هل أهل الفترة كفار ؟
هل أهل الفترة كفار ؟
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
سئل الشيخ عبد الله بن عبد الرحمن أبا بطين رحمه الله تعالى، ما حكم من مات في زمن الفترات، ولم تبلغه الدعوة ؟
فأجاب : وأما حكم من مات في زمن الفترات، ولم تبلغه دعوة رسول الله صلى الله عليه وسلم فالله سبحانه أعلم به، واسم الفترة، لا يختص بأمة دون أمة، كما قال الإمام أحمد في خطبة : الرد على الزنادقة والجهمية ؛ الحمد لله الذي جعل في كل زمان فترة من الرسل، بقايا من أهل العلم ؛ ويروى هذا اللفظ : عن عمر رضي الله عنه ؛ والكلام في حكم أهل الفترة : لسنا مكلفين به ؛ والخلاف في المسألة : معروف .
ولما تكلم في الفروع، على حكم أطفال المشركين، وكذا من بلغ منهم مجنونا، قال : ويتوجه مثلها : من لم تبلغه الدعوة ؛ وقاله شيخنا ؛ وفى الفنون : عن أصحابنا : لا يعاقب ؛ وذكر عن ابن حامد : يعاقب مطلقاً، إلى أن قال : وقال القاضي أبو يعلى، في قوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا ) [ الإسراء : 15 ] في هذا دليل على : أن معرفة الله لا تجب عقلاً، وإنما تجب بالشرع، وهو بعثة الرسل، وأنه لو مات الإنسان قبل ذلك، لم يقطع عليه بالنار، انتهى .
وقال ابن القيم رحمه الله : في طبقات المكلفين ؛ الطبقة الرابعة عشر : قوم لا طاعة لهم، ولا معصية، ولا كفر، ولا إيمان، قال : وهؤلاء أصناف ؛ منهم : من لم تبلغه الدعوة بحال، ولا سمع لها بخبر ؛ ومنهم : المجنون الذي لا يعقل شيئا؛ ومنهم : الأصم الذي لا يسمع شيئا أبداً ومنهم أطفال المشركين، الذين ماتوا قبل أن يميزوا شيئا فاختلفت الأمة في حكم هذه الطبقة اختلافاً كثيرا، وذكر
الأقوال، واختار ما اختاره شيخه : أنهم يكلفون يوم القيامة واحتج بما رواه الإمام أحمد في مسنده، عن الأسود بن سريع، مرفوعا، قال : " أربعة يحتجون يوم القيامة، رجل أصم لا يسمع، ورجل أحمق، ورجل هرم، ورجل مات في الفترة ؛ أما الأصم، فيقول : رب لقد جاء الإسلام، وأنا ما أسمع شيئا، وأما الأحمق، فيقول : رب لقد جاء الإسلام، والصبيان يرمونني بالبعر ؛ وأما الهرم فيقول : رب لقد جاء الإسلام وما أعقل ؛ وأما الذي مات في الفترة، فيقول : رب ما أتاني من رسول ؛ فيأخذ مواثيقهم ليطيعنه، فيرسل إليهم رسولاً : أن ادخلوا النار، فوالذي نفسي بيده، لو دخلوها لكانت عليهم برداً وسلاماً " ثم رواه من حديث أبى هريرة بمثله، وزاد في آخره : " ومن لم يدخلها رد إليها " انتهى
وذكر ابن كثير عند تفسير قوله تعالى : ( وما كنا معذبين حتى نبعث رسولاً ) [الإسراء:15] قال : وهذه مسألة اختلف الأئمة فيها، وهي مسألة الولدان، الذين ماتوا وهم صغار، وآباؤهم كفار ؛ وكذلك : المجنون، والأصم، والخرف، والأحمق، ومن مات في الفترة ؛ وقد روى في شأنهم أحاديث : أنا أذكرها بعون الله وتوفيقه ؛ ثم ذكر في المسألة : عشرة أحاديث، افتتحها بالحديث الذي ذكرناه ؛ ثم أشار إلى الخلاف .
ثم قال : ومن العلماء من ذهب إلى أنهم : يمتحنون يوم القيامة، فمن أطاع دخل الجنة، وانكشف علم الله فيه، ومن عصى دخل النار، وانكشف علم الله فيه ؛ وهذا القول : يجمع بين الأدلة ؛ وقد صرّحت به الأحاديث المتقدمة، المتعاضدة، الشاهد بعضها لبعض ؛ وهذا القول : حكاه الأشعري، عن أهل السنة، ثم ردّ قول من عارض ذلك : بأن الآخرة ليست بدار تكليف، إلى أن قال : ولما كان الكلام في هذه المسألة، يحتاج إلى دلائل صحيحة، وقد يتكلم فيها من لا علم عنده : كره جماعة من العلماء الكلام فيها ؛ روى ذلك عن ابن عباس، وابن الحنفية، والقاسم بن محمد، وغيرهم .
قال : وليعلم : أن الخلاف في الولدان، مخصوص بأولاد المشركين ؛ فأما ولدان المسلمين، والمؤمنين، فلا خلاف بين العلماء، حكاه القاضي أبو يعلى الحنبلي، عن الإمام أحمد، أنه قال : لا يختلف فيهم أنهم من أهل الجنة، فأما ما ذكره ابن عبد البر : أنهم توقفوا في ذلك، وأن الولدان كلهم تحت المشيئة، وهو يشبه ما رسم مالك في موطئه، في أبواب القدر، فهذا غريب جداً ؛ وذكر القرطبي في التذكرة : نحوه .
الدرر السنية / باب العقائد صـ 368 ـ 370
سُئل الإمام محمد بن إبراهيم -رحمه الله- عن ذلك كما في الفتاوى والرسائل وهذا نص السؤال مع الإجابة:
(175- س: أَهل الفترة هل يسمون كفارا أَو مسلمين؟)
ج: كفار لا مسلمين. أَما عذابهم فلا يكون حتى يبعث لهم رسول. وفي قصة المجانين وأَهل الفترات أَنه يبعث لهم عنق من النار. ... (تقرير).
فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم بن عبد اللطيف آل الشيخ (1/ 246-247)
أما الاسم فكما تفضلتي ثابت قبل الحجة الرسالية وبعد الحجة الرسالية.
وأما بخصوص أهل الفترة فقد بحثت فيها فترة من الزمن وخلصت إلى أنه لا يكون من أهل الفترة إلا إذا أتى بالتوحيد الذي ضده الشرك، وأن الفترة الكبرى ممتنعة للعمومات التي في كتاب الله كقوله تعالى: { وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر: 24]، وقوله تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا} [النحل: 36]، وأما الفترة الصغرى فوارده وممكنة، ومن حقق ما سبق فإنه يجري عليه حديث النبي صلى الله عليه وسلم «أَرْبَعَةٌ يَحْتَجُّونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: رَجُلٌ أَصَمُّ، وَرَجُلٌ أَحْمَقُ، وَرَجُلٌ هَرِمٌ، وَرَجُلٌ مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ، فَأَمَّا الْأَصَمُّ، فَيَقُولُ: يَا رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ، وَمَا أَسْمَعُ شَيْئًا، وَأَمَّا الْأَحْمَقُ، فَيَقُولُ: رَبِّ، قَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَالصِّبْيَانُ يَحْذِفُونَنِي بِالْبَعَرِ، وَأَمَّا الْهَرِمُ، فَيَقُولُ: رَبِّ، لَقَدْ جَاءَ الْإِسْلَامُ وَمَا أَعْقِلُ، وَأَمَّا الَّذِي مَاتَ فِي الْفَتْرَةِ، فَيَقُولُ: رَبِّ، مَا أَتَانِي لَكَ رَسُولٌ، فَيَأْخُذُ مَوَاثِيقَهُمْ لَيُطِيعُنَّهُ، فَيُرْسِلُ إِلَيْهِمْ رَسُولًا أَنِ ادْخُلُوا النَّارَ، قَالَ: فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ دَخَلُوهَا كَانَتْ عَلَيْهِمْ بَرْدًا وَسَلَامًا».
القصد من إيراد الحديث بيان أنهم يختبرون يوم القيامة.