إتماماً للمقال السابق
وكان كله من كلام الشيخ، جمعته من ثلاثة برامج بثت على قناة المجد
وعلى الأسلوب نفسه هذا المقال
أول درس جلست فيه بين يديه ... لحظات لا تنسى للشيخ محمد حسان مع الإمام ابن باز
قال الشيخ محمد حسان:
سافرت من مدينة السويس إلى الرياض –ولا أخفي، بل أود أن يعلم إخواننا هذا- سافرت وأنا متصور أني ابن القيم؛ لكثرة الحضور في السويس، الآلاف كانت تحضر خطبة الجمعة، فتصورت حينها أني أصبحت شيخاً، وسافرت إلى هنالك بهذه الروح، وهذا مرض خطير جداً.
وأذكر أول درس جلست فيه بين يدي الشيخ ابن باز وتحت قدميه:
فبعدما صليت الفجر إماماً بالمسلمين في جامع الراجحي في منطقة الربوة بمدينة الرياض، وإذ بأحد الإخوة الأفاضل يقول: (هيا بنا نحضر درس الشيخ في مسجده)، ومسجد الشيخ قريب من منطقة الربوة.
ذهبت مع هذا الأخ الكريم لأحضر أول درس علمي للشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله رحمة واسعة- بعد صلاة الفجر، وكان الشيخ في هذا الوقت يشرح ثلاثة كتب في ثلاث ساعات متتالية، جلست بين يديه وأنا انظر إلى وجهه.
احتجت أن اذهب لأجدد وضوئي أربع مرات لاستيقظ وانتبه وأفيق، والشيخ جالس على كرسيه لم يتحرك، ولم يفارق مجلسه مرة واحدة، ولم يغفل، ولم يغفو، يسمع الطالب يقرأ فيصحح له اللغة والنطق، ويشرح ويبين، ويعلق ويؤصل ويفصل، ويعقب وينصح ويتابع، حتى كدت أن أذهل!.
وتنفض هذه الحلقة التي كان يشرح فيها الروض لتنعقد حلقة أخرى يلتف فيها الطلاب حول الشيخ ليؤصل ويفصل في شرحه على الطحاوية، ثم بعد ذلك تنفض الحلقة الثانية لتنعقد حلقة ثالثة وكان يشرح في النونية، كل هذه الحلقات العلمية الثلاث المتتالية في وقت متواصل في مجلس واحد لا يشعر الشيخ بالملل.
وخرجت من أول درس وأنا أبكي، والذي لا إله غيره عاهدت الله عز وجل ألا أتكلم بعد هذا اليوم كلمة في دين الله إلا بعد أن أتعلم.
وأشهد الله أني اتصلت بإخواننا في مدينة السويس العامرة وفي مصر الذين كانوا يسجلون لي الأشرطة قبل أن أسافر وقلت لهم: أوقفوا طباعة الأشرطة، فقالوا: (لماذا؟)، فقلت لهم: والله العظيم اكتشفت اليوم أني من أجهل خلق الله، ولا ينبغي لأحد أن يتكلم إلا بعد أن يتعلم، يا أيها الناس من أراد أن يعرف قدر نفسه فليأتي يجلس تحت أرجل هذا الرجل، فليأتي فليحضر مجلس هذا العالم الرباني.
وشتان شتان بين أن تجلس بين يدي عالم متحقق بالعلم الشرعي، وبين طالب علم عادي، أو بين يدي شيخ لم يفتح الله عليه بمفاتيح العلم والفضل، تشعر حينئذ بالضألة، شعرت بالضألة وأني من أجهل الخلق، وما هذه الجرأة التي كنت متلبساً.
وتوقفت وقفة طويلة مع نفسي، وبدأت بداية أتصور أنها هي البداية، فعكفت على الطلب، وجلست بين يدي الشيخ، ثم جلست بين يدي الشيخ ابن جبرين، وأنهيت الطحاوية من جديد على يديه مع أني كنت شرحتها ولكن شتان شتان بين الثرى من الثريا، وبين نور الوهى من نور الضحى.