بسم الله الرحمن الرحيم
هذه قصيدة أنقلها إليكم من كتاب الدكتور عبد الهادي حميتو الأخير الموسوم ب : " حياة الكتاب وأدبيات المحضرة " 2/620-622 ، وهي لمفتي الجزائر الشيخ محمد بن محمد بن علي رحمه الله .
يقول :
الحمد لله رب البيت والحُجُب *** منزِّل الوحي والآيات والكتُب
بدأت نظمي بحمد الله مفتتحا *** كما أتى في افتتاح الذكر والخُطَب
وبالصلاة على الهادي أشرِّفه*** محمد طاهر الأعراق والنسب
الفاضح البدر حُسناً عند طلعته *** الخاتم الفاتح المنعوت في الكتب
قد جاءنا بكتاب الله أنزله *** عليه سبحانه بالمنطق العربي
وكان ينزل جبريل الأمين به *** شيئا فشيئا بحكم الأمر والسبب
فهو الغناء الذي لا فقر يتبعه *** وهو الشفاء لذي ضر وذي وصَب
فقل لمن يعتني بالمال يجمعه *** العلم أفضل من مال ومن نشب
المال يفنى ويبقى العلم صاحبُه *** ما دام حيا رفيع القدر والرُّتب
والعلم صاحبه في راحة أبدا *** والمال صاحبه في الكد والتعب
لازم بني كتاب الله فهو لنا *** أجل من كل موروث ومكتسب
واصرف إلى حفظه الأوقات مجتهدا *** وانهض ولا تشتغل باللهو واللعب
فإن حفظت كتاب الله وانفتقت *** عليك أزهاره ، فانهض إلى الطلب
وحصل النحو إن النحو صاحبُه *** معظم بين أهل الفضل والأدب
من لم يكن عالما بالنحو كان إذا *** حل المجالس معدودا من الخشب
واحفظ لشيخك ما إن عشت حرمته *** واجعله في البر والتوقير مثل أب
قبِّل يديه إذا لقيته أبدا *** فكم أفادك من علم ومن أدب
وكن كريما حليما عاقلا فطنا *** منزه الخُلق عن طيش وعن غضب
وصُن لسانك عن هجو وعن سفه *** ومن مجاورة الأوباش والكذب
واحفظ خصال الرضا عن كل ملتبس *** بها وكن للعلا والمجد ذا طلب
ولا تقل : إن آبائي شرفت بهم *** ليس الفتى من يقول اليوم كان أبي
وكن صبورا على غيظ الحسود فما *** يشان إن وضع الياقوت في اللهب
لا يستوي العٍقد من در ومن ودع *** ولا السبيكة من صُفر ومن ذهب
كذا الطبيعة من خبث ومن كرم *** والحنظل المر لا يقتاس بالرطب
وكن على الصلوات الخمس محتفظا *** فإن تاركها مشف على العطب
حصل فرائضها حفظا ومعرفة *** ولا تضيع لها الأوقات في سبب
عما قليل بحول الله ُتبصر في *** صدر المحافل للتدريس والنُّخب
تكون للجميع في المحراب قدوتهم *** وترتقي منبر الأجداد للخطب
تبدي فصاحة سحبان وتنثرها *** بمنطق رائق أحلى من الضرب
وتكتسي حلل العلم الذي طلعت *** اربابه في دياجي الجهل كالشهب
من فارق العلم حل الذلُّ ساحتَه *** ولم ُيعظَّم ولم يكرم ولم يُهب
كم من صغير يُرى والعلم كبَّره *** مؤيَّد طاهر للعز مكتسب
وكم كبير يُرى والجهل صغَّره *** مُبكَّت خامل في الذل والغَلب
فانظر إلى حكمة الأقدار كيف جرت *** في ذا وذاك لعمري غاية العجب
وبعد يا أيها الأستاذ أنت على *** تهذيب ذا الطفل لا تغفُل ولا تغب
أفده علما وكن فيما تعلمه *** مثل المُشحِّد يبدي رونق الذهب
لا يستوي صغر التعليم مع كبَر *** فاللين في الغصن ليس اللين في الحطب
ولتكسه من جمال الخط بهجته *** حتى يُرى دررا في كل مكتتب
وراع فيه حقوقا أنت تعلمها *** منها الصداقة ثم الرعي للنسب
وأختم القول مني بالصلاة على *** خير البرية من عجم ومن عرب
ما أضحك الروض دمع القطر منهملا *** وغرد الطير في الأدواح والقُضُب