أسماء الإشارة في اللغة العربية
أبو أنس أشرف بن يوسف بن حسن
أسماء الإشارة في اللغة العربية [1]
اسم الإشارة هو أحد المعارف الستة المذكورة، وهو في المرتبة الثالثة في التعريف، فأعرَفُ المعارف - كما تقدم - هو الضمير[2]، ويلي الضميرَ العَلَمُ، ويلي العَلَمَ اسمُ الإشارة، فاسم الإشارة يأتي في المرتبة الثالثة في التعريف بعد الضمير والعلم، والحديث عن اسم الإشارة يتناول المباحث الخمسة التالية:
المبحث الأول: تعريف اسم الإشارة.
المبحث الثاني: ألفاظ أسماء الإشارة.
المبحث الثالث: ذكر الأحرف التي تلحق أسماء الإشارة.
المبحث الرابع: مراتب الاسم المشار إليه من حيث القرب والبعد.
المبحث الخامس: إعراب أسماء الإشارة.
وفيما يلي الحديث عن هذه المباحث الخمسة بشيء من التفصيل:
المبحث الأول: تعريف اسم الإشارة:
اسم الإشارة: هو ما وُضع ليدل على معيَّن بواسطة:
إشارة حسية باليد ونحوها، وذلك إن كان المشار إليه ذاتًا حاضرة[3].
أو إشارة معنوية، وذلك إن كان المشار إليه:
معنًى؛ كقول الله تعالى: ï´؟ تِلْكَ أَمَانِيُّهُمْ ï´¾ [البقرة: 111].
أو ذاتًا غير حاضرة؛ كقولك عند الحديث عن نبينا صلى الله عليه وسلم، وكمال أخلاقه البشرية: هذا محمد صلى الله عليه وسلم.
♦ ♦ ♦
المبحث الثاني: ألفاظ أسماء الإشارة:
لأسماء الإشارة ألفاظ معيَّنة خمسة؛ هي:
1 - (هذا) للمفرد المذكَّر؛ نحو قول الله تعالى: ï´؟ وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا بَلَدًا آمِنًا ï´¾ [البقرة: 126].
2 - (هذه) للمفردة المؤنثة؛ نحو قول الله عز وجل: ï´؟ وَلَا تَقْرَبَا هَذِهِ الشَّجَرَةَ ï´¾ [البقرة: 35].
3 - (هذان) للمثنى المذكر، ويكون بالألف في حالة الرفع، وبالياء في حالتي النصب والجر [4]، ومثال دلالة اسم الإشارة (هذان) على المثنى المذكر، مع رفعه بالألف من كتاب الله تعالى: قولُ الله عز وجل: ï´؟ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ï´¾ [الحج: 19][5].
4 - (هاتان) للمثنى المؤنث، وهو كـ(هذان)، يكون بالألف في حالة الرفع، وبالياء في حالتَي النصب والجر.
ومثال دلالة اسم الإشارة (هاتان) على المثنى المؤنث، مع رفعه بالألف: قوله صلى الله عليه وسلم: ((هاتان السجدتان لِمَن لا يدري: زاد في صلاته أم نقص؟[6]...))؛ الحديث.
5 - (هؤلاء)[7] بالمدِّ على الأفصح[8]، وهي اسم إشارة يُشار به إلى الجمع مطلقًا؛ مذكرًا كان أو مؤنثًا، ومثال الإشارة باسم الإشارة (هؤلاء) إلى جماعة الذكور في كتاب الله تعالى: قولُ الله عز وجل: ï´؟ فَدَعَا رَبَّهُ أَنَّ هَؤُلَاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ ï´¾ [الدخان: 22]، ومثال الإشارة إلى جماعة الإناث باسم الإشارة (هؤلاء) في كتاب الله سبحانه: قولُ الله عز وجل: {قَالَ يَا قَوْمِ هَؤُلَاءِ بَنَاتِي هُنَّ أَطْهَرُ لَكُمْ} [هود: 78]، فأشار سبحانه باسم الإشارة (هؤلاء) إلى جماعة الإناث (بناتي)، فهذه خمسة أسماء يشار بها إلى المفرد والمثنى بنوعَيْه والجمع بنوعَيْه، وليُعلَم أن هذه الأسماء الخمسة كلها يشار بها إلى العاقل وغير العاقل.
ومثال الإشارة بها إلى العاقل: قولُ الله عز وجل: ï´؟ قَالَ الْمَلَأُ مِنْ قَوْمِ فِرْعَوْنَ إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ ï´¾ [الأعراف: 109]، وقول جبريل صلى الله عليه وسلم لنبيِّنا صلى الله عليه وسلم في عائشة رضي الله عنها: ((إن هذه زوجتك في الدنيا والآخرة))، وقول الله عز وجل: ï´؟ قَالُوا إِنْ هَذَانِ لَسَاحِرَانِ ï´¾ [طه: 63]، وقوله سبحانه: ï´؟ قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ ï´¾ [القصص: 27].
ومثال الإشارة بهذه الأسماء إلى غير العاقل: قولُ الله تعالى: ï´؟ قَالَ يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ ï´¾ [المائدة: 31]، وقوله عز وجل: ï´؟ وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هَذِهِ الْقَرْيَةَ ï´¾ [البقرة: 58]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحرير والذهب: ((هذان حرام على ذكور أمتي))، وقوله صلى الله عليه وسلم لأبي هريرة: ((اذهَبْ بنعليَّ هاتينِ، فمَن لقيتَ وراء هذا الحائط، يشهد أنْ لا إله إلا الله مستقينًا بها قلبه، فبشِّرْه بالجنة))[9].
وهل هذه الأسماء الخمسة المذكورة هي كل أسماء الإشارة؟
الجواب: لا، فمِن أسماء الإشارة كذلك أسماء خاصة بالمكان، وهذه على اسمها يشار بها إلى المكان، وهي على أنواع ثلاثة:
1 - ما يشار به إلى المكان القريب، وهو اسم الإشارة (هنا)؛ نحو قول الله تعالى: ï´؟ يَقُولُونَ لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا ï´¾ [آل عمران: 154][10].
2 - ما يشار به إلى المكان المتوسط، وهو اسم الإشارة (هناك) بإضافة كاف الخطاب إليه؛ نحو قول النبي صلى الله عليه وسلم: ((هناك الزلازل والفتن، وبها يطلع قرن الشيطان)).
3 - ما يشار به إلى المكان البعيد، وهو اسما الإشارة (هنالك)[11]، و(ثَمَّ) بفتح الثاء[12]، ومثال (هنالك) في كتاب الله سبحانه: ï´؟ وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَانًا ضَيِّقًا مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا ï´¾ [الفرقان: 13]، ومثال (ثَمَّ) قولُ الله عز وجل: ï´؟ وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا ï´¾ [الإنسان: 20][13].
♦ ♦ ♦
المبحث الثالث: ذكر الأحرف التي تلحق أسماء الإشارة:
اعلم رحمك الله أنه يلحق أسماءَ الإشارة الخمسة المذكورة ثلاثةُ أحرف؛ هي:
الحرف الأول: ها التنبيه، وهي حرف يفيد تنبيه السامع إلى ما يشار إليه، ويدل على قرب هذا المشار إليه، وتلحق (ها) هذه كلَّ أسماء الإشارة، وتكون في أولها، فتقول: هذا، وهذه، وهذان، وهاتان، وهؤلاء[14].
والحرف الثاني: كاف الخطاب، وهي حرف خطاب باتفاق النحاة[15]، وقد جِيءَ بها للدلالة على بُعد المشار إليه[16].
وهذه الكاف كـ: (هاء التنبيه) تلحق بجميع أسماء الإشارة، ولكنها تختلف عن هاء التنبيه في أنها تكون في آخر اسم الإشارة، لا في أوله كالهاء.
تقول على سبيل المثال: ذاك، تِيك[17]، ذانِك[18]، تانِك[19]، أولئك، وهذه الكاف وإن كانت حرفًا، ولم تكن ضميرًا اسمًا كالضمير البارز المتصل (كاف المخاطب)، إلا أنها تتصرَّف تصرُّف هذه الكاف الاسمية غالبًا، فتكون بحسب المخاطب؛ ليدل على حالته من حيث العدد (الإفراد والتثنية والجمع)، ومن حيث النوع (التذكير والتأنيث)[20].
الحرف الثالث: لام البعد[21]، وهي حرف يتوسط بين اسم الإشارة وكاف الخطاب، ولا توجد لام البعد في أسماء الإشارة بدون كاف الخطاب.
ولام البعد تلحق اسمي الإشارة:
(ذا) للمفرد المذكر، مع الكاف، كما ذكرنا[22]، فيقال: ذلك؛ نحو قول الله تعالى: ï´؟ ذَلِكَ مِمَّا أَوْحَى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ ï´¾ [الإسراء: 39].
و(تي) للمفردة المؤنثة[23]، مع الكاف كذلك[24]، فيقال: تلك[25]؛ نحو قول الله تعالى: ï´؟ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلَا تَقْرَبُوهَا ï´¾ [البقرة: 187].
فهذه هي الأحرف الثلاثة التي تلحق أسماء الإشارة.
والسؤال الآن: هل يمكن أن يلحق أكثر من حرف من هذه الأحرف الثلاثة اسمًا من أسماء الإشارة في وقت واحد؟
الجواب: نصَّ النحاة على أنه يجوز أن يجتمع في اسم الإشارة الكاف مع الهاء، فيقال: هاذاك، هاتيك، هاذانِك...، وهكذا[26].
كما نصُّوا كذلك على أنه يجوز أن يجتمع في اسم الإشارة كاف الخطاب مع لام البعد[27]، وذلك في اسمي الإشارة: ذلك، وتلك.
وهل يمكن أن تجتمع هذه الأحرف الثلاثة معًا، وفي آن واحد، في اسم من أسماء الإشارة؟
الجواب: أنه لا يمكن أن تجتمع هذه الأحرف الثلاثة أبدًا دفعة واحدة في اسم من أسماء الإشارة، وسبب ذلك هو:
1 - كراهة كثرة الزوائد؛ لأنه إذا جاءت اللام والكاف و(ها) التنبيه، صار عندنا ثلاثة زوائد.
2 - عدم المناسبة بين (ها) التنبيه ولام البعد؛ لأن اللام تدل على بُعد المشار إليه، و(ها) التنبيه تدل على قربه، فيكون فيه جمع بين الأضداد التي تتعارض، فتتساقط.
3 - ولأننا إذا أتينا باللام مع (ها) التنبيه، فقد يلتبس علينا أن يكون ما بعد اللام خبرًا، بأن تكون اللام جارَّة، والكاف اسمًا مجرورًا، فيكون الجار والمجرور متعلقينِ بمحذوف خبرًا مقدَّمًا، وهذا يظهر جليًّا إذا لم تُشكل اللامُ، فأصلُ لام البعد أن تكون مكسورة، ولام الجر إذا دخلت على الكاف تكون مفتوحةً، فإذا لم تُشكل اللام حصل اللبس.
♦ ♦ ♦
المبحث الرابع: مراتب المشار إليه من حيث قربه وبعده:
أشرنا في المبحث السابق إشارة يسيرة إلى أن الأحرف الثلاثة (ها التنبيه، وكاف الخطاب، ولام البعد) عند اتصالها باسم الإشارة، منها ما يدل على قرب المشار إليه، ومنها ما يدل على بعده، ومنها ما يدل على توسطه بين القرب والبعد، وذاكم هو تفصيل القول في ذلك:
اعلم - رحمك الله - أن للمشار إليه من حيث قربُه وبعدُه ثلاثَ مراتب: قريبة، ومتوسطة بين القرب والبعد، وبعيدة:
فقد يكون المشار إليه قريبًا، وحينئذٍ يشار إليه باسم إشارة ليس فيه كاف، ولا لام[28]؛ كـ: أكرم هذا الرجل، أو: هذه المرأة، ومن ذلك قول الله تعالى: ï´؟ وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ ï´¾ [الأنعام: 153].
وقد يكون المشار إليه متوسطًا بين القرب والبعد، وحينئذٍ يشار إليه باسم إشارة فيه كاف الخطاب وحدها[29]؛ كـ: اركَبْ ذاك الحصان، أو: تيك الناقة.
وقد يكون المشار إليه بعيدًا، وحينئذٍ يشار إليه باسم إشارة فيه الكاف واللام معًا؛ كـ: خُذْ ذلك القلم، أو: تلك الدَّواة.
المبحث الخامس: إعراب أسماء الإشارة:
اعلم - رحمك الله - أن أسماء الإشارة كغيرها من المعارف الستة تُعرب حسب موقعها في الجملة رفعًا ونصبًا وجرًّا[30]، وهي إما أن تكون:
مبنية، فتُعرب إعرابًا محليًّا؛ يعني أنها تكون مبنية في محل رفع، أو نصب، أو جر، وهذا يشمل كلَّ أسماء الإشارة ما عدا المثنى منها (هذان، وهاتان)[31]، ومن أمثلة بناء أسماء الإشارة مع كونها في محل رفع، أو نصب، أو جر، من كتاب الله تعالى:
1 - مثال بنائها مع كونها في محل رفع: قولُ الله تعالى: ï´؟ هَذَا كِتَابُنَا يَنْطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ ï´¾ [الجاثية: 29][32].
2 - ومثال بنائها مع كونها في محل نصب: قول الله عز وجل: ï´؟ إِنَّ هَؤُلَاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ [الشعراء: 54][33].
3 - ومثال بنائها مع كونها في محل جر: قولُ الله عز وجل: ï´؟ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا [النساء: 75][34].
وإما أن تكون معربة، وهذا يشمل المثنى منها فقط (هذان، وهاتان)، فكلٌّ مِن اسمَي الإشارة (هذان، وهاتان) معربانِ، وهما يعربان إعراب المثنى؛ بالألف رفعًا، وبالياء نصبًا وجرًّا[35].
ومثال رفع (هذان) بالألف: قول الله تعالى: ï´؟ هَذَانِ خَصْمَانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ ï´¾ [الحج: 19][36].
ومثال رفع اسم الإشارة (هاتان) بالألف: قولُ النبي صلى الله عليه وسلم في سجدتَي السهو: ((هاتان السجدتان لمن لا يدري زاد في صلاته أم نقص))[37].
ومثال نصب (هذين) بالياء: قول الله تعالى - في قراءة أبي عمرو[38] -: {إنَّ هذينِ لساحرانِ}[39].
ومثال نصب (هاتين) بالياء: قولُ رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((إن هاتينِ الصلاتين حُوِّلَتَا عن وقتِهما...))[40]؛ الحديث.
ومثال جر (هذين) بالياء: قولُه صلى الله عليه وسلم: ((الوقت بين هذين))[41].
ومثال جر (هاتين) بالياء: قولُ الله تعالى: قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ [القصص: 27][42].
[1] عبَّر ابن آجروم رحمه الله في آجروميته، وغيرُه من النحاة، عن أسماء الإشارة بالاسم المبهم، وسبب كون أسماء الإشارة من الأسماء المبهمة وجهانِ:
الوجه الأول: عمومُ اسم الإشارة وصلاحيته للإشارة به إلى كل جنس، وإلى كل نوع، وإلى كل شخص، تقول على سبيل المثال: (هذا زيد - هذه منضدة - هذا فرس)، فتشير باسم الإشارة إلى الإنسان العاقل، وإلى الجماد، وإلى الحيوان...، وهكذا، وسيأتينا إن شاء الله تعالى في المبحث الثاني عند ذكر ألفاظ أسماء الإشارة، أن أسماء الإشارة كلَّها يشار بها إلى العاقل وغير العاقل.
والوجه الثاني: أن أسماء الإشارة تفتقر في بيان مسماها وتعيينه إلى الإشارة الحسية أو المعنوية، كما سيأتينا إن شاء الله تعالى بعد قليل في تعريفها.
• المبهم: اسم مفعول من الإبهام، وهو يرجع إلى مادة (أبهم)، ومنها: قولك: أبهمت الأمر، ضد إيضاحه.
ومن الأسماء المبهمة كذلك، والتي تعد أيضًا من المعارف الستة: الأسماء الموصولة، وعليه؛ فالأسماء المبهمة من المعارف الستة نوعان، هما: أسماء الإشارة، والأسماء الموصولة، ولم يَمثِّل ابن آجروم رحمه الله على الاسم المبهم إلا بأسماء الإشارة فقط، فلم يمثل للأسماء الموصولة، وهذا ليس بجيد، وإن كان يمكن الاعتذار عنه بالقاعدة المعروفة التي هي: كلُّ الشيء يُذكر ببعض مفرداته.
يتبع