الوارث
وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في ثلاثة مواضع كلها بصيغة الجمع ،وهي قوله تعالى :{ وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} [الحجر : 23]،وقوله تعالى :{ وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَى رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْداً وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ }[الأنبياء : 89] ، وقوله تعالى :{ وَكَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَرْيَةٍ بَطِرَتْ مَعِيشَتَهَا فَتِلْكَ مَسَاكِنُهُمْ لَمْ تُسْكَن مِّن بَعْدِهِمْ إِلَّا قَلِيلاً وَكُنَّا نَحْنُ الْوَارِثِينَ} [القصص : 58].
ومعنى ( الوارث) ،أي: الباقي بعد فناء الخلق ، فكل من سواه زائل ،وكل من عداه فانٍ،وهو جل وعلا الحي الذي لا يموت ، الباقي الذي لا يزول ،إليه المرجع والمنتهى ، وإليه المآل والمصير، يُفني المُلّاك وأملاكهم ، ويرث تبارك الخلق أجمعين ، لأنه باقٍ وهم فانون ، ودائم وهم زائلون.
فقوله: { وَإنَّا لَنَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَنَحْنُ الْوَارِثُونَ} أي :نرث الأرض ومن عليها ، بأن نُميت جميعهم فلا يبقى حيٌّ سوانا إذا جاء ذلك الأجل ،إذ الجميع يفنى وكلٌّ يموت ،ويبقى الله وحده الحي الذي لا يموت .
وفي هذا تنبيه لمن ألهته الدنيا وشغلته عما خُلِق لأجله و أوجد لتحقيقه ،أن الدنيا وما فيها من أولها إلى آخرها ستذهب عن أهلها ، ويذهبون عنها ، وسيرث الله عز و جل الأرض ومن عليها ، ويُرجِعهُم إليه فيُجازيهم بما عملوا فيها .
وكان آخر خطبة خطبها عمر بن عبد العزيز أن حمد الله وأثنى عليه،ثم قال : (أما بعد،فإنكم لم تُخلقوا عبثا ،ولن تُتركوا سدى ،وإنّ لكم معادًا ينزل الله فيه للحكم بينكم والفصل بينكم ، فخاب وخسر من خرج من رحمة الله ،وحُرِم جنة عرضها السماوات والأرض، ألم تعلموا أنه لا يأمن غدًا إلا من حذر هذا اليوم وخافه ،وباع نافذً بباقٍ، وقليلا بكثير ،وخوفًا بأمان ،ألا تروا أنكم من أصلاب الهالكين ، وسيكون من بعدكم الباقين حتى تُردّون إلى خير الوارثين؟!.
ثم إنكم في كل يوم تشيِّعون غاديًا ورائحًا إلى الله عز و جل، قد قضى نحبه ،وانقضى أجله ،حتى تغيِّبوه في صدع من الأرض، في بطن صدع غير ممهد ولا موسد، قد فارق الأحباب وباشر التراب، و واجه الحساب، مرتهن بعمله ،غني عمّا ترك،فقير إلى ما قدّم .
فاتقوا الله عباد الله قبل انقضاء مواثيقه ، ونزول الموت بكم ، ثم جعل طرف ردائه على وجهه، فبكى وأبكى من حوله ).رحمة الله عليه .
من مختصر فقه الأسماء الحسنى للشيخ عبد الرزاق البدر.