تابعونا على المجلس العلمي على Facebook المجلس العلمي على Twitter
الدكتور سعد بن عبد الله الحميد


النتائج 1 إلى 11 من 11

الموضوع: في جُحر الضب

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    33

    افتراضي في جُحر الضب

    في جُحر الضب

    إنهم كثيرون أولئك الذين سمعوا البعض، وهو يصف الثائرين في سورية على الظلم والطغيان، والمطالبين بالحرية والكرامة، بأنهم موظفون مأجورون، يتلقون أجورهم من الخارج. وأنهم مندسون، لا تعرف جباههم السجود، ولا تعرف أعجازهم الركوع. وأنهم حثالة الناس، وأن إسقاط النظام هو إسقاط للإسلام، وغير ذلك الكثير. هنا تساءل السائلون: ما الذي جرى للبوطي ؟ وأين علمه ؟ وكيف انحدر إلى هذا المنزلق الخطير؟ إلى آخر سلسلة الأسئلة التي تثير الحيرة والعجب معاً.

    لذلك جاءت هذه المقالة، التي أحث القارئ على الصبر على قراءتها، حتى آخذ بيده، ونسير معاً خطوة خطوة؛ لنقف على جحر الضب الذي يختبئ فيه ، وينفث منه سمومه، ويعلن الحرب بالكلمة المقروءة والمسموعة، منذ ثلاثة عقود أو تزيد، على الحركات الإسلامية، على اختلاف مشاربها. كما أعطى ولاءه للطغاة، دفاعاً عنهم واحتماء بهم، وبعد أن تنكشف الحقيقة، ويزول العجب، ترى نفسك - أيها القارئ الكريم - أمام قرمطي باطني، من قرامطة القرن الخمس عشر، لا يقل سوءاً عن الحلاج أحد قرامطة القرن الثالث الهجري.

    أما البحث فيدور حول أربعة محاور: (الأول): بيان معنى وحدة الوجود ووحدة الشهود. (الثاني): صورة الله والكون والإنسان عند ابن عجيبة. (الثالث) حقيقة الإنسان والكون. (الرابع) السبب الحقيقي لقتل الحلاج.

    المحور الأول- وَحْدة الوجود ووحدة الشهود
    هل لهذا الكون المشهود وجود، أم هو مجرد وهم وسراب؟
    هل وراء هذا الوجود المشهود المنظور وجود آخر، أم لا؟
    ما الله؟ ما الكون؟ هل أحدهما غير الآخر أم هو هو؟
    1- الإسلام والوجود.
    يقرر الإسلام ثنائية الوجود: وجود ربٍّ خالق، وكونٍ مخلوق. رب خالق معبود، وإنسان مخلوق عابد. رب بائن عن خلقه مفارق له، متصف بالكمال المطلق في ذاته وأسمائه وصفاته، وكون مخلوق- ومنه الإنسان- يتصف بصفات النقص والعجز.

    ومع هذا التباعد بين كل من حقيقة الله وحقيقة الكون فإن الصلة قائمة بينهما، ولكن من وجه آخر، فالله هو الذي خلق الكون بما فيه، وهو الذي يدبر الأمر فيه، وهو على مقربة من مخلوقاته، ولكن برحمته وإرادته وقدرته وعلمه، لا بذاته. هذا ما يقوله الإسلام، فماذا يقول سادة الصوفية في ذلك؟
    2- الصوفية ووَحدة الوجود.
    الوَحْدة ضد الكثرة، والوجود ضد العدم. فما المقصود بوحدة الوجود؟
    يقول القاشاني: «وحدة الوجود: يُعْنَى به عدم انقسامه إلى الواجب والممكن([1])... الوجود هو ما به تحققَ حقيقةُ كلِّ موجود، وذلك لا يصح أن يكون أمراً غير الحق عز شأنه».([2])

    وما دام هذا الكون من الممكنات فلا وجود له عند القاشاني، بل الوجود للحق (لله) الذي يختفي وراء سلسلة من الإمكانات، فالجسمُ ليس موجوداً لكونه ممكن الوجود، بل الحق هو الذي تجلى وتصوَّر بأحكام الجسمية من طول وعرض وارتفاع وحركة، وتجلى بالصور الجسمية الخاصة، على اختلاف أنواعها وأشكالها وهيئاتها، وما يتجدد لها من أطوار.

    فليس وراء الموجودات المتعددة المتكثرة إلا حقيقة واحدة، هي الوجود الإلهي، فهو الظاهر في المظاهر، وهو الذي أظهر صورة العالم في ذاته، وتجلى بصور الممكنات، فوجود الله هو «مرآة الكون.. لأن الأكوان وأوصافها وأحكامها لم تظهر إلا فيه، وهو يخفَى بظهورها كما يخفى وجه المرآة بظهور الصور فيه».([3])

    هذه الصور، صور الممكنات، هي التي يسمونها بالقيود، وإذا استطاع الإنسان التجرد من ملاحظة هذه الصور بالمجاهدات، عرف (أنه هو) أي: عرف أن وجوده هو عين وجود الله، لا غيره.
    فحقيقة قول الواصلين أن وجود الكائنات هو عين وجود الله تعالى، لا شيء سواه البتة، ومنه قولهم: (ما الكون إلا القيوم الحي). وقال أحمد الفاروقي السرهندي (ت1034هـ):
    ما دمت لم تضرب بـ (لا) عنق السوى في قصر (إلا الله) لست بواصل([4])

    قال الغزالي: «لم يفهم العارفون أن معنى قوله: (الله أكبر) أنه أكبر من غيره، حاش لله، إذ ليس في الوجود معه غيره حتى يكون أكبر منه، بل ليس لغيره رتبة المعية، بل رتبة التبعية، بل ليس لغيره وجود إلا من الوجه الذي يليه، فالموجود وجهه فقط، ومحال أن يقال: إنه أكبر من وجهه».([5])
    فالإمام ينفي صراحة وجود الغير أو السوى، إلا من حيث أن الغير هو مظهر التجليات والتعينات الإلهية.

    وقال ابن عربي: «إن العارف من يرى الحق في كل شيء، بل يراه عين كل شيء».([6])فقوله (بل) وما بعده لقطع دابر كل تأويل.

    وقال ابن عربي: «ومن أسمائه الحسنى العليُّ، على مَنْ؟ وما ثَمَّ إلا هو؛ فهو العليُّ لذاته. أو عن ماذا؟ وما هو إلا هو؛ فعُلُوُّه لنفسه. وهو من حيث الوجود عين الموجودات. فالمسمى محدَثات هي العليَّة لذاتها، وليس إلا هو... وهو المسمى أبا سعيد الخراز، وغير ذلك من أسماء المحدثات».([7])
    فتوحيد المحجوبين (لا إله إلا الله)، أما توحيد العارفين الواصلين فهو (لا موجود إلا الله).

    3- بين وحدة الشهود ووحدة الوجود:
    الفناء - عند السادة الصوفية - فناءان: (الأول): الفناء عن شهود السوى، ويعبر عنه بالفناء، أو بوحدة الشهود، وهو مقام المجذوبين السائرين، (والثاني): الفناء عن وجود السوى، ويعبر عنه بالبقاء، أو بوحدة الوجود، وهو مقام العارفين الواصلين، وغاية السالكين السائرين.

    فإذا قال الصوفي: (ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله قبله) فهو في حالة فناء، أو وحدة شهود. وإذا قال: (ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله فيه) فهو في حالة بقاء، أو وحدة وجود.

    قال ابن عجيبة: «والفرق بين الفاني والعارف: أن العارف يثبت الأشياء بالله. والفاني لا يثبت شيئاً سوى الله... (العارف) يرى الحق في الخلق، كقول بعضهم: ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله فيه، (والفاني) لا يرى إلا الحق، يقول: ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله قبله. العارف في مقام البقاء، والفاني مجذوب في مقام الفناء. الفاني سائر، والعارف متمكن واصل».([8])

    الفناء والبقاء مصطلحان متلازمان، لا ينفك أحدهما عن الآخر؛ فإذا كنت فانياً عن شيء فأنت باقٍ بغيره. وإذا كنت باقياً في شيء فأنت - لا بدَّ - فانٍ عن سواه. وهذا شيء طبيعي؛ لأن المرء عاجز أن يركز انتباهه على أكثر من موضوع في وقت واحد. فمن ركز انتباهه في كتاب بين يديه، ففكر في (طوله، عرضه، لونه...) تعذَّرت عليه قراءته، وإن ركز تفكيره فيما يقرأ تعذَّر عليه التفكير في أبعاده وأوصافه، ففي الحالة الأولى يقال: أنه باقٍ بالكتاب فانٍ عن القراءة. وفي الحالة الثانية، يقال: أنه فانٍ عن الكتاب باقٍ بالقراءة.

    قال ابن عجيبة: «الفناء هو أن تبدوَ لك العظمة، فتنسيك كل شيء، وتغيِّبك عن كل شيء سوى الواحد، الذي ليس كمثله شيء، وليس معه شيء. أو تقول: هو شهود حق بلا خلق، كما أن البقاء هو شهود خلق بحق... فمن عرف الحق شهده في كل شيء، ولم ير معه شيئاً؛ لنفوذ بصيرته من شهود عالم الأشباح إلى شهود عالم الأرواح، ومن شهود عالم الملك إلى شهود فضاء الملكوت. ومن فني به وانجذاب إلى حضرته غاب في شهود نوره عن كل شيء، ولم يثبت مع الله شيئاً». ([9])

    قوله: (الفناء: هو شهود حق بلا خلق، كما أن البقاء هو شهود خلق بحق) معناه: أن الفناء أو وحدة الشهود هو امتصاص الله أو الواحد أو المبدأ لتجلياته، وشفطه لها، أو هو اختزال الدائرة في نقطة المركز، بينما البقاء أو وحدة الوجود هو شيوع الله أو الواحد أو المبدأ في تجلياته، أو هو اندياح نقطة المركز في الدائرة. أو كنفاخة الطفل، ففي حالة الشفط تختفي، وفي حالة النفخ تتجلى وتظهر. كذلك في الفناء يغيب الخلق في الحق، وفي البقاء يتجلى الحق في الخلق. والحق والخلق أبداً ما بين غياب وتجلٍّ، أو ظهور وبطون، كما يحلو لهم القول؛ لأن علمَهم مقيَّد بالكتاب والسنة، كما يزعمون.

    4- وحدة الشهود هي النبحة الأولى من وحدة الوجود.
    قال أحمد زيني دحلان، وهو قطب صوفي، توفي بالمدينة (1304هـ) تحت عنوان: فتوى بقتل من يقول بوحدة الوجود: «وسئل والد الشيخ محمد الرملي عن القائل بوحدة الوجود، (فقال): يقتل هذا المرتد وترمى جيفته للكلاب؛ لأن قوله هذا لا يقبل تأويلاً، وكفره أشدُّ من كفر اليهود والنصارى - واستحسن الشيخ ابن حجر منه هذا الفتوى، وكان قبل ذلك يتمحل لبعض الصوفية القائلين بها، ويؤوِّل كلامهم، فرجع عن تأول قول بعضهم: إن القائلين بوحدة الوجود مرادهم بها وحدة الشهود - (قال): فمن زعم أن وحدة الوجود غيرُ وحدة الشهود لم يشمَّ رائحة معنى الوحدة، فوحدة الوجود ترجع إلى وحدة الشهود من غير حلول ولا اتصال، هذا هو القول الحق».([10])
    توضيحات:
    1- نفي الحلول، والاتصال، أي: الاتحاد؛ لأن القول بأحدهما يقتضي وجود اثنين: وجود ربٍ خالقٍ، ووجود كونٍ مخلوق. وهذا يتناقض مع القول بوحدة الوجود.

    فالحلول: هو أن يحل الأعلى في الأدنى، كاعتقاد بعض النصارى بحلول الله تعالى في عيسى – عليه السلام. والاتحاد أو الاتصال: هو أن يتحد الأدنى بالأعلى، كاعتقاد البوذيين بأن المرء- نتيجة رياضات معينة - يرتقي في الأحوال حتى يتحد بالنيرفانا، الإله الخالق.

    قال ابن عجيبة في نفيه للحلول: «لا وجود للأشياء مع وجود الله؛ فانتفى القول بالحلول؛ إذ الحلول يقتضي وجود السوى، حتى يحل فيه معنى الربوبية، والغرض أن السوى عدم محض، فلا يتصور الحلول. (وقال) في نفي الاتحاد: تقرر أن الأشياء كلها في حيز العدم، إذ لا يثبت الحادث مع من له وصف القدم، فانتفى القول بالاتحاد، إذ معنى الاتحاد: هو اقتران القديم مع الحادث فيتحدان حتى يكون شيئاً واحداً، وهو محال؛ إذ هو مبني أيضا على وجود السوى، ولا سوى».([11])

    2- أنهم يفتون بكفر وارتداد وقتل القائل بـ (وحدة الوجود) ظاهراً بألسنتهم؛ للتمويه والنجاة من السيف، أو لكتمان السر، الذي طالما تواصوا بكتمانه! هذا لَمَّا كان للإسلام دولة، أما اليوم فحتى لا يخسروا مراكزهم وتأثيرهم، أو حتى لا يجلبوا على أنفسهم غضبة الجمهور، لذلك كانوا حريصين على الجمع بين الظاهر، وهو التمسك بالشريعة، وبين الباطن، وهو الاعتقاد بوحدة الوجود.

    لذلك كان من مصطلحاتهم الجمع والفرق، والجمع: إثبات الحق بلا خلق، وهو مقام العارفين. والفرق: إثبات الخلق مع الحق، وهو مقام المحجوبين من أهل الشريعة، أمثالنا. قال الطوسي: «إذا جمعتَ قلت: الله ولا سواه، وإذا فرقت قلت: الآخرة والدنيا والكون... وكل جمع بلا تفرقة فهو زندقة، وكل تفرقة بلا جمع فهو تعطيل».([12]) أي: على العارف أن يجمع بين الجمع والتفرقة. كيف ذلك؟

    قال أبو الحسن الشاذلي، المتوفى (606هـ): «إذا أردت الوصول إلى الطريق التي لا لون فيها فليكن الفرق في لسانك موجوداً والجمع في سرك مشهوداً».([13])معنى (لا لون لها): أي: أن يمارس التَّقِيَّة، حتى لا تُعْرَف هُوِّيتُه. ومعنى (الفرق): أن يظهِر شريعة النبي المختار قولاً وعملاً. ومعنى (الجمع): أن يبطِن عقيدة وحدة الوجود، أو أنه هو الله.

    وقال ابن عجيبة: «إياك أن تقول أناهُ، واحذر أن تكون سواهُ».([14])واضح أن عبارة (أناهُ) تعني: (أنا هو)، أي: (أنا الله)، فهو يقول: إياك أن تقول بلسانك للناس: (أنا الله) ولكن احذر أن تعتقد في سرك وقلبك (أنك سوى الله). وهذا المقام يسمونه مقام (التحقيق) وهو التَّقِيَّة والنفاق بعينه.

    فنحن أمام وثنية جديدة ومعقدة، تسعى إلى نفي العالم، لإثبات الله وتصفه (بالحق) في مقابل وصف الدنيا أو العالم (بالباطل)، بينما كان الناس في جاهليتهم يعيشون وثنية بسيطة، فلم يكونوا ينفون وجود الله، ولكنهم كانوا يجسمونه، ويشيِّئونه، يجعلونه شيئاً، ربما صنعوه من التمر فإذا جاعوا أكلوه.
    ***** ***** *****
    المحور الثاني- حقيقة الكون والإنسان والروح عند ابن عجيبة
    تعد كتابات ابن عجيبة ، ومنبع إلهام له، وربما أهم مصادره، لذا يستحن عرض فلسفة ابن العجيبة عن الله والكون والإنسان، لنرى كيف اتبعه البعض حذو القذة بالقذة.

    1- حقيقة الكون والكائنات:
    قال ابن عجيبة: «اعلم أن الحق جل جلاله واحد في ملكه لا شريك معه، ولا ضد له، ولا ند له، كان ولا شيء معه وهو الآن على ما كان عليه، كان في أزل أزليته حكيماً قديراً، لطيفاً لا يدرك، خفياً لا يعرف، قائماً بذاته، متصفاً بمعاني أسمائه وصفاته، فأراد سبحانه أن يعرَّف بذاته، وأن يظهر أثر أسمائه وصفاته، فأظهر قبضة من نوره اللطيف فتكثفت بقدرته، ليتهيأ بها التعريف، ثم تنوعت [أي: تلك القبضة النورية] على عدد أسمائه وصفاته، فلما ظهرت تلك القبضة النورية، تجلى فيها باسمه (الباطن) فبطنت في ظهورها، وكمنت في مظاهرها، فالأشياء كلها مظاهر للحق، لكن لا بد للحسناء من نقاب، وللشمس من سحاب...

    ثم اختلفت تلك الحكمة([15]) في نسجها وغزلها: فمنها ما رق غزله ولطف نسجه، فكان فيه النور قريباً. ومنها ما غلظ غزله وكثف نسجه، فخفي النور لأجل غلظ الستور... فالكون كله باطنه نور وظاهره ظلمة، باطنه قدرة وظاهره حكمة، باطنه لطيف وظاهره كثيف، وإليه اشار صاحب العينية بقوله: وما الكون في التمثال إلا كثلجة *** وأنت لها الماء الذي هو نابع».([16])
    توضيح:
    قوله: (كان ولا شيء معه، وهو الآن على ما كان عليه) نفي لهذا العالم الذي نعيش فيه، وصريح في وحدة الوجود، فلا وجود إلا لله، وهو عين الوجود، وهو واحد أزلاً وأبداً.

    وقوله: (كان الحق في أزل أزليته... خفياً لا يعرف... فأراد سبحانه أن يعرف بذاته) فيه إشارة إلى حديث موضوع مختلق، لا سند له، اعتمده الصوفية، وبنوا عليه أصولاً لهم، هو (كنت كنزًا مخفيًا فأحببت أن أعرف فخلقت خلقًا فبي عرفوني).

    قوله: (فأظهر قبضة من نوره اللطيف فتكثفت بقدرته) نص صريح بأن هذا العالم جزء من الله، صادر عنه، أو إن هذا الوجود المحسوس المشهود هو التعين المكثف لوجود الله، الذي كان نوراً قبل هذه المرتبة. فقد كان في المرتبة الأولى نوراً لطيفاً، وصار في مرتبة تالية جسماً كثيفاً؛ فالأشياء كلما كانت قريبة من مصدر النور كانت رقيقة لطيفة، وكلما ابتعدت عن المصدر صارت غليظة كثيفة مظلماً.

    قوله: (فالأشياء كلها مظاهر للحق) يقصدون بالحق (الله)، يستعملون الحق مقابل الباطل، الذي يصفون به الدنيا أو العالم، فالأشياء أو هذا الوجود المشهود المرئي هو تجليات ومظاهر لله تعالى، فالأشياء ظاهرها خلق، وباطنها حق، أي: أن الله عين الأشياء، أو الله والوجود وجهان لشيء واحد.

    يقول الجيلي، وهو سبط عبد القادر الجيلاني، مخاطباً الله تعالى([17]):
    وما الخلقُ في التمثال إلا كثلجة وأنت لها الماءُ الذي هو نابعُ
    فما الثلجُ في تحقيقنا غيرُ مائه وغَيْران، في حكم دعته الشرائعُ
    فالجيلي يقول: إن الخلق بالنسبة لله، كالثلج بالنسبة للماء، فكما أن الثلج ليس شيئاً سوى مائه، فكذلك الخلق ليس شيئاً سوى الله عند أهل الحقيقة، فالله عند أهل الحقيقة عين الخلق. أما أهل الشريعة القائلون بثنائية الوجود، وبأن الله غير خلقه؛ فلهم زعمهم وادعاؤهم.

    ويلخص ابن عربي المذهب بعبارة، فيقول: «فسبحان من أظهر الأشياء وهو عينها».([18])
    ويقول أيضاً: «فالله على التحقيق عبارة لمن فهم الإشارة».([19]) أي: أن (الله) ليس له مدلول آخر وراء هذا الكون، ومظاهره المحسوسة المشهودة.
    وخلاصة الأمر: أن الوجود صادر عن الله - تعالى عما يقولون - صدوراً تنازلياً، عن طريق التجليات، وهذا ما يسمى بوحدة الوجود الصدورية، بمعنى: (أن كل شيء هو الله). وإذا أراد الصوفي الوصول إلى الله فعليه أن يسلك الطريق التصاعدي، وهو طريق التأمل الباطني والتجرد والمجاهدات.

    وهذا ما كان يعتقده أفلوطين الإسكندراني، فقد كان يؤمن بوحدة الوجود الصدورية،([20]) التي تقول بأن المبدأ تصدر عنه الموجودات أو الله تصدر عنه المخلوقات، وهذا الصدور لا يمس جوهر الله مطلقاً، فقد كان يتصور الوجود سلسة من الحلقات المتطورة بعضها عن بعض، (فالواحد) أو الله نشأ عنه (العقل الكلي) الذي نشأت عنه (النفس الكلية) التي نشأ عنها (عالم الكون والفساد)، أي: عالم الأفلاك السيارة. وكل ذلك من غير فصل، ومن غير أن يتخلله زمن. وطريق العودة إلى الأصل أو الواحد، أي: التخلص من الناسوتية والعودة إلى الروحانية، هو التأمل الباطني والرياضات الروحية.

    كثيراً ما يستعمل الصوفي مع لفظة (الحق) لفظة (الخلق)! وتفسيرُ ذلك أن الخلق متخلف في تشكله، وتطوره من ذاك الأصل الأزلي، فهو باعتبار ما كان حق، وباعتبار ما صار إليه خلق.


    2- حقيقة الإنسان وخصائصه.
    بعد الذي سبق قوله عن حقيقة الكون استمر ابن عجيبة في القول لبيان حقيقة الإنسان وخصائصه فقال: «ثم إن الحق سبحانه خص مظهر هذا الأدمي بخصائص لم تكن لغيره، منها: أن جعل روحه اللطيفة النورانية في قالب كثيف، ليتأتى له منه غاية التصريف...

    ومنها: أنه جعله حاكماً على المظاهر كلها، مالكاً لها بأسرها، خليفة عن الله فيها...

    ومنها: أن أعطاه سبحانه سبعاً من الصفات تشبه صفات المعاني الأزلية، إلا أنها ضعفت بإحاطة القهرية، وهي القدرة، والإرادة، والعلم، والحياة، والسمع، والبصر، والكلام، فحصل له بهذا أنموذج وشبه بالصمدانية الربانية.

    ومنها: أنه سبحانه جعله نسخة الوجود يحاكي بصورته كل موجود، فإن عرف الحق كان الوجود نسخة منه...

    (قال): حقيقة الإنسان هي روحانية، وهي لطيفة نورانية لاهوتية جبروتية، ثم احتجبت ببشرية كثيفة ناسوتية...

    (قال): وهذا الشبه (بالصمدانية) الذي حازه الإنسان دون غيره، هو اتصافه بشبه أوصاف الحق سبحانه، حيث جعل الله فيه قدرة وإرادة وعلماً وحياة وسمعاً وبصراً وكلاماً، وجعله نسخة من الوجود بأسره، وخليفة عن الله في حكمه، يتصرف في الأشياء باختياره في ظاهر أمره...

    وخصه أيضاً، فجعله خزانة لسائر أسمائه، ففي الآدمي تسعة وتسعون اسماً، كلها كامنة في سره، ثم يظهر على ظاهره ما سبق له في علم الغيب، فالبعض يظهر عليه اسم الكريم، والبعض اسمه الرحيم، والبعض اسمه الحليم، والبعض اسمه المنتقم، والبعض اسمه المتكبر، والبعض اسمه القهار، والبعض اسمه القابض، والبعض اسمه الباسط، وقد يتعاقب عليه أسماء كثيرة في وقت واحد.

    وإذا فني عن حسه وغاب عن نفسه ظهرت عليه أنوار الألوهية فينطق بالأنانية [يقول: أنا الله] غلبة ووجداً، وبها قتل الحلاج».([21])

    توضيح:
    - قوله: «حقيقة الإنسان هي روحانية، وهي لطيفة نورانية لاهوتية جبروتية، ثم احتجبت ببشرية كثيفة ناسوتية». صريح في أن الإنسان ذو طبيعة مزدوجة: لاهوتية ناسوتية، ففي كل فرد اجتمع اللاهوت مع الناسوت، أو الروح مع الهيكل، أو المعنى مع الحس.

    - وذكر أن للإنسان سبع صفات، إلا أنها ضعيفة بالنسبة لصفات الله لسببين: (الأول): أن روحه التي هي منبع تلك الصفات محبوسة في هياكل كثيفة (جعل روحه اللطيفة النورانية في قالب كثيف). (الثاني): أنها جزء من الكل، والجزء أضعف من الكل، فهي (ضعفت بإحاطة القهرية).

    - أما قوله: (يتصرف في الأشياء باختياره، في ظاهر أمره) فمؤداه أن الإنسان مجبور في صورة مختار فيما يعمل أو يدَعُ من عمل، فهو ريشة في مهب الريح تلعب به الحتميات. ومن لوازم هذه العقيدة تصويبُ كلِّ عقيدة ودين، ورفعُ المسؤولية عن الإنسان.

    ويأتي في هذا السياق قول الإمام الغزالي: «لو انكشف الغطاء لعرفتَ أن العبد في عين الاختيار مجبور؛ فهو إذاً مجبور على الاختيار».([22])

    إن القوم دائماً يتحدثون عن الكشف والحجاب، ولا يتحدثون عن العلم والجهل؛ لأنه بالكشف وحده يصل السالك السائر إلى مقام العرفانية، والكشف طريقه التأمل الباطني مع ما يصاحبه من رياضات روحية، بينما العلمُ طريقُه النقلُ، والعقل، والبحث والاستدلال، وهو طريق المحجوبين.

    - وقوله: «أنه سبحانه جعله نسخة الوجود يحاكي بصورته كل موجود، فإن عرف الحق كان الوجود نسخة منه». أي: أن الله تعالى جعل الإنسان نسخة عن الله، لأن وجود الحق هو وجود الله وحده، وما عداه فهو وَهْم، لذلك يعد الإنسان نموذجاً وصورةً مصغرة عن الوجود الكبير (الله)؛ لأنه يسري في كيانه (لطيفة نورانية لاهوتية جبروتية) فهو بروحه فرع من الأصل. وإذا وصل إلى درجة العرفان انقلبت المعادلة؛ فيصير الفرع أصلاً (فإن عرف الحق كان الوجود نسخة منه... ففي الآدمي تسعة وتسعون اسماً)، وهي عدد أسماء الله تعالى. والعبارات التالية توضح الأمر:

    لهذا قال ذو النون المصري: «معاشرة العارف كمعاشرة الله تعالى».([23])

    وقال ابن عربي: «فلا قرب أقرب من أن تكون هويتُهُ[أي هوية الله] عينَ أعضاء العبد وقواه، وليس العبد سوى هذه الأعضاء والقوى، فهو[أي الله] مشهود في خلق متوهم، فالخلق معقول[أي متوهم لا وجود له] والحقُّ محسوس مشهود عند المؤمنين وأهل الكشف والوجود».([24])

    وقال المرسي شيخ ابن عطاء: «لو كشف عن نور الولي لعبد من دون الله».([25])

    - قال ابن عجيبة: (وخص مظهر الآدمي فجعله خزانة لسائر أسمائه، ففي الآدمي تسعة وتسعون اسماً... فالبعض يظهر عليه يظهر عليه اسم الكريم... والبعض اسمه المنتقم...).

    قال القاشاني: «العبادلة: هم أرباب التجليات الأسمائية إذا تحققوا بحقيقة اسم ما من أسمائه تعالى، واتصفوا بالصفة التي هي حقيقة ذلك الاسم...».([26])

    حسب معتقد القوم يبدو أن طاغية الشام ظهر عليه اسم المنتقم، واتصف بالصفة التي هي حقيقة ذلك الاسم، ففعل ما فعل من زهق الأرواح، وانتهاك الأعراض، وهدم البنيان، وحرق المحاصيل؛ لذلك قال أحدهم: إسقاط النظام هو إسقاط للإسلام.

    - ثم قال ابن عجيبة: «وإذا فني عن حسه وغاب عن نفسه ظهرت عليه أنوار الألوهية فينطق بالأنانية غلبة ووجداً، وبها قتل الحلاج». الفناء – هنا - هو الفناء في الذات وهو مقام الجمع، أو التحقيق، وهو مقام خاص بالعارفين الواصلين، فالعارف أو الواصل من تحقق الإلهية، ونطق بالأنانية، أي: قال: أنا الله، كما تحققها الحلاج، فقال: أنا الحق.

    وقال الإمام الغزالي في تائيته، مخاطباً الله تعالى([27]) :
    وهل أنا إلا أنت ذاتاً ووحدة وهل أنت إلا نفسُ عينِ هويتي
    3- أصل الروح وحقيقتها
    قال ابن عجيبة: «إن الأرواح أصلها قبضة من نور الجبروت، فهي عالمة، قادرة، مريدة، سميعة، بصيرة، متكلمة، فحيث سجنت في هذه الهياكل الكثيفة، كَمُنَ فيها ذلك السر، وخفي، ولم يظهر منه إلا نموذج ضعيف، فسمع العبد وبصره وكلامه وعلمه وقدرته وإرادته وحياته بقية من تلك الصفات، ظهرت على العبد...».([28])

    توضيح:
    إذا أطلق عالم الجبروت، أو عالم الأرواح، أو عالم المعاني، أو العالم الروحاني، أو الوجود الحق؛ فهي أسماء لمسمىً واحد، ويراد بها (الله) تعالى، قبل أن يتجلى في المظاهر.

    إذاً، كان الكون قبضة من نور الله (فأظهر قبضة من نوره اللطيف فتكثفت بقدرته) وروح الإنسان أيضاً (أصلها قبضة من نور الجبروت) فهي قديمة أزلية؛ لأنها جزء من نور الجبروت الكلي، وهي متصفة بصفات المعاني السبع، وهي الصفات المعنوية عند الأشعرية، إلا أنها ضعيفة لسببين: أولهما: أنها جزء من الكل، ومعلوم أن قوة الجزء دون قوة الكل. والسبب الثاني: أنها سجنت وحبست في هياكل كثيفة، التي هي الأجسام، كالسيف في الغمد.
    ***** ***** *****
    يتبع......
    -----------------------------------------
    ([1]) ينقسم الوجود إلى ثلاثة أقسام: الواجب، وهو وجود الله تعالى بصفاته وأسمائه. والممكن، وهو وجود ما سوى الله تعالى من الموجودات المحْدَثة. ومعنى إمكانه: أنه يمكن إيجاده ويمكن إعدامه، فالكون بجميع أجزائه محدَثٌ، أي مخرج من العدم إلى الوجود، والذي أخرجه من العدم إلى الوجود هو الله تعالى. والمستحيل، وهو افتراض شريك أو زوجة أو ولد لله تعالى، أو مثيل له في ذاته أو أسمائه أو صفاته، سبحانه.

    ([2]) لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام (2/387)

    ([3]) اصطلاحات الصوفية (ص102) وانظر: لطائف الإعلام في إشارات أهل الإلهام (2/302) كلاهما للقاشاني.

    ([4]) المكتوبات، الجزء الأول (المكتوب 52 ص 113) وفي المنتخبات من المكتوبات (ص 17).

    ([5]) مشكاة الأنوار (ص 56) تحقيق: أبو العلا العفيفي.

    ([6]) فصوص الحكم، فص هارون ( ص 192).

    ([7]) فصوص الحكم، فص إدريس (ص 76، 77)

    ([8]) إيقاظ الهمم في شرح الحكم، حكمة: من عرف الحق شهده في كل شيء... (ص 236)

    ([9]) إيقاظ الهمم في شرح الحكم، حكمة: من عرف الحق شهده في كل شيء... (ص 235- 236)

    ([10]) تقريب الأصول لتسهيل الوصول (ص 87) مؤسسة الكتب الثقافية، ط1، 1420هـ = 1999م

    ([11]) إيقاظ الهمم في شرح الحكم (ص 45- 46)

    ([12]) اللمع (ص 283). (التعطيل): الإلحاد.

    ([13]) طبقات الشعراني (2/7)

    ([14]) الفتوحات الإلهية لابن عجيبة: شرح المباحث الأصلية لابن بنا السرقسطي (ص 347) على هامش إيقاظ الهمم.

    ([15]) (الحكمة): هي عالم الملك، وهي مرتبة الوجود الوهمي، وهي المرتبة الثالثة والأخيرة للوجود عنده.

    ([16]) الفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية (ص 39- 40).

    ([17]) الإنسان الكامل ( ص 46).

    ([18]) الفتوحات المكية، طبعة دار صادر (2/459).

    ([19]) فصوص الحكم، فص إلياس (ص 183). تحقيق وتعليق أبو العلا عفيفي.

    ([20]) وهناك من يعتقد بوحدة وجود باطنة وهي التي تقول بأن الله حال في الكون، بمعنى: (أن الله هو كل شيء).

    ([21]) الفتوحات الإلهية، في شرح المباحث الأصلية لابن البنا السَّرقُسطي (ص 40- 42)

    ([22]) إحياء علوم الدين (4/254) طبعة دار الكتب العلمية أربعة أجزاء.

    ([23]) الرسالة القشيرية (ص 142). تحقيق عبد الحليم محمود.

    ([24]) فصوص الحكم، الفص هود ( ص 108).

    ([25]) إيقاظ الهمم في شرح الحكم (ص 156).

    ([26]) اصطلاحات الصوفية (ص 126).

    ([27]) معارج القدس، ذيل (ص 188).

    ([28]) الفتوحات الإلهية في شرح المباحث الأصلية (ص 64).

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    33

    افتراضي رد: في جُحر الضب

    (تابع) في جحر الضب


    المحور الثالث- في جحر الضب

    1- حقيقة الإنسان عند البعض
    ولنقرأ ما كتبه بعضهم في شأن تلك الصفات السبع، التي هي صفات الله تعالى كما ذهب الأشعريون، وليس الأشعري، حيث يقول : «المخالفة للحوادث، ومعناها: عدم مماثلته جل جلاله لها... أما دليل النقل فقوله تعالى: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى: 11] وإدخال كاف التشبيه على لفظ (مِثْل) مبالغةٌ في نفي الشبيه والمِثل لله تعالى، ومثله قوله تعالى: {وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ}، والكفء والمماثل واحد.

    إذا علمت هذا فإن لك أن تسأل: ولكنا نرى أن هنالك كثيراً من الصفات يشترك فيها الإنسان - وهو من الحوادث - مع الله جل جلاله، كصفة العلم، والقدرة، والإرادة، والسمع، والبصر، ونحوها، وذلك يناقض ما ثبت من أنه مخالف للحوادث.

    والجواب: أن الإنسان يتصف بطائفتين من الصفات: (الأولى): صفات هي في الحقيقة ثمرة الحدوث والمخلوقية القائمة فيه، كالتحيز في المكان والزمان والحاجات الجسمية والنفسية المختلفة وعوارض العجز والضعف ومظاهر الطبع، فهذه صفات نابعة من كيانه الذي يتميز بالحدوث.

    (والطائفة الثانية): صفات هي في الحقيقة من صفات الله عزَّ وجل، ولكنه سبحانه وتعالى متَّع الإنسان بنماذج وعينات يسيرة جداً منها، ليتهيأ له بواسطتها أن ينهض بالتكاليف التي خلق من أجلها، وليتسنى له أن يسخر لنفسه مظاهر الكون التي من حوله ويفيد منها، كالعلم والقدرة والإرادة والإدراك وما شابه ذلك. فهذه الصفات ليست نابعة من كيانه المتميز بالحدوث، بل هي ليست منها في شيء، وليست من خصائصه مطلقاً.

    وبتعبير آخر نقول: إن القدر اليسير الذي يتمتع الإنسان به من هذه الصفات لا يسوغ اعتبار الإنسان شريكاً مع الله لسببين: (الأول): أنها صفات ذاتية بالنسبة لله تعالى، أما بالنسبة للإنسان فهي صفات غير ذاتية، إذ هي في حقيقتها ليست أكثر من فيوضات إلهية عليه، وهيهات أن يكون هذا المعنى موجباً لشراكة الإنسان مع الله في شيء منها.

    (الثاني): أنها عينات يسيرة جداً لا تبلغ أن تكون ذات حقيقة كافية لأن تطلق عليها أسماؤها، لولا التجوز وملاحظة الاصطلاحات الخاصة بالإنسان، وإلا فما قيمة العلم الذي يتصف به الإنسان أمام علم الله تعالى، وما هي قيمة القوة التي قد يتمتع بها الإنسان في جنب قوة الله وعظيم سلطانه؟

    والخلاصة: أن الملاحظ في نفي مماثلة الله تعالى للحوادث، نفي المماثلة في الصفات التي هي من مستلزمات الحدوث وخصائصه، أما الصفات الأخرى التي هي من مستلزمات الرب جلَّ جلاله، ولكنه سبحانه وتعالى أفاض منها عينات أو ظلالاً على بعض مخلوقاته كالإنسان، فهي غير داخلة في عموم هذا النفي».([1]) يقصد النفي في (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ).

    توضيح:
    عقيدة المسلم: أن الإنسان مخلوق بكيانه المادي والمعنوي، بذاته وصفاته، بجسمه وروحه، وأنه إنسان بهذا الكيان المزدوج، وليس له شبه بالله تعالى بأي صورة من الصور، أما الاشتراك بين بعض صفات الله تعالى وصفات البشر بالاسم فهو من باب الاشتراك اللفظي. وليس الأمر كما قرر ابن عجيبة، ونسج على منواله

    فهو يقرر وبوضوح أن الإنسان يتصف بنوع من الصفات الأزلية القديمة، يقول:(صفات هي في الحقيقة من صفات الله عزَّ وجل... فهذه الصفات ليست نابعة من كيانه المتميز بالحدوث، بل هي ليست منها في شيء، وليست من خصائصه مطلقاً...) توكيد وراءه توكيد على أن الطائفة الثانية من الصفات جزء من صفات الله، ثم يعود للتوكيد ثانية، عندما يقرر أن النفي في الآية يتجه إلى الطائفة الأولى من الصفات، ولا يتجه إلى الطائفة الثانية منها؛ لأنها (من مستلزمات الرب).

    ثم ذكر فَرْقين بين هذا النوع من الصفات التي (هي في الحقيقة من صفات الله عزَّ وجل) وبين صفات الله (أولهما): أن صفات الإنسان فرع وفيض من صفات الله، وليست مخلوقة لله تعالى، بل هي (صفات ذاتية بالنسبة لله تعالى، أما بالنسبة للإنسان فهي صفات غير ذاتية، إذ هي في حقيقتها ليست أكثر من فيوضات إلهية عليه)، فالعلاقة ببينهما علاقة الفرع بالأصل، وليست المخلوقية. لاحظ أنه لم يقل: إنها مخلوقة، بل قال: «غير ذاتية»، وقال: «فيوضات إلهية عليه».

    (وثانيهما): أن صفات الإنسان جزء من صفات الله، وليست مخلوقة لله تعالى (أنها عينات يسيرة جداً) فالعلاقة بين صفات الإنسان وصفات الله تعالى هي علاقة الجزئية، وليست المخلوقية. فالفرق في الكمية والمقدار، وليس في النوع.


    مقارنة بين مقولات ابن عجيبة ومقولات هذا المؤلف

    1- قال ابن عجيبة: احتجبت (لاهوتيته) ببشرية كثيفة ناسوتية...
    1- قال المؤلف: صفات هي في الحقيقة ثمرة الحدوث والمخلوقية...

    ***** ***** *****

    2- قال ابن عجيبة: حقيقة الإنسان هي روحانية، وهي لطيفة نورانية لاهوتية جبروتية... إن الأرواح أصلها قبضة من نور الجبروت...
    2- قال المؤلف: صفات هي في الحقيقة من صفات الله عزَّ وجل. ليست نابعة من كيانه المتميز بالحدوث...هي من مستلزمات الرب جلَّ جلاله...

    ***** ***** *****

    3- قال ابن عجيبة: أعطاه سبعاً من الصفات تشبه صفات المعاني الأزلية، إلا أنها ضعفت بإحاطة القهرية..
    3- قال المؤلف: هي صفات غير ذاتية، إذ هي في حقيقتها ليست أكثر من فيوضات إلهية عليه..

    ***** ***** ******

    4- قال ابن عجيبة: إن الأرواح أصلها قبضة من نور الجبروت ... فحيث سجنت في هذه الهياكل الكثيفة ...لم يظهر منه إلا نموذج ضعيف، فسمع العبد وبصره وكلامه وعلمه وقدرته وإرادته وحياته بقية من تلك الصفات. (وقال): إنه أعطاه سبحانه سبعاً من الصفات تشبه صفات المعاني الأزلية، إلا أنها ضعفت بإحاطة القهرية...
    4- قال المؤلف: أنها عينات يسيرة... وإلا فما قيمة العلم الذي يتصف به الإنسان أمام علم الله تعالى، وما هي قيمة القوة التي قد يتمتع بها الإنسان في جنب قوة الله وعظيم سلطانه؟ (وقال): أما الصفات الأخرى التي هي من مستلزمات الرب جلَّ جلاله، ولكنه سبحانه وتعالى أفاض منها عينات أو ظلالاً على بعض مخلوقاته كالإنسان.

    ***** ***** *****

    5- قال ابن عجيبة: فحصل له بهذا أنموذج وشبه بالصمدانية، الربانية.
    5- قال المؤلف: متَّع الإنسان بنماذج وعينات... فهي غير داخلة في عموم هذا النفي.

    ***** ***** *****

    6- قال ابن عجيبة: جعل روحة اللطيفة النورانية في قالب كثيف، ليتأتى له منه غاية التصريف... جعله حاكماً على المظاهر كلها، مالكاً لها بأسرها، خليفة عن الله فيها... وجعله خليفةً عن الله في حكمه، يتصرف في الأشياء...
    6- قال المؤلف: سبحانه وتعالى متع الإنسان بنماذج وعينات يسيرة جداً منها ؛ ليتهيأ له بواسطتها أن ينهض بالتكاليف... وليتسنى له أن يسخر لنفسه مظاهر الكون التي من حوله ويفيد منها...

    ***** ***** *****

    7- قال ابن عجيبة: العارف: يرى الحق في الخلق، كقول بعضهم: ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله فيه.
    7- قال المؤلف: فمهما رأت عيناك شيئاً يتصف بالوجود فاعلم أن وجود الله تعالى سرى فيه...

    2- المؤلف ووحدة الوجود.
    سبق القول إن الصوفي إذا قال: (ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله قبله) فهو في حالة فناء عن شهود السوى، ويعبر عنه بوحدة الشهود. وإذا قال: (ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله فيه) فهو في حالة فناء عن وجود السوى، أو (البقاء)، ويعبر عنه بوحدة الوجود، وهو مقام الواصلين، وغاية السائرين.

    وسبق القول: إن وحدة الشهود هي النبحة الأولى من وحدة الوجود، بل هي المدخل إليها، كما نقل الفتوى بذلك أحمد زيني دحلان. وسترى المؤلف، يدور حولها، ويتسرب في خفية إليها، لكن ليس بصراحة ابن عجيبة؛ لأنه لا يملك شجاعته، فهو مثلهم يستعمل مصطلح السالك، والواصل، والعارف، ووحدة شهود، ووحدة الوجود، لكن بصيغة الغائبين، ثم يحاول الدفاع عنهم.

    قال المؤلف مقرراً وحدة الشهود: «وربما وصل أحد السالكين، ومن خلال التدرج في هذه المراتب [أي: الأحوال والمقامات] إلى ما أسموه بوحدة الشهود، إذ يفنى السالك بالمكون عن الأكوان، وبرؤية موجده عن ملاحظة وجوده.

    ثم قال، مقرراً وحدة الوجود: «وربما اندفع في غمرة هذا الاصطلام إلى النطق بكلمات لا تنضبط بموازين العقل والمنطق، ولكنها تنبعث من فيح مشاعره الوجدانية التي فنيت –كما قلنا- عن كل ما سوى الله، كقول أبي يزيد البسطامي - قدس الله روحه: (ما في الجبة إلا الله) وكقول بعضهم: (أنا الحق أو سبحاني).

    قال: وقد اتفق العارفون على أن حال الصحو أفضل وأسلم، حيث يكون العقل والوجدان على وفاق... ومع ذلك فلا جناح على من وقع في حال الفناء ووحدة الشهود».([2])

    تعليق:
    - لماذا (موازين العقل والمنطق) وليس ميزان الشرع؟ لأن الشريعة بداية الطريق، وهؤلاء واصلون.
    - اتفق العارفون على قاعدة «ليكن الفرق في لسانك موجوداً والجمع في سرك مشهوداً». أو بتعبير آخر: «إياك أن تقول أناه واحذر أن تكون سواه». (أناه): أنا الله. (سواه): سوى الله.
    - واتفقوا أيضاً على أن حال الصحو (= الفرق) أفضل وأسلم؛ لأنه يحميهم من سيف الردة أو السيف الذي قتل به الحلاج، وفي هذه الأزمنة يحفظ لهم مكانتهم بين الجماهير المغفلة.
    - ومع أفضلية حال الصحو فلا إثم على من فني عن وجود السوى، فقال: (سبحاني) (أنا الله). ولو قتل بها كما قتل (بها الحلاج)، وقد «أفتى الفقهاء وأكابر المتصوفة بقتل الحلاج».([3])
    -
    3- الله والكون عند المؤلف.
    أ- قال ابن عطاء الله السكندري في إحدى حكمه: «ما حجبك عن الله وجود موجود معه، ولكن حجبك عنه توهم موجود معه».
    قال المؤلف شارحاً: «ليس ثمة ما هو موجود مع الله قط. ذلك هو قرار العلم، وهو ما يجزم به المنطق. ولكي تدرك بداهة هذا الكلام، لاحظ كلمة (مع) التي تدل على النديَّة، وعلى المساواة، وتنفي تبعيةَ طرفٍ لآخر».([4])

    ب- قال ابن عطاء: «الأكوان ثابتة بإثباته، ممحوة بأحدية ذاته».
    وقال المؤلف شارحاً ومحللاً: «إن كل ما عدا الله لا وجود له إلا به – عز وجل - فالوجود في الحقيقة إنما هو وجوده هو، أي: وجود الله تعالى، وإن تجلى في مخلوقات شتى.

    ثم قال: واعلم أن ما يعبرون عنه بـ(وحدة الوجود) إن أريد بكلمة الوجود فيه الوجودُ الذاتي المستقل، العائد إلى الموجود، والمنبثق منه هو؛ فالتعبير صحيح، والمضمون حق. إذ مما لا ريب أن مصدر الوجود واحد، لا ثاني له، هو الله. وإذاً فمهما رأت عيناك شيئاً يتصف بالوجود فاعلم أنه وجود الله تعالى سرى فيه، وامتد عليه، أي: أنه صادر من ذاته العلية، مستقر عرضاً وإلى حين في مظهر ذلك الشيء. (قال): وهذا الذي يقرره ابن عطاء... يعبر عنه أكثر المحققين بـوحدة الشهود، إزالة للبس».([5])

    توضيح وبيان:
    كلام المؤلف يفيد أن هذا الكون لا وجود له، وأن ما نراه ونلمسه ونركبه ونشربه هو مجرد وهم وخيال، ويدعي فوق ذلك أنه قرار العلم، ويؤكده المنطق؛ وعليه فنحن نعيش في عالم من الأوهام؛ فهذه العمارات التي نرفعها ونسكنها، وهذه السيارات التي نركبها ليست إلا خيالات، وبها ركاب وسكان وهميون. وللرد على مثل هذه الأوهام والسمادير نذكِّر بقول ديكارت: أنا أفكر فأنا موجود.

    أما المنطق فيقول بخلاف ما نسب، يقول المنطق: إن الوجود ينقسم إلى قسمين: (الأول) وجودٌ واجبُ، وهو وجود بذاته لذاته، وهو وجود الله تعالى، وهو الأول، وهو أزلي لا شيء قبله. (والثاني) وجودٌ ممكنُ، وهو وجود العالم، وهو وجود بذاته، ولكن لغيره، والوجود الممكن لم يكن ليوجد إلا بقدرة، فهو حادث، بمعنى أنه وُجد بعد العدم، وهو موجود بإيجاد الله تعالى له.

    وأما القائلون بالوحدة، فهم يعتقدون أنه لا وجود إلا الوجود الواجب. وأما الكون فهو موجودٌ بوجود الله تعالى، لا بإيجاده، (كل ما عدا الله لا وجود له إلا به) فهم يستعملون الباء بمعنى الاختلاط والملابسة، لا بمعنى السببية، بمعنى أن العالم إنما هو صورة ومظهر للوجود الإلهي، ولم يحدث وجود الكون بعد عدمه، بل الحادث عندهم إنما هو صورة الكون بعد عدمها، والصورة عين المظهر الإلهي، ولذلك يقولون إن الله تعالى تجلى لنفسه، كما تجلى جبريل عليه السلام، لمحمد – صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

    أما قوله: (فمهما رأت عيناك شيئاً يتصف بالوجود فاعلم أنه وجود الله تعالى سرى فيه، وامتد عليه، أي: صادر من ذاته العلية) و(منبثق منه) فهو نفس قول ابن عجيبة: (العارف: يرى الحق في الخلق، كقول بعضهم: ما رأيت شيئاً إلا رأيت الله فيه)، وهو تقرير صريح لوحدة الوجود، ولا يفيده تمحله أن أكثر المحققين يعبرون عن هذا المعنى بوحدة الشهود. وللرد على هذا التمحل يستحسن العودة إلى الفتوى التي ذكرها أحمد زيني دحلان، والتي سبق ذكرها.

    - أم قوله (إن (مع) تدل على الندية، وعلى المساواة، وتنفي تبعية طرف لآخر) فلا أدري من أين أتى بهذه المعاني لكلمة (مع)، إنها مغالطة مفضوحة، رماها في عيون ووجوه المغفلين الذين يقرؤون له أو يستمعون إليه؛ ليخدرهم، وليمرر عليهم مقولة: (ليس ثمة ما هو موجود مع الله قط). والعجيب أنه يقف مع كل كلمة من كلمات الحِكم العطائية، وكأنها آياتٌ قرآنية!

    قال أهل اللغة إن (مع) تفيد المصاحبة واجتماع اثنين فما فوق. وقد جاءت (مع) في آيات كثيرة، تفيد العلم، أو النصرة، أو الرحمة، حسب سياق الآية، من ذلك قوله تعالى: {وإِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ} {لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنا} {إِنَّ مَعِي رَبِّي}{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ} ولم يقل أحد من العلماء إن (مع) في هذه الآيات أو غيرها تدل على الندية، أو المساواة، أو تنفي تبعية طرف لآخر. فكل ما ادعاه المؤلف من المعاني مردودة عليه لغة وقرآناً.

    ***** ***** *****


    المحور الرابع- سبب قتل الحلاج

    كان أبو المغيث، الحسين بن منصور، الحلاج، رافضياً زنديقاً ممخرقاً، يتعاطى السحر والشعوذة، ولم يكن يؤمن بدين، بل كان يؤمن بوحدة وجود حلولية. أقوالُه وأشعاره تشهد بذلك. ادعى النبوة، ثم ادعى الربوبية، وأهم من ذلك كله أنه كان أحد دعاة القرامطة، قتل وصلب سنة (309هـ)

    حدث الخطيب البغدادي بسنده عن أبي بكر بن جمشاذ، أنه قال: حضر عندنا بالدينور رجل، ومعه مخلاة، فما كان يفارقها بالليل ولا بالنهار، ففتشوا المخلاة، فوجدوا فيها كتاباً للحلاج عنوانه: (من الرحمن الرحيم إلى فلان بن فلان)، فوُجِّه إلى بغداد. (قال): فأُحضر، وعُرض عليه، فقال: هذا خطي، وأنا كتبته. فقالوا: كنت تدعي النبوة فصرت تدعي الربوبية، فقال: ما أدعي الربوبية ولكنْ هذا (عين الجمع) عندنا، هل الكاتب إِلا اللَّه، وأنا واليد فيه آلة.([6])

    كان الحلاج رافضياً، يؤمن بالحقيقة العلوية، مكان الحقيقة المحمدية، التي يؤمن بها الصوفية. وأنه كان يرى علياً هو الصلة بين الله وبين الوجود.

    قال الخطيب بسنده: أن الْحُسَيْن بن مَنْصُور الحلاج لما قدم بغداد يدعو، استغوى كثيراً من الناس والرؤساء، وكان طمعه في الرافضة أقوى؛ لدخوله من طريقهم.([7])

    وبعد القبض على الحلاج، قال الخطيب البغدادي: «وكبس منزلُه، وأُخذتْ منه دفاترُ كثيرةٌ... وكان في الكتب الموجودة عجائبُ من مكاتباتِهِ أصحابَه النافذين إلى النواحي، وتوصيتِهم بما يدعون الناس إليه، وما يأمرهم به... وأن يخاطبوا كلَّ قوم على حسب عقولهم وأفهامهم، وعلى قدر استجابتهم وانقيادهم، وجواباتٌ لقوم كاتبوه بألفاظ مرموزة، لا يعرفها إِلا من كتبها، ومن كُتبتْ إليه...(قال): وفي بعضها صورة فيها اسم (اللَّه) تعالى، مكتوب على تعويج، وفي داخل ذلك التعويج مكتوب (عَلِيّ) - عليه السلام - كتابةً، لا يقف عليها إِلا من تأملها».([8])

    لم يقتل الحلاج لأنه ادعى الربوبية فقط، بل لأنه كان يعمل مع القرامطة لقلب نظام الحكم أيضاً. أما المؤلف فيعمل لتثبيته.

    نقل ابن خلكان عن (الشامل) وهو كتاب في أصول الدين لإمام الحرمين، المتوفى (478هـ) قوله: «وقد ذكر طائفة من الأثبات الثقات أن الحلاج والجنَّابي (أبا طاهر سليمان بن أبي سعيد الحسن بن بهرام القرمطي) تواصيا على قلب الدولة، والتعرض لإفساد المملكة، واستعطاف القلوب واستمالتها، وارتاد كل واحد منهما قُطراً، أما الجنابي فأكناف الأحساء... وارتاد الحلاج قطر بغداد».([9])

    وثبت أيضاً عن الحلاج أنه كان يدَّعي معارضة القرآن، وأنه قادر على أن يأتي بمثله؛ فهذا هو القشيري لم يترجم له في (الرسالة) ولكنه قال: «ومن المشهور أن عمر بن عثمان المكي رأى الحسين بن منصور يكتب شيئاً؛ فقال: ما هذا؟ فقال: هو ذا أعارض القرآن. فدعا عليه، وهجره».([10])

    فهل التاريخ في بغداد في القرن الثالث يعيد نفسه في دمشق في القرن الخامس عشر الهجري؟
    وهل المؤلف في دمشق يعيد دور الحلاج في بغداد، ولو بصورة مغايرة؟

    ***** ***** *****


    - انتهى -


    الأحد 14/رمضان/1432هـ = 14/آب/ 2011م


    أبو يوسف الوضاح


    ([1]) كبرى اليقينيات الكونية، مبحث الصفات السلبية (ص 102- 103) طبعة 1969م. قال في (هامش، ص 94): (أولئك الذين عرفوا بوحدة الوجود كمحيي الدين بن عربي وغيره، ودلت كتبهم على ذلك، يحتمل أن يكونوا بريئين من هذا المقال، وإنما دس ذلك في كتبهم من قبل بعض الزنادقة...). حبذا لو أخرج لنا المؤلف أو غيره كتبَ القوم الخالية من الدس، علماً أن ذلك من المستحيلات؛ لأن تلك الكتب قام العلماء بتحقيقها وتخريجها على أصول مخطوطة، خاصة كتاب الفصوص، فقد شرحه العشرات من أقطاب الصوفية، ولم يقل أحد منهم أن فيه دساً. ومن يدري ربما يأتي في قابل الأيام من يقول أن ما نقلناه من كلام المؤلف مدسوس عليه؟
    ([2]) الإسلام ملاذ المجتمعات الإنسانية (ص 209). طبعة أولى، دار الفكر.
    ([3]) مقدمة ابن خلدون (ص 438) دار الكتاب العربي، ط1، 1417هـ = 1996م
    ([4]) الحكم العطائية، شرح وتحليل (3/468).
    ([5]) الحكم العطائية، شرح وتحليل (4/15، 16).
    ([6]) تاريخ بغداد (8/706).
    ([7]) تاريخ بغداد (8/702).
    ([8]) تاريخ بغداد (8/715).
    ([9]) وفيات الأعيان (2/146).
    ([10]) الرسالة القشيرية، باب حفظ قلوب المشايخ (ص 558) تحقيق: عبد الحليم محمود. وانظر: تاريخ بغداد (8/699).

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    Mar 2010
    المشاركات
    331

    افتراضي رد: في جُحر الضب

    " ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا "

    كل واحد يناصر الطواغيت هكذا يكون مصيره إن لم يتب وغيره كثير
    شر الناس في هذا العصر : فرقة / جمعت بين مذهب الإرجاء ومذهب الخوارج
    فليحذر الإنسان منها

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    33

    افتراضي رد: في جُحر الضب

    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    لا نكفر أحداً، فلسنا قضاة، وذلك لا يفيدنا بشيء، بل نحذر منه ومن أمثاله.
    ويمكننا القول إن المؤلف وأمثالَه يدخلون تحت قوله تعالى:
    {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) } [التوبة]

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    33

    افتراضي رد: في جُحر الضب

    في جحر الضب. حمل من هنا

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    33

    افتراضي رد: في جُحر الضب

    في جحر الضب.

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    2,221

    افتراضي رد: في جُحر الضب

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة أبو الخلود مشاهدة المشاركة
    بسم الله الرحمن الرحيم
    السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته
    لا نكفر أحداً، فلسنا قضاة، وذلك لا يفيدنا بشيء، بل نحذر منه ومن أمثاله.
    ويمكننا القول إن المؤلف وأمثالَه يدخلون تحت قوله تعالى:
    {وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ (175) وَلَوْ شِئْنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا وَلَكِنَّهُ أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصِ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (176) سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا وَأَنْفُسَهُمْ كَانُوا يَظْلِمُونَ (177) مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِي وَمَنْ يُضْلِلْ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ (178) } [التوبة]
    بعيدًا عن أصل الموضوع .. إنما استوقفني هذا السياق:

    لا نكفِّر أحدًا ... المؤلف وأمثاله يدخلون تحت قوله تعالى ...
    فَانْسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنَ الْغَاوِينَ....
    أَخْلَدَ إِلَى الْأَرْضِ وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ....
    مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا...
    سَاءَ مَثَلًا الْقَوْمُ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا

    يا أخي , الآيات من سورة الأعراف ، وليست في التوبة.
    صورة إجازتي في القراءات العشر من الشيخ مصباح الدسوقي

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    Nov 2008
    المشاركات
    33

    افتراضي رد: في جُحر الضب

    أخي القارئ المليجي
    شكراً لك على هذا التنبيه، وبارك الله في علمك وبإجازتك بخاصة

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    Apr 2008
    المشاركات
    2,221

    افتراضي رد: في جُحر الضب

    أشكر لك حسن أدبك وحِلْمك في الرد.
    صورة إجازتي في القراءات العشر من الشيخ مصباح الدسوقي

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    Feb 2007
    المشاركات
    1,125

    افتراضي رد: في جُحر الضب

    (والطائفة الثانية): صفات هي في الحقيقة من صفات الله عزَّ وجل، ولكنه سبحانه وتعالى متَّع الإنسان بنماذج وعينات يسيرة جداً منها، ليتهيأ له بواسطتها أن ينهض بالتكاليف التي خلق من أجلها، وليتسنى له أن يسخر لنفسه مظاهر الكون التي من حوله ويفيد منها، كالعلم والقدرة والإرادة والإدراك وما شابه ذلك. فهذه الصفات ليست نابعة من كيانه المتميز بالحدوث، بل هي ليست منها في شيء، وليست من خصائصه مطلقاً.
    السؤال لهؤلاء المتفلسفة:
    لماذا لا يقولون هذا عن جميع الصفات؟
    فيقولون مثلاً: الله تعالى متَّع الإنسان بنموذج يسير من صفات الوجه واليد والعين والعرش والاستواء، كما متَّعه بنماذج يسيرة من تلك الصفات السبع؟
    وإذا كان الاشتراك في الصفات السبع - مع التفاوت العظيم في الكيفية طبعًا - لا يستلزم التمثيل والتشبيه، فلماذا يكون الاشتراك في غيرها - مع التفاوت العظيم في الكيفية أيضاً - مستلزمًا للتمثيل والتشبيه في زعمهم؟!
    ولماذا يجعلون الصفات السبع (من صفات الله عزَّ وجلَّ) مع إقرارهم بوجودها في الناس، بينما يقولون عن بقيَّة الصفات أنَّها ليست من صفاته، بل يجب تأويلها وتنزيهه عنها؟! مع إقرارهم بأنَّه وصف نفسه بها أيضاً!!
    وما الفرق بين قول المؤلف (نماذج يسيرة) وبين قول الإمام مالك (الكيف مجهول)؟
    فسبحان الَّذي أضل هؤلاء القوم!
    يا فيلسوف لقد صُرفتَ عن الهدى ** بالمنطق الرُّوميّ واليوناني

    أستاذ جامعي (متقاعد ولله الحمد)

  11. #11

    افتراضي رد: في جُحر الضب

    بسم الله الرحمن الرحيم السلام عليكم ورحمة الله وبركاته شكرا لك ... بارك الله فيك ...
    أود معرفة كل مايتعلق بهذا الموضوع أي الموضوعات التي تشابهه ولكم جزيل الشكر

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
  • لا تستطيع الرد على المواضيع
  • لا تستطيع إرفاق ملفات
  • لا تستطيع تعديل مشاركاتك
  •