الحوار في الحديث النبوي الشريف / محفوظ فرج إبراهيم
ــــــــــــ


عن عبد الرحمن بن أبي بكرة عن أبيه 1 ذكر ان النبي صلى الله عليه وسلم قعد على بعيره وأمسك انسان بخطامه 2 –أو بزمامه – ثم قال (أي يوم هذا ؟ فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه قال (أليس يوم النحر)؟ قلنا بلى قال (فأي شهر هذا؟) فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال (أليس بذي الحجة؟) قلنا بلى قال (فان دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم حرام3 كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا4 ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد5 عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه ) متفق عليه صحيح أخرجه 3197 ، 4406،4662، ومسلم 1679،4383 ،رياض الصالحين رقم 213 ص82

ـــــــــــــــ ــــــ
تعتمد بعض الأحاديث النبوية الشريفة في أسلوبها السردي على الحوار ويعد أحد الطرق التي يعتمد عليها أسلوبه صلى عليه وسلم فقد نقل لنا الراوي رضي الله عنه صورة فنية قبل بداية الحديث الشريف حيث يرى الرسول صلى الله عليه وسلم جالس على بعيره وهنالك شخص قد أمسك بزمام البعير ليمنع اضطرابه. ومن يمسك بالزمام هو الراوي (ابو بكرة)وقد كان أسلوب الرسول الكريم مع المحيطين به كما قلنا قد اعتمد الحوار لأنه يجد به احيانا الاحاطة بقصده ثم إنه أجدى لتثبيت مايقول في أنفس القوم قال الإمام القرطبي رحمه الله (سؤاله صلى الله عليه وسلم عن الثلاثة وسكوته بعد كل سؤال منها كان لاستحضار فهومهم وليقبلوا عليه بكليتهم وليستشعروا عظمة ما يخبرهم عنه ) وحين بدأالرسول الكريم في استفهامه كان يعلم أنهم يعرفون ما يسأل عنه قال أي يوم هذا؟)فارتسمت صورة فنية في وجوه القوم من سماتها الدهشة من هذا السؤال ومن المؤكد أنهم تهامسوا في ما بينهم ماذا يقول ؟ألم يعرف هذا اليوم ؟أهناك اسم اخر له ؟هذا التعجب من هكذا أسئلة لا يمكن أن ينساها المسلم فيجيب صلى الله عليه وسلم مستفهما أليس يوم النحر ؟ فكانت إجابة القوم بلى ثم يأتي السؤال الثاني أي شهر هذا؟وتتراكم أسباب الدهشة والتعجب والحيرة ماذا نقول له وفي ذلك يصبح الخطاب لايمكن نسيانه أبدا ثم يجيب الرسول الكريم بإسلوب الاستفهام أليس بذي الحجة فيجيب القوم بلى وبعد أن ترسخ ما راد أن يترسخ في عقول القوم وقلوبهم واستفزوا للانتباه بكل جوارحهم وعقولهم اليه واصل صلى الله عليه وسلم خطابه حيث حدد الهدف قال (فان دماءكم ، وأموالكم،وأعراض كم ، بينكم حرام) ليؤكد جوابا على سؤال سائل او من يشك في الخبر بمتوازيات صرفية جموع تكسير تتوسطها ألف مد أحد هذه الجموع خالي من الهمزة في بداية الكلمة (دماءكم ولكنها وردت بعد ألف المد إنها موسيقى داخلية تلونها اصوات رائعة فضلا عن الموسيقى الخارجية في الوزن الصرفي وبعد ها تكون نتيجة ذلك خبر إن وهو (حرام)فيكون ثبات حرمة هذه الجموع لايتغير وهذا كله هو المشبه يليه المشبه به بواسطة الكاف أداة التشبيه ولم يكن المشبه به محسا لأن المشبه نفسه لايمكن ان يكون له معادلا موضوعيا فقد شبه حرمة الدماء والأموال والأعراض بحرمة اليوم والشهر والبلد لان المشبه به مقرر وثابت في نفوسهم قال الإمام ابن حجر في الفتح الباري ( مناط التشبيه في قوله صلى الله عليه وسلم : كحرمة يومكم وما بعده ظهوره عند السامعين ؛ لأن تحريم البلد والشهر واليوم كان ثابتا في نفوسهم مقررا عندهم بخلاف الأنفس والأموال والأعراض فكانوا في الجاهلية يستبيحونها فطرأ الشرع عليهم بأن تحريم دم المسلم وماله وعرضه أعظم من تحريم البلد والشهر واليوم) فا الدماء والأموال والأعراض أعظم من المشبه به وذلك يدلل على ان الرسول الكريم يلمح الى أن المشبه ليس له معادلا موضوعيا أعظم منه ليشبه به لأهميته الكبيرة وفضاعته وشناعته فانتهاك الدماء الأموال والأعراض ليس هنالك أفضع منها وعلى الرغم من ذلك فقد أفضى المشبه به الى صورة مستقرة يتذكرها الانسان ولا يمكن أن تغيب عن باله ويتضح القصد من هذا التثبيت في أنفس أولئك القوم لكي يستوعبها حتى الجاهل وبعد كل هذه الجمل الاسمية التي تدل على الثبات يأمر صلى الله عليه وسلم بتبليغ ما قال ولك أخي المؤمن المتلقي أن تتأمل الصورة من أولها الثابت إلى آخرها المتحرك (ليبلغ الشاهد الغائب عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه ) ولننظر إلى الفاعل والمفعول به فهما اسما فاعل متوازيان صرفيا ثم انهما طباق وهو من سمات أسلوب الرسول الكريم ولما كان الحديث الشريف يولي عنايته التبليغ وهو أهم شي في الخطاب أورد الرسول صلى الله عليه وسلم عسى فعل الرجاء الجامد تاما وليس ناقصا فكان فاعله (التبليغ)وليس من يبلغ (عسى ان يبلغ من هو اوعى له منه)
محفوظ فرج / العراق
ـــــــــــــــ
1)هو ابو بكرة نفيع بن الحارث بن كلدة /الألف المختارة/ج1 ص29
2)الخطام /الزمام

3)يريد انتهاك الدماء والاموال والاعراض اي تناولها بغير حق محرم عليه/والعرض موضع المدح والذم من الانسان سواء كان في نفسه او في سلفه
4)انما شبه حرمة ماسبق بهذه الحرمة لانها اثبت في نفوسهم فشبه الشي بما هو اعلى منه باعتبار ماهو مقرر عندهم/والا فان حرمة الدماء ةالاموال والاعراض اعظم من تحريم البلد والشهر واليوم
5)الشاهد /الحاضر

ــــــــ
[/color]




من كتابي الجزء الأول (من ملامح الصورة الفنية في الأحاديث النبوية ) محفوظ فرج إبراهيم ، بغداد، مجمع باب المعظم، مطبعة النحلة، 2006