تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: ذنوب القلوب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي ذنوب القلوب

    ذنوب القلوب

    «المحرمات التي على القلب أشد حرمة من الزنا وشرب الخمر وغيرهما من الكبائر» (ابن القيم - مدارج السالكين: ج1- ص: 133). كنت على وشك مغادرة المجلس العائلي الأسبوعي يوم الخميس، حين سألني ابن أختي أحمد: - ما موضوع خطبة الغد؟ (ذنوب القلوب) إن شاء الله. - سمعنا عن طاعات القلوب، لا عن ذنوب القلوب. - كما للقلب طاعات، كذلك تقع منه المعاصي والذنوب، بل معاصي القلب أشد من معاصي الجوارح، معاصي القلب قد تكون كفرا مخلدا في نار جهنم، مثل النفاق والشرك والشك، ومنها ما يكون كبائر، مثل الرياء والكبر والعجب والخيلاء والقنوط من رحمة الله واليأس من روح الله، ومنها ما يكون صغائر مثل شهوة المحرمات وتمنيها، فعلى العبد أن يكون أحرص ألا يقع في المعاصي القلبية من الوقوع في المعاصي الظاهرة. طلبت مني أختي أن أجلس لتستوضح بعض النقاط. - ولماذا كانت هذه المعاصي القلبية أشد من الكبائر التي نهى عنها النبي -[؟ - سؤال جميل، والإجابة باختصار.
    أولاً: هذه الذنوب تتعلق بالقلب، والقلب هو أساس نجاة العبد يوم القيامة: {يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (88) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} (الشعراء:88-89)، وحديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» (متفق عليه).
    ثانيا: ذنوب القلوب هي التي تؤدي إلى ذنوب الجوارح، فالأصل هو ما يصدر من القلب، من حسد أو كبر أو عجب، وغيرها.
    ثالثا: المعاصي الظاهرة، بينة واضحة، يعرفها العاصي، فيتوب منها أما معصية القلب فقلما يتوب صاحبها، وهذا هو الفرق بين معصية آدم في الجنة، ومعصية إبليس، فآدم نسي، وغفل وأكل من الشجرة التي نُهي عنها، فتاب، بمجرد أن رأي أثر المعصية وتذكر، فتاب الله عليه، أما إبليس فكانت معصيته (الكبر): {أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ} (البقرة:34)، فتمادى في غيه وكبره، كما قال -تعالى-: {قَالَ فَاهْبِطْ مِنْهَا فَمَا يَكُونُ لَكَ أَن تَتَكَبَّرَ فِيهَا فَاخْرُجْ إِنَّكَ مِنَ الصَّاغِرِينَ} (الأعراف:13).
    رابعا: الوعيد الشديد الذي ورد في القرآن والأحاديث الصحيحة على معاصي القلوب، ومن ذلك قوله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر» (مسلم).
    وحديث أبي هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم -: «دب إليكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء، والبغضاء هي الحالقة لا أقول تحلق الشعر ولكن تحلق الدين» (السلسلة الصحيحة)، وهذه معاصي قلبية، وأحاديث أخرى كثيرة تبين أن معصية القلب تحبط العمل كله! وفي حديث آخر، يقول النبي - صلى الله عليه وسلم -: «ثلاثة لا تسأل عنهم: رجل ينازع الله إزاره، ورجل ينازع الله رداءه؛ فإن رداءه الكبرياء وإزاره العز، ورجل في شك من أمر الله والقنوط من رحمة الله» (الصحيحة). - وكيف النجاة من هذه المعاصي القلبية؟ قالتها متذمرة أختي الكبرى. - قبل أن نذكر السبيل للنجاة من هذه الذنوب يجب التنويه أنها تقع من أهل العبادة، أكثر من غيرهم، ولاسيما ممن لم يكن من أهل العلم الشرعي، فهذا حديث النبي - صلى الله عليه وسلم -: «أن رجلا قال: والله لا يغفر الله لفلان، فقال الله -تعالى-: من ذا الذي يتألى عليّ ألا أغفر لفلان، فإني قد غفرت لفلان وأحبطت عملك» مسلم. وعن أبي هريرة قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «كان رجلان في بني إسرائيل متواخيين، فكان أحدهما يذنب، والآخر مجتهد في العبادة، فكان لا يزال المجتهد يرى الآخر على الذنب فيقول: أقصر، فوجده يوما على ذنب فقال له: أقصر، فقال: خلني وربي، أبعثت علي رقيبا؟ فقال: والله لا يغفر الله لك، أو لا يدخلك الله الجنة، فقبض أرواحهما، فاجتمعا عند رب العالمين فقال لهذا المجتهد: أكنت بي عالما، أو كنت على ما في يدي قادرا؟ وقال للمذنب: اذهب فادخل الجنة برحمتي، وقال للآخر: اذهبوا به إلى النار» قال أبو هريرة -]-: والذي نفسي بيده لتكلم بكلمة أوبقت دنياه وآخرته. أما سبيل النجاة ففي أمور منها: أولا: الالتزام بطاعات القلوب قبل طاعات الجوارح.
    ثانيا: طلب العلم الشرعي الصحيح، والعمل به.
    ثالثا: قراءة القرآن بتدبر وتفكر.
    رابعا: المداومة على ذكر الله -عز وجل.
    خامسا: الدعاء والتضرع.
    في الحديث: عن معقل بن يسار قال: انطلقت مع أبي بكر - رضي الله عنه - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال - صلى الله عليه وسلم -: «يا أبا بكر للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، فقال أبو بكر: وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلها آخر؟! فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: والذي نفسي بيده للشرك أخفى من دبيب النمل، ألا أدلك إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيره؟! قل: «اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم» صحيح الأدب المفرد.

    اعداد: د. أمير الحداد

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: ذنوب القلوب

    ذنوب القلوب

    – إن الشرك لظلم عظيم

    - منذ بدأت التعمق في دين الله، قراءة، ودراسة، وتلمذة، وحضورا للندوات والمؤتمرات، وأنا أركز على العقيدة، والتوحيد؛ ذلك أنني رأيت أقرب الناس إلي يزورون الأضرحة، ويشدون الرحال إلى المشاهد، للتقرب إلى الله عند القبر وبحضرة الضريح، وينفقون الأموال نذرا لصاحب الضريح، ويعتقدون حازمين أنه يقضي حاجاتهم؛ فيشفي المريض، ويفرج الهم، ويخرج من الكربات، ويرجع الغائب، ورأيت أكثر من مرة من يرى بعد عمى، عندما تقرب أهله إلى الضريح ودعاه! ومن مشى على رجليه، بعد أن كان كسيحا! هكذا نقلوا لنا الخبر عندما كنا في إحدى الزيارات، سمعنا تهليلا وتكبيرا، إيذانا بهذين الحديثين، وإن كنا لا نعلم شيئا عن حقيقة الأمر. - إذًا اهتمامك بالعقيدة لم يكن من فراغ - كلا، بل من واقع عشته، مع أني لم أمارس شيئا من ذلك ولم يدخل قلبي شيء من هذه المعتقدات، إلا أن والدتي -رحمها الله- كانت حريصة على أن تأخذنا إلى هذه الأماكن؛ لأنها كانت (متدينة) وأرادت أن نتربى تربية دينية بعيدا عن الفواحش والمحرمات. استدعاني أحدهم للقاء إذاعي، بإيعاز من أحد المصلين في مسجدنا يعمل في الإذاعة، وكان اللقاء ضمن برنامج (واحة المستمعين). - وما الذي جعلك لا تتبنى هذه العقيدة التي كانت عليها والدتك؟ - الفضل أولا لله -عز وجل-، ومنذ كنت ربما في الصف السابع في سن الثانية عشرة من عمري، وأنا أتساءل، هل يعقل أن تنفع هذه الأمور، أعني المبيت عند الضريح، والذبح عنده، والنذر له؟ ولماذا لا يكون عند قبر النبي - صلى الله عليه وسلم -، فهو الأجدر أن ينفع لو كان بمقدور مخلوق أن يجلب نفعا أو يدفع ضرا؟ وبالطبع بقيت هذه التساؤلات في قلبي ولم أطلع عليها أحدا، ثم بدأت بقراءة كل كتاب أحصل عليه في العقيدة، وأظن من أولها كتاب (الأصول الثلاثة)، وجدته في المسجد الذي أصلي فيه، وهكذا بدأت مسيرتي مع كتب العقيدة، ثم بدأت استمع إلى من أثق به من العلماء، وأحضر الندوات، وأزور المشايخ، أناقش، وأقارن، وأحاول أن أجمع وبعد انتهائي من المرحلة الجامعية الأولى، بدأت أجمع أهلي وأقاربي وأبيّن لهم، وكانوا يقبلون مني لثقتهم بي وحسن تعاملي معهم، وتفوقي في دراستي ورضا والدتي عني. - وما الذي كنت تركز عليه في البدايات؟ - كان كل همي أن أبيّن لهم خطورة الوقوع في الشرك، وأن الشرك يحبط العمل، وآتي بآيات من كتاب الله، مثل قول الله -تعالى-: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} (الزمر:65)، وقوله -تعالى-: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا} (النساء:48). وأن الشرك ليس عبادة الأصنام، فحسب مع أن الأصنام لم تكن إلا رموزا لأناس صالحين ماتوا، وإنما الشرك عبادة قلبية واعتقاد في الوجدان بأن أحدا ينفع ويضر ويعطي ويمنع، لمكانته عند الله! كما قال الله عن مشركي قريش الذين بعث فيهم الرسول - صلى الله عليه وسلم -: {أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى} (الزمر:3)، فهؤلاء لم يعبدوا غير الله اعتقادا بهذه المعبودات، وإنما ليقربوهم إلى الله، بمعنى أنهم واسطة بينهم وبين الله، وهذا الاعتقاد وصفه الله بالشرك، وأمر أن يكون التقرب إليه مباشرة، في الدعاء والاستغاثة، والنذر، والحلف، كما قال -تعالى-: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا} (الجن:18)، والشفاعة أيضا، لا يملكها إلا الله كما قال -تعالى-: {مَا مِن شَفِيعٍ إِلَّا مِن بَعْدِ إِذْنِهِ} (يونس:3)، وكذلك {مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِندَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ} (البقرة:255)، حتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، لا يملك الشفاعة لأحد إلا بعد أن يستأذن ربه، ويأذن له ربه، أن يشفع لفئة معينة كما في حديث الشفاعة الطويل. قاطعني مقدم البرنامج: - وهل كانت هناك استجابة وقبول لما تقول؟ استأذنته أن آخذ جرعة ماء. - كان هناك تلقٍّ واستماع، وذلك أن الموضوع كان جديدا في وسط أسرتنا، وبفضل الله، ظهرت نتائجه بعد سنين، بأن الغالب فهم معنى التوحيد، والشرك، وأنه ينبغي أن يحذر المرء كل الحذر من الوقوع في الشرك. وماذا عن الفرق بين الكفر والشرك؟ - هذان لفظان إذا اجتمعا افترقا وإذا افترقا اجتمعا، الكفر معناه لغة التغطية؛ ولذلك يسمى الزراع (كفار)، كما قال -تعالى- في وصف أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم -: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} (الفتح:29). فالكافر هو من يغطي الحق، وينكره، كمن ينكر شيئا من أركان الإيمان: الإيمان بالله، والملائكة والكتب الرسل واليوم الآخر، والقضاء، والقدر. والشرك صرف شيء مم اختص الله به لغير الله أو مع الله، كمن يعبد الله، ويعبد معه غيره، كمن يدعو الله، ويدعو المخلوق، فيقول: (يا الله.. يا رب)، ثم يقول (يا فلان)، ويعتقد أن هذا المخلوق ينفع وإلا لما دعاه، وكمن يسجد لله ويسجد لغير الله، وكمن ينذر لله، وينذر لغير الله، فهو يعبد الله ويعبد مع الله مخلوقا يعتقد فيه أنه ينفع في شيء من دخول الجنة أو النجاة من النار، أو الرزق، أو العافية، أو غير ذلك من أمور الدنيا أو الآخرة؛ ففي الحديث، يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يقول الله -تعالى-: «أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملا أشرك معي غيري تركته وشركه» (مسلم).
    قاطعني مقدم البرنامج مرة ثانية: - لا أظن أن العامة بحاجة لمعرفة تفاصيل العقيدة ودقائقها وخلاف علماء السنة والفلاسفة والطوائف في المسميات، وإنما الرجل العامي المسلم يحتاج إلى مفاهيم عامة، كما كان عامة المسلمين في عهد الرسول - صلى الله عليه وسلم - وبعده. - أحسنت، نعم لا ينبغي الخوض في نقاش كلامي أو فلسفي حول مفاهيم العقائد، بل العقيدة والتوحيد الذي أتى به النبي - صلى الله عليه وسلم - بسيط واضح، بدأ بـ(لا تعبدوا إلا الله)، لا تتقربوا إلى الأصنام، ولا إلى الأموات؛ فإنه لا يجلب نفعا ولا يدفع ضرا إلا الله، كما في حديث ابن عباس: «واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن يضروك لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك» (صحيح الجامع)، على العبد ألا يدعو غير الله، فلا يدعو مع الله أحدا، ولا ينذر إلا لله، ولا يذبح تقربا إلا إلى الله، ولا يحلف بغير الله، ولا يتعلق قلبه حبا وتعظيما وخوفا ورجاء، بأحد مع الله، نعم نحب النبي - صلى الله عليه وسلم - وحبه دين، ونحب أهل البيت وحبهم دين، ونحب الأولياء والصالحين وحبهم دين، ولكن حبهم ليس كحبنا لله -عز وجل-، وتعلقنا بالله، نسأل الله أن يشفعوا لنا بحبنا لهم، ولكنهم لا يملكون هم الشفاعة وإنما بإذن الله، ولا أحد يملك المغفرة إلا الله، ولا أحد يملك إدخال الجنة والنجاة من النار إلا الله، فإذا نقى العبد قلبه لله -عز وجل-، وصرف هذه العبادات لله وحده، ودعا الله مخلصا أن يوفقه للتوحيد الخالص وينجيه من الشرك، فهذا هو المطلوب من عامة المسلمين.



    اعداد: د. أمير الحداد

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: ذنوب القلوب

    ذنوب القلوب

    – النفاق

    من الأمور التي أحرص عليها عند جدولة السفر، ألا تفوتني صلاة الجمعة، ولاسيما إذا كان الترتيب مسؤوليتي، دون التزام بموعد مستشفى أو محاضرة في مؤتمر أو غير ذلك. كنت وصاحبي في رحلة لتفقد منزله في إسبانيا، أدينا صلاة الجمعة في مسجد جميل، واسع، خارج (ماربيا)، بعد الصلاة كان هناك (غداء خيري)، شاركنا فيه. جاورني شخص ملتح، بادرته بالسلام، عرفت بعد ذلك أنه من ليبيا، سألني:
    ما رأيك بالخطبة؟
    كانت موعظة جيدة، ذكرنا فيها بالآخرة، والأعمال الصالحة المنجية، ويحتاج أحدنا لمثل هذه المواعظ، مع كثرة مشاغل الدنيا.
    وهكذا هو دائما، يتكلم عن الأعمال الصالحة والآخرة والنجاة من النار، وهذه الأمور، ولم أسمعه مرة قط يتكلم عن حكام البلاد الإسلامية، وأنهم أصبحوا عبيدا لليهود والنصارى، وخدما للصهيونية وأمريكا. كان حريصا ألا يسمعنا أحد، مع حماسه في كلامه، تابع حديثه: - هذا وغيره، أئمة السلاطين، يتكلمون بقدر ما يدفع لهم، كالمنافقين، أغضبني كلامه، تمالكت نفسي.
    لم تصلي خلفه إذا كنت لا تحب ما تسمع؟
    مع الأسف جميع المساجد هنا، تتبع ذات المنهج (التطبيل) للحكام والدعاء لهم، والتذكير بالآخرة، ولا أحد ينتقدهم أبدا، كلهم يتكسبون بخطبهم، ويريدون رضا أسيادهم عنهم، وبصراحة أرى ذلك (نفاقا).
    أظن أنه ينبغي أن تتريث قبل أن نصف أحدا بالنفاق.
    النفاق عمل قلبي بالدرجة الأولى، وذنب عظيم، من يمت منافقا فهو في (الدرك الأسفل من النار)، كما قال الله -تعالى-: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} (النساء:145)، والقرآن ذكر كثيرا من صفات المنافقين الظاهرة والباطنة وجاء ت هذه الآيات في صدر سورة البقرة وآل عمران والنساء والأنفال والأحزاب ومحمد والفتح والحديد والمجادلة والحشر والمنافقون والتوبة. قاطعني: - هل أنت حافظ للقرآن؟ كلا، ولكن أحفظ منه ما يكفي، تابعت حديثي:
    والنبي -صلى الله عليه وسلم - بيّن صفات المنافقين وأخلاقهم وعبادتهم، كما في الحديث، عن أنس بن مقال - رضي الله عنه - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: «تلك صلاة المنافق يجلس يرقب الشمس حتى إذا كانت بين قرني الشيطان، قام فنقرها أربعا لا يذكر الله فيها إلا قليلا» (مسلم)، والحديث الآخر أظنك تعرفه: «أربع من كن فيه...»، قاطعني: نعم أعرفه، كان منافقا خالصا ومن كانت فيه خصلة منهن كانت فيه خصلة من النفاق حتى يدعها، إذا أؤتمن خان، وإذا حدث كذب، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر» (متفق عليه).
    نعم، أحسنت، وهنا ينبغي بيان أن هذه تدخل في باب النفاق العملي (النفاق الأصغر)، وليس هو المقصود في الآية رقم 145 من سورة النساء، ولكن هذا النفاق الأصغر أيضا شأنه خطير؛ لأنه جسر إلى النفاق الأكبر الذي هو نفاق القلب، فيظهر الإسلام، والصلاة والصيام والتفقه، ويخفي في قلبه الكفر وكره الدين ومحاربة السنة؛ فالعبد الصالح يكره أن يتصف بصفات المنافقين، لا في عباداته ولا أخلاقه، وفي الحديث، قال - صلى الله عليه وسلم -: «مثل المنافق كمثل الشاة العائرة بين الغنمين -يعني المترددة الحائرة- تعير إلى هذه مرة وإلى هذه مرة لا تدري أيهما تتبع» (مسلم- أحمد). كان صاحبي منصتا، لا أدري إنصات تدبر أم إنصات إنكار! قررت أن أكمل بياني، إقامة للحجة وأداء للأمانة.
    - لذلك وصف إمراء بالنفاق لا يملكه أحد، حتى النبي - صلى الله عليه وسلم -، لم يكن يعرفهم بأسمائهم إلا أن عرفه الله إياهم كما قال -تعالى-: {وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُ مْ فَلَعَرَفْتَهُم بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّ هُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ} (محمد:30)، والنبي - صلى الله عليه وسلم - أعلمهم أمين هذه الأمة حذيفة بن اليمان - رضي الله عنه -، فأتاه عمر - رضي الله عنه - واستحلفه أن يخبره إن كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد سماه معهم! وهذا من باب عدم تزكية النفس، فقال حذيفة - رضي الله عنه -: كلا ولا أقولها لأحد بعدك! والرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يعاملهم معاملة المسلمين حتى بعد موتهم أتاه الأمر من الله -تعالى- كما في الحديث: قام النبي - صلى الله عليه وسلم - ليصلي على رأس النفاق عبدالله بن أبي ابن سلول، جذبه عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - بثوبه، وقال: لا تصل عليه يا رسول الله! أنسيت ما صنع؟! لقد صنع كذا في يوم كذا، وكذا في يوم كذا، وجاذب عمر - رضي الله عنه- ثوب الرسول - صلى الله عليه وسلم - فجذب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثوبه وقال: «دعني يا عمر؛ فلقد خيرني الله -جل وعلا- بين أن أستغفر لهم أو لا أستغفر لهم»، ثم صلى الرسول - صلى الله عليه وسلم - على رأس النفاق، وينزل القرآن على الحبيب - صلى الله عليه وسلم - موافقاً لرأي عمر - رضي الله عنه -، وهو قول الله -جل وعلا-: {وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ} (التوبة:84). يقول ابن القيم: «هم أخبث بني آدم وأقذرهم وأرذلهم، آذوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه أذية شديدة، فعابوا على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قسمته وسخروا بصحابته، وهزئوا بالمتصدقين منهم، ورجع رأسهم عبدالله بن أبي يوم أحد بثلث الجيش والمسلمون في أحوج ما يكونون للعدد والعدة. وهم الذين أثاروا الفتنة على أمير المؤمنين عثمان - رضي الله عنه -، وحرَّضوا عليه غوغاء الناس ودهماءهم، حتى قتل شهيدا صابرا محتسبا، كما وصاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بقوله: «يا عثمان، إن الله مُقمّصك قميصا، فإن أرادَك المنافقون على خلعه، فلا تخلعه حتى تلقاني» (أخرجه أحمد والترمذي بسند صحيح). وهم الذين كانوا وراء حادثة الإفك الشهيرة التي أرادوا من ورائها تشوية بيت النبوة الشريف. ومن خطورة هذا النفاق الأصغر: أنه سُلّم وجسر إلى النفاق الأكبر، إذا استمر صاحبه على أخلاق المنافقين، وأكثر من شعب النفاق ولم يدعها، يخشى عليه أن يسلب الإيمان عند الموت، ويختم له بخاتمة سيئة. كما ثبت في (الصحيح): «إن الرجل ليعمل الزمن الطويل بعمل أهل الجنَّة، ثم يختم له عمله بعمل أهل النار». وقد بينت الرواية الأخرى في (الصحيح»): أن عمله بعمل أهل الجنة ذاك، إنما كان فيما يبدو للناس.

    اعداد: د. أمير الحداد

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: ذنوب القلوب

    ذنوب القلوب – الشــك

    (طارق) من الذين يلتزمون بصلاة الجماعة لفترة، ثم يختفي فترة أخرى، ثم يعود للمسجد لجميع الصلوات بما فيها صلاة الفجر ثم يختفي، انتظرني بعد صلاة عصر الجمعة، سألني: - هل يمكن أن آخذ من وقتك؟ - بالطبع، تعال نجلس في مكتبة المسجد. بعد فترة صمت، قال: - أخشى أن أقع في الكفر! أحيانا تأتيني أفكار لا أستطيع السيطرة عليها. قاطعته: - ما يأتيك ليس بكفر، ما يأتيك وسواس يأتي لأي مسلم، الكفر هو الشك في الله أو الملائكة أو اليوم الآخر أو غيرها من أركان الإيمان، أما الوسواس فلا شيء. استغرب إجابتي، وكأنني أهون من أمر عظيم! - وما الفرق بين الشك، والوسواس؟ - هذا السؤال، صحيح، والإجابة عنه ينبغي أن يتعلمها كل مسلم حتى لا يصبح فريسة سهلة للشيطان. اعتدل في جلسته، وأصغى منتبها، يريد أن يسمع التفصيل.
    أولا: الوساوس هي خواطر شيطانية، تأتي قلب الإنسان وفكره لا إراديا، ويمكن بل يجب التخلص منها، كما علمنا رسول الله - صلى الله عليه و سلم -، فقد شكا بعض الصحابة -رضي الله عنهم- لرسول الله - صلى الله عليه و سلم .
    قالوا: «يا رسول الله، إنا نجد في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به، قال - صلى الله عليه و سلم -: وقد وجدتموه؟ قالوا: نعم، قال: ذلك صريح الإيمان»، بمعنى أنه إذا أتى ودفعتموه، فهذا هو الإيمان، وفي الحديث الآخر عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه و سلم -: «يأتي الشيطان أحدكم فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ حتى يقول: من خلق ربك؟ فإذا بلغه، فليستعذ بالله ولينته»، بمعنى أن يقول أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم؛ فإن هذا يوقفه، ولا يستمر مع هذا الوسواس، وهذه الوساوس لا أثر لها، ولا ذنب فيها، وتذهب بمجرد ذكر الله، والاستعاذة من الشيطان. أما الشك، فهذا أمر إرادي، يأتيه الإنسان، ويحاج به، وهو نقيض (اليقين)، وهو الذي فعله الكفار مع جميع أنبياء الله -تعالي-، كما قال -تعالى: {أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ وَالَّذِينَ مِن بَعْدِهِمْ لَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا اللَّهُ جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ وَقَالُوا إِنَّا كَفَرْنَا بِمَا أُرْسِلْتُم بِهِ وَإِنَّا لَفِي شَكٍّ مِّمَّا تَدْعُونَنَا إِلَيْهِ مُرِيبٍ (9) قَالَتْ رُسُلُهُمْ أَفِي اللَّهِ شَكٌّ فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَدْعُوكُمْ لِيَغْفِرَ لَكُم مِّن ذُنُوبِكُمْ وَيُؤَخِّرَكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى قَالُوا إِنْ أَنتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُنَا تُرِيدُونَ أَن تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُّبِينٍ} (إبراهيم). فالعبد لا يخرج من دائرة الكفر ويدخل دائرة الإيمان، حتى يحقق اليقين بما جاء من عند الله -عز وجل-، ويجب عليه أن يكون صادقا متيقنا بأركان الإيمان، لا يشك في شيء منها، كما قال النبي - صلى الله عليه و سلم -: «لا إله إلا الله، وأني رسول الله، لا يلقى الله بهما عبد غير شاك فيهما إلا دخل الجنة»، وفي رواية «مستيقنا بها قلبه» (مسلم). فالعبد يتعلم ما يجب عليه من أركان الإيمان، ويصدق بهذه الأركان ولا يتزعزع هذا العلم والتصديق أبدا؛ لأنه يكون يقينا لا يخالطه شك. سألني: - وما الفرق بين الريب والشك؟ - هاتان كلمتان إذا افترقتا كان لهما معنى واحد، وهو التردد بين شيئين، والنجاة لا تتحقق إلا بانتفاء الشك، والريب في دين الله -تعالى- وأركان الإيمان. الكفر الأكبر خمسة أنواع: كفر تكذيب، وكفر استكبار وإباء مع التصديق، وكفر إعراض، وكفر شك، وكفر نفاق. فأما كفر التكذيب: فهو اعتقاد كذب الرسل، وهذا القسم قليل في الكفار؛ فإن الله -تعالى- أيد رسله وأعطاهم من البراهين والآيات على صدقهم ما أقام به الحجة وأزال به المعذرة، قال الله -تعالى عن فرعون وقومه-: {وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْ هَا أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا} (النمل:14)، وقال لرسوله -[-: {فَإِنَّهُمْ لَا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} (الأنعام:33)، وإن سمي هذا كفر تكذيب أيضا فصحيح؛ إذ هو تكذيب باللسان، وأما كفر الإباء والاستكبار: فنحو كفر إبليس؛ فإنه لم يجحد أمر الله، ولا قابله بالإنكار، وإنما تلقاه بالإباء والاستكبار، ومن هذا كفر من عرف صدق الرسول - صلى الله عليه و سلم -، وأنه جاء بالحق من عند الله ولم ينقد له إباء واستكبارا، وهو الغالب على كفر أعداء الرسل، كما حكى الله -تعالى عن فرعون وقومه-: {فَقَالُوا أَنُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنَا وَقَوْمُهُمَا لَنَا عَابِدُونَ} (المؤمنون:47)، وقول الأمم لرسلهم: {إن أنتم إلا بشر مثلنا} (إبراهيم:10). وقوله: {كذبت ثمود بطغواها} (الشمس:11)، وهو كفر اليهود، كما قال -تعالى-: {فَلَمَّا جَاءَهُم مَّا عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ} (البقرة:89)، وقال: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ} (البقره:146)، وهو كفر أبي طالب أيضا؛ فإنه صدقه ولم يشك في صدقه، ولكن أخذته الحمية وتعظيم آبائه أن يرغب عن ملتهم ويشهد عليهم بالكفر. وأما كفر الإعراض: فأن يعرض بسمعه وقلبه عن الرسول - صلى الله عليه و سلم -، لا يصدقه ولا يكذبه ولا يواليه ولا يعاديه، ولا يصغي إلى ما جاء به البتة، كما قال أحد بني عبد ياليل للنبي - صلى الله عليه و سلم -: والله أقول لك كلمة: إن كنت صادقا فأنت أجل في عيني من أن أرد عليك، وإن كنت كاذبا فأنت أحقر من أن أكلمك. وأما كفر الشك: فإنه لا يجزم بصدقه ولا بكذبه بل يشك في أمره وهذا لا يستمر شكه إلا إذا ألزم نفسه الإعراض عن النظر في آيات صدق الرسول - صلى الله عليه و سلم - جملة؛ فلا يسمعها ولا يلتفت إليها، وأما مع التفاته إليها ونطره فيها: فإنه لا يبقى معه شك؛ لأنها مستلزمة للصدق، ولا سيما بمجموعها؛ فإن دلالتها على الصدق كدلالة الشمس على النهار. وأما كفر النفاق: فهو أن يظهر بلسانه الإيمان، وينطوي بقلبه على التكذيب، فهذا هو النفاق الأكبر. وكفر الجحود نوعان: كفر مطلق عام، وكفر مقيد خاص. فالمطلق: أن يجحد جملة ما أنزله الله -عز وجل- وإرساله الرسول - صلى الله عليه و سلم -، والخاص المقيد: أن يجحد فرضاً من فروض الإسلام، أو تحريم محرم من محرماته، أو صفة وصف الله -تعالى- بها نفسه أو خبرا أخبر الله -تعالى- به عمدا أو تقديما لقول من خالفه عليه لغرض من الأغراض، وأما جحد ذلك جهلا أو تأويلا يعذر فيه صاحبه، فلا يكفر صاحبه به، كحديث الذي جحد قدرة الله -تعالى- عليه وأمر أهله أن يحرقوه ويذروه في الريح، ومع هذا فقد غفر الله -تعالى- له ورحمه لجهله؛ إذ كان ذلك الذي فعله مبلغ علمه، ولم يجحد قدرة الله -تعالى- على إعادته عنادًا أو تكذيباً.

    اعداد: د. أمير الحداد

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: ذنوب القلوب

    ذنوب القلوب – الريــاء

    بعد صلاة الجمعة، اجتمعنا عند (أبي مشعل)، وكان قد رجع من رحلة علاج لزوجته، أقام مأدبة غداء لسلامتها بعد نجاح العملية، أراد خطيبنا، الاعتذار عن الحضور لحاجته إلي الراحة بعد الخطبة، ولكنه خضع لإصرارنا. لم يكن المجلس قد اكتمل، كان الضيوف يتوافدون من مساجد أخرى، نعرف أغلبهم، طلب صاحب الضيافة انتباهنا. - سوف يكون الغداء بعد ربع ساعة بحسب اتفاقي مع جميع المدعوين، وفي هذه الأثناء ليت شيخنا من الأردن يمتعنا بخاطرة نستفيد منها! كان المقصود دكتورا في كلية الشريعة، في الجامعة الأردنية، قضى فترة دراسته في المدينة المنورة. - يا (أبا مشعل)، للتو خرج الناس من صلاة الجمعة واستمعوا للموعظة والعلم الشرعي، فلا داعي لزيادة موعظة. ألح المضيف وبعض الحضور على ضيفنا فاستجاب. - إن أكبر هم للعبد الصادق مع الله، هو أن يرى ثواب عمله يوم القيامة حسنات وأجرا يدخله الجنة، ولعل أعظم ما يحبط العمل، (الرياء)، الشرك الخفي، الذي وصفه النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: عن معقل بن يسار قال: انطلقت مع أبي بكر الصديق - رضي الله عنه - إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال يا أبا بكر: للشرك فيكم أخفى من دبيب النمل، فقال أبو بكر - رضي الله عنه -: وهل الشرك إلا من جعل مع الله إلها آخر؟ فقال - صلى الله عليه وسلم -: والذي نفسي بيده للشرك أخفى من دبيب النمل ألا أدلك على شيء إذا قلته ذهب عنك قليله وكثيرة؟! قل: «اللهم إني أعوذ بك من أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم» (صحيح الأدب المفرد). وفي مسند الإمام أحمد، عن محمود بن لبيد قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر؟ قال: الرياء، يقول الله -عز وجل-لأصحاب ذلك (الرياء) يوم القيامة إذا جازى الناس، اذهبوا إلى الذين كنتم تراؤون في الدنيا، فانظروا هل تجدون عندهم جزاء؟!» (السلسلة الصحيحة). يقول ابن القيم -رحمه الله-: «إن القلب يعرض له مرضان عظيمان، إن لم يتداركهما العبد تراميا به إلى التلف ولابد، وهما الرياء والكبر، فدواء الرياء (إياك نعبد) ودواء الكبر (إياك نستعين)، وكثيرا ما كنت أسمع شيخ الإسلام ابن تيمية يقول: (إياك نعبد) تدفع الرياء و(إياك نستعين) تدفع الكبرياء». همس الذي بجانب الشيخ في أذنه. تابع الشيخ حديثه. - يريد أبو مصعب أن نشرح هذه العبارة، بالطبع هي ما نقرؤه في الفاتحة في كل ركعة من كل صلاة فرض أو نافلة، فإذا حققنا (إياك نعبد)، بمعنى أن عباداتنا خالصة لك وحدك يا رب، وهذه العبارة كما تعلمون أبلغ من قولك (نعبدك)، قدم (إياك) على المعبود ، لحصر العبادة له وحده -سبحانه-؛ فمعناها لا نبعد سواك، بل عباداتنا كلها لك وحدك يا رب، وهذا يطهر العبادة من الرياء؛ لأن الرياء عمل قلبي، ينعكس علي الجوارح وغالبا ما يصاحب العبادة، إذا رآها الآخرون؛ ففي صحيح ابن ماجه، عن أبي سعيد الخدري قال: خرج علينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ونحن نتذاكر المسيح الدجال؛ فقال - صلى الله عليه وسلم -: «ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي من المسيح الدجال؟ قال: قلنا بلى يا رسول الله، قال - صلى الله عليه وسلم -: الشرك الخفي، أن يقوم الرجل يصلي فيزين صلاته لما يرى من نظرة الناس إليه». والرياء، غالبا يقع في أثناء العمل، ربما يبدأ العبد العبادة يريد وجه الله، فيدخل قلبه الرياء، فيعمل لأجل من يرى أو يسمع، فيحبط عمله، وذلك أن يريد أن يرى الناس حسن عمله! ففي صحيح مسلم عن جندب بن عبدالله - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من سمّع سمّع الله به، ومن يرائي يرائي الله به». ومعنى هذا الحديث، أن جزاء من أراد أن يسمع الناس عبادته، أو يرى الناس عبادته، يفضحه الله يوم القيامة، ويحبط عمله، ويدخله النار، وهذا مبين في حديث أول من تسعر بهم النار يوم القيامة. عن عقبة بن مسلم حدثه أن شفيا الأصبحي حدثه: أنه دخل المدينة، فإذا هو برجل قد اجتمع عليه الناس، فقال: من هذا؟ قالوا: أبو هريرة - رضي الله عنه -، قال: فدنوت منه حتى قعدت بين يديه وهو يحدث الناس، فلما سكت وخلا قلت له: أسألك بحق وبحق لما حدثتني حديثا سمعته من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وعقلته وعلمته، فقال أبو هريرة - رضي الله عنه -: أفعل لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علقته وعلمته، ثم نشغ أبو هريرة نشغة فمكثنا قليلا، ثم أفاق، فقال لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره، ثم نشغ أبو هريرة نشغة أخرى، ثم أفاق ومسح عن وجهه فقال: أفعل لأحدثنك حديثا حدثنيه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنا وهو في هذا البيت ما معنا أحد غيري وغيره ثم نشغ أبوهريرة - رضي الله عنه - نشغة شديدة ثم مال خارا على وجهه فأسندته طويلا، ثم أفاق فقال: حدثني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن الله -تبارك وتعالى- إذا كان يوم القيامة ينزل إلى العباد ليقضي بينهم، وكل أمة جاثية! فأول من يدعى به رجل جمع القرآن، ورجل قتل في سبيل الله، ورجل كثير المال، فيقول الله -عز وجل- للقارئ: ألم أعلمك ما أنزلت على رسولي قال: بلى يا رب، قال: فما عملت فيما علمت؟ قال: كنت أقوم به آناء الليل وآناء النهار، فيقول الله -عز وجل- له: كذبت، وتقول له الملائكة: كذبت ويقول الله -تبارك وتعالى-: بل أردت أن يقال فلان قارئ، وقد قيل ذلك، ويؤتى بصاحب المال، فيقول الله -عز وجل-: ألم أوسع عليك حتى لم أدعك تحتاج إلى أحد، قال بلى يا رب، قال: فماذا عملت فيما آتيتك؟ قال كنت أصل الرحم، وأتصدق، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله -تبارك وتعالى-: بل أردت أن يقال فلان جواد وقد قيل ذلك، ويؤتى بالذي قتل في سبيل الله فيقول الله له: في ماذا قتلت؟ فيقول أي رب أمرت بالجهاد في سبيلك فقاتلت حتى قتلت، فيقول الله له: كذبت، وتقول الملائكة: كذبت، ويقول الله: بل أردت أن يقال فلان جريء فقد قيل ذلك، ثم ضرب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على ركبتي فقال: يا أبا هريرة أولئك الثلاثة أول خلق الله تسعر بهم النار يوم القيامة». أشار صاحب الدعوة بأن موعد الغداء قد حضر، فأراد الشيخ أن يختم حديثة. - أختم بأن العبد ينبغي أن يراقب قلبه دائما، ويجدد الإخلاص لله دائما، وأن يسأل الله النجاة من هذا الذنب القلبي. ففي صحيح الجامع قال - صلى الله عليه وسلم -: «من استطاع منكم أن يكون له خبيء من عمل صالح فليفعل»، والحمدلله رب العالمين، قوموا إلى غدائكم.


    اعداد: د. أمير الحداد

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: ذنوب القلوب

    كلمات في العقيدة

    – ذنوب القلوب

    – الغلو في الصالحين

    - الغلو في الأنبياء والأولياء والمشايخ والصالحين أول باب أدخل الجهلة في الشرك الأكبر, هذه عبارة قوية.. الشرك الأكبر؟ - نعم، الشرك الأكبر وذلك كما ورد في تفسير قوله -تعالى-: {وَقَالُوا لَا تَذَرُنَّ آلِهَتَكُمْ وَلَا تَذَرُنَّ وَدًّا وَلَا سُوَاعًا وَلَا يَغُوثَ وَيَعُوقَ وَنَسْرًا} (نوح:23). في البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- «أن ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا كانوا من صالحي قوم نوح، فلما هلكوا أوحى، الشيطان إلى قومهم أن انصبوا إلى مجالسهم التي كان يجلسون أنصابا وسموها بأسمائهم، ففعلوا: (فلم تعبد)، حتى إذا هلك أولئك وتفسخ العلم، عبدت! وصارت الأوثان التي كانت في قوم نوح إلى العرب، أما (ود) فكانت لكلب بدومة الجندل، وأما (سواع) فكانت لهذيل، وأما (يغوث) فكانت لمراد ثم لبني غطيف بالجرف عند سبأ، وأما (يعوق) فكانت لهمدان، وأما (نسر) فكانت لحمير لآل ذي الكلاع...». -لقد تربينا ونحن نسمع آباءنا يعظمون بعض المشاهد والأماكن التي في آثار الصالحين، أو يظنون أنهم مروا بها، أو مكثوا فيها، مثل ما كان عندنا في الكويت وفي جزيرة فيلكا تحديدا مقام ينسب للخضر، يقدمون له النذور ويطلبون فيه شفاء المرضى، حتى هدم عام (1976) للميلاد. كنت وصاحبي في طريق عودتنا من المقبرة، وفي الشهر الحادي عشر الميلادي يكون النهار قصيرا، قررنا أن نوقف مركبتنا عند المسجد ونتريض، إلى أن يؤذن المغرب. عقب صاحبي: - لقد رأيت شيئا من ذلك في السودان، خلال زيارتي الوحيدة للخرطوم؛ فهناك يبنون قبابا من الطين للصالحين، ويضعون عليها سدنة أذكر منها: ضريح الشيخ الشريف الهندي وضريح (الكباشي)، إن لم تخني الذاكرة. - هذا باب عظيم للوقوع في الشرك الأكبر؛ لذلك نهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عن مدحه وتعظيمه، فقال - صلى الله عليه وسلم -: «لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، فإنما أنا عبده، فقولا عبدالله ورسوله» (متفق عليه). ونهى عن المبالغة في مدحه، كما في (شعب الإيمان) أن ناسا جاؤوا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - فقالوا له أنت سيدنا وابن سيدنا وخيرنا وابن خيرنا فقال - صلى الله عليه وسلم -: «قولوا بقولكم أو بنحو قولكم هذا ولا يستجرينكم الشيطان، أنا محمد بن عبدالله ورسول الله». ومع الأسف لا يكاد يخلو بلد إسلامي من ضريح يزوره الناس وينذرون له ويدعون عنده، رجاء كشف ضر أو جلب نفع، وهذا من جهلهم بالعقيدة الصحيحة، وأن هذا شرك أكبر بالله -عز وجل. قام صاحبي بالبحث في هاتفه -كعادته- عندما يريد أن يأتي بالمعلومة الدقيقة. - دعني اقرأ لك ما ورد في هذا الأمر عن ابن تيمية وابن القيم -رحمهما الله. قال ابن تيمية -رحمه الله-: فإن اللات كان سبب عبادتها تعظيم قبر رجل صالح كان هناك، وقد ذكروا أن ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسرا أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح -عليهما السلام- يقتدون بهم، فلما ماتوا قال أصحابهم الذين كانوا يقتدون بهم: لو صورناهم كان أشوق لنا إلى العبادة إذا ذكرناهم؛ فصوروهم، فلما ماتوا وجاء آخرون، دب إليهم إبليس، فقال: إنما كانوا يعبدونهم وهم يسقون المطر فعبدوهم، قال قتادة وغيره: كانت هذه الآلهة يعبدها قوم نوح ثم اتخذها العرب بعد ذلك. وهذه العلة التي لأجلها نهى الشارع هي التي أوقعت كثيرا من الأمم إما في الشرك الأكبر أو فيما دونه من الشرك؛ فإن النفوس قد أشركت بتماثيل القوم الصالحين وبتماثيل يزعمون أنها طلاسم الكواكب ونحو ذلك؛ فلأن يشرك بقبر الرجل الذي يعتقد نبوته أو صلاحه أعظم من أن يشرك بخشبة أو حجر على تمثاله؛ ولهذا تجد أقواما كثيرين يتضرعون عندها ويتخشعون ويعبدون بقلوبهم عبادة لا يعبدونها في المسجد، بل ولا في السحر، ومنهم من يسجد لها وأكثرهم يرجون من بركة الصلاة عندها والدعاء مالا يرجونه في المساجد التي تشد إليها الرحال. فهذه المفسدة التي هي مفسدة الشرك كبيره وصغيره هي التي حسم النبي - صلى الله عليه وسلم - مادتها حتى نهى عن الصلاة في المقبرة مطلقا وإن لم يقصد المصلي بركة البقعة بصلاته كما يقصد بصلاته بركة المساجد الثلاثة ونحو ذلك، كما نهى عن الصلاة وقت طلوع الشمس واستوائها وغروبها؛ لأنها الأوقات التي يقصد المشركون بركة الصلاة للشمس فيها؛ فنهى المسلم عن الصلاة فيها، وإن لم يقصد ذلك سدا للذريعة واقتضاء الصراط المستقيم. وقال ابن القيم -رحمه الله- في (إغاثة اللهفان): وقال غير واحد من السلف: كان هؤلاء قوما صالحين في قوم نوح -عليه السلام-، فلما ماتوا عكفوا على قبورهم ثم صوروا تماثيلهم، ثم طال عليهم الأمد؛ فعبدوهم، فهؤلاء جمعوا بين الفتنتين: فتنة القبور وفتنة التماثيل، وهما الفتنتان اللتان أشار إليهما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث المتفق على صحته عن عائشة الله -رضي الله عنها-: أن أم سلمة -رضي الله عنها- ذكرت لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - كنيسة رأتها بأرض الحبشة يقال لها: مارية، فذكرت له ما رأت فيها من الصور، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أولئك قوم إذا مات فيهم العبد الصالح أو الرجل الصالح، بنوا على قبره مسجدا، وصوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله -تعالى. وفي لفظ آخر في الصحيحين: أن أم حبيبة -رضي الله عنها- وأم سلمة -رضي الله عنها- ذكرتا كنيسة رأينها. فجمع في هذا الحديث بين التماثيل والقبور، وهذا كان سبب عبادة اللات؛ فروى ابن جرير بإسناده عن سفيان عن منصور عن مجاهد: {أفرأيتم اللات والعزى} (النجم: 19)، قال: كان يلت لهم السويق فمات؛ فعكفوا على قبره، وكذلك قال أبو الجوزاء عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: كان يلت السويق للحاج. فقد رأيت أن سبب عبادة ود ويغوث ويعوق ونسر واللات، إنما كانت من تعظيم قبورهم، ثم اتخذوا لها التماثيل وعبدوها كما أشار إليه النبي - صلى الله عليه وسلم . توجهت وصاحبي إلى أماكن الوضوء، استعدادا لصلاة المغرب. - لذلك كان من السنة طمس الصور، وتسوية القبور، وعدم البناء عليها، كما في حديث علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -، عن أبي الهياج حيان بن حصين الأسدي قال: قال لي علي - رضي الله عنه -: ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم -؟: ألا تدع تمثالا إلا طمسته ولا قبرا مشرفا إلا سويته، وفي رواية ولا صورة إلا طمستها» (صحيح مسلم).


    اعداد: د. أمير الحداد

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: ذنوب القلوب

    ذنوب القلوب – الغلو في الدين

    - مشكلة كثير من الذين يرجعون إلى الدين بعد سنوات من الغفلة والانغماس في الشهوات، أنهم يريدون أن يطبقوا كل شيء؛ وذلك لحماسهم في بادئ الأمر، مما يؤدي بهم -أحيانا- إلى انتكاسة أخرى! - والعلاج.. أو الحل؟ - الحل، اتباع هدي النبي - صلى الله عليه وسلم - والعلم الشرعي الصحيح، والعقيدة الصحيحة، والعبادات وفق السنة، والأخلاق والعبادات القلبية، ودعاء الله، في الحديث عن أبي هريرة - رضي الله. عنه - أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم - قال: «إن هذا الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه؛ فسددوا وقاربوا وأبشروا واستعينوا بالغدوة والروحة وشيء من الدلجة» (البخارى). والمعنى: النهي عن التشديد في الدين بأن يحمل الإنسان نفسه من العبادة ما لا يحتمله إلا بتكلف؛ فالدين لا يؤخذ بالمغالبة، (فسددوا) الزموا التوسط في العمل، ولا تهلكوا أنفسكم في طلب الكمال، وإنما اعملوا بما يقرب إليه. كنت وصاحبي في طريقنا إلى المقبرة نؤدي صلاة العصر، ونصلي على جنازة ونتبعها حتى تدفن رجاء أجر القيراطين! - بعض الناس يلزم أهله، ما لا يطيقون، بعد أن كان يسمح لهم بكل شيء، كان يسمح لهم بالفضائيات، والخروج إلى الأسواق، والمطاعم، وبعد تغير حاله، حرّم دخول التلفاز إلى بيته! - بصراحة معظم ما يعرض في التلفاز لا يتفق وتعاليم شريعتنا. - صدقت، ولكن بالحكمة، والحلم والأناة، وإذا رجعنا إلى تعاليم الإسلام، نجد أن النبي - صلى الله عليه وسلم - وصفها بـ(اليسر)، بل ونهى -صلى الله عليه وسلم - عن الغلو في الدين؛ ففي الحديث عن ابن عباس -رضي الله عنهما- قال: قال لي رسول الله -صلى الله عليه وسلم غداة العقبة وهو على راحلته-: «هات ألقط لي، (أي حصيات رمي الجمرات)، فلقطت له حصيات هن حصى الخذف، فلما وضعتهن في يده قال: بأمثال هؤلاء، وإياكم والغلو في الدين! فإنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين» (السلسلة الصحيحة). - بعض الناس يرى التزام هدي النبي -صلى الله عليه وسلم - (غلوا)، وكأن الأمر نسبي. - قطعا، ليس الأمر كذلك، هدي النبي -صلى الله عليه وسلم - هو الكمال في كل شيء، وتعرف حديث الثلاثة الذين أتوا يسألون عن عبادة النبي -صلى الله عليه وسلم - فكأنهم تقالوها، وقالوا: أين نحن من النبي -صلى الله عليه وسلم -، وقد غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر؟ قال أحدهم أما أنا فأصلي الليل أبدا، وقال الآخر: وأنا أصوم الدهر ولا أفطر، وقال الثالث: وأنا أعتزل النساء ولا أتزوج، فجاء النبي -صلى الله عليه وسلم - إليهم فقال: أنتم الذين قلتم كذا وكذا؟ أما والله إني لأخشاكم لله وأتقاكم له، لكني أصوم وأفطر وأصلي وأرقد وأتزوج النساء؛ فمن رغب عن سنتي، فليس مني» البخاري. دخلنا المسجد، وقد أذن للعصر، لاحظت أنهم يؤخرون إقامة الصلاة إلى نصف ساعة بعد الأذان، أدينا السنة وانتظرنا إقامة الصلاة، صلينا على جنازتين، وانتظرنا دفنهما، في طريق عودتنا تابعنا الحديث: - والغلو في الدين، مثل ألا يتكلم إذا صام، أو لا يصلي في مكان إلا أن يضع سجادته لأنه يشك في طهارة المكان، أو أن يغير ثيابه كلما دخل لقضاء حاجته، أو أن يمتنع عن الأكل إلا من طبخ بيته، وقد بيّن الله -عز وجل- أن هذا الغلو كان في أمم قبلنا؛ فقال -تعالى-: {ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّة ً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ} (الحديد:27).
    {وَرَهْبَانية ابْتَدَعُوهَا} والرهبانية: العبادة، فهم ابتدعوا من عند أنفسهم عبادة، ووظفوها على أنفسهم، والتزموا لوازم ما كتبها الله عليهم ولا فرضها، بل هم الذين التزموها من تلقاء أنفسهم، قصدهم بذلك رضا الله -تعالى-، ومع ذلك {فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا}، أي: ما قاموا بها ولا أدوا حقوقها، فقصروا من وجهين: من جهة ابتداعهم، ومن جهة عدم قيامهم بما فرضوه على أنفسهم، فهذه الحال هي الغالب من أحوالهم. وهذا ما بينه النبي -صلى الله عليه وسلم - في الحديث: «إنما أهلك من كان قبلكم الغلو في الدين»، وكذلك قال الله -تعالى-: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ}. - وكيف يكون الغلو في الدين من ذنوب القلوب، وهو زيادة في العبادة؟! - مصدر هذه الزيادة اعتقاد في القلب، بأن هذا أقرب إلى الله وأحب إلى الله وأثوب عند الله، وإلا ما فعله، دافع هذه العبادات أمر قلبي، فإذا استقام القلب، صلحت العبادة؛ لذلك هو من ذنوب القلوب. - وماذا عن حديث: «هلك المتنطعون؟». - هو حديث متفق عليه. عن الأحنف بن قيد بن مسعود - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون». أي المتعمقون الغالون المجاوزون الحدود في أقوالهم وأفعالهم. وبلغ النبي -صلى الله عليه وسلم - أن قوما أرادوا أن يختصموا وحرموا الطيبات واللحم على أنفسهم؛ فقام النبي - صلى الله عليه وسلم - وأوعد في ذلك أشد الوعيد وقال: «لم أبعث بالرهبانية، وإن خير الدين عند الله الحنفية السمحة، وإن أهل الكتاب هلكوا بالتشديد، شدوا فشدد عليهم». - وماذا عن الغلو في الصالحين؟ - هذا أشد أنواع الغلو، وقد يؤدي إلى الشرك، وله شرح سيأتي -إن شاء الله.



    اعداد: د. أمير الحداد

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: ذنوب القلوب

    ذنوب القلوب – الكبر

    - عندما نقرأ حديثا يبين فيه النبي - صلى الله عليه وسلم - أن عملا ما من أعمال القلوب أو الجوارح، يمنع صاحبه من دخول الجنة، فإن ذلك لا يعني أنه مخلد في النار. كنت في مجلس عائلي ننتظر اكتمال العدد؛ لإحضار العشاء. - هل لك أن تبين لنا هذه القاعدة؟ كانت السائلة أصغر أخواتي، تعدت الأربعين بعامين. - نعم يا أم عبدالرحمن، مثلا قول النبي -صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخل الجنة قتات» صححه الألباني. «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر» (الصحيحة). «لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه» (صحيح الترغيب). «لا يدخل الجنة الجواظ ولا الجعظري» (صحيح الترغيب). هذه الأحاديث وغيرها، لا يفهم منها أن صاحبها محروم من الجنة مطلقا، فيكون خالدا في النار؛ وذلك أن الخلود في النار لا يكون إلا للمشرك الكافر المنافق نفاقا اعتقاديا. فمعنى هذه الأحاديث، أنه لا يدخل الجنة دون عذاب، ولا يدخل الجنة ابتداء، إن لم يتب، وإن لم تكن له حسنات تغلب هذه الذنوب العظيمة، وإن لم يغفر الله له هذه المعاصي الكبيرة. فهذه الأحاديث تحذر من الوقوع في هذه الخطايا، التي بعضها في القلب مثل الكبر، وبعضها من الجوارح مثل النميمة. عقب أبو زكريا. - أول مرة أستوعب هذا المعنى؛ ربما لأني لا أتتبع مثل هذه المواضيع، أكمل شرحك وتوضيحك يا أبا معاذ. - لعلي أتبنى قولا لابن مسعود - رضي الله عنه - يقول: «ثلاث هن أصل كل خطيئة فاتقوهن واحذروهن: إياكم والكبر! فإن إبليس حمله الكبر على ألا يسجد لآدم، وإياكم والحرص! فإن آدم حمله الحرص على أن يأكل من الشجرة، وإياكم والحسد! فإن ابن آدم إنما قتل أحدهما صاحبه حسدا» (ابن عساكر)، والحديث ضعفه الألباني أي أنه لا يصح عن الرسول -صلى الله عليه وسلم - ولكن من كلام ابن مسعود - رضي الله عنه . وهذه الذنوب الثلاثة، الكبر والحرص والحسد، ذنوب قلبية عظيمة والقلب الذي يتشرب منها غير مؤهل أن يدخل الجنة ابتداء، ولعل أشدها الكبر، والحديث الصحيح في الكبر يرويه ابن مسعود - رضي الله عنه - عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، فقال رجل: يا رسول الله، إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسنا، فقال - صلى الله عليه وسلم -: إن الله -تعالى- جميل يحب الجمال، الكبر بطر الحق وغمص الناس»، وفي رواية: «بطر الحق وغمط الناس» (السلسلة الصحيحة). ففي هذا الحديث تعريف للكبر، الذي ينبغي على العبد ألا يكون في قلبه مثقال ذرة منه، و(بطر الحق): رده، ورفضه وعدم قبوله، وغمص أو غمط الناس: الترفع عليهم والاستعلاء والاستهانة بهم، هذا هو الكبر، وهو من أعظم ذنوب القلوب، وأول المتكبرين إبليس: {قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِّنْهُ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ وَخَلَقْتَهُ مِن طِينٍ} (الأعراف:١٢). ومن البشر فرعون: {إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعًا يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} (القصص:٤)، وفي الزخرف: {أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِّنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلَا يَكَادُ يُبِينُ}، يخبر عن تكبره على نبي الله موسى -عليه السلام- وفي سنن الترمذي: «لا يزال العبد يذهب بنفسه (أي يرتفع) ويتكبر حتى يكتب في الجبارين فيصيبه ما أصابهم» (ضعفه الألباني). وفي سنن أبي داوود والترمذي عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لينتهين أقوام يفتخرون بآبائهم الذين ماتوا، إنما هم فحم جهنم أو ليكونن أهون على الله من الجعل الذي يدهده الخرأة بأنفه، إن الله أذهب عنكم عبية الجاهلية وفخرها بالآباء: إنما هو مؤمن تقي وفاجر شقي، الناس بنو آدم وآدم خلق من تراب» (صحيح الترغيب). فالكبر يبدأ صغيرا في القلب، وينمو حتى يطغى العبد، ويرى أنه خير من غيره، ويعظم في نفسه حتى لا يقبل الحق إن لم يكن وفق هواه، كما قال الله عن الكفار. {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِن كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِندِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِّنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} (الأنفال:٣٢)، وكان الأولى أن يقولوا: اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا إليه ووفقنا لاتباعه. عقب أبو فيصل على هذه الآية: - والله لقد سمعت أحدهم يقول: «إن كان هذا هو الضلال فإنه أحب إلي من الهدى الذي عند غيري، وإن كان هذا يؤوي بي إلى جهنم فإن جهنم أحب إلي من الجنة التي عند غيري..». - لنتابع حديثنا عن الكبر. - نعم، والآيات في ذم (الكبر) كثيرة، ولعلي قبل ذلك أذكر أن من أسماء الله -تعالى- الحسنى (المتكبر)، كما قال -تعالى-: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلَامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الحشر:23)، فهو -سبحانه- المتكبر، والكبرياء في حقه صفة كمال -عز وجل-، ولا تكون لغيره -سبحانه-؛ لذلك ورد في الحديث في صحيح مسلم: عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - وأبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «يقول الله -عز وجل-: «العز إزاري، والكبرياء ردائي، فمن نازعني شيئا منهما عذبته» وفي صحيح أبي داوود عن عوف بن مالك الأشجعي - رضي الله عنه - في وصفه لصلاة النبي -صلى الله عليه وسلم - أنه كان يقول في ركوعه: «سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة»، فهذه الصفات لا تصرف إلا لله -عز وجل. بدأ الحضور يتوافد وكل دخل أحدهم ألقى السلام وجلس مستمعا طلبت شقيقتي أن تجهز العشاء. - والعبد إذا تذكر حاله فمم خلق؟ (من ماء مهين) وإلى أي شيء يصير؟ (جيفة تأكلها الديدان)، وبين هذا وهذا تصرعه أصغر المخلوقات (الجراثيم والميكروبات)، ويلزمه الفراش أضعف الأمراض، على ماذا يتكبر، وهو بهذا الضعف؟! ففي الحديث أن النبي - صلى الله عليه وسلم - بزق في كفه ثم وضع أصبعه السبابة يفرك البصقة في كفه ثم قال: (يقول الله -عز وجل-: يا ابن آدم أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذا؟ حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين، وللأرض منك وئيد، فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي أتصدق وأنى أوان الصدقة؟» (صحيح الجامع)، وأختم بهذا الحديث، عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «يحشر المتكبرون يوم القيامة أمثال الذر (النمل) في صورة الرجال، يغشاهم الذل من كل مكان، يساقون إلى سجن في جهنم، يقال له بولس، تعلوهم نار الأنيار، يسقون من عصارة أهل النار طينة الخبال» (صحيح الترغيب والترهيب).


    اعداد: د. أمير الحداد

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: ذنوب القلوب

    العُجب

    ذنوب القلوب

    - يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: «واعلم أن كثيرا من الناس يسبق إلى ذهنه من ذكر الذنوب: الزنا والسرقة ونحو ذلك، ولا يعلم هذا المسكين أن أكثر العقلاء لا يسرقون ولا يزنون حتى في جاهليتهم وكفرهم، ولكن الذنوب تتنوع وهي كثيرة، ومنها الفخر والخيلاء والحسد والكبر والرياء» وهي أشد من ذنوب الجوارح. - ولماذا لا ينتشر هذا المفهوم بين المسلمين، أيامنا هذه لا أحد يذكر (ذنوب القلوب) وخطورتها، إلا ما نذر. - أظن هذا تقصير من الخطباء وطلبة العلم والدعاة، وربما لانتشار المعاصي الظاهرة، فيتكلمون عما يظهر للناس، أما العلماء السابقون فقد أجمعوا على خطورة ذنوب القلوب؛ ففي كتابه (الزواجر عن اقتراف الكبائر)، يقول ابن حجر الهيثمي: (الباب الأول: في الكبائر الباطنة وما يتبعها وقدمتها لأنها أخطر ومرتكبها أذل العصاة وأحقر؛ ولأن معظمها أعمّ وقوعا وأسهل ارتكابا وأمّر ينبوعا فقلما ينفك إنسان عن بعضها، ولقد قال بعض الأئمة: كبائر القلوب أعظم من كبائر الجوارح؛ لأنها كلها توجب الفسق والظلم وتزيد كبائر القلوب بأنها تأكل الحسنات وتوالي شدائد العقوبات. - كلام خطير، ينبغي أن ينتشر بين عامة المسلمين حتى يحذروا هذه الذنوب. كنت وصاحبي في طريقنا لصلاة العشاء، مشيا على الأقدام في مسجد قريب من الواجهة البحرية؛ حيث كان لنا موعد للعشاء مع بعض الأصدقاء، بقي على الأذان سبع دقائق. - من هذه الذنوب العظيمة التي يغفل عنها كثير من الناس (العُجب)، وهو مرض دقيق خفي يتسلل إلى القلب، فإن تمكن منه انقلب إلى مرض أخطر وهو (الكبر). - أعوذ بالله. - هكذا كانت ردة فعل صاحي مباشرة. - نعم يا (أبا صالح)، العجب يدخل جميع القلوب، لأي سبب، المال، الشهادة العلمية، والعائلة والقبيلة، والمنصب، والهيئة والجمال، والرأي والمنطق؛ فيرى أحدهم أنه خير من غيره، فيترفع عليه، ويستهزئ به. - كنت قد قرأت حديثا، قبل أيام على ولوحة المسجد عن العجب وأنه من المهلكات. - نعم هو حديث صحيح: عن عبدالله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «ثلاث مهلكات وثلاث منجيات، فأما المهلكات فشح مطاع، وهو متبع، وإعجاب المرء بنفسه، وأما المنجيات فالعدل في الغضب، والرضا والقصد في الفقر والغنى، وخشية الله -تعالى- في السر والعلانية..» (صحيح الجامع). والأحاديث في بيان خطوة (العجب) كثيرة، ومتنوعة ففي المسند عن أبي بن كعب -رضي الله عنه - قال: «انتسب رجلان على عهد موسى -عليه السلام- فقال أحدهما: أنا فلان بن فلان حتى عد تسعة فمن أنت لا أم لك؟ قال: أنا فلان بن فلان ابن الإسلام، قال: فأوحى الله إلى موسى -عليه السلام- أن قل لهذين المنتسبين: أما أنت أيها المنتسب إلى تسعة في النار فأنت عاشرهم، وأما أنت يا هذا المتنسب إلى اثنين في الجنة، فأنت ثالثهما في الجنة» (السلسلة الصحيحة). وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال النبي -صلى الله عليه وسلم -: «بينما رجل يمشي في حُـلّة تعجبه نفسه مرجّلٌ جمته إذ خسف الله به فهو يتجلجل إلى يوم القيامة» (متفق عليه). فالعجب داء قلبي يفسد مآل الإنسان وإذا لم يتداركه العبد في بدايته، تحول إلى داء أعظم يصعب الخلاص منه: الكبر، انطلق أذان العشاء، فأمسكنا عن الحديث نردد ما يقول المؤذن وأجلنا حديثنا بعد الفراغ من الصلاة. أدينا السنة، فإذا بالمؤذن يقيم الصلاة! بعد الصلاة، تابعنا: - هذا أسرع مسجد يقيم الصلاة بعد الأذان، لم يكن بينهما سوى سبع دقائق. - هكذا هي المساجد التي في الأسواق وعلى الطرق تختلف عن المساجد التي في الأحياء السكنية. تابعنا حديثنا: - تذكرت الآن حديثنا عن أنس -رضي الله عنه - قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «لو لم تكونوا تذنبون خشيت عليكم أكثر من ذلك: العجب» (السلسلة الصحيحة). - إنه تحذير شديد من النبي -صلى الله عليه وسلم -، وكأن العجب بالدين أشد خطرا من العجب بالأمور الدنيوية. - نعم هو كذلك، من دخله العجب لأجل كثرة صلاته أو صيامه أو علمه الشرعي أو حفظه لكتاب الله، فهذا أشد ممن دخله العجب لأجل مال أو نسب أو منصب، قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «وكثيرا ما يقرن الناس بين الرياء والعجب: فالرياء من باب الإشراك بالخلق، والعجب من باب الإشراك بالنفس وهذا حال المستكبر، فالمرائي لا يحقق (إياك نعبد) والمعجب لا يحقق قوله: (إياك نستعين)» (مجمع الفتاوى ج١٠، ص217). وفي الحديث عن أبي هريرة - رضي الله عنه -: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلهكم» (مسلم)، و(أهلكهم) بضم الكاف. قال العلامة ابن عبدالبر في الاستذكار: «هذا الحديث معناه لا احتقارا للناس وازدراء بهم وإعجابا بنفسه». جمعنا المكان الذي نريد، وأرشدنا موظف الاستقبال إلى المائدة التي حجزت باسم صاحب الدعوة، كنا أول الواصلين. - فالعبد أول ما ينبغي أن يجاهد نفسه ويذكرها بتقصيرها في حق الله -عز وجل-، وأنه مهما بلغ من العبادة لن يؤدي حق الله عليه، وعليه أن يستعين بالدعاء حتى لا يدخل العجب قلبه. ولا يرى بألا شيء أفسد للأعمال من العجب ورؤية النفس ويعلم أنه لا يستغني بعمله عن رحمة الله، كما في الحديث عن عائشة -رضي الله عنها- قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: «سددوا وقاربوا وأبشروا فإنه لن يدخل الجنة أحدا بعمله، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا إلا أن يتغمدني الله برحمة منه...» (صحيح مسلم).


    اعداد: د. أمير الحداد
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: ذنوب القلوب

    ذنوب القلوب – تزكية النفس

    أحرص دائما على أن ألبي دعوات الأفراح؛ اتباعا للسنة وتطييبا للخواطر، ولاسيما إذا كانت الدعوة من أفراد لا تربطني بهم علاقة قوية. وأذكر نفسي دائما، أن مسافة الطريق والتهنئة والعودة إلى البيت لا تحتاج أكثر من ساعة زمن، مقابل الأجر الذي يحتسبه العبد من الله الجواد الكريم.
    في آية من كتاب الله يقول رب العزة: {فَلَا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى} (النجم:32) . ويقول -تعالى-: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُزَكُونَ أَنفُسَهُمْ بَلِ اللَّهُ يُزَكِّي مَن يَشَاءُ وَلَا يُظْلَمُونَ فَتِيلًا} (النساء: ٤٩). ويقول -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَاَهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاَهَا} (الشمس). والعبد يسعى في تزكية نفسه بالطاعات والصالحات، فما المراد من (النهي عن تزكية النفس)؟ رافقني صاحبي في تلبية دعوة أحد رواد المسجد، بعد صلاة عشاء يوم الجمعة.
    أولا: قوله -تعالى-: {فَلَا تُزَكُوا أَنفُسَكُمْ}، بمعنى لا يمدح بعضكم بعضا، ويذكر بأنه صاحب تقوى وبرّ وصلاح، أو لا تمدحوا أنفسكم بأن تصفوا أنفسكم بالتقوى والصلاح والاستقامة؛ وذلك أن (النفس) تطلق على الذات وعلى غيرها، كما في قوله عن بني إسرائيل: {فَتُوبُوا إِلَى بَارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ عِندَ بَارِئِكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ إِنَّهُ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ} (البقرة:54)، أي اقتلوا الذين اتخذوا العجل، وتزكية النفس التي نهى الله عنها، هي مدح النفس، بِخلوِّها عن التقصير في طاعة الله والاطمئنان لها، والجزم بنجاتها من العذاب، فينبغي على العبد إذا حدثته نفسه بأنه على خير، وأنه ناج من العذاب، وربما سيدخل الجنة بلا حساب، عليه أن يذكر ذنوبه وتقصيره مع الله -عز وجل-، فإن لم يذكر ذنبا، ذكر نفسه بنعم الله وتقصيره في شكر هذه النعم؛ فلا ينبغي لعبد أن يستكثر أعماله الصالحة، بل يؤمن يقينا أن المنة لله فيما هو عليه من الهداية والصلاح، كما قال الله -تعالى- عن المؤمنين.
    {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِّنْ غِلٍّ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلَا أَنْ هَدَانَا اللَّهُ لَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُ رَبِّنَا بِالْحَقِّ وَنُودُوا أَن تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} (الأعراف:43). أما قوله -تعالى-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن زَكَاَهَا} (الشمس:9)، مع الآية التي بعدها {وَقَدْ خَابَ مَن دَسَّاَهَا (10)}، بمعنى أن الفلاح في عمل ما يُزكي النفس أي يطهرها، وذلك بإتيان الطاعات وترك المحرمات، وذكر الله مثالا واضحا في سورة الأعلى فقال -سبحانه-: {قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى (14) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} (الأعلى). وقال -تعالى- في سورة النور: {قُل لِّلْمُؤْمِنِين َ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ (30)}. فمن أسباب التزكية غض البصر، والبعد عن أسباب الزنا، وقال -تعالى- فى الاستئذان: {فَإِن لَّمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّى يُؤذَنَ لَكُمْ وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا هُوَ أَزْكَى لَكُمْ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ} (النور:28). هذه كلها أعمال تؤدي إلى تزكية النفس، وتعمَلُها الأنفس الزكية، كنا نتبع تعليمات مرشد الخرائط العالمية (غوغل)، الذي بين لنا أننا سنبلغ المكان بعد ثلاث دقائق. ولكن موضوعنا هو الحرص ألا يقع القلب في هذه المعصية، وهي أن يطمئن لصلاحه، ويضمن نجاته، ويمدح نفسه، ولو في سريرته، دون الآخرين، فإن هذا العمل القلبي، يؤدي إلى ذنب قلبي آخر وهو (العُجب)، وهذا يؤدي إلى ذنب قلبي أكبر وهو (الكبر). فالعبد يجتهد في الطاعات الظاهرة والباطنة، ويكون على الباطنة أحرص، ولا يغتر بصلاحه وعبادته، ويتذكر قدوته الرسول - صلى الله عليه وسلم - الذي كان يقوم الليل حتى تتفطر قدماه، فيقال له في ذلك، إن الله قد غفر لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر فيقول: «أفلا أكون عبدا شكورا» (متفق عليه). وعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لن ينجي أحدا منكم عمله»، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟! قال: ولا أنا، إلا أن يتغمدني الله منه برحمته، فسددوا وقاربوا واغدوا وروحوا وشيء من الدلجة والقصد القصد تبلغوا» (متفق عليه). وصلنا إلى صالة الأفراح، لم نجد مكانا لمركبتنا بسهولة، استقبلنا صاحب الدعوة أحسن استقبال، أدينا الواجب، ثم غادرنا.
    ولكن العبد أحيانا يركن إلى عمله، ويحمد الله على ما هو فيه.
    هذان أمران مختلفان، أن يحمد العبد ربه على نعمة الهداية، ويعلم في قرارة نفسه أن الفضل لله لما هو عليه من التزام الطاعات والابتعاد عن المحرمات، هذا مطلوب، أما أن يركن إلى عمله، فلا، ويزكي نفسه، فيقول: أنا خير من فلان، الذي لا يصلي، فلا ، وذلك أن في أمور الدين والآخرة، ينبغي أن ينظر العبد إلى من هو أفضل منه، ويسعى أن يفعل مثله، كما في الحديث، عن سالم عن أبيه قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه الله قرآنا فهو يقوم به آناء الليل والنهار، ورجل آتاه الله مالا فهو ينفقه آناء الليل والنهار» (متفق عليه).
    ودائما هناك من هو خير منك في أمور الآخرة، فلا ينبغي للعبد أن (يزكي) نفسه لمجرد أنه يحافظ على الصلوات الخمس، وينتهي عن كبائر المحرمات، يقول -عز وجل-، ردا على هؤلاء: {هو أعلم بمن اتقى}، الله -تبارك وتعالى-، يطلع على قلبك، لا جسدك، ويعلم ما في قلبك من تقوى وخشية ومراقبة وإحسان ، فلا تزكِ نفسك، بل ولا تزكِ غيرك على الله؛ فإذا كنت تعرف أحدا بالصلاح والاستقامة، تقول: «أحسبه كذلك ولا أزكي على الله أحدا». وهل (التزكية) منهي عنها حتى في الأسماء؟
    نعم، أحسنت غفلت عن هذه النقطة، وكنت أريد أن ذكرها.

    في الحديث، عن محمد بن عمرو بن عطاء أن زينب بنت أبي سلمة سألته: ما سمّيت ابنتك قال سميتها (برّة)، فقالت: إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - نهى عن هذا الاسم وقال: «لا تزكوا أنفسكم الله أعلم بأهل البر منكم»، فقال ما نسميها؟ قال: سموها زينب» (أبو داود). ولذلك نهى العلماء عن تسمية التقي والمتقي والمطيع والمحسن والمنيب، وغيرها من الأسماء التي فيها تزكية للمسمّى.

    اعداد: د. أمير الحداد
    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

  11. #11
    تاريخ التسجيل
    Jan 2018
    المشاركات
    45,303

    افتراضي رد: ذنوب القلوب

    ذنوب القلوب

    – الخيلاء

    - وما الفرق بين العجب والكبر والخيلاء؟ - أما الكبر فقد فسره النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: «الكبر بطر الحق وغمط الناس» (مسلم). أي رد الحق، وظلم الناس والاستعلاء عليهم؛ فالكبر يحتاج إلى أناس يتكبر عليهم، وأما العجب، فلا يحتاج إلى غيره، فيعجب المرء بشيء عنده ولم يعرف به أحد، ويرجع ما يعجب به إلى نفسه ولا يرى فضل الله عليه، أما الخيلاء فهو أعلى من العجب، ودون الكبر، وهو أن يرى نفسه أفضل من غيره، فيكبر نفسه ويصغر غيره. كنت وصاحبي نتجاور في مكتبته التي تبرع بأكثر من ٩٠٪ من كتبها للجان الدعوة في أفريقيا، وأبدلها بجهاز حاسوب، فيه أكثر من عشرين ألف كتاب لا يحتاج للاتصال بالشبكة العنكبوتية، فضلا عن البحث الفوري في الشبكة. - وقد ذكر النبي - صلى الله عليه وسلم - الخيلاء في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم، عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:

    «جاء أهل اليمن، هم أرق أفئدة وأضعف قلوبا، والإيمان يمان والحكمة يمانية، والسكينة في أهل الغنم والفخر والخيلاء في الفدادين من أهل الوبر..». وفي الصحيح عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «رأس الكفر نحو المشرق، والفخر والخيلاء في أهل الخير والإبل والفدادين في أهل الوبر، والسكينة في أهل الغنم» (صحيح البخاري). والفدادون: هم الذين يرفعون أصواتهم وهي عادة أهل الإبل في التعامل مع إبلهم، وقيل هم رعاة الإبل والبقر والحمير، وفي رواية في الصحيحين: «في الفدادين عند أصول أذناب الإبل»، ومن هذا الحديث نفهم معنى الخيلاء، وهو عكس السكينة، التي هي الطمأنينة والتواضع. جلس صاحبي خلف جهاز الحاسوب.
    دعني أقرأ لك بعض ما جمعت من هذا الموضوع: سميت الخيلاء والمختال مختالا؛ لأن المختال يتخيل في نفسه من عظمته وقدره ما لا حقيقة له، والله لا يحب كل مختال فخور. وأكثر ما يكون الخيلاء بالأفعال، كأن يتخايل في مشيته، أو في مركوبه، أو في ملبسه، أو نحو ذلك. في غزوة أحد ورد أن أبا دجانة أعلم بعصابة حمراء فنظر إليه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو مختال في مشيته بين الصفين، «فقال إنها مشية يبغضها الله إلا في هذا الموضع» (الطبراني في معجمه الكبير). وعن ابن جابر بن عتيك الأنصاري عن أبيه قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «إن من الغيرة ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، ومن الخيلاء ما يحب الله، ومنها ما يبغض الله، فأما الغيرة التي يحب الله فالغيرة في ريبة وأما التي يبغضها الله فالغيرة في غير الريبة وأما الخيلاء التي يحب الله أن يتخيل العبد بنفسه لله عند القتال وأن يتخيل بالصدقة» (تعليق شعيب الأرنؤوط: حسن لغيره). وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: «لا ينظر الله إلى من جر ثوبه خيلاء»، متفق عليه. وفي لفظ آخر عند البخاري: «من جر ثوبه مخيلة: لم ينظر الله إليه يوم القيامة».
    وعن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: «بينما رجل يجر إزاره من الخيلاء خسف به، فهو يتجلجل في الأرض إلى يوم القيامة». قال شيخ الإسلام ابن تيمية: «والأصل في ذلك قوله -تعالى-: {وَلَا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنَّاسِ وَلَا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحًا إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (لقمان:18)، وقوله -عز وجل-: {لِّكَيْلَا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلَا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} (الحديد:23)، وقول -تعالى-: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ خَرَجُوا مِن دِيَارِهِم بَطَرًا وَرِئَاءَ النَّاسِ وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ} (الأنفال:47).
    فذم الله -سبحانه وتعالى- الخيلاء والمرح والبطر. قال ابن القيم عن العجب: «أصله: رؤية نفسه، وغيبته عن شهود منة ربه وتوفيقه».

    والخيلاء: أن يرى نفسه فوق ما هي عليه، أو ما تستحقه، أو يرى الناس عظمة نفسه. والفخر: هو التمدح بالخصال وذكر المناقب، بتفضيل نفسه على غيره.
    وهذه الخصال بينها من التداخل ما يجعلها مترابطة، ولاسيما الفخر والخيلاء؛ فلا يكاد يتصف أحد بخصلة منها، فيسلم من أختها. وكأن هذه الصفات قنوات تنبع من معين واحد وهو: الكبر، وتخيل عظمة نفسه وفضله، وإرادة تعظيم الخلق له، وحمدهم له. وقال ابن كثير: {إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} أي: مختالا في نفسه، معجبا متكبرا، فخورا على الناس، يرى أنه خير منهم، فهو في نفسه كبير، وهو عند الله حقير، وعند الناس بغيض» انتهى من تفسير ابن كثير. - وما المخرج من هذه الآثام، والحفظ منها؟ - العلاج، دائما بنقض الأسباب، فينظر إلى النقض الذي فيه وعيوبه ويرجع الخير الذي فيه لله -عز وجل-، وأن الله يختبره بما أنعم عليه، ويذكر نفسه أن الله مطلع عليه وينظر إلى قلبه، ولا ينسى أن آثام القلوب وذنوبها أعظم عند الله من ذنوب الجوارح، ويدعو الله -عز وجل- صادقا مخلصا، كما في دعاء النبي - صلى الله عليه وسلم .
    «واهدني لأحسن الأخلاق لا يهدي لأحسنها إلا أنت واصرف عني سيئها لا يصرف عني سيئها إلا أنت» (رواه مسلم).



    اعداد: د. أمير الحداد

    اذا الايمان ضاع فلا أمان
    ولا دنيا لمن لم يحى دينا
    ومن رضى الحياة بغير دين
    فقد جعل الفنـاء له قرينا

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •