بسم الله الرحمن الرحيمالحمد لله وحده ، والصلاةو السلام على من لا نبي بعده . أما بعد :
تنبيه : سبق أن طرحت هذا الموضوع قديماً في ( ملتقى أهل الحديث ) ، وقد ناقش الموضوع الشيخ عدنان البخاري - وفقه الله - ووعد بتأمل الموضوع والإفادة عن توجيه هذه النقول التي سأوردها في ثنايا هذا الموضوع ، وهذا تذكير له وطلباً لمشاركة المشايخ الفضلاء .
قال ابن رجبٍ – رحمه الله – في فتح الباري ( 5 / 34 ) :
و أنكر أحمد أن يسمى شيءٌ من أفعال الصلاة وأقوالها سنة ، وجعل تقسيم الصلاة إلى سنةٍ وفرضٍ بدعةً ، وقال : كل ما في الصلاة واجبٌ ، وإن كانت الصلاة لا تعادُ بترك بعضها .
وكذلك أنكر مالكٌ تقسيم الصلاة إلى فرضٍ وسنةٍ ، وقال : هو كلامُ الزنادقة . وقد ذكرنا كلامه في موضعٍ آخر .
وكذلك ذكر الآبري في ( مناقب الشافعي ) بإسناده ، عن الواسطي ، قال : سمعت الشافعي يقول : كل أمر الصلاة عندنا فرضٌ .
وقال – أيضاً – قرأت عن ( كذا في المطبوع ) الحسين بن علي ، قال : سئل الشافعي عن فريضة الحج ؟ قال : الحج من أوله إلى آخره فرضٌ ، فمنه ما إن تركه بطل حجه ، فمنه الإحرام ، ومنه الوقوف بعرفات ، ومنه الإفاضة ...
ثم ذكر – رحمه الله – في ( 5 / 342 ) عن حكم الاغتسال للجمعة :
وأما رواية الوجوب ؛ فالوجوب نوعان : وجوب حتمٍ ، ووجوب سنةٍ وفضلٍ .
ثم ذكر بعض كلام الأئمة ، وبين أنهم يقصدون وجوب سنةٍ ؛ ثم قال :
وقد تبين بهذا أنَّ لفظ (( الواجب )) ليس نصاً في الإلزام بالشيء ، والعقاب على تركه ؛ بل قد يراد به ذلك – وهو الأكثر – ، وقد يراد به تأكد الاستحباب والطلب .
وقال ابن رجب - رحمه الله - في جامع العلوم والحكم في شرحه للحديث الثلاثين : ... وأما ما حكي عن أحمد أنه قال كل ما في الصلاة فرض فليس كلامه كذلك إنما نقل عنه ابنه عبدالله أنه قال كل شيء في الصلاة ذكره الله فهو فرض وهذا يعود إلى معنى قوله إنه لا فرض إلا ما في القرآن والذي ذكره الله من أمر الصلاة القيام والقراءة والركوع والسجود وإنما قال أحمد هذا لأن بعض الناس كان يقول الصلاة فرض و الركوع والسجود لا أقول إنه فرض ولكنه سنة وقد سئل مالك بن أنس عمن يقول ذلك فكفره فقيل له إنه يتأول فلعنه فقال لقد قال قولا عظيما وقد نقله أبو بكر النيسابوري في كتاب مناقب مالك من وجوه عنه وقد روى أيضا بإسناده عن عبدالله بن عمرو بن ميمون بن الرماح قال دخلت على مالك بن أنس فقلت يا أبا عبدالله ما في الصلاة من فريضة وما فيها من سنة أو قال نافلة فقال مالك كلام الزنادقة أخرجوه ونقل إسحاق بن منصور عن إسحاق بن راهوية أنه أنكر تقسيم أجزاء الصلاة إلى سنة وواجب فقال كل ما في الصلاة فهو واجب وأشار إلى أن منه ما تعاد الصلاة بتركه ومنه ما لا تعاد وسبب هذا والله أعلم أن التعبير بلفظ السنة قد يفضي إلى التهاون بفعل ذلك وإلي الزهد فيه وتركه وهذا خلاف مقصود الشارع من الحث عليه والترغيب فيه بالطرق المؤدية إلى فعله وتحصيله فإطلاق لفظ الواجب أدعى إلى الإتيان به والرغبة فيه وقد ورد إطلاق الواجب في كلام الشارع على ما لا يأثم بتركه ولا يعاقب عليه عند الأكثرين كغسل الجمعة وكذلك ليلة النصف عند كثير من العلماء أو أكثرهم وإنما المراد به المبالغة في الحث على فعله وتأكيده .
قمت بنسخ هذا الموضع من نسخة مكتبة المشكاة ( 319 - 320 ) .
سئل إسحاق : عن الواجب في الصلاة عندكم ، وعن ما لا بدَّ منه ؟
فقال : وأما ما سألت عن الواجب في الصلاة أيها هي ؟ فإن الصلاة كلَّها من أولها إلى آخرها واجبة ، والذين يقولون للناس في الصلاة سنة ، وفيها فريضة خطأ من المتكلم ... ولكن لا يجوز لأحدٍ أن يجعل الصلاة أجزاءً مجزأةً ، فيقول : فريضته كذا ، سنته كذا ؛ فإن ذلك بدعة .
مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه ، رواية الكوسج ( 189 ط دار الهجرة ) .
قال الشيخ علي القاري في مرقاة المفاتيح ( 5 / 281 ) : ... دعواه – أي : ابن حجر – أن الإحرام من الأركان إجماعاً ، فإن كان يريد إجماع السلف من الصحابة والتابعين فلم ينقل عنهم التصريح بذلك ؛ بل ولم يكن من دأبهم تبيين الركن من الشرط ونحوهما هناك ... .
قال البخاري - رحمه الله - في صحيحه
395 - حَدَّثَنَا الْحُمَيْدِىُّ قَالَ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ قَالَ حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ دِينَارٍ قَالَ سَأَلْنَا ابْنَ عُمَرَ عَنْ رَجُلٍ طَافَ بِالْبَيْتِ الْعُمْرَةَ ، وَلَمْ يَطُفْ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، أَيَأْتِى امْرَأَتَهُ فَقَالَ قَدِمَ النَّبِىُّ فَطَافَ بِالْبَيْتِ سَبْعاً ، وَصَلَّى خَلْفَ الْمَقَامِ رَكْعَتَيْنِ ، وَطَافَ بَيْنَ الصَّفَا وَالْمَرْوَةِ ، وَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِى رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في شرح الأربعين النووية ( 138 ) : لا ينبغي للإنسان إذا سمع أمر الرسول – صلى الله عليه وسلم – أن يقول : هل هو واجبٌ أم مستحب ؟ لقوله : " فأتوا منه ما استطعتم " ولا تستفصل ، فأنت عبدٌ منقادٌ لأمر الله – عز وجل – ورسوله – صلى الله عليه وسلم – .
لكن إذا وقع العبد وخالف ، فله أن يستفصل في أمره ، لأنه إذا كان واجباً فإنه يجب عليه التوبة ، وإذا كان غير واجب فالتوبة ليس واجبة .
قال الشيخ محمد بن صالح العثيمين – رحمه الله – في أحكام القرآن ( 2 / 370 ط . الوطن ) :
ومن الحكمة في إخبار الله – تبارك وتعالى – عن الرسول – صلى الله عليه وسلم – والمؤمنين أنهم قالوا : سمعنا وأطعنا ، أن يكون لنا في ذلك أسوة ، فنقول : سمعنا وأطعنا ، وهذا باعتبار الأوامر والنواهي .... والإنسان إذا مشى على هذا المنهج وهذه الطريقة سَلِمَ من إشكالات كثيرة ، ومن شكوك كثيرة ، وصار عبداً حقاً .
وإنني بهذه المناسبة أنبه – أيضاً – على شيءٍ يفعله بعض الناس إذا ورد أمرٌ بشيءٍ ، تجد بعض الناس يقول : هل الأمر للاستحباب أو للوجوب ؟
يا أخي ! لا تقل هكذا . قل : سمعنا وأطعنا ، إن كان للوجوب فقد أثابك الله عليه ثواب الواجب ، وإن كان للاستحباب أثابك الله عليه ثواب المستحب ، لكن تسليمك لهذا الشيء ، وفعلك إياه دون أن تشعر بأنه واجب أو مستحب ، هذا أعلى المقامات ،
وكذلك إذا ورد النهي يقول : هل هو للكراهة أو للتحريم ؟ لا تسأل يا أخي ! اترك . إذا نهيت . أُترك .
ولهذا لا أعلم أنَّ الصحابة – رضي الله عنهم – كانوا يقولون إذا أَمَر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – بأمرٍ : يا رسول الله ، هل هو مستحب أو واجب ؟ وإذا نهى عن شيءٍ يقولون : هل هو مكروهٌ أو حرام ؟ ما عَلِمْتُ هذا .. نعم إذا دار الأمر بين أن يكون هذا الأمر للمشورة أو لإرشاد أو لطلب الفعل . سألوا الرسول – صلى الله عليه وسلم – كما جاء ذلك في قصة بريرة ( وذكر الشيخ القصة ، ومحل الشاهد أنها سألت الرسول – عليه الصلاة والسلام – : إن كنت تأمرني فسمعاً وطاعة ، وإن كنت تُشير عليَّ فلا حاجة لي فيه ... ) وما كانوا يسألون : أتريدُ الوجوب يا رسول الله أو تريد الاستحباب أبداً .
فمن تمام الانقياد والذل لله – عز وجل – إذا سمعتَ أمراً أن تفعله . نعم . إذا تورط الإنسان في الشيء ، أي في المخالفة ، حينئذٍ يسأل : هل هو للوجوب ، فيحتاج إلى توبة ؟ أو للاستحباب ، فالأمر فيه سعة ؟
وأما قبل التورط ، فيا أخي أنت مؤمن .. أنت ذليل .. أنت عبد .. إنك لو أمرتَ ولدك بشيءٍ وردَّ عليك وقال : يا أبتِ أنت مصرٌّ أم لا ؟! لرأيت هذا سوءَ أدبٍ ، فكيف بأوامر الخالق ؟!
وله كلام قريبٌ من هذا في شرح رياض الصالحين ، لعلي أنشط فيما بعد فأنقله تتميماً للفائدة .
وهذا وإن لم يكن في صميم الموضوع ، لكن له إيحاءاته التي قد توضح المراد من كلام السلف السابق .