المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله خالق الألسن واللغات، واضع الألفاظ للمعاني بحسب ما اقتضته حِكمُه البالغات، الذي علم آدم الأسماء كُلَّها، وأظهر بذلك شرف اللغة وفضلها، والصلاة والسلام على نبينا محمد أفصح الخلق لسانا، وأعربهم بيانا، وعلى آله وصحبه أكرِم بهم أنصارا وأعوانا () .
وبعد : فكثيرا ما تلتبس البلاغة بالفصاحة ، حتى يظن الظان أنهما وجهان لعملة واحدة ، بل قد قال الوزير ابن الأثير - وهو بصدد ذكر الفروق بينهما - : «هذا باب متعذر على الوالج، ومسلك متوعر على الناهج، ولم يزل العلماء من قديم الوقت وحديثه يكثرون القول فيه والبحث عنه، ولم أجد من ذلك ما يُعوَّل عليه إلا القليل» () .
ففتح هذا الكلام عندي شهية البحث ، وأحببت أن أُدلي فيه بدلوي مع الدلاء ، بغية الاستفادة مما كتب في هذا المقام ، وإطلاع الإخوة في المنتدى على ما وقفت عليه إثراء للموضوع وتعميما للفائدة ؛ خاصة بعد أن وقفت على عبارة لفخر الدين الرازي يصرح فيها بأن : «أكثر البلغاء لا يكادون يفرقون بين البلاغة والفصاحة، بل يستعملونهما استعمال الشيئين المترادفين على معنى واحدة في تسوية الحكم بينهما» () .
وبحثي هذا مقسم إلى فصلين وخاتمة ؛ أما الفصلان فأحدهما : معقود للفصاحة، والآخر للبلاغة . تطرقت في الأول منهما إلى تعريف الفصاحة، وبيان أركانها، وشروطها ، ثم عرَّجت على ذكر الفصيح من الكلمات والمتكلمين، وبينت أن الألفاظ الفصيحة ليست على درجة واحدة . وأما الفصل الثاني ؛ فقد عرَّفت فيه البلاغة، وذكرت أركانها ، وعلومها، ونماذج من البلاغة والفصاحة . وفي الخاتمة أجملت ما توصلت إليه في في بحثي هذا .
() راجع : «المزهر في علوم اللغة وأنواعها» (ج1ص7) ، السيوطي .
() «المثل السائر في أدب الكاتب والشاعر» (ج1ص80) ، ابن الأثير .
() راجع : «المستطرف في كل فن مستظرف» (ج1ص96) للأبشيهي ، و«خزانة الأدب» (ج2ص414)، للحموي .