(مَنْ طَلَبَ الْعِلْمَ وَالْحَدِيثَ فَلَا ... يَضْجَرْ مِنْ خَمْسَةٍ يُقَاسِيهَا)
(دَرَاهِمٌ لِلْعُلُومِ يَجْمَعُهَا ... وَعِنْدَ نَشْرِ الْحَدِيثِ يُفْنِيهَا)
(يُضْجِرُهُ الضَّرْبُ فِي دَفَاتِرِهِ ... وَكَثْرَةُ اللَّحْقِ فِي حَوَاشِيهَا)
(يَغْسِلُ أَثْوَابَهُ وَبَزَّتَهُ ... مِنْ أَثَرِ الحبر لَيْسَ ينقبها)

أقول هذه الأبيات لا أعتقد أنها تصح نسبتها للإمام أحمد رحمه الله.. بل واقعاً جزماً أنها ليست له رضي الله عنه؛ وفيها من العلل ما يلي:
1) تفرد القاضي عياض بذكرها دون غيره من العلماء؛ وخاصة الحنابلة منهم والذين تتبعوا حال إمامهم وحياته وترجموا له وألفوا في الكلام عن أحواله وفضائله ومحنته وغير ذلك.. فلم يذكر أحد منهم هذه الأبيات على أنها من شعره رحمه الله تعالى؛ بل لم يورد واحداً منهم هذه الأبيات في مصنفٍ من مصنفاته.. ولا أعتقد ان مثل هذا يخفى على مثل هؤلاء الأجلاء الجهابذة العارفين الناقدين المبصرين!!
2) أنها لم ترو إلا من طريق المجهول الغير معروف (عبد السلام بن بندار القروي) ومثل هذا لا يقبل تفرده في أمرٍ لا يكاد يعرف عن الشخص الذي تفرد بخبره.. وسيأتي.
وقد وجدت عند ابن بشكوال ترجمة لشخصٍ قريبٍ من هذا؛ فالله أعلم هل هو هو أم غيره؛ وأنه حصل تصحيف في الاسم!! فقد قال ابن بشكوال:
(عبد السلام بن مسافر القروي: نزل المرية وكتب بها عن شيوخها. وكان معتنيا بالآثار. وتوفي سنة إحدى وثمانين وأربعمائة ذكره ابن مدير).
وسواءٌ هو أم غيره فيبقى الرجل مجهول الحال لا يعرف أمره ولا يقبل تفرده بأمر لم يعهد ممن تفرد بنقل خبره. فتأمل
3) الانقطاع بين الشريف أبو علي الهاشمي وبين الإمام أحمد؛ وهذا بحد ذاته مما يضعف أن تكون هذه الأبيات مما قالها الإمام أحمد رحمه الله.
4) عدم معرفة أن الإمام أحمد رحمه الله ممن يقرض الشعر؛ ولو قليل منه.. فلم ينقل عنه من مثل هذا الأمر رحمه الله شيئا.. وهذا بحد ذاته يعطينا غرابةً ونكارةً في نسب هذه الأبيات للإمام أحمد رضي الله عنه ورحمه. فتأمل
5) أن الإمام العلامة العراقي لما أن أورد هذه الأبيات في كتابه شرح التبصرة شكك فيها رحمه الله وكأنه استغرب ورودها من الإمام أحمد؛ فقال في تصديره لها: (وقد وقعَ في شِعْرٍ نُسِبَ لأَحمدَ بنِ حنبلٍ).. وهذا أمرٌ لا يستهان به من قبل إمام ناقد بصير.

مما علقته من فوائد أثناء مطالعتي لثبت العلامة الأهدل (النفس اليماني)