
المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أشرف بن محمد
[justify]وَمِنْ الْعَجَبِ الْعَجِيبِ أَنَّ الْفُقَهَاءَ الْمُقَلِّدِينَ يَقِفُ أَحَدُهُمْ عَلَى ضَعْفِ مَأْخَذِ إمَامِهِ، بِحَيْثُ لَا يَجِدُ لِضَعْفِهِ مَدْفَعًا، وَمَعَ هَذَا يُقَلِّدُهُ فِيهِ، وَيَتْرُكُ مَنْ شَهِدَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْأَقْيِسَةُ الصَّحِيحَةُ لِمَذْهَبِهِ، جُمُودًا عَلَى تَقْلِيدِ إمَامِهِ، بَلْ يَتَحَيَّلُ لِدَفْعِ ظَوَاهِرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَيَتَأَوَّلُها بِالتَّأْوِيلَا تِ الْبَعِيدَةِ الْبَاطِلَةِ نِضَالًا عَنْ مُقَلَّدِهِ. وَقَدْ رَأَيْنَاهُمْ يَجْتَمِعُونَ فِي الْمَجَالِسِ، فَإِذَا ذُكِرَ لِأَحَدِهِمْ خِلَافُ مَا وَطَّنَّ نَفْسَهُ عَلَيْهِ، تَعَجَّبَ مِنْهَ غَايَةَ العَجَبِ، مِنْ غَيْرِ اسْتِرْوَاحٍ إلَى دَلِيلٍ، بَلْ لِمَا أَلِفَه مِنْ تَقْلِيدِ إمَامِهِ، حَتَّى ظَنَّ أَنَّ الْحَقَّ مُنْحَصِرٌ فِي مَذْهَبِ إمَامِهِ، وَلَوْ تَدَبَّرَهُ لَكَانَ تَعَجُّبُهُ مِنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ أَوْلَى مِنْ تَعَجُّبِهِ مِنْ مَذْهَبِ غَيْرِهِ، فَالْبَحْثُ مَعَ هَؤُلَاءِ ضَائِعٌ، مُفْضٍ إلَى التَّقَاطُعِ وَالتَّدَابُرِ مِنْ غَيْرِ فَائِدَةٍ يُجْدِيهَا. وَمَا رَأَيْت أَحَدًا مِنْهُم رَجَعَ عَنْ مَذْهَبِ إمَامِهِ إذَا ظَهَرَ لَهُ الْحَقُّ فِي غَيْرِهِ، بَلْ يُصِرُّ عَلَيْهِ مَعَ عِلْمِهِ بِضَعْفِهِ وَبُعْدِهِ. فَالْأَوْلَى تَرْكُ الْبَحْثِ مَعَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ إذَا عَجَزَ أَحَدُهُمْ عَنْ تَمْشِيَةِ مَذْهَبِ إمَامِهِ، قَالَ: لَعَلَّ إمَامِي وَقَفَ عَلَى دَلِيلٍ لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ، وَلَمْ أَهْتَدِ إلَيْهِ. وَلَا يَعْلَمُ الْمِسْكِينُ أَنَّ هَذَا مُقَابَلٌ بِمِثْلِهِ، وَيَفْضُلُ لِخَصْمِهِ مَا ذَكَرَهُ مِنْ الدَّلِيلِ الْوَاضِحِ وَالْبُرْهَانِ اللَّائِحِ.
فَسُبْحَانَ اللَّهِ مَا أَكْثَرَ مَنْ أَعْمَى التَّقْلِيدُ بَصَرَهُ، حَتَّى حَمَلَهُ عَلَى مِثْلِ مَا ذَكَرْتُه.
وَفَّقَنَا اللَّهُ لِاتِّبَاعِ الْحَقِّ أَيْنَ مَا كَانَ، وَعَلَى لِسَانِ مَنْ ظَهَرَ.
وَأَيْنَ هَذَا مِنْ مُنَاظَرَةِ السَّلَفِ وَمُشَاوَرَتِهِ مْ فِي الْأَحْكَامِ، وَمُسَارَعَتِهِ مْ إلَى اتِّبَاعِ الْحَقِّ إذَا ظَهَرَ عَلَى لِسَانِ الْخَصْمِ. وَقَدْ نُقِلَ عَنْ الشَّافِعِيِّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ قَالَ: مَا نَاظَرْتُ أَحَدًا إلَّا قُلْتُ: اللَّهُمَّ أَجْرِ الْحَقَّ عَلَى قَلْبِهِ وَلِسَانِهِ، فَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مَعِي اتَّبَعَنِي، وَإِنْ كَانَ الْحَقُّ مَعَهُ اتَّبَعْتُه.
قاله عِزُّ الدِّينِ بْنُ عَبْدِ السَّلَامِ فِي قَوَاعِدِهِ 2 : 274 – 275 ط. دار القلم، دمشق 1421.
[/justify]