بسم الله الرحمن الرحيم
يا أهل السعودية من أين جاءكم هذا الخير ؟
الحمد لله الواحد الأحد الصمد الفرد والصلاة والسلام على نبينا القائل " إنما أنا عبد " وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان الأحياء منهم ومن في اللحد .. أما بعد :
من فضل الله جل في علاه على أهل هذه البلاد السعودية, أن تُحكم بالأصلين اللذين بنيا عليهما دين الإسلام , وهما : أن يُعبد الله وحده لا يُشرك به شيئًا, وأن لا يُعبد سبحانه إلا بما شرعه على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم, وهذان الأصلان هما تفسير معنى شهادة أن لا آله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله.
فنعمتا التوحيد وانتشار مظاهره والتمكين للسنة ولعلمائها من أهل العقيدة السلفية الصافية ظاهرتان في هذه البلاد, والعاقل من أهل هذه البلاد أو ممن يعيش فيها من أهل الإسلام يشعر بآثار ذلك, وأهمه غياب مظاهر الشرك والبدع والخرافات من تعظيم للأضرحة وتشييد للمشاهد والمزارات, أو التمكين للأحزاب والجماعات البدعية مما هو موجود في غيرها من بلاد الإسلام والتي تعيش في خوف وبؤس وضيق ذات اليد ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فتذكر رحمك الله بأن التمسك بهذين الأصلين هما السبب الرئيس في حصول الأمن والآمان للأنفس, والسعة في الأموال والكثرة في الثمرات, قال تعالى { وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا } وقال تعالى { وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم } وقال جل وعز { وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَن َّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنّ َ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنّ َهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ } يقول ابن عاشور رحمه الله : أي وعدتُّهم هذا الوعد الشامل لهم والباقي في خلفهم لأنهم يعبدونني عبادة خالصة عن الإشراك, وعبر بالمضارع لإفادة استمرارهم على ذلك... وجملة : ( لا يشركون بي شيئًا ) تقييدًا للعبادة بهذه الحالة لأن المشركين قد يعبدون الله ولكنهم يشركون معه غيره . انتهى التحرير والتنوير
وهذا هو حال البلاد السعودية أعزها الله بالدين القويم, فمنذ قيامها بهذه الدعوة المباركة دعوة التوحيد والخلوص من الشرك, ونبذ البدع والخرافات, والتمسك بطريقة السلف الصالح في العقيدة والعبادة, فتح الله عليها بركات من السماء والأرض, وبقي هذا الخير في أهلها جيلًا بعد جيل, والناس من حولهم في حال غير هذه الحال ولله الأمر من قبل ومن بعد قال تعالى { أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِل ِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ }.
والمطّلع على حال الجزيرة قبل دعوة التوحيد التي قام بها الإمامان محمد بن سعود ومحمد بن عبد الوهاب رحمهما الله, يعلم بأنها كانت في غاية الجهل والفقر والبؤس والتخلف في أمور الدين والدنيا, حتى منّ الله على أهل هذه البلاد بهذه الدعوة المباركة, يقول المؤرخ ابن بشر رحمه الله : " ولقد رأيت الدرعية بعد ذلك في زمن سعود رحمه الله, وما فيه أهلها من الأموال وكثرة الرجال والسلاح المحلى بالذهب والفضة الذي لا يوجد مثله, والخيل والجياد والنجايب العمانيات, والملابس الفاخرة, وغير ذلك من الرفاهيات, ما يعجز عن عدة اللسان ".انتهى من عنوان المجد
يقول العلامة ابن سعدي رحمه الله :
* ومن فضائل التوحيد : أن الله تكفل لأهله بالفتح والنصر في الدنيا والعز والشرف وحصول الهداية والتيسير لليسرى وإصلاح الأحوال والتسديد في الأقوال والأفعال.
* ومنها : أن الله يدافع عن الموحدين أهل الإيمان شرور الدنيا والآخرة ، ويمن عليهم بالحياة الطيبة والطمأنينة إليه والطمأنينة بذكره ، وشواهد هذه الجمل من الكتاب والسنة كثيرة معروفة والله أعلم . انتهى من القول السديد
فالواجب على من يعيش في هذه البلاد المباركة أن لا يرضى بديلًا عن دعوة التوحيد القائمة والتمسك بنهج السلف الصالح الذي يسير عليه علماء هذه الأرض الطيبة, ففيهما ضمان التنعم بالحياة السعيدة في الدنيا والآخرة, وفي ضدهما من الدعوات الفاسدة كالتعددية والحزبية والديمقراطية والليبرالية كل شر وبلاء وخوف ونقص.
قال تعالى { أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ } وقال جل وعز { أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُواْ نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّواْ قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ} وقال سبحانه { وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّتِي نَقَضَتْ غَزْلَهَا مِن بَعْدِ قُوَّةٍ أَنكَاثًا } وقال جل وعز { وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لا يَكُونُوا أَمْثَالَكُمْ } وقال تعالى{ وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ إِن يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَيَسْتَخْلِفْ مِن بَعْدِكُم مَّا يَشَاء كَمَآ أَنشَأَكُم مِّن ذُرِّيَّةِ قَوْمٍ آخَرِينَ * إِنَّ مَا تُوعَدُونَ لآتٍ وَمَا أَنتُم بِمُعْجِزِينَ } .
ومن أكثر من يعرف هذه الحقيقة الواقعة والثابتة شرعًا وعقلًا, وهو من توفيق الله جل وعز لهم, هم ملوك هذه البلاد المباركة فيقول الملك خالد بن عبد العزيز رحمه الله في شفافية تامة في إحدى خطبه : " إن مما ينبغي التحدث به وذكره : ما أسبغه الله علينا من نعمة الأمن والطمأنينة, ورغد العيش, مع النظر فيما نحن فيه من تقصير وتهاون, إننا إذا نظرنا إلى أحوال غيرنا من البلاد الأخرى, نرى القتل والسلب والنهب, والحروب الطاحنة التي لا تبقي ولا تذر, وتوالي الكوارث والنكبات, نسأل الله السلامة, ومع هذا نرى من ينسب ذلك إلى ظواهر كونية, وسنن طبيعية, من غير اكتراث ولا اعتبار, بل مع غفلة عن الله وحلمه وغضبه, وأنه إذا أخذ الظالم لم يفلته { وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ * إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ } وكيف للمسلم أن يظن هذا الظن, وهو يسمع آيات الله تتلى عليه { وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ } ويقول سبحانه { أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُواْ السَّيِّئَاتِ أَن يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لاَ يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُم بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرؤُوفٌ رَّحِيمٌ }. انتهى من الخطب الملكية
فرحم الله كل من سار على هذا المنهج القويم, وقيض الله من هذه الذرية من يقوم بما قام به سلفهم الصالح من حمل لواء هذه الدعوة المباركة وحمايتها ومعرفة قدر أهلها من أهل العلم والفضل, وقد سبق الكتاب بأن ذلك لا يقوم به إلا من صلح من ذرياتهم قال تعالى {وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ} فالظالمون من ذرية أبي الأنبياء عليهم السلام حُرِموا هذا العهد, فكيف بمن دونه من ملوك بني آدم { إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً لأُوْلِي الأَبْصَارِ }!!!
فاللهم يا حي يا قيوم أصلح الحاكم والمحكوم في هذه البلاد خاصة وفي سائر بلاد المسلمين بعامة وصل على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم والحمد لله كثيرًا.
أبو طارق علي بن عمر النهدي
17 ربيع ثاني 1432 للهجرة