تحقيق المطالب بمكان قرن الثعالب
بقلم : د / عمر بن غرامه العمروي
بسم الله الرحمن الرحيم
قـــرن الثعــــالب
المدخل إلى البحث :
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، نبينا ورسولنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ، إلى يوم الدين .
أما بعد : فإنه لما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة المنورة ، وبدأت الغزوات ومنها غزوة أحد ، بينه وبين كفار قريش ومن معهم من قبائل العرب ، وقتل من قتل ، وهزم من هزم فيها من الجانبين ، قام النبي صلى الله عليه وسلم ، يتفقد القتلى واحدا واحدا ، حتى وقف على جثمان عمه حمزة بن عبد المطلب ــ رضي الله عنه ــ ، وكان أحب الناس إليه وخيرة أهل بيته يومئذ ، فرأه وقد بقر بطنه ، واستخرجت أحشائه ، ومثل به أي ما تمثيل ، فقال صلى الله عليه وسلم وقد أخذه الحزن الشديد : (( لن أصاب بعد اليوم بمثل مصيبتي فيك )) .
فلما رأت وسمعت أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله عنها ـ قوله ، قالت له صلى الله عليه وسلم ، يا رسول الله ، هل أتى عليك يوم أشد من يوم أحد ؟ قال : (( لقد لقيت من قومك ما لقيت ، وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة ، إذ عرضت نفسي على ابن عبد ياليل بن عبد كلال ، فلم يجبني إلى ما أردت ، فانطلقت وأنا مهموم على وجهي ، فلمأستفق إلا وأنا بقرن الثعالب ، فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل ، فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك ، وقد بعث الله إليك ملك الجبال ، لتأمره بما شئت فيهم ، فناداني ملك الجبال ، فسلم علي ، ثم قال : يا محمد ، فقال : ذلك فيما شئت ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ، لا يشرك به شيئا )) . (1)
ثم واصل سيره حتى وصل إلى موقع حي نخب من أحياء الطائف الجنوبية اليوم ، فأستقبله سادة ثقيف أسوأ إستقبال ، فقد كذبوه وآذوه ، وسيأتي بيان ذلك في دراسة نصوص الحديث .
دراسة نصوص الحــــــديث
سند البخاري ، قال : حدثنا عبد الله بن يوسف ، أخبرنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب قال : حدثني عروة ، أن عائشة رضي الله عنها .
وسند مسلم ، قال : حدثني أبو طاهر أحمد بن عمرو بن سرح ، وحرملة بن يحي ، وعمرو بن سواد العامري « وألفاظهم متقاربة » قالوا : حدثنا ابن وهب ، قال : أخبرني يونس عن ابن شهاب قال : حدثني عروة بن الزبير ، أن عائشة رضي الله عنها .
قوله : (( لقد لقيت من قومك ما لقيت )) :يعني : لقي من قومها قريش ، من تكذيب وشدة أذى ، وعدم سماع منهم لما يقول ، وذلك أنه بعد موت عمه أبو طالب ، أشتد عليه الأمر ، وقام سبعة من كبار قريش بالتصدي له ولدعوته ونالوا منه ما نالوا ، برئاسة عمه أبو لهب .
(( وكان أشد ما لقيت منهم يوم العقبة )) : وكان أشد الأذى الذي لاقاه صلى الله عليه وسلم منهم ، هو يوم عرض نفسه على وجهاء وكبار الناس في القبائل ، ومنهم « ابن عبد ياليل » رئيس قبيلة ثقيف عند جمرة العقبة ، حيث كان صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه في كل حج على الناس ، ليبلغهم ما أرسل وأمر به من ربه .
قوله : (( إذ عرضت نفسي )) :كان صلى الله عليه وسلم يعرض نفسه كما ذكرت على ورؤساء القبائل في مواسم الحج ، وفي مواطنهم ، لعل الله يقيّض له من ينصره ويسانده في دعوته .
قوله :((على ابن عبد ياليل بن عبد كلال )) : هو : كنانة بن عبد ياليل بن عمرو بن عمير بن عوف بن عقدة بن غيرة بن عوف بن ثقيف ، كان رئيسا لقبيلة ثقيف في الجاهلية .
قال عنه أهل السير : قال المدائني : قدم كنانة بن عبد ياليل على النبي صلى الله عليه وسلم في النفر الوفد من ثقيف ، فأسلموا غير كنانة ، فإنه قال : لا يربني رجل من قريش ، وخرج كنانة إلى نجران ، ثم إلى الروم ، فمات بأرض الروم كافرا .
قلت : وهذا سبب وهم من ذكره في الصحابة . (2)
قوله : (( فلم يجبني إلى ما أردت )) : فوجد النبي عليه الصلاة والسلام ، من ابن عبد ياليل ما لم يتخيَّله من الجحود ، والإنكار ، والإستهزاء ، والصد عن سبيل الله .
وكان سبب ذهاب النبي إلى ابن عبد ياليل هذا ، أنه قد أخبر قريشا حينما سألوه عن نار يرونها في السماء ، كما يرون اختلاف الشهب ، فقال لهم : أن فعلها ذاك ، ينذرهم بظهور نبي لهم ، المصدر السابق .
قوله : (( فانطلقت وأنا مهموم على وجهي )) : الذي أراه أنه أنطلق من مكة إلى الطائف ليعرض نفسه على زعماء كفار ثقيف ، الثلاثة وعلى رأسهم « ابن عبد ياليل بن عمرو » ، وأخويه : مسعود ، وحبيب ، ومثلهم زعماء هوازن .
قوله : (( فلمأستفق إلا وأنا بقرن الثعالب )) :من شدة الهم والحزن ، الذي يعانيه من قومه ، وموت عمه ، وعدم استجابة « ابن عبد ياليل » له ومناصرته ، وقرن الثعالب ، وقرن المنازل سيأتي بيان مكانه ، وزمانه إن شاء الله .
قوله : (( فرفعت رأسي ، فإذا أنا بسحابة قد أظلتني ، فنظرت فإذا فيها جبريل ، فناداني فقال : إن الله قد سمع قول قومك لك ، وما ردوا عليك )) : القول هنا هو قول قومه : وهم كفار قريش السبعة ، الذين منعوا أبا جهل من حمايته بعد موت عمه أبو طالب ، وكانوا إذا قام إلى الصلاة وضعوا رحم الأنعام التي ولدت على رقبته ، والشوك ، وآذوه أشد الأذى .
قوله : (( وقد بعث الله إليك ملك الجبال ، لتأمره بما شئت فيهم ، فناداني ملك الجبال ، فسلم علي ، ثم قال : يا محمد ، فقال : ذلك فيما شئت ، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين ؟ )) .
قلت : وهذا النص هو الدليل والبرهان ، على أن النبي صلى الله عليه وسلم ، خرج من مكة حزينا ، هائما على وجهه ـ بأبي وأمي هو ـ فما وعى بنفسه إلاّ في قرن الثعالب ، وسيأتي بيانه قوله : (( الأخشبان)) . قال ابن حجر : هما جبلا مكة : أبو قبيس والذي يقابله ، وكأنه قعيقعان )) قلت : نعم ، وهو الصحيح . (2)
(( فقال النبي صلى الله عليه وسلم : بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده ، لا يشرك به شيئا )) . (3)
ثم سار رسول الله من قرن الثعالب إلى حي نخب من أحياء الطائف الجنوبية ، وفي هذا الحي كان يقيم سادة ثقيف الثلاثة ، وهم : كنانة بن عبد ياليل ، وحبيب ، ومسعود أبناء عمرو بن عمير بن ثقيف ، فعرض نفسه عليهم ليبلغهم ما أرسل به ، وكان ذلك في شهر شوال سنة عشر من البعثة ، وقد مكث يدعوهم عشرة أيام ، فسخروا منه ، وأغروا به سفهائهم وواجهوه بأقبح الردود ، وأشنع الصدود ، فقرر صلى الله عليه وسلم ، العودة إلى مكة ، بعد هذا الصدود وهذا الإعراض ، وقد رجع حزيناً مكلوم الفؤاد ، فرفع يداه إلى السماء ، ودعا ربه بهذه الدعوات وهو يقول : (( اللهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس ، أرحم الراحمين أنت ؛ ارحمني ، إلى من تكلني ؟ إلى عدو يتجهمني ، أم إلى قريب ملكته أمري ؟ إن لم تكن غضبانا علي فلا أبالي ، غير أن عافيتك هي أوسع لي ، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن تنزل بي غضبك أو تحل علي سخطك ، لك العتبى حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك )) . (4)
وبعد لجوؤه إلى الحي القيوم ، بهذا الدعاء النبوي ، استجاب الله له وهيأ له من كفار الطائف : أبناء ربيعة : عتبة وشيبة الذين شاهدا حاله ، وما أصابه ، فدعوا غلاما لهما نصرانيا يقال له : عداس ، فقدم له قطفا من العنب فسمى الله وأكل منه .
ثم خرج من الطائف قاصدا مكة عن طريق السيل الكبير ، فخرج له سفهاء الطائف وقعدوا له صفين على جانبي الطريق ، وأخذوا يرمون قدميه بالحجارة حتى أدموهما ، ثم خلص منهما إلى نخلة ، الموضع المعروف اليوم : بالنزلة اليمانية غرب ميقات السيل الكبير ، وفيها صلى صلاة جهرية ، فلما سمعت الجن قراءته للقرآن ، هرعت إليه وحضرت معه الصلاة ، فلما سمعوا القرآن أسلموا وعادوا إلى قومهم يدعونهم إلى الإسلام ، وأنزل الله في ذلك قوله تعالى : ( وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن ) سورة الأحقاف .
ثم دخل مكة المكرمة في جوار المطعم بن عدي وأولاده الستة ، الذين تقلدوا سيوفهم ورافقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم ، لأمنه وحماية حتى طاف بالبيت الحرام ، وعلمت قريش بأنه في جوار المطعم وبنيه .
بيان قرن الثعالب المذكور في الحديث :
أولا : قوله : (( فلم أستفق إلا وأنا في قرن الثعالب )) .
قلت : أما قرن الثعالب : فهو ما نحن بصدد بيانه ، فقد ورد فيه أقوال مختلفة كثيرة ، بين علماء : اللغة ، والتاريخ ، والجغرافيا ، والفقهاء ، وشراح الحديث ، وغيرهم ، فمنهم من قال بوجوده في موضع قرن المنازل بالسيل الكبير ، ومنهم من قال : بل هو في منى وحدد موقعه بالأمتار ، ومنهم من قال : إنه جبل مشرف على عرفات .
ولما كان الأمر يقتضي معرفته من باب الإستحباب ، لعلاقته بسيرة النبي صلى الله عليه وسلم من جهة ، والمشاعر المقدسة من ناحية أخرى ، فقد طلب مني من لا أرفض له قولا ، ولا أرد له طلبا ، وهو أخي الحبيب : د / عباد الرحمن بن حسين السعدي المشهور بالموجان ، الأستاذ بكلية الشريعة ـ جامعة أم القرى ـ طلب الكتابة عن ذلك الموضع وبيان حاله ومكانه اليوم ، وما قال العلماء فيه ، فأقول وبالله التوفيق :
أولا : ذكر أقوال العلماء ، وبيان مضانها .
وثانيا : تحقيقها ، والرد عليها بالشواهد والبراهين الموثقة بمصادرها ومراجعها العلمية ، وقد رأيت أن يكون تحقيقها ، وبيانها كما يلي :
أقـــوال العلمــــاء :
قــال أهل اللغــــــة :
في صحاح الجوهري : (( ضبطه بفتح الراء ، وقال : أن أويسا القرني منسوب إليه )) فغلطه النووي وبالغ في ذلك . (5)
وقال الفيروزآبادي في قاموسه : (( قرن جبل مشرف على عرفات ، وميقات أهل نجد وهي بلدة عند الطائف ، أو اسم الوادي كلّه ، وبعد سقوط الواو من كلام المطرزي إما نسياناً منه أو من النساخ جرى عليه من تبعه كالفيومي وغيره ، وليس ذلك بدعاً فإنّ الجوهري غلط في المقام غلطتين اتفقوا على تخطئته فيهما وهما تحريك قرن ، ونسبة أويس القرني إليه ، فتكون للفيومي غلطتان أيضا أحدهما أنّ قرن المنازل هو قرن الثعالب ، والأخرى أنّه جبل مشرف على عرفات ، وما ذلك إلاّ لعدم التدقيق والنقل بلا تحقيق . (6)
في معجم متن اللغة لأحمد رضا : (( قرن المنازل قرية عند الطائف أو اسم الوادي كلّه وهو ميقات أهل نجد ، وقرن الثعالب موضع قرب مكة )) .(7)
وقال ابن الأثير : (( وفي حديث المواقيت : أنه وقت (( أنه وقت لأهل نجد قرنا )) ، وفي رواية : (( قرن المنازل )) . . . ويسمى أيضا (( قرن الثعالب )) وقد جاء في الحديث . (8)
وقــــال الجغرافيــون :
قال البكري في معجمه : (( قرن الثعالب : جمع ثعلب ، موضع تلقاء مكة ، قال نصيب :
أجـارتنـا في الحج أيـام أنتـم ونحن نزول عند قرن الثعالب )) . (9)
وذكر ياقوت الحموي أقوال من سبقوه فقال : (( قال الأصمعي : جبل مطل على عرفات ، وقال الغوري : هو ميقات أهل اليمن ، والطائف ، يقال له : قرن المنازل ، وقال القاضي عياض : قرن المنازل : وهو قرن الثعالب ، بسكون الراء ، ميقات أهل نجد تلقاء مكة ، على يوم وليلة ، وقال الحسن المهلبي : قرن : قرية بينها وبين مكة أحد وخمسون ميلا ، وهي ميقات أهل اليمن )) أ هـ (10)
وفي الدرر الفرائد ، قال الجزيري : (( وميقات أهل نجد : قرن المنازل ، ويقال له : قرن الثعالب ، وهو على يوم وليلة من مكة ، ــ وهو بفتح القاف ، وسكون الراء )) .
ثم قال المحقق في تعليقاته : (( يعرف باسم السيل الكبير ، وقرن الثعالب جبل يشرف على عرفة ، كما يدل على ذلك خبر رجوع الرسول صلى الله عليه وسلم من الطائف ، حين ذهب يدعو أهله للإسلام ، ( فلم أستفق لإلاّ بقرن الثعالب ) وهو عليه الصلاة والسلام ، قد عاد مع أقصر الطرق ، طريق كرا )) . (11)
وقال رشدي ملحس بعد قول الفاكهي الآتي : (( قلنا : وقد وهم بعض الكتاب فجعلوا قرن الثعالب ، وقرن المنازل واحداً ، والحقيقة أنهما مختلفان اسماً ، ومكاناً ، فقرن الثعالب : هو من منى ، وقرن المنازل : هو ميقات أهل نجد واقع في النخلة اليمانية)) .(12)
وقال الشيخ حمد الجاسر ـ رحمه الله ـ في تعليقة على كتاب مقتطفات من رحلة العياشي : (( هنا خلط بين قرن الثعالب ، وقرن المنازل .
فالأول جبل مطلّ على عرفات ، وليس بمحل الإحرام .
وأما الثاني : فقرن المنازل وهو ما يعرف الآن باسم السيل ، والمؤلف يقصد وادي قرن )) .(13)
وفي مجلة ميقات الحج ذكر : (( أن قرن الثعالب كان بمنى ، أكيمة صغيرة ، ثم أزيلت ، ونقله عنه الفضلي )) . (14)
وقـــال المؤرخـــــــون :
قال الفاكهي في أخبار مكة : (( وقرين الثعالب : جبل مشرف أسفل منى ، بينه وبين مسجد منى ألف وخمسمائة ذراع ، وقيل له قرن الثعالب : لكثرة ما كان يأوي إليه من الثعالب ، فظهر أن قرن الثعالب ليس من المواقيت ، وقد وقع في حديث عائشة في إتيان النبي صلى الله عليه وسلم الطائف يدعوهم إلى الإسلام وردهم عليه ، قال : (( فلم أستفيق إلا وأنا بقرن الثعالب )) الحديث. (15)
ثم بين أميال منى فقال : (( وموضع الميل الثالث عند مأزمي منى ، وموضع الميل الرابع دون الجمرة الثالثة التي تلي مسجد الخيف بخمسة عشر ذراعاً ، وموضع الميل الخامس وراء قرين الثعالب بمئة ذراع ، وموضع الميل السادس حدّ جدار حائط محسر (( .(16)
قال المحقق في الحاشية على الكتاب : (( وقرن الثعالب سألت عنه الشريف محمد ابن فوزان الحارثي ، فأخبرني أنّه القرن الذي يقابل ريع البابور من الشمال ، وقد أزيل رأسه وسوي بالشارع الموازي لجسر الملك خالد حتى صار أشبه بهضبة من الهضاب ، ويطلق عليه اليوم (ربوة) ويرى على طرفه الغربي الشارع القادم من جسر الملك خالد)) . (17)
وقال الأزرقي : (( ومن مسجد منى إلى قرين الثعالب ألف ذراع وخمسمائة وثلاثون ذراعاً ، وموضع الميل الخامس وراء قرين الثعالب بمائة ذراع ، وموضع الميل السادس في جدار حائط محسر )) .(18)
وفي رياض المسائل وكشف اللثام والجواهر ، قالوا : (( أن قرن المنازل غير ، وقرن الثعالب جبل مشرف على أسفل منى بينه وبين مسجدها ألف وخمسمائة ذراع ..)) . (19)
وقال الأصفهاني : (( ومنزل أبو حمزة ، بقرن الثعالب من منى )) . (20)
قـــال المحدثــــون :
وفي صحيح مسلم بشرح النووي ، قال النووي : (( ولأهل نجد قرن )) هكذا وقع في أكثر النسخ قرن ، من غير ألف بعد النون ، وفي بعضها : قرنا ، بالألف وهو الأجود ، لأنه موضع ، واسم لجبل ، فوجب صرفه ، . . . ويحتمل أن يقرأ قرن منصوبا بغير تنوين ، ويكون أراد به البقعة فيترك صرفه )) .
وقال في المغازي : (( قوله : فلم أستفق إلا بقرن الثعالب )) ، أي لم أوطن لنفسي ، وأنتبه لحالي وللموضع الذي أنا ذاهب إليه ، إلا وأنا عند قرن الثعالب ، لكثرة همي الذي كنت فيه ، قال القاضي : قرن الثعالب ، هو قرن المنازل ، وهو ميقات أهل نجد ، وهو على مرحلتين من مكة ، وأصل القرن ، كل جبل صغير ينقطع من جبل كبير )) . (21)
وفي فتح الباري كتاب الحج ، قال الحافظ ابن حجر : (( قوله : لأهل نجد قرن المنازل : أما نجد : فهو كل مكان مرتفع وهو لعشرة مواضع ، والمراد منها هنا : التي أعلاها تهامة واليمن ، وأسفلها الشام والعراق ، والمنازل : بلفظ جمع المنزل ، والمركب الإضافي هو اسم المكان ، ويقال له : قرن أيضا بلا إضافة ، وهو بفتح القاف وسكون الراء بعدها نون .
لكن حكى عياض تعليق القابسي : أن من قال بالإسكان : أراد الجبل ، ومن قال بالفتح : أراد الطريق ، والجبل المذكور: بينه وبين مكة من جهة الشرق مرحلتان .
وحكى الروياني عن بعض قدماء الشافعية : أن المكان الذي يقال له قرن ، موضعان :أحدهما في هبوط ، وهو الذي يقال له قرن المنازل ، والأخر في صعود وهو الذي يقال له : قرن الثعالب ،والمعروف الأول ، ثم ذكر قول الفاكهي )) . (21)
وفي كتا بدء الخلق ، قال ابن حجر : (( قوله : قرن الثعالب : هو ميقات أهل نجد ، ويقال له : قرن المنازل أيضا ، وهو على يوم وليلة من مكة ، وقرن : كل جبل صغير منقطع من جبل كبير )) . (22)
ونقل الشوكاني ما ذكر الحافظ آنفا ، ولم يذكر قرن الثعالب . (23)