تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: الدعوة إلى الله

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي الدعوة إلى الله

    الدعوة إلى الله(1)




    الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وبعد، فإن الدعوة قضية لها بداية ولها غاية، وبينهما مراحل ينبغي أن تقطع بأناة وروية، حتى يتحقق الهدف المنشود، من عمارة الأرض بدين الله الرب المعبود.

    إنها الدعوة إلى التوحيد، في شمول وتكامل، ثم الثبات في مواقع الحراسة لدين الله عز وجل ، ثم التأني في جميع مراحل الدعوة وإن طال الدرب، حتى تزول غربة الإسلام، وتكبر القاعدة، ويتسع نطاق العاملين للإسلام على الوجه الصحيح، ليصبحوا جبهة قوية في وجه الذين لا يؤمنون، ثم الجهاد والقتال، وحينئذٍ يميلون على الذين كفروا ميلة واحدة بإذن الله تعالى.
    حقائق على طريق الدعوة
    ولا ريب أنَّ ثمة أموراً كثيرة، تخص قضية الدعوة، يحدث حولها جدل واسع، وتخضع لمؤثرات مختلفة، مما دعا بعضهم إلى التخبط، وضبابية الرؤية إزاء حقائق تمثل الأرض الصلبة التي ننطلق منها ، والأصول التي ينبغي أن تتحد الرايات حولها. فمن ذلك :
    أولًا : الأمة كلها يقع عليها عبء الدعوة إلى الله.
    فلا ينبغي أن يتخلف أحد من المسلمين عن هذا الميدان ، ولا ينبغي أن يزدري المرء نفسه، ويظن أنه أقل من أن يدعو ويعمل .
    قال الله تعالي: {قُلْ هَٰذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ ۚ عَلَىٰ بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي ۖ } (يوسف: 108).

    فهذه هي السبيل ، ولكن كم هم الفارون ؟! .
    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (20/5):

    والدعوة إلى الله واجبة على من اتبع الرسول صلى الله عليه وسلم ، وهم أمته، وقد وصفهم الله بذلك: كقوله تعالى: {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}(ال أعراف: 157)، فهذه في حقه صلى الله عليه وسلم وفي حقهم قوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} (آل عمران: 110)، وقوله: {وَالْمُؤْمنون وَالْمُؤْمِنَات ُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ } (التوبة: 71). وهذا الواجب واجب على مجموع الأمة، وهو فرض كفاية، يسقط عن البعض بالبعض كقوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ} (آل عمران: 104)، فجميع الأمة تقوم مقامه في الدعوة: فبهذا إجماعهم حجة، وإذا تنازعوا في شيء ردوه إلى الله ورسوله أهـ
    إن من واجباتنا أن نؤصل في أذهان جميع المسلمين هذا الأصل الأصيل، ألا وهو حتمية الدعوة ، فيتعاهد الجميع أمام الله تعالى بألا يمر يوم إلا وقد تقرب إلى الله بدعوة رجل واحد على أقل تقدير .

    إن من المفارقات العجيبة أنَّ أحد الإخوة أعدَّ متوالية حسابية على اعتبار أنَّ فردًا واحدًا سيدعو صديقًا له، ثم انطلق الرجلان في الدعوة بعد ذلك ليصيروا أربعة في السنة التالية وهكذا دواليك.
    هل تصدقون أن خلال ثلاثين سنة بهذه المعادلة الحسابية تكون الدعوة وصلت إلى ألف مليون مسلم؟

    ثانيًا: كل يدعو إلى الله على حسب الطاقة والقدرة
    من الأمور التي تختلط في أذهان الكثيرين أنه قد يتصور أنَّ الدعوة إلى الله هي أن يعتلي المنابر، ويلقي الدروس والمحاضرات، أو أن يتصور أنَّ وضعه الاجتماعي لا يؤهله للقيام بهذا الواجب.
    والأمر أيسر مما يتوهمه هؤلاء.

    ومن الشبهات التي عمت بها البلوى قول بعضهم: إنك كمن يحرث في ماء ، ولسان حالهم كمن قصَّ علينا القرآن خبرهم
    {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَىٰ رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَﭟ} (الأعراف: 164)، يقولون: إنك لن تغير الكون بكلامك، لن تستطيع أن تصنع شيئًا، أين صدى هذه الدعوة في الناس والفساد يعم أنحاء المعمورة من كل جهة.
    فلهؤلاء وأمثالهم من معاشر المثبطين القاعدين الذين يصدق فيهم قوله تعالى {فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُوا} (التوبة: 46)، نقول لهم:
    1) إنَّه قد مضت القاعدة الشرعية الشهيرة بأنَّ الله لا يكلف بالمحال، ولا يكلف بما لا يطاق، فمعنى أن الله أوجب علينا الدعوة إلى سبيله أنَّ ذلك فيما يطيقه، ويستطيعه، كل أحد.
    2) إننا نمتثل قول تلك الفرقة الناجية قالوا: {معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون}(الأعراف)، فإننا نعتذر إلى الله أن يُعصى فلا يُطاع وأن يُكفر فلا يُشكر ، وهذا وحده يكفي للغيرة لله، وحسبنا الله ونعم الوكيل.
    3) إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يعفِ أحدًا من إنكار المنكر، ففرض المستطيع باليد أن ينكر بها، وكذا المستطيع بلسانه، أما الضعفاء الذين لا حيلة لهم ففرضهم الإنكار بالقلب، فإن لم يكن، كان هذا دليلًا على فساد القلب، وضعف الإيمان .

    في صحيح مسلم عن عبد الله بن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «مَا مِنْ نَبِيَ بَعَثَهُ الله فِي أُمّةٍ قَبْلِي، إِلاّ كَانَ لَهُ مِنْ أُمّتِهِ حَوَارِيّونَ وَأَصْحَابٌ يَأْخُذُونَ بِسُنّتِهِ وَيَقْتَدُونَ بِأَمْرِهِ. ثُمّ إِنّهَا تَخْلُفُ مِنْ بَعْدِهِمِ خُلُوفٌ، يَقُولُونَ مَا لاَ يَفْعَلُونَ، وَيَفْعَلُونَ مَا لاَ يُؤْمَرُونَ. فَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِيَدِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِلِسَانِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ، وَمَنْ جَاهَدَهُمْ بِقَلْبِهِ فَهُوَ مُؤْمِنٌ. وَلَيْسَ وَرَاءَ ذَلِكَ مِنَ الإِيمَانِ حَبّةُ خَرْدَلٍ».
    إن التوفيق استأثر الله به نفسه جل وعلا ، وما حالنا إلا كما قال شعيب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {إِنْ أُرِيدُ إِلَّا الْإِصْلَاحَ مَا اسْتَطَعْتُ ۚ وَمَا تَوْفِيقِي إِلَّا بِاللَّهِ} (هود: 88).
    أصل الداء
    أصل الداء عادةً ينبع من عدم وضوح الهدف، أو اعتبار الغايات مبررات لكثير من الوسائل مطلقًا دون ضابط، أو تعجل الحصاد، والتاريخ شاهد على فشل هذه الفرق.
    ولذلك يدب الوهن في قلوب المسلمين، ويصابون بإحباطات وهزائم نفسية، تجعلهم فريسة سائغة لأعداء الإسلام .
    وهذا حديث ذو شجون ، ولذلك تعالوا نعيد ترتيب منظومتنا الدعوية، تعالوا نقلب في دفاترنا، ونقارن واقعنا الدعوي بالشروط التي لا محيص عنها، إذا رمنا نجاحًا.



    اعداد: الشيخ. محمد حسين يعقوب

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    41,322

    افتراضي رد: الدعوة إلى الله

    الدعوة إلى الله(2)





    استكمالا لما بدأناه في الحديث عن الدعوة والحقائق التي يجب الانتباه إليها ونحن على هذا الطريق نقول: إن لهذه الدعوة شروطًا هي:

    الشرط الأول: الإخلاص، قال الله تعالى: {وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة} (البينة:5) وقال صلى الله عليه وسلم : «إنما الأعمال بالنيات ولكل امرئ ما نوى»..
    فالدعوة إلى الله عبادة، فيتدبر المرء هذا المشهد جليًا، ويعلم من هذا أنَّ قيامه بهذا الواجب هو ما أمر به، أما النتائج فليست داخلة في واجبه، وليست من شأنه؛ بل هي قدر الله تعالى ومشيئته، وهو ونيته وجهده وعمله جانب من هذا القدر، ومن هنا تكتسب الأعمال قيمتها في النفس من بواعثها لا من نتائجها، وجزاء المرء في العبادة التي أداها، لا في النتائج التي أحرزها.


    ومتى استقر هذا المعنى في القلب تباعدت عنه الأطماع الدنيوية، لأنه حينئذٍ يرتفع إلى أفق العبودية، فتأنف نفسه وسيلة خسيسة لتحقيق غاية كريمة، ولو كانت هذه الغاية هي نصرة دين الله وجعل كلمة الله هي العليا، لأنَّ الوسيلة الخسيسة تحطم معنى العبادة الشريف، فلا نمنِّي النفس بلوغ الغايات، بل هي حريصة على أداء الواجبات، ويستمتع العبد بعد هذا براحة الضمير، وطمأنينة النفس، وصلاح البال في جميع الأحوال، سواء رأى ثمرة عمله أم لم يرها، والإخلاص عزيز، ولذلك يحتاج القلب إلى تمحيص النوايا، فعلى كل منا أن يتهم نفسه، وأن يلقي باللائمة عليها، ففي الإخلاص الخلاص، ولذلك ينبغي أن يكون هناك تمحيص مستمر للمسيرة الدعوية، ومحاولة الكشف عن العيوب، من الهوى والشهرة، وحب الظهور، وحب النفس، والعمل لها، وطلب الجاه والرياسة.
    ولهذا يحتاج من الداعية دوام اللجوء إلى الله والاستعانة به على آفات نفسه، «نعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا».

    الشرط الثاني: وضوح الهدف
    بعض الناس قد يمارس العمل الدعوي، لكن بدون منهج، فالغاية قد لا تكون في ذهنه أكثر من هتاف بشعارات لا يدري معناها، أو هو لا يقوم بواجباتها، وقد تكون الأهداف مجرد عبارات إنشائية يتشدق بها.
    وقد تتعلق القلوب بأهداف كبرى، تحتاج إلى وقت ليس بالقصير، ومع الوقت يتسلل إلى النفوس الشعور بالفشل والإحباط، فهو يحلم بالدولة الإسلامية سنوات طويلة، ومر وقت طويل ولم ير حلمه يتحقق في الواقع.

    والطريقة الصحيحة هنا أنْ نحدد الأهداف الكبرى لتكون نصب الأعين، ثم نحدد أهدافًا جزئية يسعى كل منَّا لتحقيقها، هذا الهدف الجزئي قد يكون دعوة الزوجة أو الزوج، دعوة الأب أو الأم، دعوة الأخ أو الأخت، دعوة الصديق أو الجار، دعوة زملاء العمل أو رفقاء السفر.
    لكن يتبقى سؤال مهم في هذا الصدد ألا وهو: إلام ندعو؟ وما الهدف؟

    لا ريب أنَّ أطروحات عديدة تحدثت عن هذه القضية، وتباينت وجهات النظر إزاء تلك المسألة الخطيرة، ولا أجدني في هذا المقام، وبعد تجارب واقعية كثيرة إلا مؤكدًا على تلك الأهداف الكبرى التي أظنكم لا تختلفون معي حولها.
    وإذا كان الأصوليون يقولون: إن المقاصد العامة للشريعة الإسلامية خمسة: هي حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ النسل، وحفظ العقل، وحفظ المال.

    ويقول الشاطبي أن ثمة مقاصد جزئية يتحقق بها المقصد الكلي، فنحن نستعير منه هذه الوجهة في إيضاح الأهداف والمقاصد للدعوة، فإذا كان الهدف الأم هو نشر دين الله تعالى في شتى بقاع الأرض، وأن تمحق من الأرض رايات الكفر والإلحاد.
    وهذا لا يتحقق إلا بثلاثة أمور: التوحيد، واتباع النبي محمد وأصحابه، وتزكية النفوس، وقد تؤول جميعًا إلى التوحيد إن أمعنا في فهمه وتدبره.


    الشرط الثالث: عمق الوعي بالإسلام والواقع
    وهي بعبارة الأصوليين والفقهاء ما يسمى بـ (فقه الحال) أو (فقه الوقائع)، فالعالم الآن يمر بثورة هائلة في مجالات الاتصالات، جعلت الغزو الثقافي يطل علينا من كل باب، وبما أنَّ قانون الغاب هو الحاكم، فقد أصبحت ثقافة المستعمر الأقوى تفرض كيانها، وتعمل بأساليبها الخبيثة الماكرة في طمس الهوية الإسلامية، والمسلم المعاصر يواجه تحديات خطيرة على كافة المستويات، ولم يعد التشكيل التربوي يخضع لمعايير محددة كالبيت، والمدرسة، والمسجد، فإن التلفاز، والدش، والإنترنت صار هو المربي الأول لا الأب والأم، والمناهج الدراسية لا تعطي درس الدين حقه، ناهيك عما فيها من أباطيل، والمساجد لا تقوم بدورها في أغلب الأحيان.
    والأسرة المسلمة صارت تواجه مشكلات لم نعهدها قبل، لأنَّ الدين عندنا لم يعد هو الفيصل في الأمور، فالأسرة المسلمة على حافة الهاوية.
    في ظل تلك الأجواء نحتاج إلى الداعية الرباني الذي يفقه الواقع الذي يعيشه، فهو يعلم أنَّ أغلب المسلمين مغيبون عن الحقيقة، وأنَّ تبصيرهم إزالة الغيام من أمامهم كفيل بإذن الله بإعادة الأمور إلى نصابها، لكن كيف؟ تلك مسألة سنتعرض لها لاحقًا.

    الشرط الرابع: جدية الأخذ بالكتاب، والسنة
    لا شك في أننا نتفق حول هذا الشرط أعني المرجعية إلى الكتاب والسنة، تلك المرجعية المنضبطة بفهم سلف الامة، حتى لا نقع في درك الشطحات، والأقوال الشاذة، التي لم تخرج في الأمة إلا بسبب عدم التقيد بهذا القيد اللازم.

    لكني هنا أثير مسألة «الجدية» في اتباع هذا المسلك، لا سيما والحرب العلمانية الضروس تُشن لدك هذا الأصل من أساسه، فلم يعد الخلاف عندهم في التقيد بفهم السلف، والانضباط بأصولهم، بل تعدى الأمر لإنكار السنة، ثم التطاول على القرآن، ثم إظهار الوجه الحقيقي حين نالوا من الله ورسوله، وإلى الله المشتكى.
    الشرط الخامس: صدق الجهاد في سبيل الله
    قال تعالى: {َأم حَسِبْتُمْ أَن تُتْرَكُواْ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُواْ مِن دُونِ اللّهِ وَلاَ رَسُولِهِ وَلاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.
    وقال تعالى: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (آل عمران:142).

    وقال تعالى {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا} (العنكبوت:69)، وهنا يأتي الابتلاء والتمحيص، وامتحان النوايا بين الصدق والكذب، فيبدو من يريد الدنيا ومن يريد الآخرة.
    ولا يكون جهاد دون عداد العدة للنزال، فلا يكون الداعية مصيبًا في توجهه دون أن يستكمل أدواته التي سيخوض بها المعركة من أجل إعلاء كلمة الله.



    الشرط السادس: الالتزام بآداب العمل الجماعي وشروطه :
    فمن ذلك وحدة الصف وعدم التنازع فيما لا يستوجب النزاع، وهنا ينبغي أن تنأى الأهواء والخلافات الشخصية التي تشق عصا الجماعة تحت مزاعم جوفاء، لا تنظر إلى الآثار الوخيمة التي تترتب على هذه الخلافات، فيترتب على إنكار منكر منكرات أشدّ، لا سيما فساد ذات البين بين أصحاب التوجهات الواحدة.
    أخرج الإمام أحمد والترمذي في جامعه وقال: حديث صحيح، وأبو داود وصححه الألباني قوله صلى الله عليه وسلم : «فإنَّ فساد ذات البين هي الحالقة»
    أي أنها تحلق دين المرء فعياذًا بالله أن نقع في هذا.

    ومن هذه الآداب أنَّ الساحة طالما كانت مشتركة فلا يجوز بحكم الشراكة أن يحدث طرف ما يسبب الضرر على الآخر، فلا ضرر ولا ضرار.
    الشرط السابع: وضوح مفهوم الولاء والبعد عن خط الاحتواء
    أحيانًا؛ بسبب عدم وضوح الأهداف والوسائل يحدث كثير من خلط الأوراق، ويظن أن الدعوة إلى المنهج السلفي يعد نوعًا من التعصب أو الحزبية، والأمر خلاف ذلك، فالدعوة هنا إلى منهج لا إلى أشخاص، والمنهج في حد ذاته معصوم؛ لأنه لا يتقيد إلا بالكتاب والسنة والإجماع، فالولاء هنا لله ولرسوله، لا لفلان وفلان من الشيوخ.


    يقول شيخ الإسلام ابن تيمية (20/5): «فالواجب على كل مؤمن أن يحب ما أحب الله ورسوله،، وأن يبغض ما أبغضه الله ورسوله مما دل عليه في كتابه، فلا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ولا بقول إلا لكتاب الله عز وجل، ومن نصب شخصا كائنا من كان فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو {من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعا} (الروم:32)، وإذا تفقه الرجل وتأدب بطريقة قوم من المؤمنين مثل: اتباع: الأئمة والمشايخ، فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم العيار، فيوالي من وافقهم، ويعادي من خالفهم، فينبغي للإنسان أن يعود نفسه التفقه الباطن في قلبه والعمل به فهذا زاجر.وكمائن القلوب تظهر عند المحن. وليس لأحد أن يدعو إلى مقالة أو يعتقدها لكونها قول أصحابه، ولا يناجز عليها؛ بل لأجل أنها مما أمر الله به ورسوله؛ أو أخبر الله به ورسوله؛ لكون ذلك طاعة لله ورسوله. وينبغي للداعي أن يقدم فيما استدلوا به من القرآن؛ فإنه نور وهدى، ثم يجعل إمام الأئمة رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ ثم كلام الأئمة. ولا يخلو أمر الداعي من أمرين:
    - الأول: أن يكون مجتهدا أو مقلدا، فالمجتهد ينظر في تصانيف المتقدمين من القرون الثلاثة؛ ثم يرجح ما ينبغي ترجيحه.
    - الثاني: المقلد يقلد السلف؛ إذ القرون المتقدمة أفضل مما بعدها. فإذا تبين هذا فنقول كما أمرنا ربنا: {قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا} إلى قوله: {مسلمون} (البقرة:136 ونأمر بما أمرنا به. وننهى عما نهانا عنه في نص كتابه، وعلى لسان نبيه صلى الله عليه وسلم كما قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوه} (الحشر:7)، فمبنى أحكام هذا الدين على ثلاثة أقسام: الكتاب، والسنة، والإجماع. أهـ.
    وهنا تأتي مسألة التميز والاستقلالية، فنحن نحتاج إلى دعاة متمايزين، لأنَّ من شأن هذا التميز أن يغطي أكبر قدر من احتياجات الناس، وبهذا يخدم كل داعية شريحة معينة من المجتمع، ولذلك يتكرر التنبيه على نبذ التقليد بكافة صوره، ولا يتأتى لنا ذلك إلا بوضوح المنهج، والبعد عن الحزبيات، والتعصب المقيت، فلا يكون لواء الولاء والبراء إلا لله ورسوله.
    وينبغي أن ندرك أنَّ من صور التميز: الالتزام المطلق بشرائع الإسلام؛ فإنها شهادة حق، أما التقصير فإنه مرفوض، ولا مسوغ له، وإن تعددت الذرائع، فإنَّ التفريط ولو في القليل شهادة باطل، توصم بها الدعوة ككل.
    الشرط الثامن: النصيحة للإصلاح،
    قال تعالى: {والعصر إن الإنسان لفي خسر إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر} (العصر)، وفي صحيح مسلم قال صلى الله عليه وسلم : «الدين النصيحة»، وفي الصحيحين قال جابر بن عبد الله: بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم على إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، والنصح لكل مسلم.

    ويقول شيخ الإسلام ابن تيمية (28/603): أعظم ما عبد الله به نصيحة خلقه، فالنصيحة عماد الدين وقوامه، وحقيقتها قبول الحق وإن خالف الهوى، وكان بغيضًا إلى النفس، ورد الباطل على قائله ولو كان حبيبًا، وفرق بين النصيحة والفضيحة، فكلما كان النصح في السر دون العلن كان أفضل، وكلما كانت الخلافات تحل بالنصح المتبادل داخل الحجرات المغلقة كان أولى،ولا أرى أنَّ ثمرات هذا التناصح ستبدو في الأفق دون أن تتآلف القلوب، وتنبذ العداوات، وتهمش الذاتيات. هذا بين أهل الدعوة.
    أما بذل النصيحة لكل مسلم، فإنه يقتضي أنْ تكون رفيقًا بهم، وإن أجرموا وتعدوا فلن تعدم فيهم الخير.

    الشرط التاسع: الاختصاص
    من الشروط اللازمة للدعوة إلى الله في هذا العصر، فتكثيف الجهد في تخصص معين نبغ فيه الداعية، ومع التمايز والاستقلالية، من شأنه أن بتباعد عن السطحيات، ولكن هذا الشرط مقيد بأن يوجد في الساحة من يسد جميع الثغرات، هذا في ميدان الفقه، وآخر في العقيدة، وآخر في علم الحديث وآخر في علوم القرآن، وهذا في الطب، وآخر في الاقتصاد، وآخر في الهندسة، وهكذا، نجد نوعيات مختلفة بثقافات مختلفة، يجمعها منهج واحد، أهدافهم واضحة، أدواتهم راسخة، أصحاب رؤية واقعية، صادقون في جهادهم، ملتزمون بضوابط المنهج، لهم شخصيات متميزة مستقلة، لا توالي إلا في الله، ولا تعادي إلا في الله، يبذلون جهدهم في نصيحة عباد الله بأفضل وسيلة.



    اعداد: الشيخ. محمد حسين يعقوب



    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •