فيما يرويه عن شيخه الأوزاعي ، وقد عمدت إلي عدم التخريج المُوسع لمروياته كما فعل الأنصاري عن نافع لأن الحاجة هُنا في اثبات وقوع التسوية - تدليس التسوية - منه ! وبه فإن الوليد بن مُسلم ( ثقة ) إلا أنهم عابوا عليه تدليس التسوية والتدليس بالجملة يقدح فيما يروي الرجل لا فيه تماما ! مما يقضي علينا اسقاط مروايته بالكلية . والله أعلم .
    [ كلمة في ] أحاديث الاوزاعي عَنْ رجل عَنْ الزهري .
    قد تبين لك أن الوليد بن مُسلم قد دلس أحاديثاً عَنْ الاوزاعي عَنْ الزهري وثبت لنا فيها أنهُ مدلسٌ تدليس تسوية ! والأحاديث التي دلس بها عَنْ الإمام الزهري وإسقاط " ثقة " أو " ضعيف " واردةٌ وإنما عمدتُ إلي إسقاطه للضعفاء في روايته عَنْ الاوزاعي مِنْ حديثه عن نافع وعطاء والزهري ! والقصدُ مِنْ وراء هذا الاختصار المقنن في الأحاديث التي ثبت فيها التدليس هو عدم الإطالة وتضييع الوقت على القارئ في المُتابعة والسبر ! وقد سبرنا كثيراً مِنْ مروياته خلال قرائتي لكتاب " القول النفيس في براءة الوليد بن مُسلم مِنْ التدليس " وقد أخطأ كثيراً - وفقه الله - في نفيه للتدليس عن الوليد في روايته وهذا ما لا نعلم أحداً قالهُ مِنْ قبل لا عند المُتقدمين ولا المُتأخرين ! ولا ممن عاصرهُ وكان لهُ قرينا في الحديث وطلبهِ - نفع الله به - ولذلك فتأمل يا رعاك الله إلي أن الأصل في علم الحديث مرجعهُ ومردهُ لأمثال الجبال الراسيات والرياح العاتيات في الذب عن السنة ! ولو كان الوليد بن مُسلم بريئاً مِنْ التدليس لكانوا هم أولى مِنْ أبي جابر الأنصاري - صاحب الكتاب - في تبرئة الوليد مِنْ هذه التُهمة الشنعاء وهذا الجرح الواضحِ لما يرويه وقد ثبت فيه تدليسه أو عرف أنه لم يصرح بالسماع .

    [ الباب الخامس ]دِراسةُ قول الإمام الدارقطني - رحمه الله - في تدليس الوليد .
    قال الدَّارقطنيُّ في موسوعة أقوال الدارقطني (2/700) : (( الوليد بن مسلم يرسل، يروي عن الأوزاعي أحاديث الأوزاعي، عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي، مثل نافع وعطاء والزهري، فيسقط أسماء الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي عن عطاء، يعني مثل عبد الله بن عامر الأسلمي، وإسماعيل بن مسلم
    قال السُّلَمِيُّ: قال الدَّارَقُطْنِي ّ: الوليد بن مسلم يرسل في أحاديث الأوزاعي، عند الأوزاعي أحاديث عن شيوخ ضعفاء، عن شيوخهم، أدركهم الأوزاعي مثل نافع والزهري وعطاء، فيسقط الضعفاء ويجعلها عن الأوزاعي، عن نافع والزهري وعطاء
    )) .
    قُلت : وقول الإمام الدارقطني هذا ينفي براءة الوليد بن مسلم مِنْ التدليس وإمامٌ في العلل كالإمام الدارقطني لا يفرط بمثل قولهِ لأن لهٌ علمٌ مقدمٌ بأحاديث الوليد بن مسلم قال الإمام طاهر المقدسي
    سُئِلَ الحافظ سعد بن علي عن الدارقطني وابن مندة والحاكم وعبد الغني، فقال : أما الدارقطني ( ببغداد ) فأعلمهم بالعلل ، وأما ابن مندة ( بأصفهان ) أكثرهم حديثاً ، ومثل هذا القول يثبت وقوع التدليس مِن الوليد بن مسلم ! فكيف له أن ينكره .
    وقد أساء الشيخ الأنصاري في كتابه القول النفيس في التعليق على قول الإمام الدارقطني - رحمه الله - فيقول في (2/318) : (( وإن هذا الذي وقع فيه الدارقطني من تبني هذه التهمة ونسبتها إلي نفسه وإن كان هو خطأ ، إلا أن مثل هذا التقليد بلية لم تترك أحدا مِنْ الخلق ! ، فمن الذي يقف على كل مسألة بنفسهِ ! ، فهذا الذي لن يجد مِن العلم إلا ما ندر ! ، ولا يكاد يعمل بخبر ) ! أهـ وقد أضفتُ التعجبَ مِنْ كلامهِ عقب كُل بليةٍ .
    وهذه إساءة ما بعدها إساءة ! فكأن التحقيق وقع لهُ وأن العلم كان لهُ وحدهُ حتى رمى إمام العلل بالتقليد ! ونسب الإعلال بالتدليس لنفسه ! وإن كان شابه قول المُتقدمين كالهيثم ، ثُم أردفها بأنه قد أخطأ وقد ثبت لدينا أن الوليد بن مُسلم قد دلس ! فكيف يكون مثل الدارقطني وابي داود ، ومن سبقهم بها وهو الهيثم بن خارجة مُخطئين ووقع الصوابُ لك وحدك ! وصريحُ عبارته أن الدارقطني كان مُقلداً للسابقين ! وإن كان كذلك فهم أرباب الأصول ولا يؤخذ العلم إلا مِنْ المُتقدمين وحسبك بأنهم أرباب هذا العلم وأهلهُ ، فتاتي بقول الدارقطني وتردهُ بحجة أن ما ظهر لك خفي على إمام العلة وأستاذها والحافظ الكبير والإمام الجليل والثقة العلم الدارقطني !
    ولا ننكر فضل المُتأخرين ولكن لايخفى على العاقل أن المُتأخرين يأخذون مِنْ المُتقدمين في هذا الباب ! فإنظر لنفسك ما تصنع أأنت مِنْ الذين يعملون حقاً بما ثبت عنهم أم أنك تدعي التحقيق وليت شعري ما راعيت الأدب ولا كتبت في حقهم ما هم أهلٌ لهُ ! .
    ثُم والأدهى أنه قد اتهمهُ بالتسرع ! انظر القول النفيس
    (2/318) ! .
    وقد قال الأنصاري أن الذي دفع الدارقطني لإعلال ما يرويه الوليد بن مُسلم هو حديث (( قتلوه قتلهم الله )) وأنه قد دلس فيه إسماعيل بن مُسلم ، وقد ثبت أن الوليد يدلس عبد الله بن عامر الأسلمي في أحاديثه السابقة آنفة الذكر ! ولنثبت أن قول الإمام الدارقطني وإن كان اعتمادا على ما قاله ابو حاتم في هذا الحديث فإن الحُجة بذلك قائمةٌ وإليك البيان .
    [ حديث ] أنَّ رَجُلاً أَصَابَهُ جُرْحٌ فِى رَأْسِهِ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ أَصَابَهُ احْتِلاَمٌ فَأُمِرَ بِالاِغْتِسَالِ فَاغْتَسَلَ فَكُزَّ فَمَاتَ فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ قَتَلُوهُ قَتَلَهُمُ اللَّهُ أَفَلَمْ يَكُنْ شِفَاءَ الْعِىِّ السُّؤَالُ . قَالَ عَطَاءٌ وَبَلَغَنَا أَنَّ النَّبِىَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لَوْ غَسَلَ جَسَدَهُ وَتَرَكَ رَأْسَهُ حَيْثُ أَصَابَهُ الْجِرَاحُ.
    أخرجه أحمد 1/330 (3057) قال: حدثنا أبو المغيرة.
    و"الدارمي" 752 قال: أخبرنا أبو المغيرة.
    "أبو داود" 337 قال: حدثنا نصر بن عاصم الانطاكي، قال: حدثنا محمد بن شُعيب.
    "ابن ماجة" 572 قال: حدثنا هشام ابن عمار، حدثنا عبد الحميد بن حَبيب بن أبي العِشْرين.

    ثلاثتهم (أبو المغيرة، ومحمد بن شعيب، وعبد الحميد) عن الأوزاعي. قال: بلغني ان عطاء بن أبي رباح قال، فذكره ، وقد ذكر الشيخ الأنصاري أن عبد الحميد قد تفرد بروايته عَنْ الأوزاعي وذكر فيها الواسطة ! وفي البدر المنير (2/616) : (( رَوَاهُ من هَذَا الْوَجْه أَحْمد والدارمي فِي «مسنديهما» وَأَبُو دَاوُد فِي «سنَنه» (وَالدَّارَقُطْ ِيّ أَيْضا بعده) من حَدِيث الْأَوْزَاعِيّ أَنه (بلغه) عَن عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه سمع عبد الله بن عَبَّاس قَالَ: «أصَاب رجلا جرح فِي عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثمَّ احْتَلَمَ فَأمر بالاغتسال، فاغتسل فَمَاتَ فَبلغ ذَلِك رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله! ألم يكن شِفَاء العي السُّؤَال؟ !» . وَهَذَا مُنْقَطع فِيمَا بَين الْأَوْزَاعِيّ وَعَطَاء، وَقد وَصله ابْن مَاجَه من حَدِيث عبد الحميد بن أبي الْعشْرين، ثَنَا الْأَوْزَاعِيّ، عَن عَطاء - كَمَا سلف - وَقَالَ فِي آخِره: «قَالَ عَطاء: وبلغنا أَن رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ قَالَ: لَو غسل جسده وَترك رَأسه حَيْثُ أَصَابَهُ الْجراح!» )) أهـ .
    قَالَ الدَّارَقُطْنِي ّ: (( وَاخْتلف عَن الْأَوْزَاعِيّ فَقيل عَنهُ عَن عَطاء، وَقيل: بَلغنِي عَن عَطاء، وَأرْسل الْأَوْزَاعِيّ (آخِره) عَن عَطاء عَن النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ وَهُوَ الصَّوَاب ))
    أَبُو حَاتِم وَأَبُو زرْعَة - فِيمَا سَأَلَهُمَا ابْن أبي حَاتِم عَن هَذَا الحَدِيث - فَقَالَا: (( رَوَاهُ ابْن أبي الْعشْرين، عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن إِسْمَاعِيل بن مُسلم، عَن عَطاء، عَن ابْن عَبَّاس، وأفسد الحَدِيث. يُرِيد أَنه أَدخل إِسْمَاعِيل فِيهِ، وَتبين أَن الْأَوْزَاعِيّ أَخذه عَن إِسْمَاعِيل )) أهـ .
    رَوَاهُ الْحَاكِم عَن الْأَصَم، عَن أبي عُثْمَان سعيد بن عُثْمَان التنوخي، ثَنَا بشر بن بكر، حَدَّثَني الْأَوْزَاعِيّ، نَا عَطاء بن أبي رَبَاح أَنه سمع عبد الله بن عَبَّاس يخبر «أَن رجلا أَصَابَهُ جرح عَلَى عهد رَسُول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ ثمَّ أَصَابَهُ احْتِلَام فاغتسل فَمَاتَ، فَبلغ ذَلِك النَّبِي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ فَقَالَ: قَتَلُوهُ قَتلهمْ الله! ألم يكن شِفَاء العي السُّؤَال؟ !»
    و قَالَ الْحَاكِم: (( بشر بن بكر ثِقَة مَأْمُون، وَقد أَقَامَ إِسْنَاده، وَهُوَ صَحِيح عَلَى شَرط البُخَارِيّ وَمُسلم. قَالَ: وَرَوَاهُ الْوَلِيد بن مزِيد عَن الْأَوْزَاعِيّ وَقَالَ: بَلغنِي عَن عَطاء والهقل بن زِيَاد، وَهُوَ من أثبت أَصْحَاب الْأَوْزَاعِيّ، وَلم يذكر سَماع الْأَوْزَاعِيّ من عَطاء، ثمَّ ذكر ذَلِك عَنْهُمَا بِإِسْنَادِهِ )) .
    وقد ثبت لديك أن الوليد بن مُسلم قد دلس في حديث : (( إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنيسان )) آنف الذكر والتخريج فيما سبق مِنْ حديثنا ، وهذا يثبت أن قول الإمام الدارقطني ما أتى مِنْ هباء كما زعم الأخ الشيخ ابي جابر في كتابه القول النفيس ، وبهذين الحديثين يثبت أن القول الذي روي عن الإمام الدارقطني صحيحٌ لا علةَ فيهِ وأنهُ وإن كان قولهُ مبنياً على هذين الحديثين فثبات التدليس مِنْ وليد بن مُسلم في واحدٍ مِنْهُما قرينةٌ قويةٌ على علم الدارقطني بتدليس الوليد بن مُسلم لأن ثبات التدليس ولو مرة واحدة قرينةٌ على وقوعه ! .
    ولعمري لو أنك تحققت مِنْ الأمر وعرفت أن التدليس وقع للوليد بن مُسلم ولو في حديث واحد لعرفت أن الأئمة ما قالوا فيه ما قالوا إلا لقرينة أو بينةٍ ودُونك الحديثين اللذان ذكرت ! وقد ثبت لي تدليس الوليد بن مُسلم فيها وفي أحاديث سابقة عَنْ شيوخ الأوزاعي ! الذين ذكروا في أقوال الأئمة الذين حاول الأنصاري رد قولهم بالجُملة والتفصيل في كتابه ! فدُونكَ المُتقدمين وأهل الصنعة يثبتون التُهمة عليه ! فلا يأتينَّ أحدٌ فينفها وحُجته حشد الأحاديث بل آلاف الأحاديث وجعلها دليلا على أن الوليد بن مُسلم لايدلس وقد ثبت تدليسه .


  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ

    [ الباب السادس ] دراسة قول الإمام ابن الجوزي والأحاديث التي اتهم بها الوليد .
    قد اتهم ابن الجوزي - رحمه الله - الوليد بن مُسلم بتدليس أحاديث عَنْ الإمام الأوزاعي في كتابه الضعفاء والمتروكين وعلمنا بالنظر إلي قول الإمام الدارقطني ومُقارنةً بقول ابن الجوزي فوجدنا انهُ قد سار على خُطى مَنْ سبقهُ مِنْ اتهام الوليد بن مُسلم بالتدليس ، ولابن الجوزي أحاديثاً قد أثبت فيها تدليس الوليد بن مُسلم - رحمه الله - عن الأوزاعي ودُونك البيان .
    [ الحديث الأول ] الْمُغِيرَةِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَسْحِ أَعْلَى الْخُفِّ وَأَسْفَلِهِ .
    أخرجه أحمد 4/251 (18383". وأبو داود (165) قال: حدَّثنا مُوسَى بن مَرْوَان، ومحمود بن خالد الدِّمَشْقِي، المَعْنَى. و"ابن ماجة"550 قال: حدَّثنا هِشَام بن عَمَّار. و"التِّرمِذي"97 قال: حدَّثنا أبو الوَلِيد الدِّمَشْقِي ، خمستهم (أحمد بن حَنْبَل، ومُوسَى، ومحمود، وهِشَام، وأحمد بن عَبْد الرَّحْمان، أبو الوَلِيد) قالوا: حدَّثنا الوَلِيد بن مُسْلم، حدَّثنا ثَوْر بن يَزِيد ، عن رَجَاء بن حَيْوَة، عن وَرَّاد، كاتب المُغِيرَة، فذكره.
    قُلت : وهذا الحديث ضعيفٌ عَنْ المغيرة بن شعبة ، قال أبو داود : (( وبلغني أنه لم يَسْمَع ثَوْر هذا الحديث من رَجَاء )) ، وقال أبو عيسى الترمذي : (( وهذا حديثٌ معلولٌ، لم يُسْنده عن ثَوْر بن يَزِيد غيرُ الوَلِيد بن مُسْلم )) ، وقال كذلك : (( وسألتُ أبا زُرْعَة، وَمُحَمد بن إِسْمَاعِيل، عن هذا الحديث؟ فقالا: ليس بصحيح، لأن ابن المُبَارَك روى هذا عن ثَوْر، عن رَجَاء بن حَيْوَة، قال: حُدِّثت عن كاتب المُغِيرَة، مُرْسَلٌ، عن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيه المُغِيرَة )) .
    وهذا معناهُ أن التدليس مِنْ الوليد بن مُسلم رغم ما عرف فيه مِنْ التدليس عن الإمام الأوزاعي أنه لا يمنع أن يكون قد دلس الحديث عن غير الإمام الاوزاعي ، وهذا مُراد قول ابن الجوزي في إعلاله لهذا الحديث بقوله في الموضوعات (2/140) : ((
    أما الوليد فقال علماء النقل : كان يروى عن الأوزاعي أحاديث ، هي عند الأوزاعي عن شيوخ ضعفاء ، عن شيوخ قد أدركهم الأوزاعي ، مثل نافع والزهري ، فيسقط أسماء الضعفاء ، ويجعلها عن الأوزاعي عنهم )) ، ونقل في كتابه التحقيق في مسائل الإختلاف (1/213) عين قول الترمذي - رحمه الله - وسؤاله لأبي زرعة ومُحمد وهو الإمام البخاري - رحمه الله - وهُنا مراده أن التدليس قد يقع مِنْ الوليد بن مُسلم عن غير الأوزاعي ، وَقد كَانَ نعيم بن حَمَّاد حَدَّثَني بِهَذَا عَن ابْن الْمُبَارك كَمَا حدث بِهِ الْوَلِيد فَقَالَ: عَن ثَوْر، عَن رَجَاء، عَن كَاتب الْمُغيرَة، عَن الْمُغيرَة، فَقلت لَهُ: إِنَّمَا (يَقُوله) الْوَلِيد، فَأَما ابْن الْمُبَارك فَيَقُول: «حدثت عَن رَجَاء» وَلَا يذكر الْمُغيرَة. فَقَالَ: هَذَا حَدِيثي الَّذِي أسأَل عَنهُ. فَأخْرج إليَّ كِتَابه الْقَدِيم بِخَط عَتيق، فَإِذا فِيهِ مُلْحق بَين السطرين بِخَط لَيْسَ بالقديم «عَن الْمُغيرَة» فأوقفته عَلَيْهِ، وأخبرته أَن هَذِه زِيَادَة فِي الْإِسْنَاد لَا أصل لَهَا، فَجعل يَقُول للنَّاس بعد وَأَنا أسمع: اضربوا عَلَى هَذَا الحَدِيث. هَذَا مَعْنَاهُ، وَقَالَ التِّرْمِذِيّ فِي «جَامعه» : هَذَا حَدِيث مَعْلُول لم يُسنده عَن ثَوْر غير الْوَلِيد بن مُسلم ، وهذا الحديث لهٌ عللٌ كثيرة وأوضحها بيانا هي تدليس الوليد بن مُسلم .
    قال صاحب البدر المنير (3/20) : (( أَن الْوَلِيد بن مُسلم دلّس فِيهِ، قَالَ ابْن الْجَوْزِيّ فِي «علله» و «تَحْقِيقه» بعد أَن ذكر الحَدِيث: كَانَ الْوَلِيد يروي عَن الْأَوْزَاعِيّ أَحَادِيث هِيَ عِنْد الْأَوْزَاعِيّ عَن شُيُوخ ضعفاء، عَن شُيُوخ قد أدركهم الْأَوْزَاعِيّ مثل: نَافِع وَالزهْرِيّ (فَيسْقط) أَسمَاء الضُّعَفَاء ويجعلها عَن الْأَوْزَاعِيّ عَنْهُم. وَنقل مثل هَذِه الْمقَالة فِي الْوَلِيد فِي «ضُعَفَائِهِ» عَن عُلَمَاء النَّقْل )) وقال كذلك (3/20) : (( قَوْله فِي رد هَذَا الْوَجْه: لَيْسَ بِشَيْء. (لَيْسَ بِشَيْء) ، بل هُوَ وَجه من التَّعْلِيل صَحِيح لم يَأْتِ عَنهُ بِجَوَاب، وَجَوَابه عَنهُ بِأَنَّهُ قد أَمن تَدْلِيس الْوَلِيد بقوله: «أَخْبرنِي» - فِي رِوَايَة من رَوَى ذَلِك - دَلِيل عَلَى أَنه لم يَأْتِ عَلَى المُرَاد (فِي) هَذَا التَّعْلِيل؛ لِأَن التَّصْرِيح بذلك الْإِخْبَار لَا يسْقطهُ، وَبَيَانه أَن النَّوْع الَّذِي رمي بِهِ الْوَلِيد بن مُسلم من التَّدْلِيس هُوَ نوع يُسمى (عِنْدهم) التَّسْوِيَة، وَهُوَ يخْتَص بالتدليس فِي شيخ شَيْخه لَا فِي شَيْخه، وَذَلِكَ أَنه يعمد لأحاديث - مثلا - رَوَاهَا هُوَ عَن الْأَوْزَاعِيّ، وَهِي عِنْد الْأَوْزَاعِيّ عَن شُيُوخ لَهُ ضعفاء رووها عَن الثِّقَات فِي شُيُوخ الْأَوْزَاعِيّ نَفسه، كَحَدِيث يكون فِيهِ بَين الْأَوْزَاعِيّ وَالزهْرِيّ، أَو بَين الْأَوْزَاعِيّ وَنَافِع (أَو بَين الْأَوْزَاعِيّ) وَعَطَاء (رجل) ضَعِيف، (فَيسْقط الْوَلِيد الْوَاسِطَة الضَّعِيف، ويروي الحَدِيث عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن الزُّهْرِيّ أَو عَطاء) أَو نَافِع كَيْفَمَا كَانَ وَكلهمْ شُيُوخ الْأَوْزَاعِيّ (فيروج بذلك الْخَبَر عَنهُ سامعه، لعلمه أَن الْأَوْزَاعِيّ رَوَى عَن أُولَئِكَ الشُّيُوخ) وَكَذَلِكَ مثله ابْن الْجَوْزِيّ (مِثَالا) مُسْتَقِيمًا، والوليد مَوْصُوف عِنْدهم بِهَذَا النَّوْع من التَّدْلِيس، وَمن هَذَا الضَّرْب مَا يخْشَى وُقُوعه هَا هُنَا فَإِنَّهُ قَالَ: أَخْبرنِي ثَوْر، عَن رَجَاء، فَأَتَى (فِيهِ) بِصِيغَة العنعنة، وَهِي لَا تدل عَلَى الِاتِّصَال من (مثله) ، فَبَقيَ التَّدْلِيس غير مَأْمُون، وقلما يرتكب التَّدْلِيس وَيسْقط الْوَاسِطَة إِلَّا لمُقْتَضى لإسقاطه، فقد كَانَت مثل هَذِه العنعنة (من) الْوَلِيد فِي مثل هَذَا الْموضع كَافِيَة فِي التَّعْلِيل، لَا سِيمَا وَقد صَحَّ عَن ابْن الْمُبَارك وَهُوَ من عرف مَحَله قَوْله فِي هَذَا الحَدِيث: عَن ثَوْر، حدثت عَن رَجَاء بن حَيْوَة. فنبه عَلَى ثُبُوت وَاسِطَة مَجْهُول، فَاقْتَضَى مَا هُوَ الْمَعْهُود من تَسْوِيَة الْوَلِيد الضعْف أَو الْجَهَالَة فِي ذَلِك الْوَاسِطَة المطوي الذّكر، وتصريح الْوَلِيد بن مُسلم (بقوله) أبنا ثَوْر، عَن رد هَذَا التَّعْلِيل بمعزل، وَمثل هَذَا من الْوَلِيد إِن كَانَ بعد صِحَة الْخَبَر الْمَرْوِيّ (لذَلِك) عِنْده من خَارج أَو مَعَ حسن ظَنّه (بِمن) طوى ذكره فكلاهما قريب، وَإِن كَانَ مَعَ الْجَهَالَة بِحَالهِ وَقبل ثُبُوت الْخَبَر عِنْده (فقد دخل الْخلَل عَلَيْهِ من حَيْثُ لَا يعلم، وبعيد أَن يكون ذَلِك مِنْهُ مَعَ ضعف الرَّاوِي عِنْده) وَعدم علمه بِصِحَّة الْخَبَر الَّذِي رَوَاهُ من طَرِيقه، فَفِي ذَلِك انحطاط يرْتَفع حَال مثل الْوَلِيد بن مُسلم عَنهُ )) ، فالحديث هذا مُعلٌ بالإنقطاع بين ثور ورجاء وهو الذي يخشى مِنْ تدليس الوليد بن مُسلم له ، والقرائن أن الوليد بن مُسلم قد حدث به عن ثور عَنْ رجاء ! ولم يذكر فيه ما قاله ابن المُبارك وهذا إن دل على شيء فعلى ان الوليد بن مُسلم قد دلس الحديث وانظر وتأمل .
    قال الترمذي في جامعه وفي العلل الكبير (1/180) : «هذا حديث معلول» ، ونقل عن البخاري وأبي زرعة قولهما: "ليس بصحيح، لأنَّ ابن المبارك روى هذا الحديث عن ثور قال: حُدِّثت عن رجاء عن كاتب المغيرة مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يذكر فيه "المغيرة" .
    وهّنا تماما كما في البدر المُنير مِنْ أن مَنْ هو أولى مِنْ الوليد بن مُسلم وهو ابن المُبارك قد ذكر الحديث بصيغة أنه قد حُدِثَّ عَنْ رجاء عَنْ كاتب المُغيرة وهذا الحديث مُرسل ويُخشى بهِ تدليس الوليد بن مُسلم لاسيما وقد حدث بهِ الوليد عَنْ ثور عَنْ رجاء ! وهذا الحديث قد ضعفهُ جمعٌ مِنْ أهل العلم وجعلوهُ في اثبات تدليس الوليد بن مُسلم - رحمه الله - للواسطة .
    وأعلَّ ابن حجر في التلخيص (219) رواية من صرَّح فيه بالتحديث.
    والأرجح الذي لأجله أعلت رواية الوليد بن مُسلم الموصولة ! رواية عبد الله بن المبارك، رواه عن ثور لكنه قال: حُدِّثت عن رجاء عن كاتب المغيرة مرسلاً - ذكره البخاري في الأوسط (980) ، والترمذي في جامعه (97) ، والدارقطني في علله (7/110) ، والبيهقي في الكبرى (1/290) ، والخطيب في تاريخه (2/135) ، وبه قد أعل الحديث الإمام البخاري وأبو زُرعة على إعلال هذه الرواية كذلك وأعلها الإمام ابن الجوزي بوقوع التدليس من الوليد بن مُسلم .
    قال الدارقطني في علله (7/111) : «وحديث رجاء بن حيوة الذي فيه ذكر أعلى الخف وأسفله لا يثبت، لأن ابن المبارك رواه عن ثور بن يزيد مرسلاً» .
    وحكى أبو بكر الأثرم عن أحمد بن حنبل أنه سُئِلَ عن حديث المغيرة بن شعبة رضي الله عنه أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم مسح أعلى الخف وأسفله، فقال: هذا الحديث ذكرته لعبد الرحمن بن مهدي فقال: عن ابن المبارك أنه قال عن ثور: حُدِّثتُ عن رجاء بن حيوة عن كاتب المغيرة وليس فيه المغيرة، قال أحمد: وأما الوليد فزاد فيه عن المغيرة وجعله: ثور عن رجاء ولم يسمعه ثور من رجاء لأن ابن المبارك قال فيه عن ثور: حدثت عن رجاء» - التمهيد (1/14) ، وتاريخ بغداد (2/135) ، قال ابن القيم: «فهذا حديث قد ضَعَّفَهُ الأئمة الكبار -البخاري، وأبو زرعة، والترمذي، وأبو داود، والشافعي- ومن المتأخرين أبو محمد ابن حزم، وهو الصواب؛ لأن الأحاديث الصحيحة كلها تخالفه» - حاشية تهذيب السنن (1/193) ، فلا خلاف بعد ذلك في أن الوليد بن مُسلم قد وقع لهُ التدليس عَنْ غير الإمام الاوزاعي وهو المُرجح لدينا كما رأينا في كلام الأئمة . والله أعلم .

    [ الحديث الثاني ] قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ آدَمَ مِنْ طِينَةِ الْجَابِيَةِ وَعَجَنَهُ بِمَاءٍ مِنْ مَاءِ الْجَنَّةِ " .
    قُلت : وفي هذا الحديث أردت به الأعتذار لابن الجوزي - رحمه الله - اتهام الأنصاري لهُ أنه أراد به تدليساً في الحديث بوصفه لهُ في كتابه الموضوعات : ((
    هَذَا حَدِيثٌ لا يَصِحُّ . وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ رَافِعٍ قَدْ ضَعَّفَهُ أَحْمَدُ وَيَحْيَى . وَقَالَ يَحْيَى فِي رِوَايَةٍ : لَيْسَ بِشَيْءٍ ، وَالْوَلِيدُ كَانَ مُدَلِّسًا لا يُوثَقُ بِهِ . وَقَدْ صَحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَلَقَ آدَمَ مِنْ قَبْضَةٍ قَبَضَهَا مِنْ جَمِيعِ الأَرْضِ " )) أهـ ، فكما ترى فابن الجوزي قال أن الوليد بن مُسلم مُدلسٌ لا يوثقُ به وقد علمنا فيما مضى أن ابن الجوزي قد أطلق لفظ التدليس على الوليد بن مُسلم تبعا لما عرفه عن الإمام الدارقطني في سؤالات السلمي لهُ في الجرح والتعديل ! ، ولم يقلها ابن الجوزي - رحمه الله - إلا لما عرف عن الوليد بن مُسلم مِنْ تدليس التسوية ، فقال أنهُ لا يوثق به وإلا مثل ابن الجوزي لا يخفى عليه أن الحديث أصلاً معلولٌ برواية إسماعيل بن رافع لهُ !! .
    ثُم ساواهُ بمثل قول الذهبي في كتابهِ (47/ح89) : (( إسماعيل واهٍ ، والوليد مُدلس )) نعم ! الوليد مُدلس وما أطلق الحافظ الذهبي هذا الوصف بهِ ولا ابن الجوزي إلا لما ثبت عند عُلماء الصنعة وأئمةِ الدينِ أنهُ قد وقع بهِ ! ورأينا السلف والخلف يثبتون مثل هذه التُهمة على الوليد بن مُسلم ، فلابد مِنْ أن تُحسن الظن في مورد الإمام لما لم يأمنهُ مِنْ الوليد بن مُسلم .
    ولم ينفرد ابن الجوزي بمثل هذه العلة بل قالها السيوطي في اللآلئ المصنوعة : (( لا يَصِحُّ : إِسْمَاعِيل ضعفه يَحْيَى ، وَأَحْمَد ، والوليد يدلس . قلت : إِسْمَاعِيل روى لَهُ الترمذي ، ونقل عَن الْبُخَاريّ ، أَنَّهُ قَالَ : هُوَ ثقة مقارب لِحديث . والله أعلم )) أهـ . وقد أعلاهُ أولاً بإسماعيل بن رافع ثُم بهذه العلة التي هي تدليس الوليد بن مُسلم وقد عنعن في جميع طبقات الإسناد ، ومثله مَنْ اشتهر بالتدليس - التسوية - عند أهل الصنعة وأئمةِ هذا الفن ! لابد أن يصرح بالسماع في جميع طبقات الإسناد ولم نشهدهُ جلياً في حديث الوليد بن مُسلم ! ولذلك لم يأمن لا الذهبي ولا ابن الجوزي ولا السيوطي تدليسهُ للحديث ، وإلا فإنظر أخي القارئ بتأمل ووقارٍ ستعلم أنهم ما أعلوه بعلةٍ إلا بالضعف الذي في إسماعيل ، وهو (( متروك الحديث )) ! ، وقال أبي حاتم في العلل مِنْ طريق ابنه حين سأله عن هذا الحديث : (( هذا حديثٌ منكر )) ، ويريد بالنكارة هي رواية هذا المتروك للحديث ! وقد تفرد به الوليد بن مُسلم عن بن رافع وعنه هشام بن عمار .
    [ همسة ] قرأتُ للأنصاري في كتابه القول النفيس (3/45) منهحيةً شعثاء غبراء في تعليقه على قول الحافظ الذهبي - رحمه الله - والإمام ابن الجوزي - رحمه الله - بألفاظٍ شديدةٍ لا حاجة لها في ذلك الموطن وإن كان قد أخطأ على فرض التسليم جدلاً ! فالمُجتهد المُصيب له أجران ومَنْ اجتهد فأخطأ فله اجرٌ ! ثُم وصفت الحافظ بما لا يستحق أن يوصف ! ولمَن أراد أن يطالع طريقتهُ في الإعلال والرد على كلام الأئمة الأعلام فلينظر إلي ما أشرت إليه مِنْ كتابه ! .
    ولأزيدكَ مِنْ العلمِ شيئاً فقد ثبت أن لنا تدليس الوليد بن مُسلم في غير حديثه عن الإمام الأوزاعي - رحمه الله - وقد أورد لهُ ابن الجوزي حديثهُ في الموضوعات وقبل أن نشرع في ذكر أقوال الأئمةِ إليك الحديث : ((
    حدثنا أحمد بن الحسن حدثنا سليمان بن عبد الرحمن الدمشقي حدثنا الوليد بن مسلم حدثنا ابن جريج عن عطاء بن أبي رباح وع?رمة مولي ابن عباس عن ابن عباس أنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلي الله عليه وسلم ... الحديث )) أهـ .
    قُلت : وقد رأيت أخينا المُبارك الفاضل أبو الفوزان السنابلي يقول : (( إسناده ليس فيه الامام الأوزاعي ورجاله ?لهم ثقات من رجال البخاري، ولاعلة فيه سوي تسوية الوليد بن مسلم، ل?ن المتن فيه ن?ارة شيديدة حيث لايم?ن أن ي?ون من ?لام النبي صلي الله عليه وسلم، ولذل? لم يقتصر الشيخ الألباني رحمه الله علي تضعيفه بل قال صراحة:
    وجملة القول؛ أن هذا الحديث موضوع ?ما قال الذهبي في "الميزان"، وقال أيضاً: وهو من أن?ر ما أتي به الوليد بن مسلم. وابن الجوزي ما أبعد عن الصواب حين أورده في "الموضوعات"، ومن تعقبه، فلم يأت بشيء يستحق النظر فيه. [الضعيفة: 7/ 387، تحت الرقم3374]
    )) أهـ .
    ولله درهٌُ مِنْ قائلٍ أجاد في إعلال الحديث بهذه العلة ، والإسنادُ صحيحٌ ثقاتٌ مِنْ الأثبات في الحديث وقد حكم عليه أهلُ العلم بالوضع ، وهذا ابن حجر يُصرح جلياً بأنه موضوعٌ ، فكيف لمثل هؤلاء الثقات أن يكونوا قد وضوعوه ! وأين قد صرح الوليد بن مُسلم بالسماع ! ، فإن كان هذا مُستحيلاً فالعلةُ في الوليد بن مُسلم وقد عنعن ! ويتعينُ أنه قد أسقط رجلاً كما أفاد بذلك الأخ الحبيب - السنابلي - قال المعلمي في التعليق على الفوائد (276) : (( وأعله ابن الجوزي: بأن الوليد يدلس التسوية: يعني فلعل ابن جريج إنما رواه عن رجل عن عطاء وع?رمة، فأسقط الوليد الرجل وجعله عن عطاء وع?رمة، فت?ون البلية من ذا? الرجل )) . أهـ .
    وقال الأخ السنابلي : (( ماقاله الحافظ من أن الوليد بن مسلم قد دلس تدليس التسوية في هذالسند فهذا مسلم، ل?ن قوله: ''فلعل الوليد أخذه عن هذا القرشي فدلسه عن ابن جريج فاسقط هذا القرشي وسواه لابن جريج عن ع?رمة، والله تعالي أعلم'' ففيه نظر، لأن الوليد قدصرح بالتحديث عن ابن جريج في راوية الترمذي وغيرها، فلعل الصواب هو أن يقال بأن ابن جريج هوالذي أخذه عن محمد بن ابراهيم القرشي، ويؤيده أن ابن جريج من تلاميذ محمد بن ابراهيم القرشي ?مافي الجرح التعديل [6/ 185ت1051]. ثم رواه الوليد بن مسلم عن ابن جريج من هذالطريق ل?ن أسقط من الاسنادبعض الرواة، والله أعلم.وأيا ?ان الأمر فقد صرح الحافظ بأن الوليد بن مسلم قد دلس تدليس التسوية في السند )) .
    وهذا الشيخ الألباني - رحمه الله - يشترط في الوليد بن مُسلم أن يصرح بالسماع في جميع طبقات الإسناد عن شيخه وعن شيخ شيخه ! فمالي أراك كيف تحكم أيها الأنصاري ! فيقول في كتابه الضعيفة (7/384) : (( فإن الوليد بن مسلم يدلس تدليس التسوية ... فهو علة الحديث ... فالصواب اشتراط تصريحه بالتحديث في شيخه وسائر الرواة الذين فوقه، لنأمن بذل? من شر تدليسه تدليس التسوية، ولولا ذل? إسناد هذا الحديث صحيحاً )) أهـ . والله أعلم .

    [ الباب السابع ] دِراسةُ قول ابن القطان - رحمه الله - في تدليس الوليد .
    قال ابن القطان الفاسي في بيان الوهم والإيهام (5/499) : (( وَمن تِلْكَ الْأَحْوَال أَحْوَال المسوين، والتسوية نوع من أَنْوَاع التَّدْلِيس، إِنَّمَا هِيَ [أَن يسْقط شيخ شَيْخه الضعْف، وَيجْعَل الحَدِيث عَن] شَيْخه. كَانَ الْوَلِيد بن مُسلم فِيمَا [ذكر أَبُو مسْهر يُدَلس فِي أَحَادِيث الْأَوْزَاعِيّ، فيروي] عَن الْأَوْزَاعِيّ، عَن شيخ للأوزاعي، فَيسْقط الرجل الَّذِي عَنهُ رَوَاهُ الْأَوْزَاعِيّ ويعنعنه عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن شيخ ذَلِك الْمسْقط الَّذِي هُوَ شيخ الْأَوْزَاعِيّ أَيْضا.
    مِثَاله أَن، يعمد إِلَى حَدِيث يرويهِ الْأَوْزَاعِيّ، عَن شيخ ضَعِيف، عَن الزُّهْرِيّ.
    وَالزهْرِيّ شيخ للأوزاعي، فَيسْقط الْوَلِيد الْوَاسِطَة الضَّعِيف، الَّذِي بَين الْأَوْزَاعِيّ وَالزهْرِيّ.
    فَهُوَ إِذا عمل ذَلِك فِي حَدِيث نَفسه، سمي تدليساً، وَإِذا عمله فِي حَدِيث شَيْخه، سمي تَسْوِيَة.
    وَحكم التَّسْوِيَة حكم التَّدْلِيس سَوَاء، فِي انقسام الَّذِي أسقط إِلَى ثِقَة وَضَعِيف
    )) أهـ .
    [ الفصل الأول ] وهو تطبيقٌ على قول ابن القطان - رحمه الله - على تدليس الوليد .
    قال ابن القطان في بيان الوهم (4/109) : (( والوليد بن مُسلم كَانَ يُدَلس وَيُسَوِّي، وَلم يقل فِي هَذَا الحَدِيث: حَدثنَا وَلَا أخبرنَا، وَلَا سَمِعت، وَلَا ذكر عَن حريز أَنه قَالَ ذَلِك.
    فَمن حَيْثُ هُوَ مُدَلّس، يُمكن أَن يكون قد أسقط بَينه وَبَين حريز وَاسِطَة، وَمن حَيْثُ هُوَ مسو، يُمكن أَن يكون قد أسقط من بَين حريز وَعبد الرَّحْمَن بن ميسرَة وَاسِطَة ، وَلَقَد زعم الدَّارَقُطْنِي ّ أَنه كَانَ يفعل هَذَا فِي أَحَادِيث الْأَوْزَاعِيّ، يعمد إِلَى أَحَادِيث رَوَاهَا الْأَوْزَاعِيّ عَن أَشْيَاخ لَهُ ضعفاء، عَن أَشْيَاخ لَهُ ثِقَات، فَيسْقط الضُّعَفَاء من الْوسط، وَيَتْرُكهَا عَن الْأَوْزَاعِيّ عَن أشياخه الثِّقَات، كَأَنَّهُ سَمعهَا مِنْهُم، وَهَذَا هُوَ التَّسْوِيَة بِإِسْقَاط الضُّعَفَاء، وَهُوَ أقبح التَّسْوِيَة، فَإِنَّهَا على قسمَيْنِ:
    إِمَّا بِإِسْقَاط الثِّقَات، وَإِمَّا بِإِسْقَاط الضُّعَفَاء، كَمَا أَن التَّدْلِيس أَيْضا؛ إِمَّا بِإِسْقَاط الثِّقَات، وَإِمَّا بِإِسْقَاط الضُّعَفَاء، فَمَا كَانَ من التَّدْلِيس والتسوية بِإِسْقَاط الضُّعَفَاء، يَنْقَسِم قسمَيْنِ:
    (1) قسم هُوَ إِسْقَاط ضعفاء عِنْده وَعند غَيره، فَهَذَا إِذا فعله يكون بِهِ مجرحا، وَقسم هُوَ إِسْقَاط قوم ضعفاء عِنْد غَيره، ثِقَات عِنْده، وَهَذَا لَا يكون بِهِ مجرحا.
    وَمن هَذَا الْقَبِيل هُوَ قَول الدَّارَقُطْنِي ّ المحكي عَن الْوَلِيد بن مُسلم، أَعنِي أَن يكونن يسْقط من بَين الْأَوْزَاعِيّ وَبَين أشياخه الثِّقَات، قوما روى عَنْهُم وهم عِنْد الْوَلِيد ثِقَات، وَإِن كَانَ غَيره يضعفهم، فَلَا يكون بِعَمَلِهِ الْمَذْكُور مضعفا
    )) أهـ .
    قُلت : وهذا جزمٌ مِنْ ابن القطان - رحمه الله - بتدليس الوليد بن مُسلم ! وقد رد عليه ابن الملقن - رحمه الله - في كتابه البدر المنير (2/207) : (( قَالَ الشَّيْخ تَقِيّ الدَّين فِي «الإِمَام» : وَيُمكن أَن يُقَال بِسُقُوط وصمة التَّدْلِيس والتسوية جَمِيعًا. فقد قَالَ فِيهِ أَبُو دَاوُد: من رِوَايَة مَحْمُود بن خَالِد، نَا الْوَلِيد، أَخْبرنِي حريز - ثمَّ أحَال أَبُو دَاوُد فِيمَا بعد عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ رَوَاهُ الطَّحَاوِيّ عَن مُحَمَّد بن مَيْمُون الْبَغْدَادِيّ، نَا الْوَلِيد بن مُسلم، ثَنَا حريز بن عُثْمَان - وَرَوَاهُ أَبُو الْمُغيرَة، عَن حريز، حَدَّثَني عبد الرَّحْمَن بن ميسرَة الْحَضْرَمِيّ، قَالَ: سَمِعت الْمِقْدَام ... فَذكره، فَالْحَدِيث إِسْنَاده وَاحِد اخْتلف فِي بعض أَلْفَاظه وَفِي اختصاره وإكماله، فَإِذا كَانَ كَذَلِك فبرواية مَحْمُود عَن الْوَلِيد - وَكَذَلِكَ رِوَايَة مُحَمَّد بن عبد الله الْبَغْدَادِيّ (عَنهُ) - يَزُول التَّدْلِيس، وبرواية أبي الْمُغيرَة عَن حريز تَزُول التَّسْوِيَة.قل : وَكَذَلِكَ رِوَايَة هِشَام بن عمار عَن الْوَلِيد الْمُتَقَدّمَة عَن ابْن مَاجَه مِمَّا يزِيل التَّدْلِيس )) أهـ ، والحقُ معهما فيما ذهبا إليهِ مِنْ القول في هذا الحديث ، فالوليد بن مُسلم قد صرح بالسماع في الحديثِ كما ذكر ابن الملقن ، وعليه فلا شبهة في كونه قد دلس الحديث هُنا وإنما عمدت إلي ذكر براءة الوليد بن مُسلم هُنا من التدليس ، لبيان أن لا نقول بتدليس الوليد بن مُسلم - مُطلقاً - فقد ثبت عليه التدليس في غير هذا الموضع وفي أخر عن الأوزاعي وعن غير الأوزاعي - رحمهم الله - وبه فإن أنكر مُنكرٌ علينا أننا نثبت التدليس فقط ! وقد يظن بأنا نُريد به العُموم المُطلق ! فهذا محل نظر وليس بصحيح وإليك ما أوردتهُ هُنا مِنْ الحديث إذ يظهر لك أننا لا نُوافق ابن القطان الفاسي - رحمه الله - بأن أعل هذا الحديث بتدليس الوليد بن مُسلم وهو وإن كان موصوفاً به فإنهُ قد صرح بالسماع عَنْ شيخه حريز بن عثمان ! وهو ثقة إلا أنه اتهم بالنصب وبه فإن الحديث عنه لا يعل بتدليسه لما عرفنا أنه قد صرح بالسماع وبهِ تنتفي الشبهة في قول ابن القطان - رحمه الله - أنه قد دلس الحديث هُنا عَن شيخه حريز ,
    إلا أننا لا نُسقط قول ابن القطان في أول المبحثِ وهو أن وصفه بالتدليس والتسوية وهذا ما سار عليه هو عينٌ قول الأئمة السابقين ومن في عصره وزمانهِ ! وهو وإن كان وصفه بالتدليس في كتابه الوهم والإيهام إلا أن ما أخرجه لهُ مِن ظنه أنه قد دلس فيه ليس بصحيح لأنك علمت أن الوليد بن مسلم قد صرح بالسماع فذهب قولهُ في هذا الحديث .والله أعلم .


  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ

    [ الباب الثامن ] أحاديثٌ دلسها الوليد بن مُسلم عَنْ غير الأوزاعي .
    أحببت الإشارة إلي أمر وهو أن ننسب الفضل لأهلهِ في بادئ الأمر ، وإعلم سددك الله أن الأحاديث التي عمدنا إلي ذكرها الآن هي نفسُ الأحاديث التي ذكرها أخينا المُبارك في مُلتقى أهل الحديث الصرح الحديثي الشامخ في موضوع لهُ عَنْ تدليس الوليد بن مُسلم عن غير الإمام الأوزاعي فإن لهُ موطئ قدمٍ في ذكرهِ لهذه الأحاديث التي سأذكرها الآن في أحاديث دلسها الوليد بن مُسلم ، وهو الأخ الحبيب الفاضل - أبو الفوزان السنابلي - سدد الله خُطاه هُنا .
    [ الحديث الأول ] عبد الله بن عباس - رضي الله عنهما - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: «يُمْنُ الخيلِ في شُقْرها» .
    قُلت : وهذا الحديث مما جزم فيه الإمام أبو حاتم الرازي - رحمه الله - بتدليس الوليد بن مُسلم وأنه قد ترك فيه راوٍ عمداً ! وقد أسقط مِنْ إسناده سُليمان كما عند ابن أبي حاتم في العلل عَنْ أبيه - رحمهم الله - قال ابن أبي حاتم في العلل (3/421) : (( وسألتُ أَبِي عَنْ حديثٍ رواه الوليدُ ابن مُسْلِمٍ، عَنْ شَيبان ، عَنْ عليِّ بن عبد الله ابن عباس: أنَّ النبيَّ قَالَ: يُمْنُ الخَيْلِ فِي شُقْرِهَا ؟قَالَ أَبِي: رَوَى زَيْدُ بْنُ الحُبَاب ، عن عبد الصَّمد بن عليِّ بن عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ ، عَنْ أَبِيهِ، عَن جده، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، عَنْ شَيبان، عَنْ سُلَيمان بْنِ عليِّ بن عبد الله بْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَن جدِّه، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم . قلتُ لأَبِي: أيُّهما أصَحُّ؟
    قَالَ: حديثُ حُسَيْنِ بْنِ مُحَمَّدٍ صحيحٌ، وحديثُ زَيْدِ بْنِ حُباب (1) صحيحٌ؛ كان سُلَيمان وعبد الصَّمَد أخوَيْنِ، وَقَدْ روَيا هَذَا الحديثَ جميعًا - مُوَصَّلً (2) - عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جدِّه. وَالَّذِي أَرَى: أَنَّ الوليدَ بْنَ مُسْلِمٍ تَرَكَ سُلَيمان مِنَ الإِسْنَادِ عَلَى العَمْد؛ لأَنَّ سُلَيمان أسرفَ فِي الْقَتْلِ والنِّكايَة فِيهِمْ، فَكَانَ يَكْرَهُ أَنْ يكونَ ذِكْرُه فِي الْحَدِيثِ. قلتُ: سُلَيمان بْنُ عليٍّ كَانَ بالشَّام؟
    )) أهـ ، فإنظر كيف جزم الإمام ابي حاتم بأن الوليد بن مُسلم قد دلس إسناد هذا الحديث وأسقط منه سليمان عمداً ! وقد قاله كذلك أخينا المُبارك والصريحُ في عبارة أبي حاتم أنهُ قد دلسهُ ! وإسقاطهُ سليمان هُنا دليلٌ على أنه قد دلس فيه ! فكيف يأتي مِنْ بعدهم قومٌ أضاعوا العلم وأسرفوا في حق أنفسهم فقالوا أن لا تدليس للوليد بن مُسلم ثُم أسرفوا فقالوا [ بريءٌ ] تماماً مِنْ التدليس !! .
    [ الحديث الثاني ] أخرج الإمام مُسلم في الصحيح (2/5921) : ((
    معاوية بن سلام عن زيد بن سلام أنه سمع أبا سلام قال حدثني الح?م بن ميناء أن عبد الله بن عمر وأبا هريرة حدثاه أنهما سمعا رسول الله صلي الله عليه وسلم يقول علي أعواد منبره : لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن الله على قلوبهم ثم ليكونن من الغافلين )) .
    قُلت : وهذا مما ثبت فيه تدليس الوليد بن مُسلم ! .
    قال أبو الفوزان - سدده الله - :
    رواه ثلاثة من الثقات عن معاوية بهذالاسناد:
    الاول: (أبو توبة ربيع بن نافع):أخرجه مسلم رقم: (865). والبيهقي في ال?بري رقم: (5360). وفي الصغري رقم: (601). وفي شعب الايمان رقم: (3008). وفي فضائل الاوقات رقم: (275). والطبراني في الاوسط رقم: (406). وفي مسندالشامين رقم: (2865). وابن عسا?رفي تاريخ دمشق رقم: (3665). والطحاوي في مش?ل الاثار رقم: (3186).
    الثاني: (ابوز?ريا: يحيي بن حسان بن حيان):أخرجه الدارمي في سننه رقم: (1570). والبغوي في شرح السنة رقم: (1054). وفي معالم التنزيل رقم: (1252). واسناده صحيح
    الثالث: (أبوعبدالله: محمد بن شعيب بن شابور):أخرجه البيهقي في شعب الايمان رقم: (300). وابن عسا?ر في تاريخ دمشق رقم: (1706) واسناده صحيح.
    كيف وقد أثبت ابن عساكر - رحمه الله - تدليس الوليد بن مُسلم جازماً بأنهُ حين رواهُ عنهُ قد أسقط مِنْ الإسناد زيد بن سلام ! فقال في تاريخه (15/64) : (( أسقط الوليد زيد بن سلام من إسناده )) أهـ ! وقد يسأل السائل كيف لابن عساكر أن يجزم بأن الوليد بن مُسلم قد دلسهُ و أسقط فيه زيد بن سلام ! فتأمل وتأنى وكُن مِنْ أصحاب العقل ولا تتسرع في الحُكم فتُبرئ مَنْ قد ثبت عليه بالدلائل البينات والأخبار الواضحات وأقوال الأئمة الأتقياء حملة هذا اللواء ! أنه قد ثبت عليه التدليس وأنه دلس وسوى ! وليس بثبوت التدليس عليه شكٌ في أن الجرح في مروايته التي يثبت لنا فيها التدليس وإلا فإنه ثقةٌ معروفٌ مشهور الرواية .
    وإليك ما أورده الحافظ مِنْ قرينةٍ على تدليسه (15/64) : (( أخبرناه أبو القاسم بن السمرقندي أنا أبو الحسين بن النقور أنا أبو الحسين محمد بن عبد الله بن الحسين بن هارون نا عبد الله بن محمد نا أحمد بن عبد الرحمن نا الوليد نا معاوية بن سلام عن أبي سلام الأسود (2) نا الحكم بن مينا قال سمعت عبد الله بن عمر وأبا هريرة يقولان سمعنا رسول الله (صلى الله عليه وسلم) يقول على أعواد منبره يوم الجمعة لينتهين أقوام عن ودعهم الجمعات أو ليختمن على قلوبهم وليكونن من الغافلين )) أهـ ! وتبينَ هُنا أن الوليد بن مُسلم قد ثبت عليه التدليس في هذا الحديث فأسقط بين معاوية بن سلام ! وأبي سلام الأسود (( زيد بن سلام )) ! فلما لا يثبت عليه ما أثبته الأئمة ولا يجوز أن نقول أن البراءة تامةٌ كاملةٌ بلا شيبٍ ولا ريبٍ ولا كلامٍ يُقال في مثل الوليد بن مُسلم والحقُ أنهُ ثابتٌ ولا مجال للإنكار ! فرحمك الله أيها الأنصاري ما هكذا يكونُ الإعلال ولا دراسةُ حال الرواة فإتقي الله وسر على منهج الأئمة الأخير تنل خيراً كثيراً .
    [ همسة ] لمَنْ أراد النظر في إثبات التدليس مِنْ الوليد بن مُسلم ! فليذهب إلي ما أشرنا إليه مِنْ قول الأخ ابو الفوزان السنابلي وقد ذكر على تدليسه [5] أمثلةٍ عَنْ غير الأوزاعي وقد ذكرتُ هُنا شيئاً مِنْها مِنْ باب التعضيد ! وإني والله لأبرأ مِنْ قول أبي جابر في نفي التدليس عن الوليد بن مُسلم تماما وإن الحق الذي لا مرية فيه أنه ثابتٌ بإتفاق أهل الصنعة والعلم . والله أعلم .

    [ الباب التاسع ] أحاديث وقع فيها تدليس الوليد بن مُسلم مِنْ كتاب العلل ! .
    [ الحديث الأول ] عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، قَالَ : " فِي بَيْضِ النَّعَامِ كُلُّ بَيْضَةٍ صِيَامُ يَوْمٍ ، وَإِطْعَامُ مِسْكِينٍ "
    قُلت : ويشبه أن يكون الوليد بن مُسلم قد دلسهُ قد يكون أسقط منهُ ( زياد بن سعد / إبراهيم بن أبي يحيى ) قال أبي حاتم في العلل (3/195) : (( قَالَ أَبِي: هَذَا حديثٌ لَيْسَ بصَحيح عِنْدِي؛ وَلَمْ يسمعِ ابنُ جُرَيج مِنْ أَبِي الزِّناد شَيْئًا؛ يُشبه أَنْ يكونَ ابنُ جُرَيج أَخَذَهُ مِنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أبي يحيى )) ، وهذا الحديث الحديث رواه أبو داود في "المراسيل" (138) ، والدارقطني في "السنن" (2/249) من طريق أبي عاصم الضَّحاك بن مَخْلَد، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ زِيَادِ بن سعد، عن أبي الزناد، عن رجل، عن عائشة، به، ووقع عند أبي داود: «عن أبي الزناد: بلغني عن عائشة»
    وهُنا في مراسيل أبي داود أثبت بين أبي الزناد وابن جريج واسطة " زياد بن سعد " وقد قال أبي حاتم الرازي " إبراهيم بن أبي يحيى " ! وقد أخذه عَنْ زياد بن سعد وإبراهيم بن أبي يحيى وروايته عند الشافعهي في كتابه الأم (2/209) ، ومما يشهد أنه قد أخذه عن زياد بن سعد الثقة عَنْ أبي الزناد - رحمه الله - ما قاله الدارقطني في "العلل" (2029) فقال: (( يرويه ابن جريج، واختلف عنه، فرواه الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنِ ابْن جريج، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، عَنِ الأَعْرَجِ عن أبي هريرة، ورواه أبو قرَّة، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ زِيَادِ بن سعد، عن أبي الزناد، عن عروة، عن عائشة. وقال أَبُو عَاصِمٍ: عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ أبي الزناد عمن أخبره، عن عائشة، وقول أبي عاصم أشبه بالصواب. وذكر لأحمد بن حنبل حديث الوليد بن مسلم فقال: لَمْ يَسْمَعِ ابْنُ جُرَيْجٍ مِنْ أبي الزناد، إنما يروي عَنْ زِيَادِ بْنِ سَعْدٍ، عَنِ أبي الزناد» )) أهـ ، وقد أرجعه الحافظ ابن حجر لأصل الحديث عند أبي داود في مراسيله وهو (138) ، فقال الحافظ في "التلخيص الحبير" (2/522) بعد أن ذكر ما نقله الدارقطني عن الإمام أحمد: (( قلت: فرجع الحديث إلى ما رواه أبو داود، وفيه رجل لم يسمَّ، فهو في حكم المنقطع )) أهـ ، وقال الطبراني في التلخيص (2/522) : (( تَفَرَّدَ بِهِ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ )).
    وأما قول أبي حاتم الرازي ويشبه أن يكون ابن جريج أخذه مِنْ ابن أبي يحيى قُلت وقوله وإن كان شكٌ في روايته مِنْ طريق ابن جريج عن ابن أبي يحيى ! عَنْ أبي الزناد وحدث به الوليد عن ابن جريج عن أبي الزناد مُباشرة ! ويشهد لقول أبي حاتم ما أخرجه الشافعي في كتابه الأم (2/209) ، وقال الأنصاري في القول النفيس (3/46) : (( المتهم في التدليس عند أبي حاتم هو ابن جريج ، ولهذا قال لم يسمع ابن جريج مِنْ أبي الزناد شيئاً ، ويشبه أن يكون ابن جريج أخذه مِنْ إبراهيم بن يحيى )) أهـ ، وهذا القولُ ليس بمُحتملٍ إذ أن ابن جريج أمنا تدليسهُ في رواية أبي داود في كتابه المراسيل (1/146) : (( حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، أَخْبَرَنِي زِيَادٌ، عَنْ أَبِي الزِّنَادِ، قَالَ: بَلَغَنِي عَنْ عَائِشَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «حَكَمَ فِي بِيضِ النَّعَامِ فِي كُلِّ بَيْضَةٍ صِيَامُ يَوْمٍ أَوْ إِطْعَامُ مِسْكِينٍ» قَالَ أَبُو دَاوُدَ: أُسْنِدَ هَذَا الْحَدِيثُ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ )) أهـ . ويمكنك أن ترى أن ابن جريج قد صرح بالسماع من زياد بن سعد بصيغة " أخبرني " وأمنا بذلك التصريح بأخبرنا مِنْ تدليس بن جريج ! وقد تفرد بالرواية عنهُ الوليد بن مُسلم بهذا الإسناد مُسقطاً منهُ ما عند أبي داود والدارقطني وهو (( زياد بن سعد )) ، ومُسقطا ما أخرجه الشافعي في كتبه الأم مِنْ حديث " الثقة " عندهُ وهو (( إبراهيم بن أبي يحيى )) ! وإبراهيم هذا (( ضعيف )) والأرجح على رواية الشافعي أن ابن أبي يحيى أخذ الحديث مِنْ ابي الزناد فمحتملٌ أن يكون ابن جريج أخذهُ عن ابن أبي يحيى ولكن الأرجح هو أنه حدث بهِ بواسطة زياد بن سعد - ثقة - وحدث به دُون واسطة وقد أعله بالإنقطاع بين ابن جريج وأبي الزناد ولم يثبت لهُ سماعٌ منه ! وإنما حدث عنه بواسطة وطالما أن ابن جريج حدث عنه بواسطة زياد بن سعد ! فقرينة على أنه لم يسمع منه ! وبالتالي فالوليد قد تفرد بإسقاط الواسطتين بين ابن جريج وأبي الزناد ! وإن كان أبي حاتم يشكك في رواية ابن جريج عن ابن يحيى فهي مُحتملةٌ لاحتمال أن الشافعي قد رواها في كتابه الأم عنه والأرجح أن الواسطة بينه وبين أبي الزناد هي زياد بن سعد . والله أعلم .

    [
    الباب العاشر ] أحاديث قد يكون دلسها الوليد في كتاب العلل للدارقطني .
    [ الحديث الأول ] عَنْ قَتَادَةَ ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ ، قَالَ : تَذَاكَرْنَا وَنَحْنُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَيُّهُمَا أَفْضَلُ : أَمَسْجِدُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْ بَيْتُ الْمَقْدِسِ ؟ ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " صَلاةٌ فِي مَسْجِدِي أَفْضَلُ مِنْ أَرْبَعِ صَلَوَاتٍ فِيهِ وَلَنِعْمَ الْمُصَلَّى هُوَ , وَلَيُوشِكَنَّ لأَنْ يَكُونَ لِلرَّجُلِ مِثْلُ شَطَنِ فَرَسِهِ مِنَ الأَرْضِ حَيْثُ يَرَى مِنْهُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ خَيْرًا لَهُ مِنَ الدُّنْيَا جَمِيعًا " ، قَالَ : أَوْ قَالَ : " خَيْرٌ لَهُ مِنَ الدُّنْيَا وَمَا فِيهَا ".
    قُلت : قال الدارقطني في العلل (6/244) : (( فَقَالَ: يَرْوِيهِ قَتَادَةُ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ؛ فَرَوَاهُ حَجَّاجُ بْنُ الْحَجَّاجِ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، عَنْ أَبِي ذَرٍّ.
    وَاخْتُلِفَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، فَرَوَاهُ مُحَمَّدُ بْنُ عُقْبَةَ السَّدُوسِيُّ، عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بشير، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ.
    وَكَذَلِكَ رَوَى سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبَةَ، عَنْ قَتَادَةَ .
    وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ حُجْرٍ، وَهِشَامُ بْنُ خَالِدٍ، وَغَيْرُهُمَا: عَنِ الْوَلِيدِ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ، لَمْ يَذْكُرْ بَيْنَهُمَا أَحَدًا، وَقَتَادَةُ لَمْ يَسْمَعْهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ.
    وَقَوْلُ حَجَّاجِ بْنِ حَجَّاجٍ: عَنْ قَتَادَةَ، عَنْ أَبِي الْخَلِيلِ أَشْبَهُ بالصواب )) أهـ . فتعال أخي القارئ نتأمل أنا وأنت قول الإمام الدارقطني ولنرى كيف هو تحليلاً بإذن الله تبارك وتعالى كالتالي :
    مَدار الحديث على [ قتادة بن دعامة السدوسي ] (( ثقةٌ إمامٌ مدلسٌ مِنْ الطبقة الثانية مُكثرٌ مِنْ الإرسال الخفي عمَّن لقيهم ما لم يسمعه منهم )) وقد سبق أن نظرنا بتدليسهِ وعنهُ :
    (1) حجاج بن الحجاج عَنْ قتادة عن أبي الخليل عَنْ عبد الله بن الصامت .
    وأنت كما ترى هُنا فالحجاج بن الحجاج قد أدخل واسطة (( أبي الخليل )) بين قتادة وبين عبد الله بن الصامت فيترجح أن روايتهُ هُنا دليلٌ على أن قتادة لم يسمع مِنْ عبد الله بن الصامت .
    (2) سعيد بن بشير عن قتادة عن سعيد بن أبي الحسن .
    ولو تأملنا هذه الرواية فيرويها عَنْ سعيد بن بشير (( ضعيف )) في قتادة - رحمه الله - الوليد بن مُسلم بواسطة سعيد بن أبي الحسن عَن عبد الله بن الصامت ، وكذا وافقه على روايته سعيد بن أبي عروبة وهو أوثق أصحاب قتادة عَنْ قتادة بذكر سعيد بن أبي الحسن ! .
    وعن الوليد بن مُسلم محمد بن عقبة السدوسي - صدوق يخطئ كثيراً - وإن كان محمد بن يعقوب السدوسي لا ينهضُ مقابل علي بن حجر وهشام بن خالد ! وسعيد بن أبي الحسن - ثقة - وقد يسقط المدلس ثقةً أو ضعيفاً في روايته للحديث ! وليس تدليس التسوية مقصوراً على ما يرويه الراوي مِن أحاديث عن الضعفاء مِنْ الرواة ! بل قد يسقط في سند الحديث ثقةً إلا أنه قد تابع الوليد بن مُسلم على روايته هُنا عدد دون ذكر سعيد بن أبي الحسن فإنتفت شبهة التدليس عنه .

    [ الحديث الثاني ]
    عَنْ أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وَسَلَّمَ قَالَ: الرَّجُلُ يَطَأُ الْعُذْرَةَ، قَالَ: التُّرَابُ لَهَا طَهُورٌ.
    قال الدارقطني في العلل (8/159) : (( فَقَالَ: يَرْوِيهِ الْأَوْزَاعِيُّ ، وَاخْتُلِفَ عَنْهُ؛ فَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ ذَلِكَ أَبُو هَمَّامٍ، عَنِ الْوَلِيدِ.وَخَ لَفَهُ عُتْبَةُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ الرَّحْضِ، وَدَاوُدُ بْنُ رَشِيدٍ فَرَوَيَاهُ، عَنِ الْوَليِدِ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ.وَكَ َلِكَ قَالَ عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ أَبِي الْعِشْرِينَ، عَنْ سَعِيدٍ، وَقَالَ أَيُّوبُ بْنُ سُوَيْدٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ : نُبِّئْتُ أَنَّ سَعِيدًا حَدَّثَ بِهِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هريرة.
    وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقِيلَ: عَنْهُ، عَنْ سَعِيدٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَالَ ابْنُ عُيَيْنَةَ: عَنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَجْلَانَ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، أَنَّ امْرَأَةً سَأَلَتْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، مَوْقُوفٌ. وَرَوَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ زِيَادِ بْنِ سَمْعَانَ، عَنْ الْمَقْبُرِيِّ، عَنِ الْقَعْقَاعِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، أَنَّهَا سَأَلَتِ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُوَ أَشْبَهُهَا بِالصَّوَابِ، وَإِنْ كَانَ ابْنُ سَمْعَانَ متروكا
    )) أهـ .
    قُلت : وإليك الإختلاف على الإمام الأوزاعي في الرواية على النقاط التالية :
    (1) أبو همام عن الوليد بن مُسلم عن الأوزاعي عَنْ سعيد المقبري عَنْ أبي هريرة .
    (2) خالفهُ عتبية بن سعيد بن الرخص وداود بن رشيد فحدثا به عَنْ الوليد بن مُسلم عن الأوزاعي عَنْ سعيد عَنْ أبيه عَنْ أبي هريرة - رضي الله عنه - ومثلهم بن أبي العشرين .
    (3) أيوب بن سويد عَنْ الأوزاعي : نبئتُ أن سعيد حدث بهِ عَنْ أبيه .
    (4) ورواه المصيصي عَنْ الأوزاعي عَنْ مُحمد بن عجلان عَنْ سعيد المقبري عَنْ أبيه عَنْ أبي هريرة - رضي الله عنه - وقيل عنه عن سعيد عن أبي هريرة .
    ومثله قال سفيان بن عيينة عَنْ مُحمد بن عجلان ، عن سعيد المقبري أن إمراة سألت عائشة - رضي الله عنها - ورواية سفيان بن عيينة هذه - موقوفة - .
    (5) ورواه عبد الله بن زياد بن سمعان عَن المقبري عَنْ القعقاع عَنْ أبيه عَنْ عائشة - سلام الله عليها - أنها سألت النبي صلى الله عليه وسلم ! وهو أشببه بالصواب عند الدارقطني .
    وتعالوا معاً نأخذُ الإسناد الثالث وهي رواية أيوب بن سويد عَنْ الاوزاعي أنه قال : نُبئت أن سعيد بن أبي سعيد المقبري حدث به عن أبيه ! وهُنا أيوب بن سويد يثبت الواسطة بين الأوزاعي وبين سعيد المقبري ! وقد تابعه عليه كُلٌ مِنْ الرواة - أي أيوب بن سويد عَنْ الإمام الاوزاعي - :
    [1] أبو المُغيرة وروايته أخرجها أبو داود في السنن (1/105) .
    [2] والوليد بن مزيد وروايته أخرجها أبو داود في السنن
    (1/105) .
    [3] عمرو بن عبد الواحد
    وروايته أخرجها أبو داود في السنن (1/105) .
    وروايتهم عند غير واحدٍ مِنْ الأئمة في كُتب الحديث إلا أني اقتصرت على سنن أبي داود لعدم الإطالة في التخريج ! إلا أن الوليد بن مُسلم خالفهم جميعاً في روايته عَنْ الأوزاعي - رحمه الله - تعالى كما ترى في قول الإمام الدارقطني : ((
    فَرَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ ، عَنْ سَعِيدٍ الْمَقْبُرِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ ذَلِكَ أَبُو هَمَّامٍ )) كذا عبد الحميد بن أبي العشرين ، فروايه عَنْ سعيد بن أبي سعيد عن أبيه عن أبي هريرة - رضي الله عنه - .
    - الوليد بن مُسلم عَنْ الاوزاعي ( معروفٌ بتدليس التسوية ) .
    - عبد الحميد بن أبي العشرين ، قال البخاري في حديثهُ كما نقل العقيلي في كتابه الضعفاء : ((
    أَبُو سَعِيدٍ حَدَثَّنِي آدَمُ بْنُ مُوسَى ، قَالَ : سَمِعْتُ الْبُخَارِيَّ ، قَالَ : " عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ حَبِيبِ بْنِ أَبِي الْعِشْرِينَ ، أَبُو سَعِيدٍ " ، قَالَ الْبُخَارِيُّ : " رُبَّمَا يُخَالَفُ فِي حَدِيثِهِ " )) ، والرجل ضعيفٌ لا يكون مثل أبو المغيرة والوليد بن مزيد في روايتهم ولا أيوب بن سويد عن الإمام الأوزاعي فمردودٌ أن تابع بذلك رواية الوليد بن مُسلم ، وعليه فإنا لا نسلم بسلامة الإسناد مِنْ تدليس الوليد بن مُسلم لأن الوليد بن مُسلم لم يذكر بين الأوزاعي وبين سعيد ! واسطةً والتي ثبتت في رواية أيوب بن سويد وتابعه عليه الثقات من أصحاب الإمام الأوزاعي - رحمه الله - .
    وتوسط بين رواية أيوب بن سويد ! والوليد ( محمد بن كثير المصيصي ) وهو مقبولٌ وذكرت في روايته الواسطة بين الأوزاعي وسعيد بن أبي سعيد ! قال ابن عدي فيما يرويه عن الأوزاعي ومعمر - رحمهم الله - : (( له روايات عن معمر والأوزاعي خاصة أحاديث عداد مما لا يتابعه أحد عليه )) وهو على الأرجح بالاستقراء لقول الأئمة ! ضعيفٌ لايعتبد به إلا في الشواهد والمتابعات وهُنا قد رواها وذكر الواسطة بين الأوزاعي ألا وهو محمد بن عجلان - رحمهم الله - .
    وفي التهذيب (5/220) : (( كان سعيد المقبري يحدث عن أبي هريرة، وعن أبيه عن أبي هريرة، وعن رجل عن أبي هريرة، فختلط عليه؛ فجعلها كلها عن أبي هريرة ))
    .
    قال عبدالله : قال أبي : (( وقال يحيى بن سعيد : ابن عجلان لم يقف على حديث سعيد المقبري ما كان عن أبيه عن أبي هريرة ، وما روى هو عن أبي هريرة )) ، قال ابن حبان : (( قد سمع سعيد المقبري من أبي هريرة ،وسمع من أبيه عن أبي هريرة ،فلما اختلط على ابن عجلان صحيفته ولم يميز بينهما ،اختلط فيها وجعلها كلها عن أبي هريرة ،وليس هذا مما يهي الإنسان به ،لأن الصحيفة كلها في نفسها صحيحة،فما قال ابن عجلان :عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ،فذاك مما حمل عنه قديماً قبل اختلاط صحيفته عليه ،وما قال عن سعيد عن أبي هريرة فبعضها متصل صحيح وبعضها منقطع ،لأنه أسقط أباه منها ،فلا يجب الاحتجاج عند الاحتياط إلا بما يروي الثقات المتقنون عنه عن سعيد عن أبيه عن أبي هريرة ،وإنما كان يهي أمره ويضعف لو قال في الكل :سعيد عن أبي هريرة ،فإنه لو قال ذلك لكان كاذبا في البعض ،لأن الكل لم يسمعه سعيد عن أبي هريرة ،فلو قال ذلك لكان الاحتجاج به ساقطا على حسب ما ذكرناه )) ، وبناء على ذلك فإنه ينظر إلي رواية محمد بن عجلان عَنْ سعيد المقبري عَنْ أبيه إذا رواها عنه الثقات المتقنون قبلت روايته ! أما إذا رواها ما دون ذلك فإن رواية بن عجلان عن سعيد عن أبيه ما يدل على إضطراب بن عجلان في روايته عن سعيد ! إذ أنه بعد الاختلاط جعل روايته عن المقبري كلها عن أبي هريرة وليس عن أبيه عن أبي هريرة،واشتراط رواية الثقات المتقنين عنه لقبول روايته للأمن ممن في حفظهم شيء ممن قد يهم فيزيد (عن أبيه ) دون دراية منه .
    وحسبك بهذا السبب مِنْ الإضطراب مِنْ قبل بن عجلان أن يسقطه الوليد بن مُسلم ويدلسه عن الإمام الاوزاعي لما عرف به مِنْ ضعف في الحديث فرواية بن عجلان عن سعيد عن أبيه إضطرب فيها لما عرف مِنْ الإضطراب في روايته كما أسلفنا ! وبهذا يتبين لنا أن الوليد بن مُسلم قد دلس الواسطة بين الاوزاعي وبين سعيد المقبري ! لما عرف عنه مِنْ الإضطراب ولم يتطرق لذلك الأنصاري في كتابه القول النفيس (3/100) وأخطأ في أنه لا يوجد للوليد بن مُسلم تدليساً في هذه الرواية والصحيح أنه ثابتٌ عليه لما عرف مِن رواية أصحاب الأوزاعي عنه ! قوله نبئت ، وهم مقدمون على محمد بن كثير المصيصي ! والوليد بن مُسلم في روايتهم عن الأوزاعي .

    [ خاتمة ] وهذا وقد تمت بحمد الله تبارك وتعالى هذه الدراسة المُختصرة لرواية الوليد بن مُسلم وما فيها مِنْ إثبات التدليس في الوليد بن مُسلم - رحمه الله - وبالجُملة فإنه تعقبٌ للشيخ أبي جابر الأنصاري - وفقه الله - في كتابه (( القول النفيس في براءة الوليد بن مُسلم من التدليس )) والذي ندين الله تبارك وتعالى به أن الوليد بن مُسلمٌ معروفٌ بتدليس التسوية وهذا ثابتٌ عليه بالدلائل والقرائن وأقوال الأئمة الأثبات مِنْ أقوالهم ، والصحيح أنه ثابتٌ لدينا بالقرائن البينات والبراهين الواضحات وهذا ما ظهر جلياً لنا في هذه الدراسة المُختصرة لتدليس الوليد بن مُسلم - رحمه الله - في بعض مروياته عَنْ الأوزاعي وغيره - رحمهم الله - . والله أعلى وأعلم .


    وأملاهُ بحمد الله وأتمه العبد العاثر
    أبو الزهراء - زُرعة - آل أبو عودة الغزي
    28/5/2013
    حامداً الله تبارك وتعالى ومُصلياً لهُ وعلى
    الحبيب مُحمد صلى الله عليه وسلم ...


  12. #12
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ

    للفائدة بإذن الله تبارك وتعالى .

  13. افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ

    بحث طيب أحي الكريم .
    أبو عاصم أحمد بن سعيد بلحة.
    حسابي على الفيس:https://www.facebook.com/profile.php?id=100011072146761
    حسابي علي تويتر:
    https://twitter.com/abuasem_said80

  14. #14
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ

    الأخ الحبيب أبو عاصم - نفع الله بك - /
    جزاك الله تعالى كل خير وبارك فيك على ثنائكم العطر على بحثنا .

  15. #15
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ

    للفائدة بإذن الله تبارك وتعالى .

  16. #16
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ

    للفائدة والمُدارسة إن شاء الله تبارك وتعالى .

  17. #17
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ

    للفائدة بإذن الله تبارك وتعالى .

  18. #18
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ

    للفائدة بإذن الله تبارك وتعالى .

  19. #19
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ

    للفائدة بإذن الله تبارك وتعالى .

  20. #20
    تاريخ التسجيل
    Feb 2011
    الدولة
    غزة - صانها الله -
    المشاركات
    1,629

    افتراضي رد: القَول النَفيسْ في وقُوعِ الوَليدِ بْنِ مُسلِمٍ فِي التَدْليسْ

    للفائدة بإذن الله تبارك وتعالى .

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •