للفائدة :
يقول الدكتور مكي الحسني :
" 142- المثابة، بمثابة :
كنت أوردتُ في الفقرة 65 استعمالات عصريةً لكلمة (المثابة) بمعنى (مَكانة، مَنْزِلة) واعترضتُ عليها استناداً إلى معنى هذه الكلمة الذي أورده (المعجم الوسيط).
وقد تبيّن لي أني لست أول المعترضين، إذ سبقني:
1- عبّاس أبو السعود في كتابه (أزاهير الفصحى).
2- محمد العدناني في (معجم الأخطاء الشائعة).
3- صلاح الدين الزعبلاوي في كلمة نشرتها جريدة (الثورة) الدمشقية بتاريخ 2/10/1983.
وسبب الانتقاد لدى الجميع، هو أن المعاني المعجمية لا تُسَوِّغ الاستعمال المعتَرَض عليه.
والحقيقة التي لا شكّ فيها- كما جاء في مقدمة الجزء الأول من (المعجم الكبير) الذي يُصْدره مَجْمع اللغة العربية بالقاهرة- هي أن (العربية ليست مقصورةً على ما جاء في المعجمات وحدها، بل لها مَظَانُّ أخرى يجب تَتَبُّعُها والأخذ عنها، وفي مقدمتها كتب الأدب والعلم.)
وبالفعل وقفتُ في أثناء مطالعاتي لبعض ما قاله أو كتبه عددٌ من البلغاء والفصحاء، على استعمال كلمة (المثابة) بِمَعَانٍ، منها ما لم يَرِد في المعاجم، وهذا ما يُوجِب إدخال المعاني غير المعجمية في المعاجم الحديثة.
· جاء في (المعجم الكبير): "المثابة: مجتمع الناس، الملجأ، المَرجِع، المنْزل، موضع حِبالة الصائد، الجزاء." ( للطاعة، أي المَثُوبة = الثواب).
وجاء فيه: "مثابة البئر: مبلغ جُمُوم مائها"، أي: منتهى تَجَمُّع مائها.
وفي التنْزيل العزيز: ?وإذ جعلنا البيت مثابةً للناس وأَمْناً? أي: مَرجعاً يثوبون إليه من كل جانب، كما جاء في (تفسير الجلالين).
وجاء في (لسان العرب /جمم): "وفي حديث عائشة: بلغها أن الأحنف قال شِعراً يلومها فيه فقالت: سبحان الله، لقد استفرغَ حِلْمَ الأحنف هجاؤُه إيّاي، أَلِيَ كان يَسْتجِمُّ مثابةَ سَفَهِه؟ أرادت أنه كان حليماً عن الناس، فلما صار إليها سَفِهَ، فكأنه كان يُجِمُّ سَفَهَه لها، أي يُريحُه ويجمعه."
أقول: أَجَمَّ الماءَ ونحوه يُجِمُّهُ: تركه يتجمّع. فالمعنى: أَلِيَ كان يترك سَفَهَهُ يتجمّع حتى صار مُجْتَمَعُهُ (مثابتُه) هذا الهجاء؟
ومن المعلوم أن الأحنف بن قيس اشتهر بالحلم، وأن كلام أم المؤمنين قيل في القرن الهجري الأول!
· وجاء في رسالة (ألفاظ الشمول والعموم) للمرزوقي (توفي 421 هـ)، وهي منشورة في كتاب: (رسائل ونصوص في اللغة والأدب والتاريخ) بتحقيق د. إبراهيم السامرائي، مكتبة المنارة، الزرقاء، الأردن، في الصفحة 130:
"... بدلالة أن قوله تعالى: ?السارق والسارقة فاقطعوا أَيديهما? بمثابة قوله لو قال: من سرق فاقطعوا يَدَه."
وجاء في كتاب (دلائل الإعجاز) للإمام عبد القاهر الجرجاني (471 هـ) في مبحث (مواضع التقديم والتأخير):
- في الصفحة 121: "فإذا قلتَ: (أَزَيْداً تَضرب؟) كنت قد أنكرت أن يكون (زيد) بمثابة أن يُضرب، أو بموضع أن يُجْترأ عليه ويُسْتجازَ ذلك فيه."
- وفي الصفحة نفسها: "...جَعَله كأنه قد ظن أن طنين الذباب بمثابة ما يَضِيْر."
- وفي الصفحة 125: "...فلو قلتَ... كان في التناقض بِمنْزلة أن تقول..."
- وفي الصفحة 118: "... ألا ترى أنّ من المُحال أن تزعم أنّ المعنى في قول الرجل لصاحبه: (أتخرجُ في هذا الوقت؟)... أنه أنكر أن يكون بمثابة من يفعل ذلك، وبموضع مَن يجيء منه ذاك..."
نلاحظ أن إمام البلاغة يستعمل (بمثابة) بمعنى: بموضع، بمنْزلة، بمكانة، بمرتبة.
· وجاء في كُتيِّب (تاج العروس، الحاوي لتهذيب النفوس) لابن عطاء السكندري (709 هـ)، في الصفحة 53: "فالقلب بمثابة العين..."
وفي الصفحة 54: "فالقلب بمثابة السقف، فإذا أُوقِد في البيت نار صعِد الدخان إلى السقف فَسَوَّده، فكذلك دخان الشهوة إذا نبت في البدن صعِد دخانه إلى القلب فَسَوَّده."
· وجاء في (البحر المحيط) لأبي حيّان النحْوي (745 هـ)، في الصفحة 112"... والحجة له وعليه مذكورة في علم النحو؛ وما كان بهذه المثابة- ممنوعاً عند بعضهم، عزيزاً حذفُه عند الجمهور- ينبغي ألاّ يُحمل عليه كلام الله تعالى."
· وجاء في كتاب (بدائع الفوائد) لابن قَيِّم الجوزيّة (751 هـ)، في الصفحة 673:
"...وما هذا ]الإنسان[ إلا بمثابة مَن بيْن زَرْعِه وبين الماء ثلمة يدخل منها الماء..."
يستبين بالشواهد المذكورة أن كلمة (مثابة، بمثابة) استُعملت في اللغة الفصحى بمعنى: المرجع، المنزلة، المكانة، المرتبة، كاف التشبيه...
ن ما سبق لا يعني أن جميع ما اعترضتُ عليه في الفقرة 65 مقبول؛ ويتحقق القارئُ صحةَ هذه النتيجة إذا أعاد النظر في تلك الفقرة.
"
( نحو إتقان الكتابة بالعربية )