بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين
تابعتُ تعليقات العلماء المتباينة حول ثورة مصر من بين مؤيد ومعارض ومتخوف ، ولا أخفيكم سرا ، لقد غضبتُ ممن لم يُقر المصريين في ثورتهم ، والغضب إذا تملك لم يفلت من قبضته بشر كما تملك من سيدنا موسى عليه السلام فدفعه إلى إلقاء الألواح ولم يأخذ الألواح إلا بعد أن سكت الغضب عنه ولَمَّا سَكَتَ عَن مُّوسَى الْغَضَبُ أَخَذَ الأَلْوَاحَ
وبعد أن سكت الغضب عدت إلى أدراجي ، ودعوت ربي أن يغفر لي ، ثم شرعت أتأمل وجهة النظر المخالفة لما رأيته صوابا .
ومن الأدلة التي استرعتني ذلك الحديث
حَدَّثَنِى مُحَمَّدُ بْنُ سَهْلِ بْنِ عَسْكَرٍ التَّمِيمِىُّ حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَسَّانَ ح وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الدَّارِمِىُّ أَخْبَرَنَا يَحْيَى - وَهُوَ ابْنُ حَسَّانَ - حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ - يَعْنِى ابْنَ سَلاَّمٍ - حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ سَلاَّمٍ عَنْ أَبِى سَلاَّمٍ قَالَ قَالَ حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا بِشَرٍّ فَجَاءَ اللَّهُ بِخَيْرٍ فَنَحْنُ فِيهِ فَهَلْ مِنْ وَرَاءِ هَذَا الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ نَعَمْ. قُلْتُ هَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الشَّرِّ خَيْرٌ قَالَ « نَعَمْ ». قُلْتُ فَهَلْ وَرَاءَ ذَلِكَ الْخَيْرِ شَرٌّ قَالَ « نَعَمْ ». قُلْتُ كَيْفَ قَالَ « يَكُونُ بَعْدِى أَئِمَّةٌ لاَ يَهْتَدُونَ بِهُدَاىَ وَلاَ يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِى وَسَيَقُومُ فِيهِمْ رِجَالٌ قُلُوبُهُمْ قُلُوبُ الشَّيَاطِينِ فِى جُثْمَانِ إِنْسٍ ». قَالَ قُلْتُ كَيْفَ أَصْنَعُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنْ أَدْرَكْتُ ذَلِكَ قَالَ « تَسْمَعُ وَتُطِيعُ لِلأَمِيرِ وَإِنْ ضُرِبَ ظَهْرُكَ وَأُخِذَ مَالُكَ فَاسْمَعْ وَأَطِعْ ».
والحديث بهذه الرواية مرسل كما ذكر علماء الحديث فلست باحثا في علم الحديث ولكن دعونا نتأمل هذا الحديث ، الحديث يخبر عن أمور مستقلية يسأل عنها الصحابي حذيفة بن اليمان ، والقول بأننا أدركنا ذلك الزمن يحتمل الأخذ والرد ، فالحكم في الحديث قاصر على هذه الفترة الزمنية ، فهذا الحكم لا يجوز تعميمه لما يلي :-
1- هناك نصوص صحيحة ثابتة تدل على وجوب عصيان الأمير إذا أمر بمعصية منها:-
عَنْ عَلِىٍّ قَالَ بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- سَرِيَّةً وَاسْتَعْمَلَ عَلَيْهِمْ رَجُلاً مِنَ الأَنْصَارِ وَأَمَرَهُمْ أَنْ يَسْمَعُوا لَهُ وَيُطِيعُوا فَأَغْضَبُوهُ فِى شَىْءٍ فَقَالَ اجْمَعُوا لِى حَطَبًا. فَجَمَعُوا لَهُ ثُمَّ قَالَ أَوْقِدُوا نَارًا. فَأَوْقَدُوا ثُمَّ قَالَ أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَنْ تَسْمَعُوا لِى وَتُطِيعُوا قَالُوا بَلَى. قَالَ فَادْخُلُوهَا. قَالَ فَنَظَرَ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ فَقَالُوا إِنَّمَا فَرَرْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- مِنَ النَّارِ. فَكَانُوا كَذَلِكَ وَسَكَنَ غَضَبُهُ وَطُفِئَتِ النَّارُ فَلَمَّا رَجَعُوا ذَكَرُوا ذَلِكَ لِلنَّبِىِّ -صلى الله عليه وسلم- فَقَالَ « لَوْ دَخَلُوهَا مَا خَرَجُوا مِنْهَا إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِى الْمَعْرُوفِ ».
فطاعة الأمير لا تجب إلا في المعروف
2- الحث على الدفاع عن المال
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ حَدَّثَنَا سَعِيدٌ - هُوَ ابْنُ أَبِى أَيُّوبَ - قَالَ حَدَّثَنِى أَبُو الأَسْوَدِ عَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو - رضى الله عنهما - قَالَ سَمِعْتُ النَّبِىَّ - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ « مَنْ قُتِلَ دُونَ مَالِهِ فَهُوَ شَهِيدٌ » .
3- دفاع عبد الله بن عمرو عن أرضه
باب الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره بغير حق
حدثني الحسن بن علي الحلواني ، وإسحاق بن منصور ، ومحمد بن رافع - وألفاظهم متقاربة - قال إسحاق : أخبرنا ، وقال الآخران : حدثنا عبد الرزاق ، أخبرنا ابن جريج ، قال : أخبرني سليمان الأحول أن ثابتا مولى عمر بن عبد الرحمن ، أخبره ، أنه لما كان بين عبد الله بن عمرو وبين عنبسة بن أبي سفيان ما كان تيسروا للقتال ، فركب خالد بن العاص إلى عبد الله بن عمرو فوعظه خالد ، فقال عبد الله بن عمرو : أما علمت أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : " من قتل دون ماله فهو شهيد " .
وبعد سوق هذه الأدلة ، أقول إن الإسلام دين العدل يرفض الظلم بكل صوره ، ولا يعقل أن يدعو الإسلام إلى ترك الحاكم على هواه يظلم ويسرق ويجلد وعلينا أن نصبر ، لا أعتقد ذلك ، وما جاء في حديث حذيفة هو حالة خاصة في زمن محدد ، وفي رواية في مسند أحمد أن بعد ذلك يخرج الدجال « ..... ثُمَّ تَنْشَأُ دُعَاةُ الضَّلاَلَةِ فَإِنْ كَانَ لِلَّهِ يَوْمَئِذٍ فِى الأَرْضِ خَلِيفَةٌ جَلَدَ ظَهْرَكَ وَأَخَذَ مَالَكَ فَالْزَمْهُ وَإِلاَّ فَمُتْ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلِ شَجَرَةٍ ». قَالَ قُلْتُ ثُمَّ مَاذَا قَالَ ثُمَّ يَخْرُجُ الدَّجَّالُ .
ومما يؤكد ذلك فلقد روى البخاري حديث حذيفة في باب الفتن وترجم له (باب كَيْفَ الأَمْرُ إِذَا لَمْ تَكُنْ جَمَاعَةٌ ) وهذا يدل على فقه البخاري لهذا الحديث
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنَا ابْنُ جَابِرٍ حَدَّثَنِى بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ الْحَضْرَمِىُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا إِدْرِيسَ الْخَوْلاَنِىَّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ كَانَ النَّاسُ يَسْأَلُونَ رَسُولَ اللَّهِ - صلى الله عليه وسلم - عَنِ الْخَيْرِ ، وَكُنْتُ أَسْأَلُهُ عَنِ الشَّرِّ ، مَخَافَةَ أَنْ يُدْرِكَنِى فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا كُنَّا فِى جَاهِلِيَّةٍ وَشَرٍّ فَجَاءَنَا اللَّهُ بِهَذَا الْخَيْرِ ، فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ « نَعَمْ » . قُلْتُ وَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الشَّرِّ مِنْ خَيْرٍ قَالَ « نَعَمْ ، وَفِيهِ دَخَنٌ » . قُلْتُ وَمَا دَخَنُهُ قَالَ « قَوْمٌ يَهْدُونَ بِغَيْرِ هَدْىٍ ، تَعْرِفُ مِنْهُمْ وَتُنْكِرُ » . قُلْتُ فَهَلْ بَعْدَ ذَلِكَ الْخَيْرِ مِنْ شَرٍّ قَالَ « نَعَمْ ، دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ ، مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا قَذَفُوهُ فِيهَا » . قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ صِفْهُمْ لَنَا . قَالَ « هُمْ مِنْ جِلْدَتِنَا ، وَيَتَكَلَّمُون َ بِأَلْسِنَتِنَا » . قُلْتُ فَمَا تَأْمُرُنِى إِنْ أَدْرَكَنِى ذَلِكَ قَالَ « تَلْزَمُ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإِمَامَهُمْ » . قُلْتُ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلاَ إِمَامٌ قَالَ « فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا ، وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ ، حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ ، وَأَنْتَ عَلَى ذَلِكَ » .
لقد توعد الله الظالمين ، وبينت السنة الصحيحة وجوب نصرة المظلوم ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما ) ومن حق المسلم على المسلم نصرته ، ولقد جاءت النصوص تمدح من يقف في وجه الظالم .
فعلى كل مسلم أن يصرخ في وجه الحاكم الظالم ، وينتقد تصرفاته ، ولا يخشى في الحق لومة لائم