محل خلاف!!
كانت هذه العبارة ولاتزال تتردد على كثير من الألسنة، فحينا تكون في موضعها، وحينا..تصدم سامعها ولا تصلح للاستخدام إلا في أيام الصيف الحارة التي يتصبب فيها المرء عرقا.
أما في هذه الأيام التي يرتجف فيها الناس بردا، وقلقا ويتطلعون إلى دفء كلمة الحق نجد من يخرج علينا لتزداد البرودة صقيعا فإما أن تدور المحاجر في العيون بحثا عن غطاء من صوف اللامبالاة يتدثر به قائلا: وما شأني!
أو يستعين بحرارة الغضب المحمود ويذب عن شرع الله فتصبح كلمة الحق الدافئة شعاره ودثاره فتذهب عنه مرارة الغربة، ليجد حلاوتها، وتذوب ثلوج الباطل..
أما سمعتم من قبل قصة عالم السلطان الذي اضطر للسفر فلم يجد إلا ابنه ليحل محله ويكون بديلا عنه في الافتاء؟!
فلما أمره قال الفتى وهو يرتجف فرقا: يا أبت، إنما أنا أجهل من أصغر تلاميذك..
فقال له الرجل: أخشى على الافتاء يا بني أن يعتاد الناس الفتوى بعلم!! فلا أثق إلا بك
فقال المسكين: وكيف أفتي وأنا جاهل؟! فقال له قول الرجل المتمرس : إن سألك أحد فقل إن في المسألة قولين!
فطفق الفتى يفعل كما أُمر، ومع مرور الوقت ازدادت ثقته ..فهو العلامة الفقيه العالم بالخلاف وكل المسائل عنده يسوغ فيها الخلاف وأهم شيء إرضاء العميل..الذي دائما يكون على حق!
ولكن تفطن له بعض الأذكياء العقلاء فسأله وقال: يا سيدي العالم: أفي الله شك؟
فرد الفتى المسكين بثقة المغرورين: في المسألة قولان!
فانكشف الحال وظهر الخبال وعلم كل قاصٍ ودانٍ أي مفت هذا الذي به يثقون وخلف كلماته يهرعون!!
في المسألة قولان...والمسألة محل خلاف!!
ما أشبه اليوم بالبارحة!
إن كان في المسألة قولان، فيحل لك اختيار ما يحلو لك، بل قبل ذلك تفكر أنت وخمن ما هما القولان، فإذا اخترعتهما فاختر بعدُ ما شئت منهما...فقد يكون القولان : حلال وحلال!!
في المسألة خلاف!!
أما الفقه فيسعنا ما وسع الصحابة طالما أن الخلاف سائغ، فمهما اختار العالم الورع الفقيه في الفقه مما يسوغ فيه الاختلاف والاختيار، وفي إطار الأدلة الشرعية وفهم الصحابة للنصوص، ومهما قلده العامي، فتسع صدورنا هذه الخلاف ولا عداوة فيه ولا بغضاء، بل وبين الطلاب فالمدارسات والنقاش وليس الإنكار بالعصا والمنقاش!!
أما التوحيد وجنابه والولاء عليه والبراء مما يضاده...فليس هذا مما يسوغ فيه الخلاف
أفي الله شك؟!
الله الذي له صفات الكمال ونعوت الجلال، قال تعالى:"لِلَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ مَثَلُ السَّوْءِ وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ" سورة النحل – 60
الله الذي له الحكم لا شريك له ولا يشرك في حكمه أحدا، قال تعالى:"أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ تَبَارَكَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ" سورة الأعراف -54، وقال تعالى:"قُلْ إِنِّي عَلَى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَكَذَّبْتُمْ بِهِ مَا عِنْدِي مَا تَسْتَعْجِلُونَ بِهِ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ يَقُصُّ الْحَقَّ وَهُوَ خَيْرُ الْفَاصِلِينَ " سورة الأنعام – 57.
الخالق الرازق المدبر الذي بيده كل شيء وإليه يرجع الأمر كله قال تعالى:" سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَىالَّذِي خَلَقَ فَسَوَّىوَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى " سورة الأعلى 1-3
الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد قال تعالى:"قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ " سورة الإخلاص
أفي الله شك؟!
لا إله إلا الله ...عليها نحيا وعليها نموت، عليها نوالي وعليها نعادي قال النبي صلى الله عليه وسلم:"اللهم لك أسلمت ، و بك آمنت و عليك توكلت ، و إليك أنبت ، و بك خاصمت . اللهم إني أعوذ بعزتك ، لا إله إلا أنت" صحيح الجامع
وقال تعالى:"قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ" سورة الأنعام 162-163
فكل ما يمس جناب التوحيد، ويهز ثوابت أركانه، لا يقال إن في المسألة قولين..
أحيانا يظن البعض – وإن بعض الظن إثم – أنه يسوغ الخلاف عندما يكون في المسألة قولان ما بين الشرك والبدعة، ما بين التحريم والشرك..!!
فلا يقال في تعمد الصلاة في المساجد التي فيها قبور على سبيل المثال أن في المسألة قولين!! ولا يقال في طلبالدعاء أو الشفاعة من الأموات أن في المسألة قولين!!
إلا إن قصدت الشرك أو البدعة أو التحريم، وجميعا تعني المنع بلا ريب.
فالفروق بينها محل دراسة المتخصصين لا لغط العوام والمتفيهقين، فهؤلاء لا يقال لهم إلا أن الحكم واحد وهو المنع..
هذا فيما يخص حماية جناب التوحيد داخل إطار الإسلام...فكيف بما يخص جناب التوحيد خارج إطار الإسلام؟!
أيسوغ أن يكون في المسألة قولان؟؟
فلو قلنا من لم يؤمن بالله ورسوله ويصدق بالقرآن فهو كافر مخلد في النار، هذه عقيدتنا التي عليها انعقد القلب فرسخت فيه رسوخ الشجرة الطيبة التي "أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ" سورة إبراهيم 24
فتجد من يخرج عليك قائلا: هذا رأيك ولكن المسألة (محل خلاف)!!
ثم يحلل ويفند أن السماحة تعني قبول الآخر، وقبول الآخر هو المرونة، وتكفير غير المسلم يخالف ذلك!
تماما كما استدل البعض فقال: إن فرار العدو من الجبن، وإن الجبن مصنوع من اللبن، إذن : فرار العدو مصنوع من اللبن!!
أفي الله شك؟!
أين قائل ذلك من قوله تعالى:"أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِين َ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ" سورة القلم 35- 36
ما لكم ؟؟! كيف تحكمون؟؟ أقرأتم كتاب الله حقا؟! أخشعتم لذكره صدقا؟؟
ما لكم كيف تحكمون؟؟!
أفي الله شك؟!
ليست السماحة ضرب من التنازل المدروس المنهجي المستمر عن الثواب والعقيدة، إنما هي في الإسلام تعني احتواء المخالف فعندنا دوما مساحة للمخالف، يعيشون بيننا دون أن نمنعهم من ممارسة دينهم، نخالطهم ونأكل من طعامهم ويأكلوا من طعامنا، نحسن إليهم ونبرهم ونعاملهم بالقسط ولهم علينا حقوقا بما أحقه الله علينا تجاههم، وإن ظلمهم مسلم يرد عن ظلمه وينالوا حقهم دون بخس.
لكننا نشهد عليهم بالكفر وأنهم إن ماتوا على ذلك فهم من أهل النار أليس الذي قال :"لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" الممتحنة 8
هو الذي قال:"وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ" سورة آل عمران-85
إن ما ما يطالبوننا به ليس هو السماحة الإسلامية بل هي السماحة الغربية المزعومة التي لا يلتزم بها الغرب لسذاجتها وتعارضها مع أبسط قواعد العقل والمنطق!
تلك السماحة التي ما أن وضعت في المحك حتى عجزت عن تحمل قطعة من القماش توضع على وجه امرأة عفيفة، في بلادهم بلاد التعري والـــ (سماحة)...فلا نامت أعين الجبناء
هذه السماحة المزعومة التي عرفوا خطلها وخبطها، فصدروها لنا ليقيدونا بها ويتخلصوا من رجسها ورجزها لأنها في الواقع ليست سماحة بل هزيمة نفسية وضعة وضياع
والإسلام ليس دين مهانة وهوان بل هو دين العزة والإيمان قال تعالى:"وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِي نَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ" سورة المنافقون 8
الإسلام الذي ساد قرونا فلم تختف الأقليات من خارطة التاريخ الزمنية والمكانية، ولم تُقَم لهم محاكم التفتيش تفتش بيوتهم وضمائرهم وتعذبهم على ما شاءت ليستأصلوا شأفة الإيمان من القلوب...وأنّي لهم ذلك!
أفي الله شك؟
ولاء وبراء..كذا عاش العلماء الأتقياء ...على طول دولة الإسلام وعرضها أيام كانت عزيزة وعاش اليهود والنصارى بين أظهرنا، قال ابن القيم:"وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات، وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب، بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس وارتكاب الفرج الحرام ونحوه. وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنأ عبداً بمعصية أو بدعة أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه... إلخ. انظر أحكام أهل الذمة 1/161 فصل في تهنئة أهل الذمة
ولم نسمع فتوى لأحد العلماء الأتقياء يفتي بجواز تهنئتهم بعيد ميلاد الرب أو ابن الرب كما يزعمون..
قال تعالى :" مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا" سورة الكهف 5
أفي الله شك؟!
وهاك سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهو البر الرحيم لا تزال بين أظهرنا يحفظها الحفاظ وتحتويها الكتب، أليس النبي صلى الله عليه وسلم أحرص الناس على العدل وحسن الخلق، أليس هو أحرص الناس على هداية الخلق إلى الحق، فلم لم ينقل عنه يوما أنه ذهب إلى يهود يهنئهم بعيد من أعيادهم الباطلة
يا هؤلاء ...أفي الله شك؟!
قال تعالى:"يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ" سورة غافر 19
أحذركم الله، أذكركم الله، أوصيكم بتقوى الله، لا إله إلا الله ...
يا أهل الكتاب توحيدنا لا تشوبه الشوائب، توحيدنا خالص، نقسط إليكم نحسن إليكم، ولكن الله مولانا وتوحيده ديننا، نخلص له العبادة لا شريك له، عقيدتنا حياتنا قال تعالى:"قُلْ أَتُحَاجُّونَنَ ا فِي اللَّهِ وَهُوَ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ وَلَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ" سورة البقرة 139
يا أهل الكتاب نقول لكم ما أمرنا أن نقول:
"قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ" آل عمران64
اللهم توفنا مسلمين لك على التوحيد الخالص بلا شائبة تكدره