خواطر وتساؤلات عن اللسان " 2 "
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين أمَّا بعد: فهذه خواطر وتساؤلات عن اللسان أسأل الله تعالى أن ينفعني وقارئها بها وأن تكون ذخرا لي يوم ألقاه إنَّه سميع مجيب .
التساؤل الثاني : هل للسان ضر ؟ وهل هو دنيوي أم أخروي ؟
وللإجابة على هذا التساؤل أقول : مما لا شك فيه أنَّ للسان ضرر عظيم وهو ضرر دنيوي وأخروي فعَنْ جُنْدَبٍ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدَّثَ « أَنَّ رَجُلاً قَالَ وَاللَّهِ لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لِفُلاَنٍ وَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ مَنْ ذَا الذي يَتَأَلَّى عَلَىَّ أَنْ لاَ أَغْفِرَ لِفُلاَنٍ فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلاَنٍ وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ »مسلم وقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ « كَانَ رَجُلاَنِ فِى بَنِي إِسْرَائِيلَ مُتَآخِيَيْنِ فَكَانَ أَحَدُهُمَا يُذْنِبُ وَالآخَرُ مُجْتَهِدٌ فِى الْعِبَادَةِ فَكَانَ لاَ يَزَالُ الْمُجْتَهِدُ يَرَى الآخَرَ عَلَى الذَّنْبِ فَيَقُولُ أَقْصِرْ. فَوَجَدَهُ يَوْمًا عَلَى ذَنْبٍ فَقَالَ لَهُ أَقْصِرْ فَقَالَ خَلِّنِي وَرَبِّي أَبُعِثْتَ عَلَيَّ رَقِيبًا فَقَالَ وَاللَّهِ لاَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكَ أَوْ لاَ يُدْخِلُكَ اللَّهُ الْجَنَّةَ. فَقُبِضَ أَرْوَاحُهُمَا فَاجْتَمَعَا عِنْدَ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَقَالَ لِهَذَا الْمُجْتَهِدِ أَكُنْتَ بِي عَالِمًا أَوْ كُنْتَ عَلَى مَا فِى يَدِي قَادِرًا وَقَالَ لِلْمُذْنِبِ اذْهَبْ فَادْخُلِ الْجَنَّةَ بِرَحْمَتِي وَقَالَ لِلآخَرِ اذْهَبُوا بِهِ إِلَى النَّارِ ». قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه " وَالَّذِى نَفْسِى بِيَدِهِ لَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ " أبو داود . قال تعالى "مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ " لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لعقبة بن عامر رضي الله عنه " أمسك عليك لسانك وليسعك بيتك وآبك على خطيئتك " الترمذي وصححه الألباني . ففي الدنيا كفر اليهود والنصارى وغيرهم بسبب اللسان قال تعالى " لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ وَقَالَ الْمَسِيحُ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ * لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلَاثَةٍ وَمَا مِنْ إِلَهٍ إِلَّا إِلَهٌ وَاحِدٌ وَإِنْ لَمْ يَنْتَهُوا عَمَّا يَقُولُونَ لَيَمَسَّنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ " وقال سبحانه " يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ مَا قَالُوا وَلَقَدْ قَالُوا كَلِمَةَ الْكُفْرِ وَكَفَرُوا بَعْدَ إِسْلَامِهِمْ " وقال تعالى " يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ * وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طَائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طَائِفَةً بِأَنَّهُمْ كَانُوا مُجْرِمِينَ "
وبسبب اللسان تقطعت أرحام وثارت حروب وفنيت أمم وتشتت أسر كانت مجتمعة وأمَّا في الآخرة فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لمعاذ رضي الله عنه " ثكلتك أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم أو على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم " الترمذي وصححه الألباني . ولذا حذر النبي صلى الله عليه وسلم من اللسان وبين عظيم خطره فقال صلى الله عليه وسلم " إِذَا أَصْبَحَ ابْنُ آدَمَ فَإِنَّ الأَعْضَاءَ كُلَّهَا تُكَفِّرُ اللِّسَانَ فَتَقُولُ : اتَّقِ اللَّهَ فِينَا فَإِنَّمَا نَحْنُ بِكَ ، فَإِنْ اسْتَقَمْتَ اسْتَقَمْنَا وَإِنْ اعْوَجَجْتَ اعْوَجَجْنَا " الترمذي عن أبي سعيد وحسنه الألباني. وقال صلى الله عليه وسلم " إِنَّ الْعَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ الْمَشْرِق " البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه . وقال صلى الله عليه وسلم " إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ ، مَا يَرَى أَنْ تَبْلُغَ حَيْثُ بَلَغَتْ ، يَهْوِي بِهَا فِي النَّارِ سَبْعِينَ خَرِيفًا " أحمد عن أبي هريرة وصححه ابن حبان وشعيب الأرنؤوط .
وعَنْ بِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ الْمُزَنِيِّ رضي الله عنه قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ ، يَكْتُبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَإِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ ، يَكْتُبُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِهَا عَلَيْهِ سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ " قَالَ : فَكَانَ عَلْقَمَةُ يَقُولُ : كَمْ مِنْ كَلاَمٍ قَدْ مَنَعَنِيهِ حَدِيثُ بِلاَلِ بْنِ الْحَارِثِ" أحمد.
وعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ : الْمُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ " البخاري ومسلم . وبيَّن صلى الله عليه وسلم عظيم فضل حفظ اللسان فعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الْجَنَّةَ " البخاري.
وقد حرص الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم على حفظ ألسنتهم وتخوفوا منها دَخَلَ عُمَرُ رضي الله عنه عَلَى أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ وَهُوَ آخِذٌ بِلِسَانِهِ، وَهُوَ يَقُولُ: هَكَذَا إِنَّ هَذَا أَوْرَدَنِيَ الْمَوَارِدَ .
وقال عَبْدُ اللَّهِ بن مسعود رضي الله عنه :" وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيْرَهُ مَا عَلَى الْأَرْضِ شَيْءٌ أَحْوَجُ إِلَى طُولِ سَجْنٍ مِنْ لِسَانٍ ".
وعَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ: " أَحَقُّ مَا طَهَّرَ الْمُسْلِمُ لِسَانُهُ " فعلى كل إنسان مسلم أن يحفظ لسانه وأن يلجمه بلجام الشرع فإنَّه من أعتى الأعضاء على صاحبه إذ قد تجد من يتورع عن كثير من المحرمات ولكنَّ لسانه يفري في أعراض المسلمين ولربما في خيرتهم وصفوتهم والصالحين منهم وهم العلماء والدعاة نسأل الله العافية والسلامة .
وإلى تساؤل آخر عما قريب .
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين .