التنبيه على خطأ شائع لمن صلَّى بالساحات المحيطة بالمسجد الحرام:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه ومن بإحسان تبعه.. أمابعد
من الخطأ الشائع في الصلاة بساحات المسجد الحرام عند كثير من الوافدين إلى مكة لحجٍّ أوعمرةٍ، وبعض الجهلة من أهلها أداؤهم صلاة الجماعة من بعيدٍ مع عدم اتصال صفِّهم بصفوف الجماعة.
وعند كثير من العلماء صلاة هؤلاء باطلة؛ إذ يشترط اتصال الصفوف لصحَّة الائتمام بالجماعة، برؤية الصف الخلفي للأمامي؛ إلَّا إذا ازدحم المكان وحال بين رؤيتهم جدار ونحوه فيكتفى بسماع الصوت للعذر.
ويعتمد غالبية من يصلِّيها بهذه الصورة على جريان العرف به، وأنهم ماداموا يسمعون صوت الإمام بمكبِّرات الصوت فلا حرج عليهم حتى لو لم يروا الصفوف.
وكما يلحظ فالمسافة بعيدة جدا بين هذا الصف المنفرد وبين أقرب صف قبله إلى جماعة المسجد الحرام، تقارب أربعين مترا وتزيد.
وهذا ليس بنادر بل إني أرى بصورة شبه يومية أرى من يصلي أبعد من ذلك بمسافة تقرب المائة متر.
والمقصود أنَّ كثيرا من الفقهاء، ومن المعاصرين الشيخين ابن باز وابن عثيمين وغيرهما = يبطلون صلاة من فعل هذا عن علمٍ به.
ومثله في الخطأ ما لو صلى في الطابق الثاني أو السطح مع وجود أماكن في الدور الأرضي، مكتفيا بسماع الصوت بالمكبرات الصوتية، ودون أن يرى الصفوف من مكانه!
وأشد خطأ منه وأغرق في الجهل بحكم الشرع: الاعتماد على التلفاز أوالراديو أوصوت المكبِّرات من الفنادق القريبة من الحرم والائتمام بها.
ولو كان الأمر كما يظنُّ هؤلاء لأمكن لرجل من آلاف الكيلومترات أن يأتم بإمام الحرم ويصلِّي بصلاته بمجرَّد سماع صوته ورؤيته عبر التلفاز!
أرى أنَّ الواجب على طلاب العلم والدعاة تنبيه الناس وتوعيتهم لهذا الخطأ الظاهر، وقد رأيت من هذه المناظر ما جعل صورة الأمر تمرُّ عندي كل فريضة في كل يومٍ لو شئتُ، ويكثر هذا جدا وللأسف الشديد أيام العمرة والحج.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (صلاة المأموم خلف الإمام خارج المسجد أو في المسجد وبينهما حائل فإن كانت الصفوف متصلة جاز باتفاق الأئمة وإن كان بينهما طريق أو نهر تجري فيه السفن ففيه قولان معروفان هما روايتان عن أحمد : أحدهما : المنع كقول أبي حنيفة . والثاني : الجواز كقول الشافعي . وأما إذا كان بينهما حائل يمنع الرؤية والاستطراق ففيها عدة أقوال في مذهب أحمد وغيره . قيل : يجوز وقيل : لا يجوز . وقيل : يجوز في المسجد دون غيره . وقيل : يجوز مع الحاجة ولا يجوز بدون الحاجة . ولا ريب أن ذلك جائز مع الحاجة مطلقا : مثل أن تكون أبواب المسجد مغلقة أو تكون المقصورة التي فيها الإمام مغلقة أو نحو ذلك . فهنا لو كانت الرؤية واجبة لسقطت للحاجة . كما تقدم فإنه قد تقدم أن واجبات الصلاة والجماعة تسقط بالعذر وأن الصلاة في الجماعة خير من صلاة الإنسان وحده بكل حال). انتهى.
وقال رحمه الله أيضًا: (إذا امتلأ المسجد بالصفوف صفوا خارج المسجد فإذا اتصلت الصفوف حينئذ في الطرقات والأسواق صحت صلاتهم . وأما إذا صفوا وبينهم وبين الصف الآخر طريق يمشي الناس فيه لم تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء . وكذلك إذا كان بينهم وبين الصفوف حائط بحيث لا يرون الصفوف ولكن يسمعون التكبير من غير حاجة فإنه لا تصح صلاتهم في أظهر قولي العلماء . وكذلك من صلى في حانوته والطريق خال لم تصح صلاته). انتهى مختصرا.
وسئل الشيخ ابن باز رحمه الله: وصلت أنا ومجموعة معي إلى مسجد وقت صلاة المغرب لأداء الصلاة ، فوجدت أن المسجد قد امتلأ بالمصلين ، وخوفًا منا على صلاة المغرب ، صلينا على الرصيف المجاور للمسجد موازين للإمام ، فصلينا مع الجماعة بواسطة السماع من مكبر الصوت ، ولكننا لم نر الصفوف ، وبعد انتهاء الصلاة ، قيل لنا : لا تصح صلاة من لا يرى الإمام أو الصفوف ، وإذا كان يوجد فاصل بين المسجد مثلًا كشارع صغير أو طريق مقابل لباب المسجد ، فهل تصح صلاتنا مع وجود هذا الفاصل ، أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء ؟
فأجاب فضيلته بقوله: صلاتكم كما وصفت ، لمَّا وجدتم المسجد مزدحمًا ولم تجدوا فيه مكانًا ، فصليتم ، خارجه على الرصيف بجوار المسجد ، وأنتم تسمعون الإمام ، فالصلاة في مثل هذه الحالة صحيحة للضرورة ، إذا كنتم لم تتقدموا على الإمام في موقفكم ، وأما إذا كان بين المصلي وبين المسجد طريق كما وصفت في آخر سؤالك ، فإن الاقتداء بالإمام لا يصح في مثل هذه الحالة ، إذا كان بين المسجد وبين المصلي طريق يمشي فيه الناس ، وتسير في السيارات حال الصلاة ، فإن الصلاة لا تصح في هذه الحالة ، أما لو كان الطريق قد اتصلت فيه الصفوف إلى مكانكم ، وصار كل المكان يصلى فيه فالصلاة صحيحة في هذه الحالة . لكن إذا كان الطريق يمشي فيه الناس ولم يكن فيه صفوف متصلة ، فالصلاة في مثل هذه الحالة لا تصح ؛ لانقطاعكم عن الإمام وللفصل بينكم وبينه بالمارة والله أعلم، ومثل هذا كما قال الفقهاء إذا كان بين المصلي وبين المسجد نهر أو نهر تمشي فيه السفن وما أشبه ذلك .
لكن تفضلتم بالقول : بأنه إذا وصلت الصفوف بهذا الطريق ، كيف نجمع بين هذا وبين النهي عن الصلاة في قارعة الطريق؟
فأجاب فضيلته بقوله: هذا للضرورة ، إذا كان المسجد قد امتلأ وصلى الناس خارجه واتصلت الصفوف فالصلاة صحيحة، ولو كان مكانهم طريقًا في الأصل ، أو سوقًا يمشي فيه الناس ، فلأجل الحاجة والضرورة في مثل هذه الحالة لا سيما في أيام الجمع ، والأيام التي يزدحم فيها الناس ، لا حرج في ذلك إن شاء الله للحاجة .
وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: هل للمسلم أن يصلي مع الصلاة التي تنقل في التلفزيون أو الإذاعة من دون أن يرى الإمام خصوصاً للنساء؟
فأجاب فضيلته بقوله:لا يجوز للإنسان أن يقتدي بالإمام بواسطة الراديو أو بواسطة التلفزيون؛لأن صلاة الجماعة يقصد بها الاجتماع,فلا بد أن تكون في موضع واحد,أو تتصل الصفوف بعضها ببعض,ولا تجوز الصلاة بواسطتهما,وذلك لعدم حصول المقصود بهذا,ولو أننا أجزنا ذلك لأمكن كل واحد أن يصلي في بيته الصلوات الخمس, بل الجمعة أيضاً,وهذا مناف لمشروعية الجمعة والجماعة, وعلى هذا فلا يحل للنساء ولا لغيرهن أن يصلي أحد منهم خلف المذياع أو خلف التلفاز. والله الموفق.
وسئل فضيلة الشيخ أيضًا: هل تصح صلاة المقتدي بالصوت فقط أو لا؟
فأجاب فضيلته بقوله:إذا كان الإنسان في المسجد فإنه يجوز أن يقتدي بالإمام إذا سمع صوته وإن لم يره,أما إذا كان خارج المسجد لعدم وجود مكان في المسجد فلا بد أن تتصل الصفوف حيث أمكن,وذلك لأن المقصود بالجماعة اجتماع الناس,وأن يكونوا جماعة واحدة,فإذا تفرقوا فإنه ليس ذلك بجماعة,وعلى هذا فإذا اتصلت الصفوف في المسجد إلى السوق فإنه يجوز أن يصلي الإنسان ولو كان خارج المسجد,وذلك لإمكان المتابعة,وأما إذا لم تتصل الصفوف لا يصلي خلف الإمام,فإن كان معذوراً عذراً شرعياً فلا إثم عليه,وإن كان غير معذور فإنه يجب أن يذهب إلى المسجد ويصلي مع الجماعة.والله الموفق.
(أرجو منكم نشر هذا الموضوع وبثَّه في النت في المنتديات ومواقع التواصل الاجتماعي، والدَّال على الخير كفاعله)