يقول الشيخ محمد حسان:أول مرة رأيته فيها ... لحظات لا تنسى للشيخ محمد حسان مع الإمام ابن باز
(الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمه الله رحمة واسعة- ليس عالماً فحسب، ولكنه رجل رباني، ورجل مربي، وجدت فيه فعلاً كلام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في مسند الإمام أحمد: «خِيَارُ عِبَادِ اللهِ الَّذِينَ إِذَا رُؤُوا ذُكِرَ اللهُ»، ووالله رأيت هذا في وجه الشيخ، ووالله ما ذكرت الشيخ إلا ورَقَّ قلبي، ووالله ما تربيت وما عرفت الأدب إلا على يديه.
وأذكر أول مرة رأيت فيها الشيخ واكتحلت فيها عيناي بوجهه:
حيث كانت أمنية من أماني حياتي أن أرى هذا العالم الفذ، وقد طلبت ذلك من شيخنا الشيخ صفوت نور الدين -رحمه الله رحمة واسعة-، وكان الشيخ ابن باز يحب الشيخ صفوت حباً جمَّاً ويقدره ويقدمه، فكانت أول مرة ألقى فيها الشيخ ابن باز على يد الشيخ صفوت.
وذلك حينما دخل عليَّ غرفتي في فندق دار الزواوي بمكة وكنت حاجاً هذا العام من مدينة السويس، فقال لي: «هيا استيقظ سوف نتناول الغداء عند الشيخ ابن باز»، جلست وقلت له متعجباً: «اليوم يا شيخ!»، فقال: «نعم، اليوم»، فقمت مسرعاً وأنا في غاية من الفرح والسرور.
وانطلقنا ودخلنا بيت الشيخ، وكان المجلس مليئاً مزدحماً ولمَّا يحضر الشيخ بعد، ورحب الأفاضل من الإخوة القائمين على شأن المجلس بالشيخ صفوت وأجلسوه في الكرسي المجاور لكرسي الشيخ ابن باز، وأنا أقول للشيخ: «أسألك بالله لا تترك يدي»، فأمسك بيدي وأجلسني بجواره، وانتظرنا الشيخ ابن باز.
وأخذت أرسم للشيخ صوراً في ذهني، فأنا لا أعرفه، وما كنت رأيته قبل ذلك حتى في صورة عبر الصحف أو المجلات، فكنت منتظراً من يكون الشيخ ابن باز؟، هذا العملاق!، هذا الكنيف الذي مليء علماً!، وأودعه الله كل هذا العلم!، هذا الذي نقرأ له ونسمع عنه.
ولمَّا حضر الشيخ ومعه بعض الإخوة من طلبة العلم عن يمينه وعن شماله ومن خلفه، وإذ بالناس يقفون لاستقبال الشيخ، وإذ بالشيخ صفوت يقف ويقول لي: «ها هو الشيخ قد وصل»، وأنا أبحث وأنظر وأقول له: «أين الشيخ، أين الشيخ»، فأشار لي على رجل والله لن أنسى ولن أنسى هذا المشهد ما حييت، لا زلت أذكر تماماً الثوب الذي كان يرتديه والهيئة التي كان عليها، كان يلبس ثوباً سودانياً أصفر اللون ذا أكمام واسعة، لا يزيد ثمنه على خمسة عشر ريالاً، وكان قصيراً جداً يظهر نصف ساقه النحيف الذي يميل لونه إلى السمرة، وكان يلبس الغترة على رأسه بدون قلنسوة (طاقية)، ولم يكن يلبس حتى البشت الذي نلبسه نحن، فرأيت رجلاً في غاية التواضع في هيئته ومشيته، وفي غاية الانكسار للعزيز الغفار سبحانه وتعالى.
ثم قال لي الشيخ صفوت: «هذا هو الشيخ ابن باز»، والله لم أتمالك نفسي فجلست أبكي متعجباً وأنا انظر إليه، فقلت للشيخ صفوت: «هل تأذن لي أن أعلق، والله ظننت هذا الرجل من المساكين الذين دخلوا يسألون الشيخ ابن باز الصدقة والعطاء»، فبكى الشيخ صفوت لهذا التعليق، وقام للشيخ ابن باز وقبل رأسه، وأقبلت عليه فقبلت رأسه ويده وأنا أبكي حتى سالت دموعي على يده، ثم قال الشيخ صفوت للشيخ ابن باز: «ادعو لابننا محمد»، فدعا الشيخ لي بالتوفيق في الدعوة، ثم نصحني -وأنا أعجب لذلك من تلك اللحظة- فقال لي: «ارفق بالناس» وكررها ثلاثاً، ثم جلسنا معه على الطعام، وبكل إصرار جلست في مواجهته وما دخل الطعام جوفي، بل ظللت انظر إلى الشيخ وأبكي، حتى بكى الشيخ صفوت لبكائي وهو يقول: «كُلْ يا بني»، فأقول: «أنا أكل وأشرب دعني أنظر إلى وجه هذا الحَبر هذا العالم»).
المراجع:
1) برنامج (أسرة واحدة) من قناة المجد الفضائية.
2) برنامج (صفحات من حياتي) من قناة المجد الفضائية.
3) برنامج (حياة إنسان – الشيخ عبد العزيز بن باز) من قناة المجد الفضائية.
تنبيه: كل هذه البرامج موجودة على اليوتيوب.