الطريق الى معرفة الإنسان عيوب نفسه ؟؟
قال بعض العلماء في بيان الطريق الذي يعرف به الإنسان عيوب نفسه
اعلم أن الله عز وجل إذا أراد بعبد خيراً بصره بعيوب نفسه فمن كانت بصيرته نافذة لم تخف عليه عيوبه فإذا عرف العيوب أمكنه العلاج ولكن أكثر الخلق جاهلون بعيوب أنفسهم يرى أحدهم القذى في عين أخيه ولا يرى الجذع في عين نفسه.
فمن أراد أن يعرف عيوب نفسه فله أربعة طرق:
الأول: أن يجلس بين يدي شيخ بصير بعيوب النفس مطلع على خفايا الآفات ويحكمه في نفسه ويتبع إشارته في مجاهدته. وهذا شأن التلميذ مع أستاذه فيعرفه أستاذه وشيخه عيوب نفسه ويعرفه طريق علاجه. وهذا قد عز في الزمان وجوده.
الثاني: أن يطلب صديقاً صدوقاً بصيراً متديناً فينصبه رقيباً على نفسه ليلاحظ أحوالها وأفعاله فما كره من أخلاقه وأفعاله وعيوبه الباطنة الظاهرة ينبهه عليه.فهكذا كان يفعل كان عمر رضي الله عنه يقول: رحم الله امرأ أهدى إلى عيوبي.
وكان يسأل سلمان عن عيوبه فلما قدم عليه قال له: ما الذي بلغك عني مما تكرهه فاستعفى فألح عليه فقال: بلغني أنك جمعت بين إدامين على مائدة وأن لك حلتين حلة بالنهار وحلة بالليل قال: وهل بلغك غير هذا قال: لا فقال: أما هذان فقد كفيتهما.
وكان يسأل حذيفة ويقول له أنت صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنافقين فهل ترى علي شيئاً من آثار النفاق فهو على جلالة قدره وعلو منصبه هكذا كانت تهمته لنفسه رضي الله عنه!. فكل من كان أوفر عقلاً وأعلى منصباً كان أقل إعجاباً وأعظم إتهاماً لنفسه إلا أن هذا أيضاً قد عز في الأصدقاء من يترك المداهنة فيخبر بالعيب أو يترك الحسد فلا يزيد على قدر الواجب.
فلا تخلو في أصدقائك عن حسود أو صاحب غرض يرى ما ليس بعيب عيباً أو عن مداهن يخفي عنك بعض عيوبك.
ولهذا كان داود الطائي قد اعتزل الناس فقيل له: لم لا تخالط الناس فقال: وماذا أصنع بأقوام يخفون عني عيوبي فكانت شهوة ذوي الدين أن يتنبهوا لعيوبهم بتنبيه غيرهم وقد آل الأمر في أمثالنا إلى أن أبغض الخلق إلينا من ينصحنا ويعرفنا عيوبنا.
ويكاد هذا أن يكون مفصحاً عن ضعف الإيمان فإن الأخلاق السيئة حيات وعقارب لداغة فلو نبهنا منبه على أن تحت ثوبنا عقرباً لتقلدنا منه منة وفرحنا به واشتغلنا بإزالة العقرب وإبعادها وقتلها وإنما نكايتها على البدن ويدوم ألمها يوماً فما دونه ونكاية الأخلاق الرديئة على صميم القلب أخشى أن تدوم بعد الموت أبداً وآلافاً من السنين.
ثم إنا لا نفرح بمن ينبهنا عليها ولا نشتغل بإزالتها بل نشتغل بمقابلة الناصح بمثل مقالته
فنقول له: وأنت أيضاً تصنع كيت وكيت وتشغلنا العداوة معه عن الانتفاع بنصحه ويشبه أن يكون ذلك من قساوة القلب التي أثمرتها كثرة الذنوب.
وأصل كل ذلك ضعف الإيمان.
الطريق الثالث: أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه فإن عين السخط تبدي المساويا.
ولعل انتفاع الإنسان بعدو مشاحن يذكره عيوبه أكثر من انتفاعه بصديق مداهن يثني عليه ويمدحه ويخفي عنه عيوبه إلا أن الطبع مجبول على تكذيب العدو وحمل ما يقوله على الحسد ولكن البصير لا يخلو عن الانتفاع بقول أعدائه فإن مساويه لا بد وأن تنتشر على ألسنتهم.
الطريق الرابع: أن يخالط الناس فكل ما رآه مذموماً فيما بين الخلق فليطالب نفسه به وينسبها إليه فإن المؤمن مرآة المؤمن فيرى من عيوب غيره عيوب نفسه ويعلم أن الطباع متقاربة في اتباع الهوى. فما يتصف به واحد من الأقران لا ينفك القرن الآخر عن أصله أو عن أعظم منه أو عن شيء منه فليتفقد نفسه ويطهرها من كل ما يذمه من غيره وناهيك بهذا تأديباً فلو ترك الناس
كلهم ما يكرهونه من غيرهم لاستغنوا عن المؤدب. فنسأل الله عز وجل أن يلهمنا رشدنا ويبصرنا بعيوبنا ويشغلنا بمداواتها ويوفقنا للقيام بشكر من يطلعنا على مساوينا بمنه وفضله.